ص1     الفهرس    31-40

 

الصورة الشعرية بين الإبداع والممارسة النقدية

محمد القاسمي

يتفق جل البلاغيين والنقاد المعاصرين على أن إعطاء تعريف واحد وقار لمفهوم الصورة أمر صعب. لأن هذا المفهوم ينطوي في مجال الشعرية الحديثة على عدة رؤى فنية مختلفة تأثرت بتيارات أدبية متباينة، ودراسات أسلوبية متنوعة، وهكذا تضيق دائرة الصورة لتشمل الأشكال المجازية المشحونة بالعاطفة والخيال فقط، وتتسع أحيانا أخرى لتشمل "كل تشكيل لغوي يستقيه خيال فنان لمعطيات الحواس والنفس والعقل"[1].

إن تأرجح مفهوم الصورة بين الدائرتين يجعل منها مفهوما معقدا وغامضا، ومما يزيد في إبهامه وغموضه "أن هذا المصطلح يستخدم تارة كاسم جنس للدلالة على كل علاقة مشابهة، ويستخدم طورا آخر كمرادف للاستعارة فقط دون التشبيه، وهو بهذا يكثف عجز الأسلوبية، أو النقد، لبناء علميتها"[2]. ورغم الغموض الذي يكتنف مفهوم الصورة، لكونه يستعمل بمعنى عام وواسع في بعض الأحيان، فإن الشعرية الحديثة تميل إلى قصر هذا المفهوم على الاستعارة والتشبيه، وفي هذا الصدد يقول بيير كاميناد Pierre Caminade: "لقد طور بروتون ووسع مفهوم الصورة لكي يشمل الاستعارة والتشبيه وكل الأنماط المعتمدة للكشف عن المشابهات"[3]. ونفس التصور يعبر عنه فرانسوا مورو François Moreau بقوله: "ينبغي أن تحدد الصورة إذن، بوصفها تطابقا أو بوصفها في حال التشبيهات، مجرد تقريب بين شيئين إلى مجالين متباعدين قليلا أو كثيرا"[4]. فالتشبيه والاستعارة وفق هذا التصور مظهران ووجهان لأداة واحدة هي الصورة الشعرية، ورغم ذلك فإن مورو يوسع مفهوم الصورة ليشمل كل المحسنات القائمة على عنصر المشابهة بين الطرفين كالتشبيه والاستعارة والتمثيل والرمز والمحسنات الأخرى القائمة على عنصر المجاورة كالكناية والمجاز المرسل بأنواعه[5].

ونظرا لشدة الارتباط بين التشبيه والاستعارة في العملية الإبداعية، بحيث يتم التعبير عن عنصر المشابهة بالتشبيه تارة وبالاستعارة تارة أخرى، فإن ستيفان أولمان Stephane ULLMAN يرى "أن الفصل المطرد بين نمطي الصورة (…) يمكن أن يمنع الناقد من إدراك الشبكة العامة للصورة والنزعات العميقة المتحكمة في تكوينها"[6].

ورغم أهمية التصور الذي عبر عنه "أولمان" في هدم الهوة بين طرفي الصورة، أي التشبيه والاستعارة، فإن موقفه يحتاج إلى تأمل ومناقشة، لأن التسوية بين الصورتين يهون من القيمة الفنية للاستعارة، ويرفع من القيمة الشعرية للتشبيه أكثر من قيمتها الحقيقية، ذلك أن وظيفة التشبيه تقتصر على التقريب بين واقعتين مختلفتين تنتميان، في غالب الأحيان إلى العالم الخارجي، أما الاستعارة فتتجاوز الحدود المنطقية بين الأشياء لتخلق من الأشياء المختلفة والمتنافرة أحيانا شيئا واحدا، عبر تداخل الطرفين وتفاعلهما وتبادل التأثير والتأثر. ولهذا السبب يلح ميشال لوغرن Michel LU GUERN على ضرورة إقصاء التشبيه من دائرة الشعرية، وفي هذا الصدد يقول: "إن التشبيه في معناه المختزل ليس صورة، لأنه يبقي ضمن تجانس السياق، ولا تقارن من ناحية الكمية، إلا بين وقائع متشابهة"[7].

