دلائلية قانون السير(*)
جورج مونان
ترجمة: محمد البكري
يظهر قانون
السير بمظهر المجموعة التي لا يحددها سوى "القانون"[i].
وبما أن للفظ شفرة (كود) معنى دلائليا مضبوطا في مجال آخر فإننا سنستعمل هنا عبارة
"التأشير الطرقي"، بشكل اعتباطي، للدلالة على المجموعة القانونية التي تحدد
جماع الإشارات المتعلقة بالسير على الطرقات، وتصفها. تفاديا لكل لبس، فإننا من
ناحية أخرى، لن نسمي قط المجموعات الفرعية المتصفة بخاصية الاستعمال المتناسق
لقناة إرسال متميزة بالشفرات (Les codes)، ولكن سنطلق عليها مصطلح أنظمة، وذلك كالمأطورات والأضواء والحركات
والصفير والمنبهات الصوتية (كلاكسون) والعلامات المرسومة على أرضية الطريق،
والموحية بفهم وإدراك إشارات السير على أنها شفرة متعددة العناصر، أو بتعبير أفضل،
كمجموعة شفرات مركبة: شفرات تتوزع بكيفية متكاملة، حسب الحالات والمواقف (بث نهاري
– بث ليلي) أو وفق تقاطع جزئي (صفير أو حركات أو أضواء مثلا).
الأكيد أن التأشير الطرقي (إشارات السير) يشكل
–إذا ما عرف على هذا المنوال- ظاهرة تواصلية تقتضي إذن تحليلا دلائليا بالمعنى الصوسيري للفظ.
فهناك باث (هو المشرع أو مصلحة الطرقات والقناطر أو شرطة المرور) وهناك متلقون (راجلون،
راكبو دراجات، وسائقو سيارات). وتوجد، من جهة أخرى، وسائل مؤلفة من وحدات ثابتة
قابلة للعزل، والتعارض فيما بينها، لها دال ومدلول، ثم إن نية التواصل بالمعنى
اللسني والدلائلي، جلية هنا على عكس العديد من الظواهر المجتمعية الأخرى، كآداب
اللياقة، مثلا.
لكن بأي نوع
من أنواع التواصل يتعلق الأمر هنا؟ ستتضح الإجابة –دون شك- في نهاية التحليل.
كيفما كان الحال، ومنذ البدء، فإن واقعة تبدو ظاهرة للعيان. على عكس ما يحدث في
التواصل اللسني، يبدو أن خاصية تبادل الأدوار غير ممكنة: إذ أن المتلقي لا يتحول،
بدوره، إلى باث يرسل، من خلال القناة ذاتها، النظام نفسه أو نظاما مكملا. ويكمن
تفسير ذلك في الاتجاه العام للتأشير الطرقي: حيث لا يحظى المتلقون، عادة بإمكان
الرد عن الرسائل المبثوثة إلا بواسطة سلوك غير دلائلي: سلوك لا يعد، بدوره، رسالة.
وإنما هو مجرد فعل. فالمقامات أو الأوضاع التي يمكن أن يتحول فيها المتلقون، أو
يتحتم عليهم أن يصيروا مرسلين [ باثين ]. كما هو الحال أثناء استعمال الطوارف
الخاصة بتحويل الاتجاه، أو الأضواء الحمراء الخلفية للإنذار باستعمال الحصار (توصي
كتيبات تعليم السياقة باستعمال ضوء الوقوف الذي يتحكم فيه الحصار الرجلي، حتى ولو
لم يكن من داع إلى التخفيف من السرعة، قصد "تحذير السائقين" الآتين من
الخلف). وذلك هو الحال، أيضا، حين التنبيه (النداء) بواسطة الأضواء القوية التي
يستعملها السائق إما لإشعار الآخرين بحضوره، أو ليطلب من السائق الآتي من الاتجاه
المعاكس أن يحول ضوءه إلى ضوء التلاقي –أو استعمال هذه الأضواء القوية، نهارا،
لإفراغ الممر الثالث أثناء الإقدام على تجاوز سيارات أخرى، أو حين التقاطع مع
سيارات ثالثة ولربما دل هذا التوظيف الجزئي جدا لتشفير– يسمح بأجوبة (على الأقل في
حال التنبيه بواسطة الأضواء القوية) من خلال القناة نفسها على ثغرة في النظام
بالنسبة إلى المستوى الذي وصلت إليه حركة السير حاليا. لأن قانون السير قد تكون،
تجريبيا وجزئيا، انطلاقا من الحاجات الملحة. يمكن الاعتقاد بأننا لا نتوفر على بعض
الأعراف البسيطة والعامة لقيام تواصل متبادل بين السائقين، وبواسطة رسائل من نوع:
"لقد أضعت شيئا ما"، "بابك الخلفي مشرع"، "عجلاتك
مفزورة"، وربما "رسالتك بلغت". يبدو أن للسائقين إشارات من هذا
القبيل:\إلصاق دفتر السياقة على الواقية الأمامية\
و\ثلاثة تنبيهات بالضوء القوي\ = "مراقبة الشرطة قريبة من هنا ويلزمك تعبئة
الدفتر بما يساير القوانين المهنية".
