ص1       الفهرس      31-40المحور 

 

من التواصل إلى التواصل الشعبي

يوسف آيت همو

 

توطئة:

تندرج هذه الورقة في إطار بحث عام يشمل دراسة ميدانية (وصف وتصنيف) لمجالات وقضايا التواصل اليومي الشعبي، ويهدف على وجه الخصوص إلى بناء بنك للمعلومات والمعطيات الخاصة بكل أنواع وأصناف التواصل العفوي اليومي المتداول في الفضاءات الشعبية المغربية. وتكمن أهمية هذا البحث في النقاط التالية:

1 ـ محاولة الحفاظ على الموروث الثقافي الشعبي بوسائل علمية حديثة وجد متطورة وذلك قصد مواجهة العولمة السلبية وآليات التنميط الفكري.

2 ـ ترجمة الموروث الثقافي الشعبي إلى لغة العصر، لغة المجال السمعي البصري والمجالات الرقمية (الأنترنيت، الأقراص المدمجة، الحقائق المفترضة…)

3 ـ اقتراح مفهوم التواصل الشعبي في مقابل مفهومي "الثقافة الشعبية" و"الموروث الثقافي" اللذين أصبحا فارغين من كل محتوى إجرائي وعلمي ومن كل مردودية معرفية جادة.

4 ـ البحث عن التوازن الطبيعي للتواصل وعن ما يمكن الاصطلاح عليه بالإيكولوجيا التواصلية البعيدة عن كل تلوث تكنولوجي وجماهيري.

وسوف نلامس في إطار هذه الورقة القضايا التالية:

1 ـ مفهوم التواصل كبنية وظيفية

2 ـ تاريخ وأنواع التواصل

3 ـ التواصل الشعبي: الخصائص الأساسية

4 ـ منهجية البحث في التواصل الشعبي.

1 ـ التواصل: بنية وظيفية

شهد مفهوم التواصل ونظرية التواصل تطورا ملحوظا وملفتا للانتباه، منذ بداية الحرب العالمية الثانية. فتعددت الكتابات والأبحاث، وتطورت التقنيات والوسائل التواصلية وتعمقت أشكال التحليل وتشابكت المعارف المهتمة بالتواصل وباللغة.

وهنا لا بد من التأكيد على أن التواصل هو موضوع لمجموعة من العلوم المختلفة مثل الأنتروبولوجيا وعلم الاجتماع وعلم النفس واللسانيات والسميولوجيا والاقتصاد وعلوم الحقوق والسيبرنطيقا..

ومن ثمة نلاحظ بأن التعاريف والنماذج التي تحاول مقاربة المفهوم قد تعدت واختلفت على مستويين اثنين:(1) ماهية التواصل ووظائفه(2) ومشروعية البحث حول قضاياه.

وهنا لا بد من أن أقترح تعريفا إجرائيا وغير نهائي لهذا المفهوم يحاول رصد القاسم المشترك بين كل هذه العلوم والأبحاث. فالتواصل إذن هو بنية ديناميكية ووظيفية تستلزم نية التفاعل والإرسال ونية الاستقبال من خلال استعمال رموز وقوانين تم الاصطلاح عليها من قبل.

فالتواصل كبنية يستلزم مجموعة من المكونات ومن العلاقات الثابتة. وتوضح الخطاطة التالية هذه المكونات وهذه العلاقات:

سياق مشترك

 

مرسل -<  منجز -<  رسالة/خطاب -<   مستقبل -<   مرسل إليه

                ترجمة      إرسال                     إرسال           ترجمة

 


                                                قناة

 


                                                شيفرة

 


                                             تشويش

                                                                استرجاع

 

فالمرسل هو صاحب نية التواصل والمسؤول الفكري والقانوني عن إنتاج وإرسال الخطاب وعن نجاح أو فشل عملية التواصل. أما المنجز فهو كل جهاز مادي لا نية له يقوم بترجمة أفكار المرسل إلى خطاب محسوس وبإرسال هذا الأخير إلى المستقبل وفق مقتضيات التفاعل وشروط مادية معينة مرتبطة بالمكان وبالزمان.

ويمكن اعتبار المستقبل كجهاز مادي لا نية له يقوم بالتقاط الخطاب وبترجمته إلى أفكار يستوعبها المرسل إليه الذي يمكن تحديده كما يلي؛ فهو صاحب نية الاستقبال وفهم الرسالة والمسؤول عن الاستيعاب الجيد وعن الإجابة عنها وعن نجاح أو فشل عملية التواصل.

ويكمن عمق التواصل بين المرسل والمرسل إليه من المعرفة والمواقف والأحاسيس والقيم والتجارب والثقافات والاهتمامات والطموحات الخاصة بكل واحد منهما والمشتركة. ومن المؤكد أن كل عنصر من هذه العناصر الأربعة هو إما فرد واحد أو مجموعة أفراد أو مؤسسات أو شريحة اجتماعية أو مهنية.

