في الشعر المغربي
المعاصر
صلاح بوسريف
ما يحكم تجربة
الشعر المعاصر في المغرب، هو التنوع والاختلاف. أجيال وتجارب تعاقبت، وما تزال،
على المشهد الشعري المعاصر، كل جيل حاول أن يطبع جزءا من هذا المشهد ببعض خصوصياته. لا أفترض في الخصوصية أن
تكون إبدالا، أو نوعا من القيمة المضافة. بل أؤكد على وجود كتابة تكرس قيما
مغايرة، أعني قيم التحديث، في مقابل التقليد، باعتبار التقليد عائقا في وجه
الإبدالات الكبرى، أو الأساسية بالأحرى، التي بدونها سيظل الشعر مجرد تكرار لصيغ
وأنماط وأشكال سائدة.
فإذا كان
جزء من الشعر المغربي المعاصر، بحكم تاريخ وجوده، ارتبط بسياقات غير شعرية، وظل في
مجمل نتاجاته، أو ما راكمه من كتابات أسير إكراهات إيديولوجية وفكرية واضحة، فإن
هذا النوع من الكتابات الشعرية خلال مرحلة الستينيات، وجزء كبير من عقد
السبعينيات، يعتبر، في تصورنا، أحد أشكال أو صيغ هذا التنوع الذي يمثل لحظات
التبدي الأولى لما يمكن أن أسميه هنا بحداثة القصيدة؛ حيث الشعر ظل، شكلا وموضوعا،
يحتفظ بكثير من تبديات القصيدة، لم يغادرها كليا بحثا عن أفق جديد لكتابة تغاير
أوضاع القصيدة، باعتبارها نمطا، أو تاريخا بالأحرى. لأن الشعر، كما يقول حازم
القرطاجني "لا يخلو أن يكون وصفا أو تشبيها أو حكمة أو تاريخا".
ولعل فيما
استخلصه أحمد المعداوي في أطروحته عن أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث[2]،
ما يكشف هذا النوع من الارتداد أو الجذب الذي ظلت القصيدة المعاصرة تعيشه، كأحد
أشكال التناقضات التي عطلت انطلاق الشعر صوب أشكال وتعبيرات مغايرة، لا تقنع بالقصيدة
كشكل قائم ونهائي. وهو ما عبر عنه قبله شكري عياد في دراسته ضمن كتاب فن الشعر
لأرسطو، مسميا الوضع بال "مأزق" الذي وضع فيه الشعراء والنقاد معا.
إن القصيدة
ستظل، باعتبارها تاريخا، هي الوجه الآخر، الذي سيفرض نموذجه على الحداثة الشعرية
إبان مرحلتي الخمسينيات والستينيات في العالم العربي، ومرحلتي الستينيات
والسبعينيات، أعني جزءا كبيرا من السبعينيات، في المغرب. وهو النموذج نفسه الذي
يرى إحسان عباس، أنه كان عائقا في وجه اختراق إكراهات القصيدة، أعني بناءها. فهو
يرى أن خروج أبي نواس ومن معه في العصر العباسي على القصيدة، هو خروج حدث في
الموضوع.. أي خروج من الأطلال إلى الحانة، وليس خروجا في الطريقة الفنية[3]،
أي في البناء.
في هذه
المرحلة، لم يكن الشعر هو المعيار الذي به تقابل قيمة التجربة وعمقها، ولم يكن
الأفق الجمالي للكتابة الشعرية، يفرض نفسه كضرورة بها يتميز الشعر عن غيره من
الخطابات الأخرى. بل كان الموضوع هو معيار هذه القيمة أعني المضمون. وهذا ما كرسته
الكتابات النقدية لهذه المرحلة، المصطلح المشترك لإدريس الناقوري ودرجة الوعي في
الكتابة لنجيب العوفي.
يقول إدريس
الناقوري عن قصيدة (الفروسية) للشاعر أحمد المجاطي[4]:
"وإذا
كانت (الفروسية) قد استعارت أدواتها الفنية من الموروث الشعبي الديني فاستبطنت
شكلا ومحتوى لعبة الفلكلور، فإن نجاحها فنيا لا يعود إلى هذه الاستعارة بقدرما
ينبع من صلب التجربة الحياتية: السياسية على الخصوص لطبقة بكاملها".