2 ـ المشكل الأول الذي يطرحه التحليل هو مشكل إحصاء الوحدات التي
يستعملها النظام. ويمكن التساؤل، هنا، عما إذا كانت الوحدة الصغرى هي الرسالة
الشاملة، وعما إذا كانت قابلة للتحليل إلى مقطوعات أصغر أم لا. المؤكد أن هذا
المشكل أبسط مما يبدو، لأنه يجب التمييز، بدون شك، بين لحظتين، ربما كانتا
متباينتين جدا: مرحلة تعلم الأنظومات –حيث تبرز كيفية تقديم "القوانين"
المستعملة من لدن "مدرسة تعليم السياقة" تفكيكا للأدلة- ومرحلة السائق
بعد قطعه عشرة آلاف كلمتر، حيث يصير الحديث عن الكيفية التي تدرك بها الأدلة من
اختصاص علماء النفس. والراجح أنها تدرك مثل صور كلية (gestalten) غير قابلة للتحليل،
إذ لا يفتأ أن يجرفها النسيان بمجرد ما تدرك؛ بل إنها تصير –ربما- محض محفزات
لردود أفعال
[2]. يتموقع التحليل الدلائلي الذي نقترحه هنا في مرحلة تعلم الإشارات،
وهي المرحلة التي يجب أن يتطابق، عموما، تفكيكها إلى عناصر صغرى مع منطق الواضعين
الأوائل للأنطومات. انطلاقا من هذا الرأي، لا يبدو أن هناك مجالا للشك في كون نظام
المأطورات –الأكثر أهمية من حيث حجمه- مركبا من وحدات – رسائل، قابلة للتقطيع، هي
ذاتها وحدات أصغر يمكن إبرازها عن طريق الاستبدال.
3 ـ فما هي هذه الوحدات؟ إن قوانين السير لدى "سيارات
التعليم" ذاتها تضع كمقاييس كلا من الأشكال والألوان، وكذلك الصور أو الشخوص
والأدلة المختلفة التي تحملها المأطورات. لقد تلقن كل السائقين مدلولات هذه
الدوال: \مثلث\ = "خطر"[3]؛
\دائرة\ = "أمر مطلق"؛ \مستطيل\ = "مجرد إرشاد"، \أحمر\ =
"خطر"؛ \أزرق\ = "أمر أو إرشاد"؛ \صليب القديس أندري\ (على
شكل X)
= "تقاطع الطرق الأسبقية لليمين" الخ..
أكيد أن
الدلالة فيه ليست أحادية بشكل صارم؛ وهكذا فإن \صليب القديس أندري\ داخل \مثلث\ يكون المدلول: "خطر" + "لأنه
ملتقى طرق"، ولكنه يحيل، أيضا، على المدلول "الأسبقية لليمين". وهو
"أمر مطلق"، ويكتسي بالتالي \دائرة زرقاء\ -مما يؤلف تركيبية من نوع "خطر" +
"أمر". وقد كانت هذه الإشارة \سهم عامودي عليه عارضة أفقية\ المعلنة عن "طريق كبير سيتقاطع مع طريق
صغير (ثانوي)" تتخذ، آنذاك، شكل \صليب أندري القديس\ داخل \مثلث أصفر\ هو نفسه داخل \مربع أزرق\. ويمكن الاعتقاد أن الإشارة الجديدة قد أولت
الاهتمام للمدلول "خطر" باعتباره الأهم.
يتضح،
بسرعة، أن هذه الوحدات إما أدلة اعتباطية أو رموز، بالمعنى الصوسيري للكلمة – أي
وحدات لا تكون فيها "أبدا" علاقة الدال بالمدلول "اعتباطية
كليا"، وإنما، على العكس من ذلك، تبرز "بدائية علاقة طبيعية بين
الطرفين" (المحاضرات، ص101). ويجب أن توضع في الصنف الأول الأشكال (كالمثلث
الخ…) والألوان وكذلك بعض الرسوم (سهم الأسبقية في الطرق المكتضة بالسيارات، الخط
العامودي المشير إلى خطر معين الخ…). في الصنف الثاني توضع كل الرسوم الظلية التي
يمكن التعرف عليها ("انتبه للماشية، الخ…). لكن توزيع الاستعمال بين الأدلة
الاعتباطية والرموز لا يؤلف نظاما، أي أنه لا يخضع إلى قاعدة أو مجموعة قواعد قابلة
للإدراك أو مستنتجة من الملاحظة. ورغم ذلك، فقد يبدو، منذ الوهلة الأولى، أن هناك
توزيعا منتظما ومقصودا مسبقا. فالألوان والأشكال اعتباطية، أما الرسوم المطبوعة
فهي رمزية.
لكننا إذا
تفحصنا استعمال الألوان فسنرى أن النظام ليس بمتماسك حتى النهاية. بل يمكن القبول
–مسبقا- أن \الأحمر\ قد اختير كدال لـ"الخطر" بسبب من
قيمته الرمزية التقليدية (منذ متى؟) في ثقافتنا، رغم أن هذه القيمة ليست أحادية
المعنى؛ لأنه يمكن أن يدل، في موضع آخر، على العاطفة أيضا، وعلى الحريق والعنف
والثورة. لكنه يدل، هنا أيضا، على "طريق وطني" (وفي تعارض مع \الأصفر\ الذي يدل على الطرق الجهوية و \أبيض\ طرق الجماعات المحلية) بطليه لرؤوس الصوى
الكلمترية الحاملة لرقم الطريق، ووجوده على رأس الشعار الذي يتوج رؤوس المأطورات
المعلنة عن التجمعات السكنية (المستعملة للغرض نفسه)، دون أن ندرك جيدا العلاقة
بين "طريق وطني" و"خطر"؛ بل إنه يدل حتى على
"الثلج" (شارات المنعرج \ذات\القنن الحمراء\ في الجبال. إذا كان هناك ثلج فإن المدلول هو
"الخطر" عوض "الثلج". ولا يدل الأحمر على شيء إذا لم يكن هناك
ثلج (لتكون القراءة صائبة فلا بد من ارتباط الإشارة بمقام ما). إن \الإشارات ذات القنن الحمراء\ و\دون قنة حمراء\ عبارة عن تنويعين للإشارة ذاتها يتوزعان بكيفية
متكاملة: منطقة كثيفة الثلوج \منطقة ثلجها
غير خطير.