وتوضح الخطاطة التالية بعض الأمثلة التي تشملها عناصر التواصل الأساسية:

مرسل --< منجز --< رسالة --< خطاب.

 

 

تواصل شفوي

تواصل إعلاني

تواصل سياسي

تواصل روحي-ديني

مرسل

      دماغ

بشري(عقل)

     معلن

فاعل اقتصادي

    حزب أو

شخصية سياسية

الله

منجز

أعضاء النطق مخارج الحروف

وكالة الإشهار

صحافة حزبية صحافة مستقلة

الرسول

مستقبل

أعضاء الاستماع الأذنين

مشاهد  تلفزي مستمع إذاعي قارئ الصحف

مشاهد، مستمع، قارئ

الإنسان

مرسل إليه

دماغ بشري (عقل)

 مستهلك

مواطن

الإنسان

 

ويؤكد هذا النموذج أن التواصل مفهوم عام مجرد يشمل عددا كبيرا من المظاهر التواصلية الفردية أو الاجتماعية.

ويمكن اعتبار الرسالة الخطاب كمجموعة من المعلومات المستقرة حسب قواعد وقوانين متفق عليها. وهذه الرسالة هي كذلك البعد المادي المحسوس من الأفكار التي يرسلها المرسل. كما أنها تحيل على السياق العام المشترك بين المرسل والمرسل إليه. أما القنوات الحاملة للرسالة فهي متنوعة حسب الوسائل المستعملة: فالنور قناة التواصل البصري، أما الهواء فهو قناة التواصل اللغوي الشفوي، أما الكهرباء والكيمياء فهما قنوات التواصل الآلي. ويمكن الجزم بأنه لا تتم عملية التواصل بدون تشويش وتشويه للرسالة. ويكون هذا التشويش إما قصديا أو غير قصدي. كما أنه ينبع من كل العناصر المكونة للتواصل (المرسل، المنجز، القناة…). ولكي يتم تجاوز التشويش لا بد من إعادة أو تكرار الخطاب أو أحد أجزائه الدلالية أو التقليص من عدد المعلومات أو تنويع القنوات أو المنجزين.

وفي استطاعة المرسل تقييم مدى أثر خطابه على المرسل إليه من خلال عمليه الاسترجاع ومن خلال تحليل ردود الفعل العفوية لدى المرسل إليه. وهنا، يجب التأكيد على شيء مهم جدا وهو أن بنية التواصل يمكن اختزالها في ثلاثة عناصر:

1 ـ عنصر خاص بالمسؤولين الفكريين والقانونين عن إنجاز واستقبال الرسالة وعن مدى أثر الرسالة. ويشمل هذا العنصر كل من المرسل والمرسل إليه والاسترجاع.

2 ـ عنصر خاص بالمعرفة وبنقلها ويشمل السياق والتشويش والمنجز والمستقبل.

3 ـ عنصر خاص بالرسالة والقناة والشيفرة.

ردود الفعل العفوية لدى المرسل إليه:

وحسب الدراسات العلمية الحديثة على الدماغ البشري، من المؤكد أن عملية إنجاز التواصل لا تتم دون قدرة وملكة ذهنية خاصة كامنة بحيز معين (حيز بروكا وحيز زويكي مثلا…), فالدماغ البشري، الذي هو عبارة عن تفاعلات كيميائية وكهربائية، يتكون من خلايا مختصة بإدارة الرموز اللغوية وغير اللغوية قصد التفاعل وتبادل التجارب والمعلومات.

ونستطيع التمييز في هذا الصدد بين مستويين من التواصل:

1 ـ مستوى عميق مجرد تحكمه قوانين منطقية ورياضية وقواعد سيكولوجية وقوانين دلالية عامة.

2 ـ مستوى سطحي مادي محسوس تحكمه قوانين فيزيائية مرتبطة بالمكان والزمان.

وإذا ما عممنا النظرية التوليدية على نظرية التواصل يمكن القول بأن المرور من مستوى لآخر يتم دوما عبر مجموعة من القواعد التحويلية.

ويوضح النموذج التالي عملية التواصل بهذا المفهوم.

                                                                                           

                                                                                               محتوى             قواعد وقوانين تواصلية عامة

                                               

 

 


                                                                                        قواعد           قواعد

                                                                                    لغوية                      غير لغوية

 

 


                             قواعد تحويلية

 


                            

                              إنجاز تواصلي

                                     محسوس

 

وهنا يجب التأكيد على أمر هام وهو أن بنية التواصل يمكن اختزالها في ثلاثة عناصر:

1-عنصر خاص بالمسؤولين الفكريين والقانونيين عن إنجاز واستقبال الرسالة وعن مدة أثر الرسالة. ويشمل هذا العنصر كلا من المرسل والمرسل إليه والاسترجاع.

