ص1 الفهرس    31-40

خَفِيفًا، كَذَاكِرَةِ طِفْل

عبد الدين حمروش

يِنُوءُ بِجَسَدِهِ،

وَبِالْكَادِ يَجُرُّ خُطْوَتَهُ.

لِذَلِكَ، يَتْرُكُ بَطْنَهُ بِقَاعَةِ الأَكْلِ حِينَ يِلْتَحِقُ

بِالْمَكْتَبِ لِتَحْرِيرِ رِسَالَةٍ، رِجْلِهِ عِنْدَ الْبَابِ حِينَ

يَسْتَوِي عَلَى الْكُرْسِيِّ قُبِالَةَ الشَّاشَةِ، يَدَهُ بِمِقْبَضِ

النَّافِذَةِ حِينَ يُقْفِلُ بِالأُخْرَى صَوْبَ الْمِصْبَاحِ، وَجْهُهُ

عَلَى الْمِرْآةِ حِينَ يَعُودُ أَطْرَافُهُ فَوْقَ السَّرِيرِ، أَصَابِعُهُ

عَلَى الْبَيَانِ حِينَ تَأْخُذُهُ أُذُنَاهُ فَوْقَ الشَّجَرَةِ، جَبِينُهُ

عَلَى الأَرْضِ حِينَ يَقُومُ صَدْرُهُ بِاتِّجَاهْ الْبَابِ، ذَقْنُهُ

وَشَعْرُهُ، أَسْنَانُهُ وَأَنْفُهُ بِالْحَمَامِ حِينَ يَشْرَعُ فِي

قِرَاءَةِ أَخْبَارِ الصَّبَاحِ أَوْ يُصَلِّي.

لأَنَّهُ يَعْيَى بِأَدْنَى إِشَارَةٍ مَنْ أُصْبُعِهِ، الْتِفَاتَةٍ بِرَأْسِهِ

تَقْطِيبٍ مِنْ حَاجِبَيْهِ، تَغْضِينٍ مِنْ وَجْهِهِ.. تِسِلَّلَ،

ذَاتَ حُلْمٍ، مِنْ جَسَدِهِ، خَفِيفًا كَذَاكِرَةِ طِفْلٍ، عَالِيًا

كَفِكْرَةٍ لَمْ تَتَدَحْرَجْ عَلَى وَرَقَه.

وَبَيْنَمَا الصَّبَاحُ يَهِلُّ،

يَضِيعُ عَنْ جَسَدِهِ الْمُتَهَدِّمْ.

هُوَ، الْيَوْمَ، طَيْفٌ.

لِذَلِكَ، يُصَفِّرُ وَيُغَنِّي عَالِياً،

حَيْثُ الْمَارَّةُ بِأَجْسَادِهِمْ يَنُوؤُونَ،

يَبْحَثُونَ لِلطَّارِبِ عَنْ جَسَدْ

رَجُلٌ بِدُونِ أَحْلاَم

كَانَ يَغُطُّ فِي النَّوْم

يَحْلُمُ بِصَوْتٍ مُرْتَفِع،

حَيْثُ فِي كُلِّ زَفْرَةٍ تَتَسَرَّبُ الأَحْلاَمُ

مِنْ ثُقُوبِ جَسَدِهِ بِغَزَارَةٍ إلَى فَضَاءِ الْغُرْفَه،

مُخْتَلِطَةً بِالَّليْلِ، وَالْهَوَاءِ، وَالسُّكُونِ، وَالأَشْبَاح

فَجْأَةً،

مِنْ عُمْقِ سُبَاتِهِ انْتَبَه،

فَبَادَرَ إلَى إِغْلاَقِ صُنْبُورِ أَحْلاَمِهِ،

ثُمَّ شَرَعَ فِي مُطَارَدَةِ الأُخْرَى الْمُتَسَرِّبَه،

مِثْلَ الذُّبَابِ تَحُطُّ مَرَّةً فَوْقَ الأَبَاجُورَه،

مَرَّةً تَعْلُقُ بِالْحَائِطِ، وَثَالِثَةً بِالْبَابِ، وَبِالنَّوَافِذِ..

حِينَ تَعِب

حِينَ يَئِس،

اِسْتَسْلَمَ لِلنَّوْمِ مُسْتَنْفِداً الْبَقِيَّه،

وَمَاتَ عُمْراً طَوِيلاً بِدُونِ أَحْلاَم.

أَصَابِعُ سُورْيَالِيَّة

فِي الصَّبَاح،

قَبْلَ التَّوَجُّهِ لِلْعَمَلِ،

وَأَنَا أَهُمُّ بِتَعْدَادِ أَيَّامِ الأُسْبُوعِ الْمُتَبَقِيَّه،

أَلْفَيْتُنِي دُونَ أَصَابِع.

أَيْنَ أَصَابِعِي؟

انْخَطَفَتْ، وَهْيَ تَحْلُمُ بِالدُّولاَرِ، فِي رِهَانٍ خَاسِر؟

احْتَرَقَتْ، وَهْيَ تُطْفِئُ الْمِصْبَاحَ، فِي آخِرِ الَّليْل؟

أَيْنَ أَصَابِعِي؟

أَيْنَ أَصَابِعِي لِأَعُدَّ أَيَّامِيَ الْمُتَبَقِّيَه؟