يدل \الأحمر\، في باقي الحالات، على "خطر"، لكن لا
يدل عليه إلا حين يصحبه في ذلك \مثلث\. ويدل على "مطلق الأمر" (الذي يستوحى
منه أن خرقه يؤدي إلى "خطر") حين تشاركه في ذلك دائرة. ورغم ذلك فليس
جميع الأوامر المطلقة يؤدي انتهاكها إلى خطر محتمل. إذا كان ذلك هو الحال بالنسبة
إلى "ممنوع الانعطاف إلى اليسار" و"ممنوع التجاوز" الخ، فإنه
أقل بداهة بالنسبة إلى "قف للدرك" أو أقل وضوحا بكثير من ذلك في حالة
"قف.جمارك.Zoll".
فلا قانون ينص على أن خرق هذه الأوامر وحدها يؤدي إلى إطلاق النار على السيارة
التي تنتهكها. الواقع أن خطر إطلاق النار مرتبط بإنذارات خاصة. أما بالنسبة إلى
"ممنوع الوقوف" فلا يتضح للعيان
نوعية الخطر المحتمل. إذن فالـ \أحمر\ متعدد الدلالات، له ثلاثة أو أربعة مدلولات
تختلف باختلاف الأسبقية التي تؤلفها الإشارات ذاتها ومقامات الطريق التي تظهر فيها
(مما يزيل تقريبا كل لبس يحتمل أن يصيب حل الشفرة).
يدل استعمال
\الأزرق\، هو الآخر، تارة على الإلزام ("اتجاه
إجباري" الخ…)، وثالثة على "إرشاد" ("مستشفى" أو
"مرأب" الخ..). فهل يمكن، ولربما، على أنه –بكل بساطة- لون "انعدام
الخطر" المعارض للاحمر، بدلا من تأويله بناء على الدلالات المتعددة التي
تنسبها إليه تعليقات وشروح قوانين "سيارات التعليم"؟ وكيفما كان الحال
فهو لا تربطه أي رابطة ذات طبيعية رمزية بهذه المدلولات. ويمكن الاعتقاد بأن
اختياره تحدد –مسبقا- بالتعارض مع \الأحمر\ عوض أسباب تتعلق بإدراك الألوان (تماما كما لو
استعملنا \الأبيض\ إذا ما كان \الأسود\ قد دل على "الخطر").
ولا يبدو أن
لـ\الأصفر\ دلالة ما في أنظومة المأطورات، لكن له في قانون
السير على السكك الحديدية قيمة "الإنذار". فهل حدث اقتراض لأرضية
المأطوريات لأن إشارات الطرق تكونت بعد إشارات السكك الحديد؟ أم أن الأمر يتعلق
بكون هذا الاستعمال تحدده أسباب يحكمها علم نفس إدراك المتناقضات؟ أم لاعتبارات
جمالية؟ يجب هنا الاعتماد على التحليل التاريخي لمحاضر جلسات اللجن التي أعدت
قانون السير. وتصبح الملاحظة ذاتها بخصوص اللون \السكري\ (كريم) لمأطورات نهاية الأمر المفروض، والمغاير
لل\أصفر\؛ وبالنسبة لل\أبيض\. مجمل القول، إذن، أن في اختيار مدلولات
الألوان اعتباط كثير، ووحدهما \الأحمر\ و\الأزرق\ لهما وظائف دالة في أنظومة المأطورات وكلاهما
متعدد الدلالات.
4 ـ لا جدال
في أن الأشكال اعتباطية. حقا، إن \الدائرة\ شكل ناقشه الصوفيون الإشراقيون وكذا الباحثون
عن النماذج المثلى. وقد أُوِّلَتْ تأويلاتٍ متضاربة، يسيطر عليها، ربما، مدلول
"الكمال": ومع ذلك فلا يتبين لنا بأي كيفية يمكن ربطها بالمدلولات
المعطاة لها في الشفرة، دون القيام ببهلوانيات تأويلية. وستتقلص نسبة الاتفاق
حينما ينصب النقاش على زوايا المثلث الدالة على "انعدام الأمان". أما
المستطيل فهو لا يمثل سوى لويحة الطاولة أو الورقة التي نكتب عليها الإعلانات
(والآراء؟) ومنذ القدم، الإعلانات. كل هذا لا يؤدي إلى أي شيء من الناحية
الدلائلية. ومع ذلك فقد يتبادر إلى الذهن بأن الفرق الاستعمالي بين الأشكال
الاعتباطية والرموز التي يمكن التعرف عليها، يتحكم فيه توزيع وظيفي بين المقولات
العامة (\مثلث\= "خطر" الخ…) والمقولات الخاصة (كل
الصور المرسومة داخل الأشكال). لكن سرعان ما ندرك أنه إذا كان مؤكدا أن رموزا
كثيرة (\طائرة\="مطار"، الخ)، تتخلل هذه الأخيرة،
فإن هناك بعض الأدلة الاعتباطية أيضا تتخللها: كالأرقام (40، 60، 100 الخ)، رغم
أنها كونية، والحروف التي ليست بكونية (ماذا يمثل حرف P بالنسبة إلى الصيني أو العربي؟). ولنسجل أيضا \العارضة العمودية\ المعبرة عن الأخطار الخاصة التي تحددها، كل
مرة، كتابة لغوية ("طريق سيء" الخ). إن \المستطيل الأبيض \الذي يدل حينما يرسم على \أرضية حمراء دائرية\ على "اتجاه ممنوع" يمكن أن يضرب
كمثال جيد على التشابك المعقد بين الاعتباطي والرمزي. لكن هذا دون أن نذكر كل
الإشارات التي صارت ترميزات قد تطورت جدا نحو أسلبة = تحول دون قراءتها قراءة
أحادية لا تعتمد التعلم والتلقين: أولا، كل الأسهم التي لا يمكن لرمزيتها أن تؤدي
وظيفتها، هنا، إلا بناء على كونها مقترضة من تقليد يتجلى في أنظمة أخرى؛ و\السهم الذي تعلوه عارضة\ يشير إلى ضرورة مراعاة أسبقية طريق كبير. ولنضف
أيضا، إلى ما سبق، رسوما مؤسلبة جدا إلى حد أن قراءتها تصعب إذا لم تستند إلى تعلم
مسبق، كل رسوم \الانعراجات\ و\صليب القديس أندري\ الذي يشير بكيفية غريبة إلى تقاطع الطرق. وكان
من المنتظر أن يشار إليه بما يشبه علامة +.
