ص1        الفهرس       31-40

 

موجهات تشكل الحكي عند المتصوفة

 

آمنة بلعلى

قد يبدو من الضروري، وقبل البدء في رصد مظاهر البنية السردية للخطاب الصوفي، أن نستقرئ بعض الخلفيات السلوكية المرتبطة بالتجربة الصوفية لما لها من تأثير في تفعيل العقد التواصلي بين المتصوف والمتلقي، وما حققته تلك السلوكات من سنن مخزونة في ذاكرة ذلك المتلقي، حتى وإن لم تعتبر تلك السلوكات نصا بالمفهوم المتعارف عليه، وإن كان يجوز أن نحيلها إلى المفاهيم العامة للنص التي تدرج مجموع إشارات signaux مهما كان نوعها، وتؤدي معنى معينا وتكون نصا كالإعلان والرسم والصورة والرقص وغيرها. مما يعكس سننا مشتركا مهما كانت درجة عدوله.

والتجربة الصوفية كسلوك نظر إلى ممارستها بمقدار ما أحدثته من تصدع في البنية المعرفية. وخطابها جرى في فضاء كان قطباه مرسلا ومتلقيا صدم أحيانا عندما لم يستطع التوفيق بين ردود أفعاله وآفاق المتصوفة التي حملتها تلك العبارات المستغربة التي يعبر بها الصوفي عن علاقته بالله. وقد عبرنا عن ذلك في موضع آخر بتعارض الآفاق وما أنجز عنه من تصادم بين المتصوفة والسلطة.

ولقد فطن المتصوفة إلى هذا الأمر منذ البداية، لذلك كانوا محكومين في وضعيتهم هذه بعدة عوامل لعل أهمها:

1 – ذلك الوعي بوضعهم، وعدم امتلاكهم قوة السلطة المادية، فاصطنعوا سبلا كثيرة للستر كالرمز والصمت والاختفاء.

2 – تفعيل العقد التواصلي مع المتلقي، من خلال الأساليب اللغوية والسلوكية في الوقت نفسه من أجل التأثير فيه. وسواء كان المتصوفة على وعي أم على غير وعي بالأهداف فإن تلك الأساليب أدت إلى تشكل الحكي والسردية الصوفية، التي يستطيع أن يهتدي إلى مكوناتها تلقائيا كل من حاول أن يتعرض لأهم المظاهر المكونة لخطة التفعيل التواصلي، والتي تعكس دور المرسل (المتصوف) مع المتلقي، وذلك من خلال المظاهر الآتية:

1 – الوجد والشطح:

هما مصطلحان لفضاء تعبيري بالحركة والكلام عن لحظات الفناء التي يصل إليها الصوفي عند اكتمال التجربة الصوفية، وتتجسد في بعض المواصفات هي صفات الواجدين مثلما ذكر الطوسي


[1] كالوجل والأنين والصياح والحركة بعد السكون الذي وجد له مبررا في قوله تعالى: "الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم"[2]. فالوجل صفة من صفات الواجدين، والوجد مكاشفات من الحق في شكل حركات أو كلمات مستغربة هي ما عرف بالشطح، الذي هو أيضا عبارات وجدية Locution théopatique extatique كقول "أبي زيد البسطامي سبحاني سبحاني طاعتك لي يا رب أعظم من طاعتي لك. وقول الحلاج:

آه أنا أم أنت هذين إلهيــــــن    حاشاي حاشاي من إثبات اثنين(*)

بيني وبينك أني يزاحمنـــــــي     فارفع بأنك أني من البيــن

وقول الشبلي: أنا النقطة التي تحت الباء! ليس في الجنة أحد سوى الله، ليس التصوف في حقيقته سوى شرك يشتغل بتصفية القلب مما سوى الله، إذ ليس في الوجود إلا الله"[3].

فالشطح بهذا المعنى هو تعبير عما تشعر به نفس المتصوف حين تكون في حضرة الله، وقد تسبقها حركة مما ذكر الطوسي كالصياح أو الأنين أو الإغماء، كما قد تلحقها، وكثيرا ما يصدران معا، لذلك نرى الطوسي يعرف الشطح بأنه "كلام يترجمه اللسان عن وجد يفيض عن معدنه مقرون بالدعوى، إلا أن يكون صاحبه مستلبا ومحفوظا"[4].