2-عنصر خاص بالمعرفة وبثقلها، ويشمل السياق، التشويش، المنجز والمستقبل.

3-عنصر خاص بالرسالة والقناة والشفرة.

يمكن التأكيد اليوم على أن هناك مبادئ عامة تحكم التواصل بكل أنواعه وأن هناك قواعد خاصة بالمجال اللغوي وأخرى خاصة بكل مجالات التواصل غير اللغوي. ويمكن للفرد إما التواصل عبر جميع هذه المجالات إن استطاع أو عبر واحدة منها.

ومن الجدير بالذكر هو أن التواصل عبارة عن شبكة متعددة المكونات وكل هذه المكونات تبقى في علاقات تفاعلية مع بعضها البعض.

 

وظائف التواصل:

وفيما يخص وظائف التواصل، فهي تنقسم إلى ثلاثة أصناف:

1 ـ وظائف معرفية ومرجعية تهتم بكل ما له علاقة بمحتوى الخطاب كالإخبار والإحالة على الواقع المشترك والتقليل من التشويش.

2 ـ وظائف تداولية تهتم بالمرسل (التعبير عن الذات) وبالمرسل إليه (التأثير على المرسل إليه) وبخصائص الاسترجاع.

3 ـ وظائف صورية (شكلية) تهتم بشكل الرسالة وبفعالية القناة وبصلاحية الشيفرة.

فخلافا لياكوبسون الذي يصنف وظائف اللغة إلى ستة أصناف، يمكن اقتراح تصنيفا ثلاثي الأبعاد كما هو الشأن بالنسبة لمكونات التواصل:

                                                           وظائف معرفية

 

 


                                       وظائف تداولية                  وظائف شكلية

 

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن كل هذه الوظائف متواجدة بكل الرسالات كيفما كان شكلها ونوعها. فكل رسالة تحتوي على وظائف تداولية ومعرفية وشكلية. ويكمن الفرق بين رسالة وأخرى في مدى قوة حضور كل وظيفة وحسب نية وأغراض التواصل وظروف نجاح العملية. فالخطاب الإشهاري والدعائي تهيمن فيه الوظيفة التداولية التأثيرية. أما الخطاب العلمي فهو مرتكز على الوظائف المعرفية. أما المعاجم فتهتم بالوظيفة الشكلية للشيفرة أو الرسالة..

وفيما يخص نجاح أو فشل التواصل، يمكن التأكيد على أن هاتين الخاصيتين تكون إما قصدية أو غير قصدية. ففي بعض الحالات يكون قصد المشاركين في التواصل هو إنجاحه ولكن يتحقق العكس وقت الإنجاز. وفي حالات أخرى يتم العكس تماما.

ويرجع ذلك لكون سيرورة التواصل محكومة بضوابط وشروط تفوق بعض الأحيان نية الإرسال ونية الاستقبال. وهذه الشروط، يمكن الاصطلاح على تسميتها بالمصفات أو شبكات الاختيار. حيث إنه تبقى الرسالة وإرسالها واستقبالها رهينة بأنواع المصفات. وهذه الأخيرة تنقسم إلى أربعة أنواع:

1 ـ مصفاة فيزيائية متعلقة بكل الظروف الفيزيائية والمادية كعمليتي الإرسال والاستقبال والقدرة على المشاهدة البصرية والقراءة والاستماع والقدرة على النطق وعلى الحركات.. فنحن نعطي ونأخذ الرسائل التي يسمح لنا بها جسدنا وعمرنا وآلاتنا التكنولوجية. فمدى التواصل عبر الزمان والمكان رهين بكل الأدوات المستعملة (جسد أو إكسوسوارات الجسد) حيث إن الوسيط يؤثر بشكل كبير في فهم وفي إنجاز الرسائل.

2 ـ مصفاة ثقافية وهي مرتبطة بمحيطنا الديني والثقافي وبالتربية التي استفدنا منها وبالعادات والتقاليد الاجتماعية وبقيمنا الروحية.فكل منا ينسج أو يستوعب الرسائل حسب مجموعة من القناعات والمواقف النفسية والاجتماعية والعقائدية.

ويجب الإشارة هنا إلى أن كل هذه القناعات تساهم إما في الفهم الجيد أو في الفهم الخاطئ المنحرف للرسالة.

3 ـ مصفاة ذهنية وهي متعلقة بقدرتنا الذهنية والفكرية على إنتاج واستيعاب بعض الرسائل وذلك من خلال مستوانا الثقافي وتجربتنا اليومية ومدى تفاعلنا مع الآخرين.