لكن أهم
حالة ستكون هي حالة ما يمكن أن نسميه برمز أو دليل \إلغاء\. هكذا نسمي، هنا، رسم \العارضة المائلة\ التي تظهر في إشارات "نهاية
الأوامر"، (\العارضة
المائلة الزرقاء\)،
"ممنوع الانعطاف إلى اليمين" أو "… إلى اليسار"، "ممنوع
الوقوف" أو "…استعمال المنبه" أو "نهاية التجمع
السكاني"، "مخرج من الطريق السيار"، (\عارضة حمراء مائلة\). هذا الدليل يشتغل اشتغالا معقدا. إن فكرة
تأويل \العارضة المائلة\ على أنها ترمز إلى فعل إلغاء إرشاد أو أمر
حملته مأطورة سابقة توعز بها كل المأطورات التي تحمل \عارضة زرقاء يميل أعلاها إلى اليمين\- وحيث \العارضة الزرقاء\ تتبادل و\العارضة الحمراء\ على الأقل في حالة واحدة هي حالة "منع
استعمال المنبه". لكن هذه القاعدة المنهجية لا تلعب هذا الدور، لا بالنسبة إلى
"نهاية منع الوقوف" (الذي لا يحتوي على عارضة)، ولا بالنسبة إلى
"نهاية التجمع السكاني" ولا بخصوص "خروج من الطريق السيار"،
حيث مأطورات الدخول إليه لا تحمل، هي الأخرى، أية عارضة: في هذه الحالات يتعارض \الإلغاء\ وهو \الأحمر\ مع دال صفر "دخول إلى تجمع سكني" أو
"دخول إلى طريق سيار\. والحالة
نفسها تطال "ممنوع الانعطاف إلى اليمين" التي لا تقابلها أية مأطورة
إيجابية، وفضلا عن ذلك فإن \العارضة
المائلة الحمراء\ \تميل بأعلاها إلى اليسار\ عندما يتعلق الأمر بـ"ممنوع الوقوف"
و"ممنوع الانعطاف يسارا". ولكنها \تميل بأعلاها إلى اليمين\ بخصوص "ممنوع الانعطاف يمينا" (ربما
كمن السبب في ضرورة تناسب الأشكال)، و"ممنوع الوقوف" أيضا، دونما سبب
واضح. ليس الاستعمال الرمزي لـ\الإلغاء\ إذن، باستعمال "منهجي" أبدا.
5 ـ أولا،
وقبل كل شيء، تبدو هذه الوحدات منفصلة، بالمعنى اللسني للفظ: فهي تكاد لا تمثل
أبدا أي تنويعات متصلة للمدلول بواسطة تنويعات متصلة للدال. وربما أمكن اعتبار هذا
نتيجة لطبيعة الأشياء المقننة (المشفرة): إذ لا يمكن أن يمنع أو نأمر بدرجات
متفاوتة أي حتى هذا الحد أو ذاك (والحال على العكس من ذلك بالنسبة إلى
الـ"أخطار" التي يمكن لطبيعة الأشياء فيها أن تؤدي إلى التدرج، وهو ما
لاحظه، تجريبيا، واضعو قانون السير، كما سنرى ذلك فيما بعد). بل وحتى الرموز التي
فحصنا، منذ حين، تخضع بدورها إلى القانون الأكبر الذي يحكم كل الأنظمة التواصلية
المحضة: أي قانون الطابع التجزيئي للدلائل والذي يجب أن يُرْبَطَ بنوع اشتغال
الإدراك النظري لدى الإنسان. وحتى إشارات "انعراج خطير إلى اليمين"،
"… إلى اليسار…"، "انعطافات متعددة وخطيرة" (التي تسمى في
الفرنسية بالمشبك) وكذلك "ممنوع الانعطاف يسارا"، أو "… يمينا…"
فإنها أدلة منفصلة بمعنى أن \رسم المنعرج\ أو\الانعطاف\أمر عرفي ولا يسعى إلى تشخيص الانحناء الحقيقي
للمنعرج أو للانحرافات بواسطة الشبه الدقيق بما هو موجود على أرض الواقع، ولا تشخص
زاوية المنعطف التي لا تكون بالضرورة على 90°
درجة. لكن زوايا الطرق المرسومة في \مأطورات الإشارة القبلية للاتجاه\ تحافظ على المقاييس الحقيقية للزوايا الطرقية
كما هي في الواقع، وفي ملتقيات الطرق المتجهة إلى مدن مانس وشاطودان وأورليان
بفرنسا أمثلة على ذلك. ولربما كان الاقتصاد المالي هو السبب الرئيسي في تنميط
مأطورات الانعراج: لم يكن التشخيص التشابهي الأمين ضروريا آنذاك نظرا لما كانت عليه
سرعة السيارات أثناء تكون إشارات السير. وربما أمكن التفكير –بفعل ما وصلت إليه
سرعة السيارات اليوم، دون الدفع بالأمور إلى حد وضع مأطورة خاصة لكل انحناء
انحناء، وعلى مقاسه، ومهما اختلفت هذه الانحناءات وتنوعت- في وضع مجموعة متدرجة من
الإشارات الأكثر تمثيلا وتشابها مع الصور الحقيقية للمنعرجات التي يمكن أن يلقاها
السائق في طريقه، أو على الأقل مع السرعة القصوى الملائمة لما هو مرسوم: لأن هذه
المنعرجات تقتضي تخفيفا للسرعة، شديد التباين، يتغير بتغير الحالات وتخبئ مفاجآت
(مثل الانعراج على أكثر من 90°
بل وحتى 380° أحيانا).