يبدو إذن، أن لوغرن لا يطلق مفهوم الصورة إلا على الصور الأسلوبية القائمة على المنافرة الدلالية بين الطرفين وفي مقدمتها الاستعارة والرمز، أما التشبيه فلا يستحق اسم الصورة، ما دام كل طرف يحتفظ بدلالته المعجمية في العملية التشبيهية، مما يسهل عملية الإمساك بالصفة المشتركة بين الطرفين. ونجد التصور نفسه عند روفردي REVERDI الذي يرى "أن الصورة إبداع صاف يبدعه الفكر ولا يمكن أن تولد من تشبيه بل من التقريب بين حقيقتين متباعدتين قليلا أو كثيرا"[8]. ذلك أن التباعد بين الحقيقتين هو الذي يقوي القدرة الجمالية والإنجاز الفني للصورة وينمي درجة "اللاتوقع" و"اللامنتظر" فيها. فالصورة لا تحرك النفس وتهز شعور المتلقي إلا إذا كانت السمة المشتركة متحققة بين شيئين مختلفين. ألم يقل عبد القاهر الجرجاني قبل لوغرن وريفيردي: "وهكذا إذا استقريت التشبيهات وجدت التباعد بين الشيئين كلما كان أشد كانت النفوس أعجب، وكانت النفوس لها أطرب، وكان مكانها إلى أن تحدث الأريحية أقرب"[9].

ويمكن اختزال هذا الموقف الذي عبر عنه الجرجاني عبر الخطاطة الآتية:

التباعد         العجب          الطرب                       الأريحية.

فالتباعد بين الأشياء المختلفة والعوالم المتباينة يثير العجب والغرابة في نفس المتلقي مما يؤدي إلى تحقيق متعة الطرب التي تتوج بأريحية النفس واهتزازها.

ومن هنا نقر بأن جمالية الصورة الشعرية لا يمكن أن تقتصر على الصورة الأسلوبية القائمة على المنافرة الدلالية كالاستعارة والرمز وغيرهما بل إنها تتسع لتشمل كثيرا من صور التشبيه القائمة على التباعد والتضاد. فالصورة الشعرية تولد من التقريب بين واقعتين متباعدتين، بصرف النظر عن طبيعتها ودرجة فنيتها. وبطبيعة الحال إن فنية الصورة تختلف من نص فني إلى آخر ومن شاعر إلى شاعر آخر "فكلما كان العلاقة بين الطرفين بعيدة وصادقة كلما كانت الصورة قوية، وقادرة على التأثير الانفعالي ومحققة للشعر"[10].

ورغم اختلاف النقاد والبلاغيين في تعريف الصورة الشعرية وتحديد مكوناتها وعناصرها، فإنهم يتفقون على جعلها السمة المميزة للخطاب الشعري، والحد الفاصل بين لغة الشعر ولغة النثر، ذلك أن كثيرا من مكونات اللغة الشعرية قابلة للتغير والتطور، ولكن الصورة تبقى المبدأ الثابت في القول الشعري، فالصورة هي لب الشعر، بل هي الشعر ذاته، وليست شيئا يضاف لتزيين المعنى، بل هي جزء أصيل من المعنى، وأي تغيير يعتريها يبدل في المعنى. وذا المعنى عبر عنه أرسطو قديما عندما وصف المجاز بأنه علامة النبوغ الشعري[11]. فالقدرة على استعمال المجاز بأنواعه علامة على الإجادة وقوة الشاعرية، وهذه القوة لا تتم إلى عبر القدرة على صياغة الأشياء من جديد بشكل يسمح بخلق علاقات جديدة.

وقد ظل هذا الموقف مهيمنا على أذهان الشعريين المعاصرين وفي مقدمتهم مولينو وطامين وموريي ومورو وميشونيك وجابر عصفور ومصطفى ناصف وغيرهم.

وسنقوم بتحليل مجموعة من النماذج الشعرية، نبرز من خلالها أهمية الصورة الشعرية في الشعر العربي القديم، وموقف المنجز النقدي منها. ومن ذلك قول أبي تمام:

فضربت الشتاء في أخدعيه      ضربة غادرته عودا ركوبا[12]

