ص1     الفهرس    31-40

 

بُحَيْرَةُ الْعُمْيَان

ياسين عدنان

هُنَاكَ قُرْبَ بُحَيْرَةِ الْعُمْيَان

حَيْثُ كُنَّا نَلْتَقِي

نَبَتَتْ

زَهْرَةٌ سَوْدَاءْ

هُنَاك

وَجَدُوا جُثَّة مَارِس

مُضَرَّجَةً فِي هَشِيم الْخَيَالاَتْ

لِنَكُنْ صُرَحَاء

فَالحُبُّ الذِي كُنَّا نَحْكِي عَنْهُ فِي

فُنْدُقِ الْبُسْتَان

قَبْلَ سَنَوَاتٍ قَلِيلَةٍ

لَيْسَ هو ما نَفْعَلُهُ الْيَوْمَ بِأَجْسِادِنَا

الْمُنْهَكَهْ

بَعْدَ أَنْ يَنَامَ الأَطْفَالْ

الأَمْرُ لَيْسِ عَصِياً عَلَى الشَّرْح

إِنَّهُ تَماماً كَقَصِيدَةٍ

تُشِعُّ دَاخِلَك فِي الْبِدَايَةِ ضَوْءًا

بَاهِراً

لَكِنْ حِينَ تَغْرِسُهَا فِي قَلْبِ الصَّفْحَةِ

يَصِيرُ الشُّعَاعُ الأَوَّلُ

خَيْطَ دُخَانْ

لِنَقُلْ

إِنَّهَا جُثَّةُ الضَّوْءِ

تِلْكَ الَّتِي قَطَّعْنَاهَا إلَى مُكَعَّبَاتٍ صَغِيرَةٍ

وَبَدَأْنَا ندفنها كَمَا اتَّفَقَ

بَيْنَ شُقُوقِ الْهَوَاءْ

وَالآن

لاَ تَقُولِي أَنَّ بَنَاتْ آوَى

قَدْ اسْتَيْقَظْنَ، بَعْدَ طُولِ رُقَادٍ، فِي

خَلاَيَاكْ

فَالُّلهَاثُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ دَلِيلَكِ نَحْوَ

مَا لاَ يُدْرَكُ

...ثُمَّ إِنِّي نَسِيت!

فَقَط أَخْبِرِينِي

أَمَا زِلْتِ

تُخَبِّئِينَ جَسَدَكِ فِي دُولاَبِ الْمَلاَبِس

وَتَخْرُجِينَ إِلَى مَطَر الزُّقَاق

عَارِيَةً

مِنَ الأَغْصَان؟

أَمَا زِلْتِ تَتَسَلَّقِينَ الْهَوَاءَ

نَحْوَ

سَطِيحَةِ النُّعَاس

حيث الْقِطَطُ وَالخَرَائِطُ وأشجَارُ الشَّكّ

تَنَامُ

تَحْتَ جُبَّةِ ابن سِيرِين؟

أمَا زِلْتِ تَنِزِّينَ كَرَذَاذٍ مَخْذُولٍ

وتَصْمتينَ كَقَيْلُولَةٍ

وكَمَسَاءٍ نَاعِسٍ

تَتَأوَّهِين؟

دَعِي أَجْرَاسَ الْعَطَّارِينَ

تَسْقُطُ

مِنْ رَنِينِكِ

لأسْمَع نِدَاءَكِ الْمَزْعُومَ عَمِيقاً

واعْتَرِفِي بالأجْنِحَةِ

بِزُجَاجِ عُزْلَتِكِ

وأَسْرَارِ الْفَلَكِيِّين.

لِنَكُنْ وَاضِحَيْنِ ولو لِلَحْظَةٍ

فَأَنَا

أعْلَمُ ما تُبْطِنِين.

لَقَدْ رَأيْتُ شفَتَيْهِ تُغَازِلاَنِ مَاكْيَاجَكِ،

أنْفَاسَهُ

تُطَارِدُ الْفَرَاشَاتِ فِي حَدِيقَةِ

صَدْرَكِ،

وَأَحْسَسْتُ نُحَاسَهُ لَزِجاً

بَيْنُ أَلْيَافِكِ

رأيْتُهُ فِي مَنَامِكِ

كَمَا يَرَى الذَّهَبُ رَنِينَهُ

وكرهْتُ أن آتيك.

رَغْمَ أَنَّ الْفِضَّة أَبَدًا تَهْزِمُ النُّحَاسَ

كرهتُ

أنْ آتيك.

دَعِي سَريركِ قُرْبَ الْعَاشِرَةِ صَبَاحًا

وَانْسَي أنَّ الَّليْلَ

كان خِلاًّ

دَعِي السَّرِيرَ هُناكَ

وَارْفَعِي رَأْسَكِ كما يَلِيقُ بنخلةٍ

عَطْشَى

دَعِي الشُّرْفَةَ تطفَحُ عَلَى مَنَامَتِكِ

القَاحِلَةِ

دَعِي أصَابِعَهَا تَزحَفُ بين أَلْيَافِكِ

دَعِيهَا

تُدَغْدِغُ قُطْنَ أَحْلاَمِكِ

وتَرْمِي أَحْجَارَ

الأرَقِ فِي قَوَاريرِ حُمَّاك.

إِيَّاكِ والرَّعْشَة

فَاللَّيْلُ لم يَعُدْ صَديقَكِ. والنَّهْرُ جفَّ

ولا أحد سيأتي من جهةِ الْمَاءِ

ضَعِي نُحَاسِكِ الْمُضَرَّجَ عَلَى الطاولة

وفَكِّرِي

برَكْضِ السَّعادةِ الأعمى

فِي الْمُنْحَدَرَات

أنتِ لم تَتغَيَّرِي كَثيرًا، وأنا، رُبَّما، مَازِلْتُ

أهْفُو

لَكنَّ جُثَّةَ ما بَيْنَنَا تَتَعَفَّنُ وَحِيدةً

عزلاء

في الخلاء البعيد هناك، قرب

بُحَيْرَةِ الْعُمْيَانْ.