ص1     الفهرس    31-9-40

 

رائيا... يأتيك المديح...

آمنة البكوري

أوسفالدو

يحدث أن يغمرَ موجكَ رفيفَ رُوحي

فتزهرُ نوارةُ رُطبي

في مساءاتٍ لا كالمساءات..

يحدثُ أن يستوهِبني الحنينُ الهادرُ إليكَ..

فأهرَعُ إلى طرقاتِ قناديلكَ

أتلمسُ في تهاويلِ الأسحار

أشجانَ صوتي..

حين كان يختطُ لنهر وريدكِ

ما سنح من غوايةِ الأشعارِ

والأقمار..

أوسفالدو..

لست لك ما تودُ وتشهى..

فنصالُ عروقي

مثقلةٌ بعراجينِ الضوء

ملطخةٌ بالْحُلْكَةِ الغامضة لوهج الكلمات..

من حولي: تُصادرُني يدايَ

تشتعلانِ حبراً

يتكَشفُ نزفُه غبشاً حراقاً

في صدرِ رُؤاي..

من هولي تشربني شواهقُ الأعالي

تسورني بركاتُ أندائُها البحرية

بنذور العدم

بٌوعول البياض..

تُشهدُ أليافَ السماء

عُقوقي..

تحُللِي من خطيئةِ البوح الأولى..

من وجعي القابع

خلفَ حِجالِ الشمس

وربابةِ مئذنة الكلام..

أوسفالدو

تذكرُ أني كنتُ طوعَ لماكَ

لم يكن ليلي محضَ رمادٍ

وأنا أرمقُ وجهكَ الْمُبتلى بالأسرارِ

يتعللُ بدورة الأقمارِ

ويتشحُ بتغريباتِ الأغاريد

والأشعار..

فدعني للحظة.. أُمشِطُ صدرَ الليل

بهديلِ الكلمات..

أصَّاعدُ ملء أراجيح روحكَ البريةِ

كي أُشرفَ سراً على بهاء الأقاصي

وأُشعلَ قمراً في دواة الحبر الكوني..

دعني أستحلبُ من عينيكَ النجلاوتين

عسل النجوم..

وأرحق من لثغك

رشفة استعارةٍ

كي أملأ خلسة

دورق الجرار والخلان..

كعذراء القبائل الغافية..!

أوسفالدو

هَب أنك فكرةٌ مجذوعة سابحة

في ملكوتِ الهواء

تهيئها الصدفة

كي تحتويكَ على عجل من مسد..

هَب أن أحلامك جافتك للأبد

حين حلُمتها دفعةً واحدةً

وبلا موعدٍ أو أمد..

هب أن "لوركا" أهداك ذاتَ ليلة

أهليةٍ غضباءَ

حبقاً من ورق..

هل سيكون للحبق آنئذٍ

نفسُ مكرِ الورد الجميل

على نعش الياسمين..؟!

هَب أن "الخنساءَ" شقت صدر أنوثتها كمداً

هب أن عقبان لوعتها تداعت صخراً فحجراً

هل سيكون لعصائب الرمال المفجوعة

نفسُ النوح المحتوم..

حين يهدلُ طائر الحمام دمعاً

وهو يُرتق أشتاتَ وجعهِ المكلوم..؟!

أوسفالدو

ما همستُ لك بنسيبيَ إلا قليلا.. قليلا..

رَفةُ هدب واحدةٍ تكفي

لتوقظَ صهيلَ الروح من كبوته..

لتفجعَ سِرب القطامن مضجعه..

لتفتح بوابة الاِحْتِمَال

باتجاه قصيدة بتراءَ

قد تنوحُ ولا تجيء..

أوَ هكذَا تشهقُ غواشي الليالي..؟!

لم يكن ليلي محضُ كفاية

وأنا ارمقُ ذاتَ الوهج ينطفئ ضامراً في

زهرِ الكلام..

يرقاتٌ حيرى يُفتِقُها نَولُ حرفيَ

القتالُ..

يجلُدني عطشُها المرمريُ

بحبلٍ من وهنٍ

فأهشُ شرارةَ حنيني جهة مائكَ السِري..

يا العابرُ بي هوناً..

هلا أمطرنا عُنابَ الزمن

بِبَردِ الكلمات..

هلا بايعنا مجازَ الماءِ ماء

كي ينتشي فينا القصيد..

هلا شيعنا البحر الميت جهةَ منفاه

هلا انتظرنا قليلا..

قُل لِي

لماذا أولُ الموتى يكونُ الشُعراء..؟!

أوسفالدو..

لا تُنكِل بي كثيراً

قد لا أحملُ مصباح "إيديوجين" في وضح النهار

لكني قد آتي إيوانكَ

غداة ريح شتوية ليلاءَ

لأُكيلَ لكَ مديحاً سائغاً

يرعش فرائصكَ الظمأى..

قد أورطكَ حينها بحقيقة حدسي

وأهججُ عرشَ صحوتكَ الصريحة..

وقد أقيك بشُفافة خدري

ظنك العبق الفاحش

حين تتزيا بسبإ نجماته

أنثى الحقول الْمُغرِضَة..

الْمُرَوِعَة..

المارقة..

صدقني قد يكذبُ ورقُ الزجاج

وماءُ الشعر

تحت صرح أسفاقة مصطخبٌ

قد تخذلنا لعبة الزجاج..

كما يكذبُ حدس الجسد حين

يطمسُ خُلَّبُ البصرِ

بصيرةَ الحواس..!

يا العابرُ بي..

عَزَّ طويلا لقاءُ الحرف

شحَّ أوارُهُ..

فلا تُضلِل وجعي كفايةً..

لا تفطِمني بالصمتِ السَخينِ..

فقد تناهى للروح صدى الماء لواذاً

وهذا الليلُ الْمُنحجِبُ بظني

الْمُتشِح بسُهدي

لجَ بعيداً في شَملةِ غمرِه..

وأنا ما همستُ لك بالصدِ إلا قليلا.. قليلا

فقل لي

لماذا لم يعُدِ الشعرُ يأتي رُخاءً..

لماذا لم يعد يشبه الحقيقة ولا الضوء؟!..

أوسفالدو

نارٌ أضرى من سوانح

الْمُهج الْمُشتهاةِ

تَتبركَنُ في ترائبِ الكلمات..

توقظ نشوةَ القوافي الذريعةِ

التي أفِلت..!

لستُ غادةً بحريةً غيداءَ

كي يخذلني قريضُ الماء..

أوَ ذنبِيَ أني عطشى

فلماذا تخذلُ الغصة

شاربَ الماء..؟!

أوَ ذنبي أن لي عمقَ السحر

فلماذا يسيح الماءُ دائما

باتجاه الحفر؟!

أوسفالدو

البضاعةُ الوحيدة التي تشبه الذهب هي…… الطريق..

هكذا حدثنا العم "بولص"

ذات سحرٍ عاجل..

الأشعار تشتعل الآن برأسك الوبيل..

الأشجار تحفُ الآن بدربكَ الضبابي الطويل..

لستُ إليكَ بانتماء

وأنا ما تركتك حارسا للنذور

إلا على مضض..

فامض رائيا..

دربُ الشعر طويل..

امض مغامراً.. فاتحا ذراعيكَ للريح

لبكارةِ الأرض..

قد لا يُخطئ الطريق

حين يراك تلجُ بعيداً على هيئة صليبٍ أو شهيد..

قد لا يخطئ الطريق

قد لا يخطئ الطريق..!!