4 ـ مصفاة نفسية مرتبطة بمدى تعاطفنا مع محتوى الرسالة أو مع مرسلها أو مع مستقبلها. فمواقفنا النفسية اتجاه قضية ما تتحكم في كل الخطابات والتفاعلات الرمزية التي نشارك فيها. وعملية الإسقاط النفسي والثقافي تشوش في بعض الأحيان على الرسالة الفعلية.

ويمكن التأكيد على أنه هناك حالات مختلفة حسب عدد المصفاة المستعملة في عملية التواصل: فقد تتراكم المصفات في العملية الواحدة وتساهم سلبا أو إيجابا في إنجاز وفي فهم الرسالة. وقد تساهم مصفاة واحدة في هذه العملية. إن قيمة التواصل رهينة بمدى مساهمة المصفات في الفهم الجيد لمحتوى الرسائل المتبادلة وفي فعالية عملية التأثير المتبادل وفي التقليص من الإبهام.

ولكل هذه الاعتبارات، يمكن التأكيد على أن المصفاة عنصر من عناصر التواصل لا يمكن الاستغناء عنه في كل نظرية خاصة بالتواصل.

وهنا نقترح الخطاطة المعدلة التالية:

 

                                                            السياق، التشويش

                                                      المنجز، المستقبل، المصفاة

       

 

 

                                     المرسل – المرسل إليه                 الرسالة، القناة

                             استرجاع                                                   الشفرة

 

وخلاصة القول، إن التواصل بنية مكونة من عناصر عامة هي المرسل، المنجز، الرسالة/الخطاب، المستقبل، المرسل إليه، السياق، القناة، الشفرة، التشويش، الاسترجاع، المصفاة.

والعلاقات الممكنة بين هذه العناصر هي:

1 ـ التقابل: مرسل/مرسل إليه، منجز/مستقبل

2 ـ الأسبقية: المرسل سابق عن المنجز، المستقبل يسبق المرسل إليه..

3 ـ التراتبية: المرسل والمرسل إليه أعلى مرتبة من المنجز والمستقبل..

4 ـ الرمز -< يشير إلى الأسبقية والتتابع الخطي

5 ـ الرمز -< يشير إلى التواجد في نفس الوقت ونفس المكان.

ولا يمكن ضبط هذه البنية وعلاقاتها إلا من خلال دراسة معمقة لكل عناصرها ومكوناتها وعلاقاتها الداخلية، والتواصل عملية جد معقدة وفي سيرورة دائمة ومستمرة.

2 ـ تاريخ وأنواع التواصل:

تواكب قضايا وأزمات التواصل الإنسان منذ نشأة المجتمع ويعيش الفرد تعقيدات وخصائص التواصل منذ الولادة. فالحياة هي التواصل والتواصل هو الحياة.

ويمكن التمييز بين التواصل والوعي بالتواصل. فالتواصل خاصية طبيعية ترافق البشرية منذ البداية وهو عملية آلية وضرورة بيلوجية. أما الوعي به فهو خاصية ثقافية مجردة مرتبطة بتطور الفكر الفلسفي والنقدي حول حدود التواصل في الزمان وفي المكان. وهذا الوعي هو الذي ساهم بالدرجة الأولى في تطور تقنيات ونماذج التواصل. فبفضله اخترع الإنسان التواصل الشفوي عبر الأصوات وطور التواصل عبر الجسد وعبر أدوات طبيعية. ولعل أن أهم الحوافز على تطور التواصل تكمن في البحث عن ذاكرة مثالية تحفظ كل المعلومات لمدة أطول، وعن التفاعل مع أكبر عدد من الأشخاص وعن التعبير بطريقة أقل إبهاما وأكثر وضوحا.

ومن ثمة يمكن القول بأن تاريخ التواصل متعدد ومختلف حيث أن هناك تاريخ مضامين التواصل، وهناك تاريخ مجالاته، وتاريخ المساهمين فيه وتاريخ أنواعه..

وهنا سوف نركز الاهتمام حول تاريخ الوسيط التواصلي. وفي هذا الشأن نلاحظ بأن هناك أربع مراحل مر منها التواصل البشري وهي:

1 ـ تواصل جسدي شخصي يرتكز على استعمال الجسد كوسيط للتفاعل وتبادل الرموز والأفكار. وعرفت هذه المرحلة تطوير التواصل بالإيماء وبالأصوات وبالشم وبالذوق وباللمس ثم باللغة.

وهو أقدم تواصل عرفته البشرية، كما أنه تواصل كوني تعرفه كل الشعوب منذ البداية. وينشأ الطفل بداخله ومن خلاله.

2 ـ تواصل بالرموز المكتوبة وهو خاص بنخبة داخل المجتمعات التي تمتلك أدوات الإنتاج وآليات الكتابة والقراءة. وهذه النخبة إما دينية، أو سياسية أو اقتصادية أو علمية أو كل هذه الخصائص مجتمعة.