ولقد أورد الطوسي، وهو من أقرب المصادر لمتصوفة القرن الثالث، ولأول مرة هذه العبارات تحت عنوان "الكلمات التي ظاهرها مستشنع وباطنها صحيح مستقيم"، ويحاول في كل مرة أن يعطي الخلفية الوجدية لهذه العبارات، وذلك بذكر خبر يحكى عن سبب قول هذه العبارات، مدللا على جوازها، كقوله عما يحكي عن الشبلي أنه "ذكر عنه أنه تواجد يوما فضرب يده على الحائط، حتى عملت يده، قال: فعمدوا إلى بعض الأطباء، فلما أتاه قال للطبيب: ويلك، بأي شاهد جئتني؟ قال: جئت حتى أعالج يدك، فلطمه الشبلي رحمه الله، وطرده، قال: فعمدوا إلى طبيب آخر ألطف منه، فلما أتاه، قال له: ويلك، بأي شاهد جئتني؟ قال: بشاهده، قال: فأعطاه يده، فبطها وهو ساكت، فلما أخرج الدواء يجعله عليها، صاح وتواجد، وترك أصبعه على موضع الداء، وهو يقول:

أنبتت صبابتكـــــــم     قرحة على كبــــــدي

بت من تفجعكــــــم     كالأسير في الصفـــــد"[5]

ويقول في موضع آخر:

"سمعت ابن سالم يقول عن أبيه: إن سهل بن عبد الله كان يقوى عليه الوجد حتى يبقى عليه خمسة وعشرين يوما، وأربعة وعشرين يوما، لا يأكل فيها طعاما، وكان يعرف عند البرد الشديد في الشتاء، وعليه قميص واحد، وكانوا إذا سألوه عن شيء من العلم يقول: لا تسألوني فإنكم لا تنتفعون في هذا الوقت بكلامي"[6].

ما يلاحظ من خلال هذين النموذجين أن الوجد الذي ينتج عن الفناء في الذات الإلهية عند مرحلة الوصول، يؤدي بصاحبه إلى حالات عصبية ونفسية تلفت الانتباه أكثر مما تلفته العبارات الشطحية، وهي حالات من عدم الشعور قد تخلف وراءها سلوكات آنية كالإغماء والتعدي الجسدي، وسلوكات دائمة، كالجوع والتيه في الفلاة، أو السكر في عرف المتصوفة، أو الهلوسة والجنون في عرف معارضيهم.

إن هذا الوضع الغريب أسهم في نشأة اتجاه نحو القص، لأن شيوع هذه الحالات وما تبعها من كلام مستغرب، سمح بانتشار الأخبار واختلافها، ومن ثم الاستمتاع بها والسعي نحوها، والاستفسار عن طبيعتها، ومحاولة فهم رسالتها التي غالبا ما تمتاز بالغموض، وفي العبارة المستغربة تكون الرسالة غامضة تماما. ثم إن الطابع التراجيدي في ظاهرة الوجد التي تحمله مثل هذه الرسالة يجعل كل خبر ينقل عن صاحب الوجد موسوما بتلك التراجيدية.

إن الأخبار التي أفرزتها هذه الظاهرة كان لا بد أن تتخذ في إذاعتها أشكالا مختلفة من التأثير كما كان لا بد من وجود إطار يكون قادرا على الجمع بين بداية ونهاية تبرز غرابة الخبر وشدة الأثر. وهنا لم يجد المتلقون أنفسهم أمام وضع مستغرب هو الوجد أو كلام مستغرب هو الشطح فحسب، ولكن بإزاء وضع تواصلي آخر تم فيه تحويل هذا الاستغراب من واقع حقيقي مرتبط بسلوك متصوف وكلامه إلى عالم آخر هو حالة الحكي أو القص وهو عالم سرد الأخبار.