وعن قصيدة
(السقوط) يقول[5]:
".. إن
هذه القصيدة،… تزخر مثل سابقتيها (يقصد "الفروسية" و"خف
حنين") بكثير من الرموز والإيحاءات التي تجسد واقع السقوط والعفونة، وتتذرع
مثل أختيها كذلك بشتى الوسائل الفنية المستخدمة في الشعر الحديث".
إن النجاح الفني
للقصيدة لا يعود إلى استعارة الفلكلور أو الأسطورة، إذا وجدت في النص، وإنما تعود
إلى صلب التجربة السياسية. فالأدوات الفنية ما هي إلا ذريعة لتجسيد وإبراز البعد
الإيديولوجي أو الفكري في النص، وهذا هو جوهر قراءة الناقوري، ليس للشعر المغربي
فقط، بل للأدب المغربي المعاصر كاملا.
في نفس
السياق تسير قراءة نجيب العوفي، الذي يعلن منذ البداية، وهو بصدد إظهار فرق
القراءة والتصور بين درجة الصفر للكتابة لرولان بارت، ودرجة الوعي في الكتابة.
يقول العوفي[6]:
"إن
المجال الذي يتحرك فيه بارت مجال إبستمولوجي في الدرجة الأولى، في حين أن المجال
الذي أتحرك فيه مجال إيديولوجي في الدرجة الأولى".
فما هو
إيديولوجي، يطفو على السطح، ويبقى هو أساس كل قراءة رغم كل محاولات تبرير طبيعة
العلائق الجدلية القائمة بين ما هو فكري وما هو شعري في النص. فالقصيدة تظل في مثل
هذين التصورين للشعر "منشور ثوري مستمر لواقع الحال وواقع المثال" كما
يقول العوفي[7].
بالعودة إلى
النصوص الشعرية لهذه المرحلة، يتأكد لنا أن الذات، بالمعنى الذي أشرت إليه في كتاب
المغايرة والاختلاف في الشعر المغربي المعاصر كانت تتبدى هنا خجولة، أو مقموعة
بالأحرى. ثمة إكراهات كانت تؤجل ظهورها، تقصيها، وتجعلها تتنازل عن صوتها وعن
بعدها الأسطوري الذي سيرتبط في تجربة الحداثة الشعرية في مرحلة تالية، باعتبار
الذات مركز وجوهر هذه الحداثة.
ولعل اختيار
الأسطورة كقناع[8]،
هو أحد التعبيرات الدالة في الشعر العربي المعاصر، على الحاجة إلى وسيط لتعبر الذات
من خلاله إلى صوتها، ولتقول ذاتها كتعبير عن إدراك (مؤجل) لما للذات من أهمية في
اختبار مجاهيلها، ولاختراق أفق شعرية الأشياء، والتعبير عنها شعريا، لا بواسطة
عناصر، فيها يشترك الشعر مع غيره من الخطابات والأنواع الكتابية الأخرى.
فهل استطاعت
الأسطورة أن تكون بديلا عن الذات، أو بالأحرى، وسيطا أمينا لنقل تعبيراتها؟
في ظننا،
فالأسطورة في الشعر، استنفدت ذاتها، وارتبطت تاريخيا، بما سميناه بحداثة القصيدة.
وهذا ما جعلها تحتجب أو تتخذ تمظهرات جديدة في التجارب الشعرية الجديدة. أعني، في
مرحلة ما أسميه، هنا، بحداثة الكتابة.
في
الثمانينيات وما سيليها، سيتخذ النص الشعري وصفا مخالفا. للتاريخ دوره في تغيير
مجرى الأمور. ستختفي الإكراهات السابقة وسيصبح الشاعر عاريا، يقف في مواجهة ذاته،
وهي تختبر هشاشة العالم والأشياء، وتعيد في ضوء ذلك، تأمل أوضاعها.
لم تعد
النصوص، منذ هذا التاريخ، قصائد "مقاومة شعرية" كما يسميها الناقوري، أو
"منشورات ثورية" كما يسميها العوفي. فالشعري، في الكتابة، سيعلن عن
ذاته، متخذا أوضاع مركبة لا شيء يحل محله. نصوص مختلفة. بتصورات ورؤى مختلفة. ما
كان متخفيا، في تجربة شعراء القصيدة أو "المقاومة الشعرية" سيصبح أكثر
حضورا في تجربة الكتابة. من البساطة إلى التركيب؛ هذا هو الوضع الجديد الذي سيتخذه
النص الشعري، حتى لدى بعض شعراء الجيلين السابقين. وهذا ما سيدركه النقد وسينص
عليه صراحة. وأشير هنا، تحديدا، للكتاب الأخير لمحمد مفتاح المفاهيم معالم..، فهو
يؤكد على هذه التجربة، على ما سميناه في أكثر من مناسبة بـ"النص
المركب". وإذا كان محمد مفتاح يذهب بـ"النص المركب" أو ما يسميه
بـ"النصنصة"[9]
إلى تجربة ما بعد الحداثة، فأنا أميل إلى ما يسميه بعض المشتغلين في هذه النظرية
بـ"الحداثة المتأخرة". وهو ما يطبع اليوم تجربة الكتابة الشعرية في
المغرب وفي العالم العربي عامة.