لقد تحققت الصورة الشعرية في المركب الفعلي (فضربت الشتاء) حيث ينشأ مبدأ اللاتناسق بين الفعل (ضرب) والمفعول به (الشتاء). فالفعل (ضرب) يستدعي أن يكون المفعول به كائنا حسيا على الأقل، وهي سمة لا تدخل ضمن السمات المميزة (للشتاء)، وهذه المنافرة الدلالية بين الفعل والمفعول أو بين المسند والمسند إليه، هي التي تساهم في خلق الفاعلية الشعرية لهذه الصورة الاستعارية. حيث يتبدى الشتاء في قساوة برده ووعوثة ثلوجه فرسا جامحا، صعب الانقياد، ولكن الممدوح قضى على جموحه وشراسته بضربة نافذة على أخدعيه، لم تترك له مجالا للانفلات. ولما جاز أن يضرب الفرس في أخدعيه للقضاء على جموحه وشراسته، وجعله ذلولا، سهل الانقياد، جاز مقارنة الشتاء بالفرس الجامح. ولم يكتف الشاعر بذلك، فجعل له أخدعين كما لو أنه فرس جامح في الحقيقة. والواقع ان هذه الصورة الشعرية لا تكتسب قيمتها الفنية إلا من خلال الموقف الشعري المتكامل الذي ينبغي أن تحلل في إطاره، وهكذا يمكن إعادة صياغة هذه الصورة الاستعارية عبر الخطاطة الآتية:

المشبه                  المشبه به

الشتاء                   الفرس المحذوف

الحرب                  (الفرس) (سياق القصيدة)

وبذلك يتحول التراسل السابق القائم بين الشتاء والفرس إلى تراسل جديد يفرضه السياق الأكبر للقصيدة، ويتحقق بين الحرب والفرس الجامح، فقد شبه انتصار الممدوح (أبي سعيد) في الحرب بضربة سددت إلى فرس جامح، فقضت على جموحه وشراسته. وطبيعي أن يتصدر هذا البيت قائمة الاستعارات المستكرهة عند الآمدي، لأن مثل هذه الاستعارات المكنية في رأيه خارجة عن الذوق الفني السليم وعن عمود الشعر العربي. ولذلك صنف هذا النوع من الصور الاستعارية ضمن مرذول الألفاظ وقبيح الاستعارات[13]. ولم يقدم الآمدي علة جمالية أو فنية تقلل من أهمية هذه الاستعارة المكنية، وتبعه في ذلك علي بن عبد العزيز الجرجاني، أما ابن رشيق وابن سنان فقد تحدثا عن هذا النوع من الصور الاستعارية بشيء من الاضطراب والحيرة، انتهى بهما الأمر إلى استبعادها من مجال الاستعارة الجيدة[14].

والواقع أن هذا الاضطراب الذي وقع فيه كثير من الشعريين العرب إزاء الاستعارات المكنية عند أبي تمام له ما يسوغه، ذلك أن كثيرا من استعاراته المكنية تقوم عادة على نوع من التشخيص والتجسيد، يصعب معالجته من خلال العلاقة المحدودة المفترضة بين المستعار والمستعار له، فكثير من استعاراته المكنية ينبغي أن تعالج من خلال رؤية شعرية جديدة تقدر طبيعة الفعالية الخاصة التي يمارسها الخيال الشعري في عملية الخلق الفني، وقدرة العمليات الاستعارية على بث الحياة في الأشياء الجامدة. ونجد هذه الرؤية الجديدة عند الناقد عبد القاهر الجرجاني الذي وسع دائرة المشابهة المفترضة بين طرفي العملية الاستعارية، وجعلها تشمل الاستعارات المكنية عند أبي تمام التي تقوم على تشخيص الجامد وتجسيد المعنوي، بل إن تصوره جعل كل الاستعارات المكنية من قبيل الاستعارات الجيدة التي تحتل مكانة الصدارة ومرتبة أعلى من مرتبة الاستعارات التصريحية وفي هذا الصدد يقول: "إن أردت أن تزداد علما بالذي ذكرت لك من أمره فانظر إلى قوله: سقته كف الليل كؤوس الكرى".

وذلك أنه ليس يخفى على عاقل أنه لم يرد أن يشبه شيئا بالكف، ولا أراد ذلك في الأكواس، ولكن لما كان يقال (سكر الكرى، وسكر النوم) استعار للكرى الأكواس"[15].

ويصل الانزياح إلى أقصى درجاته عندما تكون الصورة الاستعارية مركبة من استعارتين أي بناء استعارة على أخرى، أو الجمع بين عدة استعارات في وقت واحد، كقول أبي تمام: (الطويل).