إن الرسالة المستغربة، التي تقدمها هذه الأخبار للمتلقي، تبدو –سواء أكان المرسل فيها الصوفي نفسه أو المتلقي الذي يغدو بدوره مرسلا لها- غنية إلى أقصى حد ممكن بمعان مسكوت عنها. ومن ذلك فهي تعطي عدة خيارات تأويلية كمثل ما تعطيه عبارة "بشاهده" التي قالها الطبيب حين سأله الصوفي بأي شيء جئتني؟ فالغموض الذي ينتجه هذا الحوار البسيط يوقظ انتباه المتلقي، ويدفعه إلى جهد تأويلي يتمكن بفضله من فك العدول الممارس في السنن ومحاولة إيجاد نمط من التعاون بين المرسل وبينه، بعد ذلك الاستغراب الحاصل، لأن رسائل من هذا النوع "تنتج شيئا ما مفاجئا، شيئا يذهب فيما وراء الانتظار، ويبدو مناقضا للرأي المتعارف عليه"[7].

نفترض أن حالات الوجد هذه التي أسهمت في انتشار الأخبار، قد أسهمت كذلك في ترقب أخبار أخرى من قبل المتلقين، مما عرض الخبر الأصلي إلى نوع من التضخم، سواء بزيادة أخبار أخرى أو في تضخم على مستوى الحكم من خلال الطريقة التي يورد بها الراوي الخبر، سواء أكان حدثا، أو مجرد حالة، مثل تلك التي ذكرها الطوسي، حيث يجمل ويلخص الراوي ما حدث لسهل بن أبي عبد الله عدة مرات وهو الإمساك عن الطعام والشراب لمدة طويلة، ويورد قوله: "لا تسألوني، فإنكم لا تنتفعون في هذا الوقت بكلامي"، ليكون كلامه أقل غرابة من كونه يعرف عند البرد الشديد، وعليه قميص واحد.

ولقد راجت أخبار المتصوفة المتواجدين وكثرت، وكلما كثرت الأخبار، تكثر الزيادات، ويزداد عدد المترقبين لها، وما يسبقها أو يلحقها، مما يدفع هؤلاء المترقبين إلى التساؤل عن طبيعتها ومصداقيتها، أو عن الحقيقة والخيال فيها. وقد أسهم الطابع المستغرب في توطيد العلاقة بين المتصوفة والعامة. ونظرا لهذا الوضع الاستقبالي من جهة، ولارتباط التصوف بحركة التدين والزهد من جهة أخرى، أصبح الوجد والشطح من الأساليب المهمة في تفعيل التواصل بين المتصوفة والمتلقين. ووقفنا عند وضع تفاعلي يبدأ من المتصوف إلى المتلقي ليعود مرة أخرى من المتلقي إلى المتصوف، فكثرت ردود أفعال المتلقين بعدما تصاعدت أفعال الوجد والشطح وأخبار الواجدين. وتدوولت القيمة المعرفية لأصحاب هذه المواجيد والشطحات التي أصبحت المعرفة تصدر عنها، بل أصبحت دليلا عليها، لأن "علامة العارف أول دخوله في المعرفة الشطح، ومن لم يبلغ مرتبة الشطح لا يصح أن يسلك في عداد العارفين بالمعنى الصحيح"[8] ولذلك انتشرت الشطحات في النصف الثاني من القرن الثالث، وخاصة عند البسطامي والحلاج الذي نحا بها بعدا تجريديا، وشغل الناس والفقهاء بها، ولعب الخلاف والاختلاف دوره لحساب البسطامي على حساب الحلاج، فأولت شطحات البسطامي، وقد أورد الطوسي جزءا من هذا التفسير.

إن ما ميز تلك الأخبار هو متونها التي تحتمل الكذب أكثر من الصدق، وتجاوز الخيال والعجيب فيها الواقع والحقيقة، وكان ذلك تأسيسا للبعد الخوارقي الذي أصبح ميزة من ميزات السردية الصوفية. وقد تجلى ذلك حتى على المستوى البنائي للحكاية، كتلك الأسانيد التي كانت تصاحب تلك الأخبار، وهي في أغلبها أسانيد مضللة، لم يعتمد فيها كما هو معروف على احترام سلسلة السند التي تدل على صحة الخبر، فأغلبها جاء بصيغة: سمعت، أو حكي عن، أو ذكر عن، أو سئل عن كذا أو قيل.. وغيرها من العبارات والصيغ التي فيها ما يدل على اختلاف المتون من جهة، لكنه يؤسس من جهة أخرى لبداية تشكل النوع القصصي الصوفي كالمعراج والكرامة الصوفية والتي تنضوي كلها تحت النص الخوارقي في السردية العربية.