وتتعلق
الاستثناءات الأخرى من خاصة التجزؤ التي تتصف بها إشارات المرور –بـ\المثلث السكري ذي التأطير الأحمر المقلوب رأسه
إلى أسفل\الذي يعلن
عن "الوصول إلى طريق كبير". يبدو أن لحجم هذه الإشارة ثلاث تنويعات على
الأقل: إثنتان من بينها تؤثر فيهما الأهمية المقدرة بناء على التجربة، للخطر الذي
يمكن أن ينجم عن تقاطع الطرق المعلن عنه. ويمكن الاعتقاد أن هذه التنويعات في
الحجم تؤدي، بالنسبة إلى دلائل، هي من جهة أخرى متجزئة في النظام، وظيفة كوظيفة
نبرات التشديد ذات القيمة الأسلوبية [كما في الكلام] أي نوعا من التنغيم الذي يسمح
–كما هو الأمر في اللسان- بالتمييز، أو بمضاعة، الرسائل ذات المحتوى الفكري
المتماثل، من خلال فروقاتها العاطفية دون إثقال كاهل الشفرة code ذاتها. ويصح الأمر نفسه على بعض الإشارات التي تدل على
"أشغال جارية في الطريق"، حيث تتناسب مقاييس المأطوريات بوضوح مع أهمية
وحجم الأوراش التي سنلاقيها في الطريق؛ وعلى مقاييس العرض في حجم الأسهم (التي
تتنوع بحسب أهمية الطرق) المرسومة على مأطورات "الإعلان المسبق عن
الاتجاه".
6 ـ إن كون
وحدات نظام تواصلي ما سطرية، أي قابلة لإنشاء رسائل مبنينة على مستوى الزمان
(بواسطة تتالي الوحدات) يشكل طابعا مميزا هاما. ويكاد يكون بدهيا أن لا تتوفر
إشارات السير على الطابع. كل مأطورة رسالة. وعندما تتألف هذه الرسالة من عدة وحدات
مثل: "ممر على سكة الحديد بدون حاجز مع خط كهربائي" (وهي تتكون منه
الدوال التالية: \مثلت أصفر
ذي حافة حمراء\+\صورة ظلية للقاطرة\+\شريط أحمر في قاعدة المثلث\+\عليه كتابة: ضغط عال\) فإن الوحدات موضوع بعضها إلى جانب البعض الآخر
على مستوى المكان-وليست متتالية في الزمان كما هو الحال بالنسبة إلى الرسالة
اللسنية التي تفسر هذه الإشارة، على وجه التقريب، كالتالي: "سيعترضكم خطر على
الطريق يكمن في ممر على سكة الحديد لا تحميه حواجز وعليه خط كهربائي ذي ضغط
عال". وحدات المأطورة قابلة للإدراك والفهم، بل وتدرك –سيبقى على عاتق علم
النفس أن يبين لنا ذلك- إجمالا مثل تشكيلات تشتغل على غرار الخرائط. الواقع أن
خطاب السير، المؤلف من تتالي الرسائل على حافة الطريق هو الذي يمكن أن يعتبر من
وجهة نظر السائق على أنه سطري. (وليس هو ذا الحال بالنسبة إلى الخرائط. إذ أن
الأقوال الممكنة معطاة كلها دفعة واحدة). يبدو الاستثناء الوحيد من هذا الطابع غير
السطري الذي يميز إشارات السير على الطريق مكونا من \الصوى ذات الشرائط الحمراء المائلة\التي تشير إلى "عبور مباشر على السكة
الحديدية" (وحيث الشرائط\مائلة إلى
الطريق\، وهو مثال جيد على
محاولة مزج ترميز ما بالاعتباط). هذه \الصوى\ التي تكون دائما ثلاثا تدل على "ممر مباشر
عبر السكة الحديدية على بعد 150م"، "… 100م" و"… 50م".
يمكن تأويل الدوال الثلاثة على أنها تبث ثلاثة رسائل متمايزة، غير أنها لا تشتغل
منعزلة عن بعضها البعض، لأن تتابعها لازم. يمكن إذن تأويلها، أيضا، على أنها دوال
منفصلة للرسالة نفسها: تلك الرسالة التي لا تكتمل إلا بتوالي الدوال الثلاثة، حسب
الترتيب (كاشتغال النفي في الفرنسية ne…pas)، والحقيقة أن المقارنة هنا مع اللسانيات لا تصف جيدا نوعية
الاشتغال الخصوصية لهذه الرسالة، بقدر ما تساعد على رؤيتها رؤية جيدة.
تمثل
مأطورتا "الحد من السرعة" و"منع التجاوز" المتعارضتان مع
"نهاية…" –بكل مغاير قليلا وبكيفية أضعف- هذا الطابع نفسه طابع توظيف
قراءة سطرية تربط بينهما في الزمن.
7 ـ بعد
تجزيء الوحدات المؤلفة للنظام، وتخصيصها، وتعريفها ثم تصنيفها يبقى حل المشاكل
التي تطرحها قواعد تأليف هذه الوحدات فيما بينا: أي بمعنى وصف "تركيب"
(نحو) syntaxe هذا النظام.