بلوناك أما كعب عرضك في العلا    فعال ولكن خد مالك أسفـــل[16]

يتميز هذا البيت بإقامة علاقة تقابل بين صورتين استعاريتين، هما: (كعب عرضك في العلى) و(خد مالك أسفل)، فكل عنصر في الصورة الاستعارية الأولى له ما يقابله في الصورة الاستعارية الثانية، مما جعل المعنى أكثر بروزا ووضوحا إلى درجة الغموض. واضح لأن مبدأ التوازي عمل على إبراز مضمون الصورتين الاستعاريتين، وغامض لأن الشاعر يصف قيمتين معنويتين هما العرض والمال ويسند إليهما قيمتين ماديتين حسيتين هما الكعب والخد. وهذا الغموض هو الذي يشكل سر جمال هاتين الصورتين وفنيتهما. وقد كان من المفروض أن يختار للعرض ما يدل على العلو وللمال ما يدل على الدنو، ولكن الشاعر قلب المعادلة فجعل للعرض كعبا وللمال خدا. وقد يعتقد البعض أن مبدأ التوازي هو الذي جره إلى هذه المعادلة غير المنطقية بين الصورة الاستعارية الأولى والصورة الاستعارية الثانية، ولكن سياق القصيدة يظهر أن البيت يعكس موقفا شعريا متميزا لا يمكن فهمه إلا في سياق القصيدة بأكملها، فالممدوح لا ينظر إلى المال نظرة الكثير من الناس، فهو يصرف ماله، ويجود به على المحتاجين، أما عامة الناس فتقدسه وتجعله بمثابة الخد من الجسد، وتحتقر العرض ولا تعير له أي اهتمام.

وقد عجز الآمدي عن فهم هذا التشابك المستمر والتداخل الدائم بين العوالم، لأنه يبحث عن صفة مشتركة واضحة بين الطرفين وعن معنى سطحي مباشر. ويمكن القول إن الصور الاستعارية التي استهجنها الآمدي تشكل زمرة واحدة، وهي الاستعارات المكنية التي تلغي الحدود المنطقية بين الأشياء من خلال إقامة تلاؤم تام بين الأطراف المتنافرة، وعبر تشخيص المجرد، وتجريد الحسي، من قبيل أن يكون للشتاء والدهر أخادع وللمعروف كبد، وللأيام ظهر وللمدح يد، وللقصائد مزامر، وجعل المعروف مسلما تارة ومرتدا تارة أخرى، فكل هذه الأنماط الاستعارية في رأي الآمدي "في غاية القباحة والهجانة والبعد عن الصواب"[17]. وطبيعي أن ينعت تلك الاستعارات المكنية بالقبح والهجانة والخروج عن الذوق السائد، لأن كثيرا من تلك الاستعارات تحتاج إلى تأويلات خفية للوصول إلى سر جمالها وشعريتها. وتصل الصورة الشعرية إلى "غاية القباحة والهجانة"، في تصور الآمدي على الأقل، عندما تتفاعل القوافي، في مخيلة الشاعر، مع الأشياء الإنسانية الطبيعية والحيوانية ومن ذلك قول الشاعر أبي تمام:

خذها ابنة الفكر المهذب في الدجى    والليل أسود رقعة الجلبـــــاب

بكرا تورث في الحياة وتنثنــــــــي    في السلم وهي كثيرة الأســلاب[18]

يتضمن البيتان صورة ممتدة تعبر عن موضوع واحد هو القصيدة، عبر صور جزئية تنتمي إلى حقل دلالي واحد هو عالم المرأة. فالقصيدة التمامية تبدت في ذهن الشاعر بنتا في أوج نشاطها وحيويتها، لأن قصيدته هي نتيجة جهد فكري متكرر، ولذلك وصفها في البيت الثاني بالبكر للدلالة على أن شعره إبداع وابتكار لا على مثال، ولذلك يصعب تقليده والنسج على منواله، ومن هنا تأكيده الدائم على أن قصيدته امرأة عذراء، لا من حيث تقليدها فحسب، ولكن من حيث تذوقها وتفكيك رموزها وفهم أسرارها. ذلك أن تذوق إبداعه شكل من أشكال افتراع العذرية.

ويضيف الشاعر أن هذه المرأة "القصيدة" لم تعد مجالا للخصب واللذة، بل تحولت إلى إنسان قوي قادر على قهر الممدوح وسلب أمواله وعطاياه. وبطبيعة الحال فإن هذه القصيدة التي تآلفت مع هذه العذراء الغريبة ليس في الواقع إلا الشاعر نفسه حين يدخل في صراع مع الممدوح ويخرج منتصرا بسلب عطاياه وانتزاع أمواله.

والواقع أن تشبيه القصيدة بالمرأة خاصة في جانبها الجنسي ظاهرة تتكرر في شعره، فهو يتصور أن تفاعل الذات الشاعرة مع الكلمة الشعرية تماثل لقاء زوجين عاشقين، ومن هنا إلحاحه المستمر على أن القصيدة والعذرية شيء واحد، فإبداعه مثل النساء العذارى لا يستطيع أن يفترعها غير الشاعر نفسه[19].