لعل الجيل
الذي أنتمي إليه، أعاد تنسيب الأشياء. لا أنكر دور بعض مشائي الجيلين السابقين،
لكن أغلبهم انقطعوا عن مواكبة إبدالات الكتابة، رغم استمرارهم في الكتابة والنشر،
ما تزال القصيدة هي جوهر كتابتهم؛ ممارسة وتصورا. إن وضع "المغايرة
والاختلاف.." بكل ما يمثله هذا المفهوم الحداثي من تحولات عميقة، ومن جرأة في
الكتابة والتجريب، هو الوضع الذي سيطبع المشهد الشعري المعاصر في المغرب، خلال
العقدين الأخيرين وهو ما سيربك حسابات النقد، وسيجعله في أكثر الأحيان يترك مقاربة
هذه التجارب ملتجأ إلى ما قبلها، وهذا ما تكرسه عربيا الكتابات والدراسات التي ما
تزال تستعين بالسياب وأدونيس ومحمود درويش، وغيرهم ممن يمثلون شرعية شعرية أو
أداة شعرية، بالأحرى، قابلة للاختبار، ولفرز القوانين المبنينة لها. وفي هذا
الاتجاه كانت تسير دراسة محمد بنيس في الشعر العربي الحديث، بنياته وإبدالاتها،
وما تكرسه دراسة باحث مغربي آخر، حول شعرية الغموض عند البياتي.. وغيرها من
الدراسات التي ما زالت تتهيب من الاقتراب من شعريات المغايرة والاختلاف، من النص
المركب، أو النص البلوري المتعدد الأضلاع، لكون هذه الشعريات تخوض في قوانينها هي،
وتفتح النص على ممكنات شعرية لا حد لها. حتى المعايير أو القوانين التي هي من صلب
القصيدة، تصبح هنا، في سياق النص المركب، غير ما كانت عليه من قبل.
إن كتابات
ما بعد السبعينيات سترهن وجودها بالشرط الجمالي للكتابة. فالسياسي لم يعد شرط
الكتابة، أو الذريعة التي بها يكون النص شعرا أو لا يكون، فالسياسي، يقول سعدي
يوسف "صار أكثر اتصالا بالمعرفة منه بالسياسة كحركة يومية. وصار هذا المفهوم
المعرفي يقود النص ولكن من الداخل، أي الباطن.. ويمكن اعتباره نهرا خفيا يجري تحت
النص، وتتشبع منه جذور النص"[10]،
أي أنه صار أفقا لجمالية معارضة. وهو ما سيجعل من الذات "بنية معقدة
متشعبة" في تجربة لم يعد النص فيها، أو الشعر بالأحرى تعبيرا عن إحساس معزول،
بل إدراكا مركبا لمشكلات الوجود ومعضلاته، وتمثلا مأساويا لوجود أصبحت فيه الذات
عارية في مواجهة مضاعفاتها، بل كذات متشظية متكثرة ممتلئة بنقائضها، وقرائنها. ذات
مركبة.
فالذات هنا،
هي وحدة المختلفات، أو هي مركز هذه الوحدة والكثرة في ذات الآن.
وليست تلك
الذات المعزولة التي كانت، في ضوء الإكراهات الإيديولوجية لا تكون إلا بغيرها. أو
هي، بالأحرى، "موجود في آلة" كما يقول الفارابي، وليست موجودا في ذاته.
وإذا كنت قي
دراسة سابقة، كرستها كاملة لشعراء الثمانينيات في المغرب، قد وقفت عند هذا المكون
بالذات، واعتبرته جوهر تجربة هذا الجيل، فلأن شعرية النص، ظلت، فيما سبق تجربة هذا
الجيل مؤجلة، أولا تملك قدرة التعبير عن ذاتها، في مواجهة الوضع السائد آنذاك (وهو
ما سيجعل الناقوري مثلا يعلن في دراسته لتجربة عبد الكريم الطبال أن دراسته
"لم تلتفت.. إلى قصائد الشاعر الرومانسية الصرف")[11].