وتمتد هذه المرحلة منذ ظهور الإرهاصات الأولية للكتابة، هذه التكنولوجيا المتطورة التي تسمح بحفظ الذاكرة عبر الزمان في ركائز مادية (ورق، حجر، جلد..) وبنقل المعلومات من فضاء لآخر. ولقد مرت الكتابة عبر مراحل ثلاث: مرحلة الرسومات البدائية، مرحلة كتابة الأفكار (الخط الصيني مثلا) ومرحلة الحروف الهجائية.

3 ـ تواصل جماهيري يسمح للنخبة بالتواصل وبإخبار شرائح عريضة من المجتمع وذلك من خلال الحرف والصوت والصورة. فبفضل اختراع الطباعة وآلات التواصل الجماهيري السمعي البصري (مذياع، تلفاز، سينما، فيديو…) تحولت عملية التواصل البشري وأصبحت أكثر سرعة وأكثر فعالية وذات حيز واسع. بل أصبحت أكثر من ذلك، فهي اليوم سلاح فتاك يستغل في الحروب الباردة والساخنة قصد الإخبار والتعتيم وتوجيه الآراء والاستحواذ على الأفكار والأحاسيس والتنميط والعولمة. إن سلطة القرن 21 هي سلطة وسائط الأخبار والإعلام الجماهري.

4 ـ تواصل رقمي يرتكز على استغلال الأنترنيت والأقراص المدمجة والحقائق الافتراضية قصد التفاعل بين الأفراد وقصد توجيه الآراء والتحكم في الجماهير.

إن هذا النوع الأخير هو في الأصل تركيب للأنواع الثلاثة السابقة: فهو يمزج بين التواصل الجسدي حيث أن الفرد يحقق تواصلا مع فرد آخر موجود بمكان آخر وأن أغلب الوسائل المستعملة في هذا الإطار تبقى مرتبطة بالأصوات وبالكتابة وبالصور. ومن الملاحظ أن كل فرد، خاصة في المجتمعات المتقدمة، بإمكانه التواصل والتفاعل اليوم من خلال هذه الوسائط الأربعة، بل إنه مجبر على استغلال كل هذه الوسائط إذا ما قصد التحصيل والمعرفة والتربية الذاتية والتبادل الرمزي. وهذا يعني أن هذه المراحل ليست في علاقة تنافرية بل يمكنها أن تتعايش وتتكامل.

ومن الملاحظ كذلك أن تطور وسائط التواصل هو عبارة عن تطور المجتمعات البشرية وتعقد العلاقات بين الأفراد وتداخل المجموعات وعن الرغبة في تجاوز نقائص الجسد وتفادي ضعف الذاكرة الإنسانية والبحث عن السرعة والشمولية. ولعل من الضروري التأكيد هنا على أن تطور المجتمعات يشمل التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي. فاختراع السينما مثلا يوازي تطور تقنيات التصوير والفكر الليبرالي والاستعماري والرغبة في اكتشاف العالم دون تجاوز الحدود وتطور وسائل الترفيه الجماهيري. أما المذياع فيواكب تطوره وتعميمه الحرب العالمية الثانية. أما الأنترنيت اليوم فهو نتيجة للعولمة الاقتصادية والثقافية الأمريكية كما أنه فاعل في التبادلات التجارية والعلمية والإيديولوجية.

وفيما يخص أنواع التواصل، يمكن تصنيفها كالتالي:

1 ـ هناك التواصل اللساني، اللغوي، الشفوي الذي يرتكز على استعمال القدرة اللسانية المتواجدة بالدماغ وعلى أجهزة النطق الشفوي.

وتهتم اللسانيات الحديثة (صوتيات، علم المعجم، علم الدلالة، علم التركيب…) بكل الخصائص والتشكلات المرتبطة بهذا المجال.

2 ـ هناك التواصل الرمزي غير اللساني وهو يشمل كل أنساق التواصل غير اللغوي التي هي: التواصل البصري (الإيماء، التموضع في الفضاء، اللباس، الرقص، الصور، المعمار، الماكياج…)، التواصل السمعي (الموسيقي، الضجيج، الأصوات غير اللغوية…)، التواصل الشمي عبر استغلال الروائح الطبيعية والعطور الاصطناعية، التواصل الذوقي (الملح، السكر، النيء/المطهي، أشكال الأطعمة، طقوس الأكل..)، التواصل اللمسي مثل طقوس التحية والطلب وطقوس العنف.

3 ـ التواصل التكنولوجي وهو يرتكز على استعمال التكنولوجيا لأغراض تواصلية وتفاعلية (المذياع، الهاتف، الأنترنيت، السينما…)

4 ـ التواصل عبر الأشياء والأدوات اليومية التي بالإضافة لدورها النفعي العادي تضاف إليها وظائف رمزية وتواصلية.