وإذا كانت الصورة السابقة تقوم على تداخل وتفاعل تامين بين القصيدة باعتبارها عملية إبداعية تثير المتعة الفنية، والمرأة باعتبارها كائنا حيا للذة والمتعة، فإن العملية الفنية في الصورة التالية تتحول إلى عملية جنسية تثير المتعة نفسها عند المبدع كما تثيرها عند المتلقي:

والشعر فرج ليست خصيصته     طول الليالي إلا لمفترعــه[20]

تقوم هذه الصورة الشعرية على نوع من التراسل الطبيعي يؤمن به الشاعر بين عالمين مختلفين عالم الروح وعالم الجسد، وهذا النوع من التراسل يندرج ضمن ما يسميه أمنموس OMNIMUS بالصورة الحدسية، وهي "أساطير حقيقية، يخيل أنها تنبجس مما تحت الشعور وتحصر واقعا لا يوصف"[21].

إن بنية هذه الصورة القائمة على ذكر طرفي العملية التشبيهية والاستغناء عن الأداة توحي بالتداخل الشديد بين الطرفين، ولكن هذا التداخل لا يصل إلى درجة التطابق، لأن صورة التشبيه البليغ توجد في المنطقة الوسطى بين التشبيه والاستعارة. ومن هنا فإن الصورة السابقة توحي بدلالة واحدة هي الإحساس باللذة والمتعة من افتراع العذرية واختراق النص الإبداعي. غير أن التعبير عن التراسل بين تذوق الشعر والعملية الجنسية بواسطة التشبيه البليغ يطرح اختلافا في درجة الإحساس باللذة الفنية والمتعة الجنسية. ومع ذلك فإن أبا تمام ظل يؤمن بالتطابق التام بين بكارة الكلمة وبكارة المرأة، لأنه يريد أن يعطي للكلمة الشعرية معاني متعددة، ومن هنا اهتزت الصورة الثابتة في ذهن المتلقي لعلاقة الدال بالمدلول، وهو اهتزاز أعطى للآمدي والقاضي الجرجاني انطباعا بأن أبا تمام أفسد ما كان صالحا، ودعا إلى الفوضى وإلى ما لا يفهم     n

 

 

 



[1] - الصورة في الشعر العربي حتى آخر القرن الثاني الهجري: الدكتور علي البطل، دار الأندلس للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1980، ص30.

[2]  - H.Meshonic, Pour la poétique, 101-102.

[3]  - Pierre Caminade : Image et métaphore, Bordas, Paris 1970, p5.

[4] - المدخل لدراسة الصورة البلاغية، فرانسوا مورو، ترجمة محمد الولي وعائشة جرير، ص11.

[5]  - L’image littéraire, Sedes, Paris, 1982, p16.

[6]  - In Langue et littéraire, Paris, Belles lettres, 1961, p46.

[7] - M.LeGuern, Semantique de la métaphore et de la métonymie, langue et langage, Librairie Larousse, p53.

[8]  - K.VARGA, Les constantes du poème, Picard, 1977, p212.

[9] - أسرار البلاغة.  عبد القاهر الجرجاني، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي ود.عبد العزيز شرف، دار الجيل، بيروت، ط.1، 1991، ص132-133.

[10]  - H.MORIER, Dictionnaire de poétique et de rhétorique, PUF, Paris, 712.

[11] - فن الشعر: إحسان عباس، دار بيروت للطباعة والنشر، 1959، ص260.

[12] - ديوانه، ج1، ص166.

[13] - الموازنة، أبو القاسم الآمدي، تحقيق محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العلمية، بيروت، لبنان، ص228.

[14] - انظر الوساطة، ص429، سر الفصاحة، ص115 فما فوق، العمدة، ج1، ص270.

[15] - دلائل الإعجاز: تأليف عبد القاهر الجرجاني، تحقيق محمود محمد شاكر، مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الثانية، 1989، ص461.

[16] - ديوانه، ج3، ص73.

[17] - الموازنة، ص234.

[18] - ديوانه، ج1، ص90.

[19] - انظر ديوانه، ج1، ص196 و2/350.

[20] - ديوانه، ج2، ص350.

[21]  - OMNIMUS : L’image dans l’oeuvre de peguy, Paris, 1952, p1.