يمكن تأويل
الرسائل المؤلفة من وحدتين على الأقل (مثلث الخ.. + صورة مركزية) على أنها أحاديث
من نوع "المعرف" + "أداة التعريف"، مثلا: خطر + عبور
الحيوانات، الخ. تشكل المعرفات (المخصصات) في هذه الأحاديث (الأقوال) صنفا جدوليا
تتحلى العناصر فيه بقابلية الاستبدال فيما بينها (بهائم، وحش، ضيق الطريق)، لكن في
إطار معرف ما فقط. مثلا: لا تتبادل الصور الظلية الموجودة في\المثلثات الصفراء ذات الحافة الحمراء\مع تلك التي توجد في \الدوائر ذات القنن الحمراء\ولا مع تلك التي تضمها \المستطيلات الزرقاء\. ويتسم دالا "انعراج إلى اليمين"
و"ممنوع الانعطاف يسارا" اللذان ينكتب أولهما في مثلث وثانيهما في دائرة
– بأشكال متباينة، مثل أشباه المترادفات التي هي في الوقت ذاته أشباه متجانسات، زد
على ذلك أنها تتوزع توزيعا متكاملا: على الطريق (البادية) ~ في المدينة.
يمكن
التساؤل، وبكيفية مشروعة –ما دام الأمر يتعلق، كل مرة، بأحاديث (أقوال) كاملة وليس
بأجزاء أحاديث- عما إذا لم يكن التأويل الأفضل هو أن: المحمول (المسند): (الخطر أو
الإرشاد، الخ…) + انتشار المحمول (مثلا: ... سقوط الأحجار الخ). يلعب لون كل
مأطورة وشكلها دور المحمول (المسند) بالمعنى الإجرائي الذي تعطيه إياه لسنيات
أندري مارتيني: أي الوحدة الوحيدة التي لا يمكن حذفها من الحديث (القول) دون أن
يتهافت هذا بوصفه كذلك. ستصير الصويرات (كالرسوم الطلية) المطبوعة على المأطورات
انتشارا (أو توسعات) بالمعنى نفسه الإجرائي، أي: كل عنصر يضاف إلى حديث أصغر فلا
يغير العلاقات المتبادلة، ولا وظيفة العناصر الموجودة من ذي قبل (مبادئ في
اللسانيات العامة من ص124 إلى 128).
يمكن إذن،
ترجمة التحليل السابق بالكيفية التالية: إن هناك ثلاثة أنواع من المحمولات
(المسندات) في نظام التأشير الطرقي بواسطة المأطورات (خطر، إجبار، إرشاد)، ولا
يتقبل كل نوع منها عدا صنف واحد من التوسيعات (أو الانتشار) خاصة به (فهو غير
متبادل مع توسيعات محمول آخر) يكون خاصا به (إنه غير مستبدل بتوسعات محمول آخر).
أكيد أن النظام يسمح بدوال مثل \دائرة ذات
قنة حمراء\+\طريق ضيق\أو \صورة سيارة متزحلقة\لكن مدلولاتها ستكون عبثية من الوجهة الدلالية
في قانون السير: "ممنوع الطريق ضيق" أو "… انزلاق".
8 ـ ينبغي
أن نتوقف –قبل التعرض للأنظمة- الأخرى لدى بعض المشاكل الخاصة التي يطرحها نظام
المأطورات، لأنها تكتسي أهمية من وجهة نظر التحليل الدلائلي.
رأس هذه
المشاكل مشكل الإشارات التي يمكن، ربما، اعتبار أنها خارج النظام بالمعنى اللسني
للفظ. المثال على ذلك أن \المثلث
المقلوب (رأسه) إلى أسفل\يتعارض مع
كل\المثلثات\الأخرى. ويستعمل هذا\المثلث المقلوب (رأسه) إلى الأسفل\بمعنى "قف" الذي يصير توسعا (غير حاضر
داخل المثلث: الذي يكون فارغا) لمحمول (مسند) "خطر". أما الإمكانات
الأخرى من مثل\مثلث مقلوب
إلى اليمين\أو\... إلى اليسار\والتي يمكن أن تشكل نظاما فرعيا فلم يقم
استغلالها، هناك، مثال آخر هو "اتجاه ممنوع": إنه الإشارة الدائرية
الوحيدة التي تستعمل –من جهة- \الأرضية
الحمراء التامة\ومن جهة
ثانية\الرسم الأبيض في الوسط\. وهناك، أيضا، إشارة "ممنوع ولوج كل عربة
ذات محرك" والتي يتألف دالها من\دائرة ذات قنة حمراء\+\أرضية بيضاء\،يفصلها خط أحمر أفقي إلى نصفين\+\رسم ظلي لسيارة في نصف الدائرة العلوي\+\رسم دراجة نارية في النصف السفلي\. فهذه الإشارة، بدورها، وحيدة نوعها من حيث
وجود العارضة الحمراء الأفقية- ولها تنويع آخر تحتل نصفه الأعلى\رسم شاحنة\+\30\، وفي النصف الأسفل\... سيارة\+\60\، يضاف إلى ذلك تنويع آخر موجه إلى الشاحنات
التي تتجاوز حمولتها أكثر من 5 أطنان ونصف. إننا إذن، أمام نظام فرعي صغير قابل
للنمو وليس أمام وحدة خارج النظام.
وربما أمكن
ضبط شواذ بنيوية أخرى من النوع نفسه: مثل مأطورة "خطر إحراق الغابة"
التي تصنف على أنها مجرد إرشاد وتتخذ بالتالي المستطيل ذي \الإطار الأحمر\.