في تجربة
الجيل الذي أنتمي إليه، استشعر الشعراء ضرورة حرية اتخاذ القرار، والكتابة في أفق
شعريات أكثر قدرة على استيعاب شرطها الجمالي. فالحرية، كما أكدنا ذلك في (لسان
الواحد، بيان في نقد تكريس المعنى)[12]،
لها معنى التيه. وهي أيضا ترحل دائم، وهو ما يعطي انطباعا بالضياع، أو يدفع له
بالأحرى؛ لأن الضياع هنا لا يعني التلاشي أو الإمحاء. فالضياع إذن بالبدء، ولحظة
الهجوم الأولى على الأراضي المجهولة التي لا أثر فيها لعابر. وهذه البدئية هي
معادل تلك القدرات البدائية التي امتدحها كيركغور، والتي يتصف بها الفرد الذي لم
يصبه الفسادn
[i] - القصيدة
والنص المضاد في الأصل عنوان لكتاب د.عبد الله الغذامي صادر عن المركز الثقافي
العربي سنة 1994. لكن السياق النظري الذي نوظف في إطاره العنوان، يختلف كلية عن
السياق الذي يرد فيه لدى صاحبه، كما تؤكد ذلك المداخلة.
[2] - تعمل
أطروحة الدكتور أحمد المعداوي (الشاعر أحمد المجاطي) على إرجاع كل مظاهر التجديد
في الشعر العربي الحديث (والمقصود هنا، المعاصر تحديدا) إلى ظواهر سابقة عليه.
ونكتفي هنا بالإحالة فقط، على الفصل الأول المتعلق بالإيقاع. باعتبار هذا العنصر،
في التصور العام، هو العنصر الأساس المميز للشعر عن غيره.. يقول أحمد المعداوي:
"كان لا بد لنا قبل محاكمة هذه المرحلة أن نتخفف من هيمنة إطارها البنيوي وأن
ننظر إلى إنجازاتها الإيقاعية، في حجمها الطبيعي، عبر التحولات العروضية المحض،
وبعيدا عن التهويل النظري. وهذا ما قمنا به، بالفعل، فوجدنا أنفسنا أمام بنية
إيقاعية ذات عناصر محدودة من حيث الحجم وغير أصيلة من حيث الابتكار".
ويقف
في ذلك عند عشرة عناصر، يعتبرها أساس التجديد في الشعر العربي الحديث، أو هكذا
يعتبرها أصحابها بالأحرى:
1) السطر الشعري، يعود به
إلى مدرسة أبوللو، وإلى خليل شيبوب وعلي أحمد باكثير ومحمد فريد أبي حديد.. نافيا
ذلك عن نازك الملائكة.
3.2)
الجملة الشعرية القصيرة + الجملة الشعرية الطويلة، ويرى أن رائد هذا النوع من
الجمل هو أحمد باكثير، في ترجمته لمسرحية أخناتون ونفرتيتي.
4)
الجملة الاستغراقية، أو ما يطلق عليه التدوير، يعود المعداوي بهذا العنصر إلى
القرن الخامس الهجري، من خلال نموذج معزول يقدمه كمثال وكذلك إلى شعر البند في
العراق. ويرى أن هذا العنصر الإيقاعي ظهر في أوائل السبعينيات، وأن نضجه كان على
يد الشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر.
5)
القافبة، بأنواعها الثلاثة؛ المرسلة والمتتابعة والمركبة، فباستثناء هذه الأخيرة
التي يعتبرها المعداوي "هي أنجح أنواع التقفية في الشعر الحديث" فباقي
العناصر أو المكونات الأخرى يعود بها إما إلى علي أحمد باكثير في بعض ترجماته أو
إلى الرومانسية العربية أو شعراء البند.
6)
اختلاف الأضرب. يقول في هذا العنصر:
"فشعراء
الحداثة لم يفعلوا سوى ما فعل من سبقهم إلى تنويع القافية وإرسالها ومن ثم فقد كان
لا بد لهم أن يقعوا في تنويع الأضرب كما وقع فيه من سبقهم، أما ما زعموه من سبق في
هذا الموضوع فليس بوارد كما بينا".