5 ـ التواصل مع الحيوانات حيث أن الإنسان طور لغة خاصة بالتخاطب مع الحيوانات الداجنة (قط، لب، دجاج…) وبالموازاة مع هذه الأصناف التواصلية، يمكن اقتراح تصنيف آخر مبني على الخصائص العلائقية والبنيوية. وفي هذا الصدد، نجد:

أ ـ التواصل الخاص في مقابل التواصل العمومي (الرسالة الشخصية في مقابل الخطاب التلفزي)

ب ـ التواصل الأحادي الجانب (التلفزة، الصحافة…) في مقابل التواصل الثنائي الجانب (التخاطب بين شخصين)

ج ـ التواصل العمودي (بين أفراد على مستويات اجتماعية أو مهنية متفاوتة) في مقابل التواصل الأفقي (بين أفراد على نفس المستوى الاجتماعي أو المهني).

د ـ التواصل بيثقافي في مقابل التواصل بداخل ثقافة واحدة

هـ ـ التواصل عبر أنساق رمزية مختلفة في مقابل التواصل عبر نسق رمزي واحد.

و ـ التواصل الشعبي في مقابل التواصل العالم

ي ـ التواصل الديني في مقابل التواصل العلماني..

ومن الملاحظات الهامة هنا يمكن القول بأن فضاءات ومدة التواصل تختلف حسب الأنواع والوظائف التواصلية. فقاعة العرض السينمائي مثلا هي فضاء خاص بالتواصل العمومي الأحادي الجانب، المتعدد الأنساق والعمودي.. أما المنزل فهو فضاء للتواصل الشخصي الخاص والثنائي الجانب.

وكخلاصة عامة يمكن القول بأن لكل نوع من التواصل طقوسه ومراسيمه وأغراضه وأن تاريخ التواصل هو بالأساس تاريخ معقد ومتعدد الأبعاد وبأن التفاعلات الاجتماعية والبشرية هي الفاعل الرئيسي في تطور الوسائط التواصلية.

3 ـ التواصل الشعبي:

تعددت المقاربات والأبحاث التي تجعل من "مفهوم الثقافة الشعبية" موضوعا أساسيا ومحور التفاعلات البشرية داخل المجتمعات. فهناك المقاربة الأدبية التي تختزل الثقافة الشعبية فيما اصطلح عليه بـ"الأدب الشعبي" أو "الأدب الشفوي". وهناك المقاربة التاريخية التي ترصد المواقف الشعبية تجاه الأحداث التاريخية والسياسية. وهناك المقاربة الأنتروبولوجية والإتنوغرافية التي تسعى إلى وصف الثقافة كتعبير عن عقلية بشرية معينة. وهناك كذلك مقاربات جغرافية ونفسية وعلمية وتربوية… وتعدد المقاربات دليل على تنوع مادة الثقافة الشعبية وتشعبها وتعقدها.

والثقافة الشعبية هي ذلك الموروث الثقافي الذي ترثه الأجيال اللاحقة عن الأجيال السابقة على شكل مادي أو روحي رمزي. وهي ثقافة حية متداولة يوميا غير خاضعة لقوانين وقواعد مكتوبة أو مدونة وهي أخيرا عفوية وشفوية وعادية.

ولكن أهم تعريف للثقافة الشعبية يكمن في افتراض أنها ثقافة مرتكزة على محورية الجسد البشري. فهي ثقافة الجسد كوسيط للتبادل الرمزي والفكري وبالتالي فهي تتحدد من خلال كونها مقابلا لثقافة النخبة العالمة والثقافات الإعلامية والمعلوماتية.

ومن المؤكد أن كل هذه المقاربات والتعريفات قد أغنت مفهوم الثقافة الشعبية وطورت مجالها. ولكن لا بد من الإشارة إلى أن جل هذه المقاربات تبقى ذات مردودية وفعالية علمية محدودة ولم ترق إلى الوصف الدقيق والمتأني والتحليل العلمي المنهجي. ويبقى البعد الانطباعي والمعياري هو أهم خاصية تميز جل هذه الأبحاث. بالإضافة إلى ذلك هناك تداخل البحث العلمي المحض بالأبعاد الإيديولوجية والسياسية إلى درجة أن الثقافة الشعبية كانت في عدد كبير من الأحيان مطية وفرصة لإنتاج خطاب سياسي شعبوي خال من الموضوعية العلمية، ولعل إهمال البعد التواصلي في الثقافة الشعبية هو خير دليل على الانطباعية والواقعية الساذجة التي طبعت هذا النوع من الأبحاث.

لكل هذه الاعتبارات نرى بأنه من الضروري اقتراح مصطلح ومفهوم أكثر وضوحا وأكثر مردودية هو مفهوم "التواصل الشعبي". ويحيل هذا المفهوم على كل الظواهر التواصلية التي تنبني على نية التبادل الرمزي في إطار فضاءات شعبية وانطلاقا من التصور الشعبي لعملية التواصل وللطبيعة وللمعرفة.