الواقع أن
إشارات السير لا تحتوي قط على أي ترادف حقيقي. وهذا أمر يمكن فهمه لأن الترادف
التام ليس بذي فائدة ولا داعي له داخل أي نظام من أنظمة قانون السير. فحتى إشارات
"ممنوع على كل عربة يفوق وزنها 5 أطنان ونصف" التي يتألف دالها من\دائرة حمراء\+\كتابة أرقام\ليست مرادفة لـ"ممنوع على كل شاحنة للسلع
يفوق وزنها 5،5ط" والتي يتركب دالها من\رسم شاحنة\+\الأرقام نفسها\. ففي الحالة الأولى يطال المنع حتى حافلات نقل
المسافرين أما في الثانية فهي مستثناة.
هناك مشكل
آخر، هام أيضا، إنه تكرار الرسائل وهو تكرار يكثر وروده جدا، يمكن القول إن هناك
تكرارا أساسيا فيما بين مدلولات الأشكال ومدلولات الألوان المطابقة لها ما دامت
الرسومات المسجلة تحمل في ذاتها مدلول محمولها ("خطر" الخ). لقد كان من
الممكن، إذن، تصور شكل واحد، فاللون يميز بين الأصناف المحمولية الثلاثة، أو على
العكس من ذلك تصور لون واحد لثلاثة أشكال؛ وفي أقصى الحالات كل التوسعات الممكنة
لمأطورات موحدة الشكل واللون. إن في \أحمر\السيارة المرسومة على يسار مأطورة "ممنوع
التجاوز" حشوا (تكرارا) لأن موقع الرسمين الظليين وقاعدة المرور كافيان
لتوضيح أيهما المقصودة. كما أن كلمة "خطر" المكتوبة في مأطورة "خطر
الأشغال" هي الأخرى حشو. يمكن العثور بسهولة على أمثلة أخرى، لكنها لا يجب،
بالطبع، تأويل هذه الملاحظات على أنها فضح للنقائص المنطقية التي تعتري التأشير
الطرقي: لأن الاستعمال المكثف للحشو يعبر عن عائق من العوائق الكبرى التي تفرضها
المقامات والمواقف على هذا النظام الذي لا يمكن أن يشتغل إلا ضمنها: إذ من الضروري
فهم الرسالة مباشرة دون أي احتمال لمخاطر الخطأ نظرا لفداحة الأخطار المحتملة،
والسرعة التي تجري بها السيارات. ينتمي هذا الحشو إلى النوع نفسه الذي تحلله
الأسلوبية في خطاب الخطيب (التوكيد، التكرار، التشخيص، المبالغة).
يستحق
استعمال الدوال اللسنية في المأطورات، بدوره، فحصا. لكننا حتى وإن لم نتوقف لدى
طابعها الحشوي الطاغي ("الأسبقية لليمين"، "خطر" الخ)، فإن من
الممكن الاعتقاد بأنها معيبة من حيث كونها لا تسمح بقراءة دولية لها، من ناحية؛
وأما من ناحية أخرى فإن قراءتها، بدون شك، هي أبطأ القراءات[4].
الواقع أن هذه الدوال تلعب في النظام دورا دقيقا
جدا (أو أنه يزداد دقة وضبطا). إنها تمكن كل محمول (مسند) من الحفاظ على
طابعه المنفتح على كل التوسعات الممكنة. إنها مأطورات يمكن أن يحشى فيها كل شيء.
ففيها يمكن أن تعثر كل الأخبار –التي لم تخضع قط للترميز في أي لحظة من لحظات
بلورة قانون السير- على أمكنة لها. يتضح هذا الاستعمال جيدا في النطاق الذي يتحتم
فيه على إشارات المرور أن تعبر عند المواقف الجديدة التي تطرأ على المستوى
التعاقبي (الدياكروني) بسبب التحولات التقنية وازدياد سرعة السيارات الخ… سيؤكد
التحليل التعاقبي للإشارات هذا التأويل لأنه سيبين لنا إلغاء مأطورات تحمل نص
("حصى")، ("سقوط الأحجار") كلما وقع تبني مأطورات رمزية، بعد
الدرس، لتصير، دون شك، ذات طابع دولي. والمأطورة الوحيدة التي تخلق –على الأرجح-
مشكلا هي تلك التي تحمل \المثلث\+\صليب القديس أندري\+كتابة ممر محمي (ذي حواجز)\حيث يمكن للبس العبارة اللغوية أن تؤدي بالسائق
إلى التردد في معرفة مرور من أو ماذا (حدث المرور) أو أي ممر (طريق) هو هذا المحمي
(إن البحث العلمي الاجتماعي هو الذي سيوضح دون شك الحيرة الحادة التي تنتاب –مثلا-
الأطفال أو الراجلين أمام هذه المأطورة).
9 ـ يحتوي
نظام الإشارات الضوئي على صنفين جدوليين: الأضواء المتناوبة، والطوارف الوامضة في
السيارات. لا يدع النوع الأول مجالا للملاحظات الدلائلية ما عدا الاستشهادية في
أغلب الأحوال، على الطابع التجزيئي للأدلة: الواقع أن الأحمر الذي تزداد حمرته أو
تنقص من ضوء إلى آخر لا يدل على لزوم الوقوف حتى هذا الحد أو ذاك؛ إضافة إلى أن
للألوان مدلولات، في هذا النظام، غير تلك التي لها المأطورات. فال\أحمر\يدل هنا على المنع"(+"خطر" وهو
حشو)، لكن في نطاق نعارضه مع \الأصفر
(البرتقالي)\الذي يكتسي
مدلولا خاص هو ("الإشعار المسبق بوجوب الوقوف") على عكس \الأصفر\في المأطورات؛ وفي تعارضه مع\الأخضر\الذي يدل على ("إباحة المرور")
والمغاير لمدلول\أزرق\المأطورات (وهذا مثال جيد على أنه ليس لنفس
الوحدة الشكلية –وهي هنا الدال \اللون\- قيمة إلا من حيث تعارضها وتباينها (اختلافها) مع
الوحدات الأخرى المتضافرة معها في تكوين النظام). أما الطوارف (clignotants) فهي لا تستدعي ملاحظة ذات خصوصية غير ما عبرنا عنه سابقا؛ إن لم
يكن إمكان أن تدل هذه الطوارف على أن السائق "سيقف" أو
"سينعطف". وسنسقط في اللبس، إذا لم نعتبر –كما هو الحال دوما، في إشارات
المرور- أن المقام الذي تدرك فيه الإشارة، هو الذي يمكن المتلقي من اختيار الرسالة
الصحيحة (وهي هنا الحضور أو الغياب الملازم للتلاقي أو التقاطع المعلن عنه أو
المرئي).