7)
المزج بين البحور، يرى أن "مسألة المزج بين البحور مسألة قديمة وأن الشاعر
الحديث لم يأت فيها بجديد إذا نحن استثنينا النزعة المكشوفة إلى التجريب، وهي نزعة
تنطوي على إحساس بالغ القصور".
8)
البحور المركبة، وهي أيضا، في نظره "تكرار لمحاولات سبق أن قام بها دعاة
الشعر المرسل" ويعود بها، في أغلب الأحيان إلى النماذج المسرحية المترجمة
لمحمد فريد أبي حديد أو إلى باكثير.
9)
ظاهرة الإبدال (فاعلن/علن فا)، وهي ظاهرة لا أساس لها من الصحة.
10)
فاعل في حشو الخبب، وهو النموذج الذي لم يقع له على مثال أو مقابل في إنجازات
الشعراء السابقين على حركة التحديث في الشعر الحديث، ويرى أن هذه الحقيقة لن تغير
شيئا مما يقرره الباحث، أي محدودية البنية الإيقاعية في الحجم وعدم أصالتها في
الابتكار.
والنتيجة
التي يصل إليها المعداوي في هذا الفصل، أي "بعد كشف الغطاء" كما يقول،
هي أن هذه البنية هي "بنية إيقاعية تعاني من أزمة ذاتية.. وأزمة عضوية انعكست
عليها من أزمة يعاني منها الشعر العربي الحديث نفسه" وأن شعراء الحداثة لم
يضيفوا إلى البنية الإيقاعية "سوى أنهم استبدلوا بالتغطية البنيوية تغطية
سريالية دادائية".
فما
يدعيه شعراء الحداثة والحركة النقدية المواكبة لهم من ثورة، في هذا الإطار،
"قد وصلت إلى الأفق المسدود، الأمر الذي يؤكد أن البحث في حداثة الإيقاع
مرتبط ارتباطا جدليا بالبحث في الحداثة الشعرية بصفة عامة".
وإذا
كنا في مداخلتنا أكدنا على الخلفية الارتدادية للشعر المعاصر، فيما سميناه. بحداثة
القصيدة، في مرحلة أساسية من تاريخ الشعر المعاصر تمتد إلى حدود النصف الأول من
السبعينيات تقريبا، فإن ما تستخلصه أطروحة الدكتور أحمد المعداوي يعتبر من زاوية
التأويل المختلف لخلفيات الباحث، بالاعتماد فقط على المعطيات التي يؤكدها، توكيدا
صريحا لحضور القصيدة في الشعر العربي المعاصر، بما تمثله من مكونات ترتبط في عمقها
بالقصيدة العربية القديمة والتقليدية فهما وتصورا.
أما
فيما يتعلق بالنفي القطعي للابتكار والأصالة عن حركة التحديث في الشعر، فالخلل في
تصورنا يقع في اعتماد الباحث إما على ظواهر فردية معزولة، كما في نسبة التدوين إلى
نموذج مأخوذ من القرن الخامس الهجري أو إلى ظواهر شعرية غير فاعلة في الحركة
الشعرية، كشعر البند. وإما بالاعتماد على المترجمات المسرحية التي لا ترتبط في
جوهرها بسياق الإبداع الشعري لما تفرضه على المترجم من سعي دؤوب لتقريب النص
عروضيا من التعبيرات الإيقاعية العربية، وهو ما يفرض عليه إجازة أو استعمال كل
الجوازات الممكنة في العروض والقافية معا.
[3] - يوسف
حسين بكار، بناء القصيدة في النقد العربي القديم (في ضوء النقد الحديث)،
دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الثانية 1982، ص36.
[4] - المصطلح
المشترك، دراسات في الأدب المغربي المعاصر، دار النشر المغربي،ط3، 1980، ص251.
[5] - نفس
المرجع، ص258.
[6] - درجة
الوعي في الكتابة، دار النشر المغربي، ط1، 1979، ص26.
[7] - نفس
المرجع، ص165.
[8] - للتمييز
بين الأسطوري والأسطورة، يمكن العودة إلى كتاب المغايرة والاختلاف في الشعر
المغربي المعاصر، دار الثقافة، ط1، 1998، الفصل الثاني بشكل خاص.
[9] - المفاهيم
معالم نحو تأويل واقعي، المركز الثقافي العربي، ط1، 1999، ص177-178.
[10] - المغايرة
والاختلاف، م.سابق، ص52.
[11] - المصطلح
المشترك، م.س، ص288.
[12] - المغايرة
والاختلاف، م.س، ص118-119.