وتكمن أهمية هذا المفهوم في النقاط التالية:

1 ـ يستفيد مفهوم التواصل الشعبي من نتائج نظرية التواصل ومن مناهج وأنساق مفاهيمية بارزة. في علوم اللسانيات والتحليل النفسي والتحليل الاجتماعي.

2 ـ يوجه الانتباه نحو كل ما له علاقة بالتواصل بدل التبعثر في متاهات ما يسمى بالثقافة الشعبية

3 ـ لا يهتم هذا المجال بكل ما هو فولكلور

4 ـ إن التواصل هو أساس المجتمعات وركيزة الحياة الاجتماعية وهو بالتالي يستحق الدراسة العلمية والمتأنية والنفعية.

5 ـ ويسمح مفهوم التواصل الشعبي برصد كل الرموز اللغوية وغير اللغوية وتصنيفها وتحليلها علميا

6 ـ وما يميز هذا المفهوم هو ابتعاده عن كل ما هو إرهاصات إيديولوجية وسفسطة وانطباعية واقترابه من الرياضيات والمنطق. إن الظواهر الشعبية في حاجة إلى دراسات رياضية ومنطقية وسيميولوجية تسمح بتصنيفها بطريقة جيدة قبل الشروع في أي مغامرة تفسيرية أو تأويلية.

7 ـ إنه مفهوم واقعي وموضوعي. كما أنه يسمح بدراسة الظواهر التواصلية كمادة علمية محسوسة يمكن قياسها رغم تداخلها مع الأبعاد الروحية والرمزية.

8 ـ لقد أكدت اللسانيات والسيميولوجيا فعاليتهما في دراسة الظواهر التواصلية البشرية، ويبقى التساؤل: فلماذا لا توظف هذه الدراسات والمناهج لصالح التواصل الشعبي؟

9 ـ يجمع المفهوم بين مفهومين متناقضين ظاهريا، التواصل الذي هو خاصية بشرية والشعبي هو ظاهرة محلية واجتماعية.

لكل هذه الاعتبارات يمكن اعتبار مفهوم التواصل الشعبي أداة علمية أكثر موضوعية وأكثر فعالية في دراسة أنماط التبادل الرمزي بداخل المجتمعات وبداخل الشرائح الاجتماعية.

4 ـ خصائص التواصل الشعبي:

إن أهم المميزات التي ينفرد بها التواصل الشعبي عن غيره من أنماط التواصل هي كالتالي:

1 ـ ينبني التواصل الشعبي على محورية الجسد كوسيط. وأهم الأنساق المرتبطة بالجسد نجد:

ـ أنساق لغوية تشكل موضوعا للسانيات والسوسيولسانيات والتداوليات (نكت، أمثال، حكايات، أناشيد)

ـ أنساق غير لغوية بصرية مثل الإيماء، الرقص، الحناء، اللباس، التموضع في الفضاء، فنون شعبية،

ـ أنساق غير لغوية سمعية مثل الموسيقى، المحاكاة الصوتية، الضجيج الرمزي، الصراخ، الغناء.

ـ أنساق شمية مثل العطور والروائح حسب العادات الدينية والطقوس التواصلية التقليدية، روائح الأطعمة، روائح إشهارية..

ـ أنساق ذوقية مثل الطبخ، رمزية المأكولات، رمزية الخضر والفواكه واللحوم والمشروبات، طقوس الأكل والشرب.

ـ أنساق لمسية مثل التحية، القبلة، العراك، الطب،

أنساق مرتبطة برمزية الأشياء والآلات واللعب

ـ أنساق مرتبطة برمزية الفضاء (مساجد، حمامات، الديكور المنزلي..).

ومن المؤكد أن محورية الجسد تنفي الاستغلال الشعبي للوسائط التواصلية الأخرى كالكتابة والمذياع والتلفزة والهاتف…

2 ـ يتميز التواصل الشعبي بالاستمرارية وبالتجدد، استمرارية زمانية بين الماضي والحاضر والمستقبل ومكانية بين المجتمعات المختلفة. أما التجدد فهو تجدد الأفكار والوسائط والمعطيات.

3 ـ لا يخضع التواصل الشعبي لأي شكل من أشكال التنميط الجماهيري. إنه تواصل الاختلاف والتعددية.

4 ـ وهو كذلك يجمع بين البعد الكوني والبعد المحلي. فكل البشر يتقاسمون الجسد ولكن المجتمعات تختلف من خلال العلاقات الداخلية ومن خلال أنماط التبادل الرمزي.

5 ـ وأهم فضاءات التواصل الشعبي هي العائلة والشارع والفضاءات العمومية والساحات العمومية..