أما نظام
حركات شرطة المرور فهو نظام بسيط يتألف من ثلاث رسائل: "مرور مباح"،
"انتبه"، "وقوف"، مرادفة للأضواء الثلاثة الأخضر والأحمر
والبرتقالي: لكن دون حشو لأن لتلك الحركات الأسبقية على جميع الإشارات الأخرى كلها
بما فيها الأضواء، ويتسم نظام الإشارات الصوتية (الصفير والمنبه-كلاكسون) هو الآخر
بالمحدودية القصوى، وذلك لأسباب مادية: لأن إشاراته لا تستعمل إلا في مقامات يعلو
فيها الضجيج إلى حد يجعل إدراكها غير أكيد. ثم إنها تكاد تكون، في غالب الأحيان،
غامضة بالنسبة إلى المتلقي – وذلك حين يقصد بها متلق معين وسط حشد (صفير الشرطي).
ومن الجدير بالذكر أن نشير –كما هو الأمر بالنسبة إلى الأضواء- إلى أن الإشارات
الصوتية تترتب عنها توسعات لا تخضع لمراقبة القانون مثل: استعمال المنبه للتذكير
بالقانون مثل استعمال المنبهات للتذكير بالقانون، وأجواق المنبهات، والشعارات
الصوتية ذات التنغيم أو الوقع الخاص.
لنظام
العلامات المرسومة على أرضية الطريق أهمية كبرى من وجهة نظر التحليل الدلائلي، لأن
للألوان-هنا أيضا مدلولات مغايرة لما لها في الأنظمة الأخرى: فلل\خط الأصفر المتصل\قيمة المنع. والـ\خط الأبيض الاعتراضي (المائل) \يدل على "قف"، والعلامات\البيضاء والحمراء المتناوبة\الدالة في سياق آخر على "أشغال" لها
هنا قيمة "منع إيقاف السيارات". ويتسم الانتقال من\الخط الأصفر المتصل\إلى \… المتقطع\بنزعة رمزية متؤسلبة جدا، إذ يوحي تقطعه بإمكان
المرور، وهناك ترميز آخر أكثر وضوحا، وذلك حين تضيق المسافات \الخطوط الصفراء المتقطعة\أكثر فأكثر إلى حد تحولها إلى ما يشبه \النقط\المعلنة عن الاقتراب من الخط الأصفر المتصل.
هناك ترادفا بين الخطوط الصفراء "ممر الراجلين" والخطوط البيضاء
الاعتراضية "قف" والخطوط البيضاء المائلة "ممر للدرجات" من
جهة، وبين المأطورات المطابقة لها؛ لكن هذه المرادفات ليست حشوا، إذ أن للخطوط
وظيفة "المخطوط" le tracé وهي وظيفة لا تتمتع بها المأطورات.
10 ـ مهما
كان هذا التحليل المقترح، في إطار هذا المقال، معمقا في بعض جوانبه فإنه ليس
شموليا إذ لم يحاول –أولا- حصر كل وحدات النظام، وتحديدها وتصنيفها، بعد ذلك، وفق
وظائفها: فهو لم يقدم الوصف الدلائلي للشفرة. كما أنه لم يسع إلى دراسة التأشير
الطرقي منه وجهة نظر منطقية-معيارية أو نفسية أي أنه لم يسع للبحث فيما إذا كانت
هذه الشفرة قد بنيت بكيفية جيدة أو سيئة، سواء أمن حيث التعلم (تنظيمه الجدولي
والتركيب) أم من حيث اشتغاله (مقروئيته أي قابليته للقراء والاستشفار دون لبس)
–لقد كان كل وكدنا توضيح بنية الأنظمة (التي يمكن أن يكون لشواذها- بل ومن المؤكد
أن لها- تفسيرات تاريخية تارة، وتارة نفسية). الواقع أننا حاولنا، أساسا، تقديم
مثال للبحث الدلائلي الصرف في مادة قابلة لتقديم المثال على كل التعقيدات البنيوية
والوظيفية لنظام تواصل غير لسني يبدو في الظاهر بسيطا[5] n
[i] - كتب هذا النص بمساعدة ماري لور كليرج
وميشيل جياكوبازي وجان طان هان طالبات في قسم اللسنيات العامة أشكرهن على السماح
لي بنشره هنا.
[2] - لا يحيل تحرير هذا المقال إلا إلى C.G.Hogos
علم نفس السير على الطرقات، (نشر
1968 PUF) وكذلك مقال
ف.بروكارت، ص124-157، (المكتشفين بعد لأي).
[3] - نستعمل هنا الأعراف اللسنية: اللفظ
المحصور بين مزدوجين يعني أننا ندخل في عين الاعتبار مدلوله فقط أما المحصور بين
عارضتين مائلتين فيعني أننا نعتبره دالة فقط.
[4] - مقال Burkard
من الكتاب نفسه، ص137-139.
[5] - نشر هذا المقال في علم المعرفة
السوسيولوجية، عدد 9، يوليوز 1970.