8 ـ يبقى التواصل الشعبي كأقدم صنف تواصلي عرفته البشرية.

9 ـ ومن خصائصه كذلك: أنه غير جماهيري، ثنائي الجانب، تحكمه ضوابط التواصل الأفقي، وهو ينبني على استغلال أنساق مختلفة ومتنوعة.

10 ـ يبقى التواصل الشعبي كنوع من أنواع التواصل العام.

11 ـ ولا يمكنه التحقق إلا في زمان معين (الآن) ومكان محدد (هنا)

5 ـ إشكالية المنهج:

إذا كان العلم هو نسق معرفي يجمع بين الموضوع المعرفي ومنهج البحث، فإن نظرية التواصل الشعبي التي تسعى إلى أن تكون علما، تتكون من موضوع هو مظاهر التواصل الشعبي اليومي ومنهجه وصفي وتحليلي وتصنيفي.

يعتمد الوصف على الملاحظة وجمع المعطيات على شكل متن محدد المعالم. ويتم هذا الجمع من خلال استعمال الاستمارات وآلات التسجيل الصوتي والبصري على شكل روبورتاجات مباشرة أو تسجيلات غير مباشرة.

أما التصنيف فينبني على بنية التقابلات التعبيرية والدلالية وعلى المقارنات بين المعطيات المستقاة وبين تصريحات المخبرين.

ويهدف التحليل إلى إبراز الخصائص النسقية المميزة لكل أنساق التواصل.

ويبقى الهدف الأسمى هو بناء تصور علمي موضوعي حول كل الظواهر التواصلية الشعبية.

وهنا يمكن التأكيد على أنه يتحتم على نظرية التواصل الشعبي أن تستفيد من العلوم الإنسانية والاجتماعية الأخرى مثل اللسانيات والسيميولوجيا وعلم الاجتماع والأنتروبولوجيا وعلم النفس.. كما أنها تستطيع الاعتماد على المناهج وعلى الاكتشافات العلمية الخاصة بالعلوم البيولوجية والفيزيائية.

ونعتقد بأن الاعتماد على العلوم الأخرى ليس إلا مرحليا حيث أن النظرية المذكورة سوف تبني موضوعها الخاص ومناهجها المكتملة الخاصة بها.

ورغم وضوح كل هذه الاعتبارات، تبقى مجموعة من التساؤلات ذات مشروعية هنا:

1 ـ هل التواصل الشعبي قابل للتحليل بوسائل معرفية آتية من حقول معرفية أجنبية؟

2 ـ هل يمكن جمع المعطيات دون تشويهها؟

وما مدى رغبة المخبرين الشعبيين في المشاركة في المشروع؟

3 ـ هل باستطاعة السلطات العلمية والسياسية الاعتراف بضرورة وبحتمية الاهتمام بهذه القضايا؟

4 ـ ما مدى تأثير التواصل الشعبي في أشكال التواصل الأخرى (الكتابة، التواصل الجماهيري، التواصل عبر الأنترنيت…) وما مدى تأثره وتفاعله معها؟

ويبقى التساؤل الأكثر أهمية هو: ماذا سوف تستفيد الظواهر الشعبية ونظرية التواصل من هذه النظرية؟

إن مشروعية هذه التساؤلات تؤكد اقتناعنا بحتمية الاهتمام بالظواهر الثقافية والروحية وبالموروث الحضاري للبشرية وللمجتمعات من خلال وجهة نظر أكثر مسؤولية وأكثر علمية ومن خلال الوسائل التكنولوجية المتاحة اليوم.

نظرة عامة:

لقد أتاحت لنا السطور السابقة بعض التفاصيل حول قضايا التواصل ووظائفه وحول خصائص التواصل الشعبي. ويمكن أن نستنتج بأن هذه الظاهرة، رغم بداهتها وتواجدها في الحياة اليومية، لم تحظ بدراسة علمية دقيقة. لقد عم منذ سنوات وعقود مفهوم الثقافة الشعبية الذي يبقى مفهوما شاسعا وعاما وبالتالي خاليا من كل بعد إجرائي وعلمي يسمح بدراسة حقيقية ذات مردودية للظواهر التواصلية والرمزية الشعبية.

ولعله من المناسب في هذا الإطار التأكيد على أن الإنسان هو الهدف الأول والأخير لجميع العلوم، ولذا من الهام جدا أن نعتبر مفهوم التواصل الشعبي كمشروع حضاري وثقافي سوف يساهم في تطور مجالات مختلفة، فنية كانت (مسرح، سينما، أدب) أو علمية (لسانيات، جغرافيا، تاريخ..) أو اجتماعية (جمعيات ثقافية، جمعيات محاربة الأمية...)، وسوف يساهم في مواجهة الاستعمار الثقافي واقتحام التواصل الثقافي بين الشعوب دون أي مركب نقصn