لقد كان طبيعيا أن تسهم تلك الزيادات وذلك الحشو المرتبط بشيوع الحكي حول تلك المواجيد والشطحات، في تعقيد الرسالة، وتغير طبيعتها التركيبية والجمالية أثناء الحكي، نظرا للضغط الإخباري الذي مارسته تلك الزيادات على المتلقي والمتصوف في الوقت نفسه. فبالنسبة للمتلقي كان لا بد أن تكون لديه ردود أفعال أعمق وأكثر تنوعا، فيلجأ إلى تأويل تلك الأخبار تأويلا لا يخلو من إسقاط أفق مرجعي على طبيعة الخبر، وذلك بأن ينسب تلك الحالات إلى الله إلهاما أو بواسطة الهاتف، الذي يجعله وليا صالحا ووارثا، امتدادا للأنبياء والرسل.

أما المتصوف فتكون لديه نوع من الانعكاسية الذاتية التي تضمن له تلك المرتبة، وتجعله يحافظ على أكبر عدد ممكن من المريدين، فيلجأ إلى التواجد، وهو نوع من الوجد الإرادي لكي يضمن تواصلا أكثر، وهكذا أصبحت الأخبار أكثر إطنابا وحشوا، من حيث الأحداث التي تصحب أو تلي حالة الوجد، وبعدما كنا مع كلمات أو عبارات مستغربة تحددها أجهزة معيارية ناتجة عن صدام مع أفعال استعارية غير مألوفة في الخطاب، أصبحنا أمام تمديد على مستوى الدوال، وبنية النص الذي أخذت فضاء أوسع. وحل مصطلح الحكاية محل الخبر.

ولقد أسهمت الانتظارات الدينية التي تربط هذه الحالات والأخبار بالمتدين الولي الصالح، في تحول فردية الحالة والخطاب (الوجد والشطح) إلى طابع جماعي يشارك في الأحداث آخرون أسهموا بشكل كبير في تشكل النوع القصصي. وبعدما كان الوجد حالة نفسية شخصية أصبح حالة عامة هي التجربة الصوفية التي يعيش الصوفي مع بقية الناس شروطها الروحية والمادية، وحتى الفيزيولوجية ما دام الناس أصبحوا يعتقدون بأن الصوفي قادر على التأثير في الواقع والإنسان بتلك الكرامات التي يهبه إياها الله، والتي كانت فضاء جيدا تم فيه التواصل بين الصوفي والمتلقي.

وهكذا تمكننا "التجربة التواصلية هذه، والتي هي تجربة ثقافية من الإجابة المؤكدة على أن الوضع القاعدة الحقيقية للتواصل، وتترجم أيضا إلى محيط تواصلي دلالي.. غير أن التواصل ذاته وفي بعده التداولي ينتج سلوكات تسهم أيضا في تغيير الأوضاع"[9].

2 – الرؤيا:

لقد أدرك المتصوفة أن إثارة الاستغراب والاحتمالية التي تتسم بها الشطحات كفيلة بخلق تفاعل بينهم وبين الآخرين، واختاروا جمهورهم من العامة وطالبي العلم. ولما كان الوجد لأصحاب المعرفة التي تجسدت من خلال شطحاتهم كان هناك توق إلى سرد ما من به الله على عبده العارف من معرفة من عنده، يقينية، "لا يتطرق إليها الشك أو الغلط، لأنها تأخذ قيمتها من علو مصدرها، فهي متلقاة مباشرة من الله عز وجل، بدون واسطة، سواء أكان ذلك بواسطة الإلهام أو الرؤيا المنامية، أو بصوت الهاتف"[10].

وفي الرؤيا تتسع دائرة التواصل، لكونها تؤكد إمكانات هائلة للتفاعل حين التلقي، وذلك بفضل الطاقة التخييلية الكبيرة التي تحتوي عليها، والطابع الحكائي الذي تتشكل به وتعرض، والذي يستجيب إلى آفاق انتظار واسعة لمختلف شرائح المتلقين، لما يمنحه الحكي من متعة قد لا تمنحها أشكال تعبيرية أخرى كالشعر لأنه يتخذ الحكي من المتلقي موضوعا له بالقدر نفسه الذي يكون للمحكي، إذ لا وجود لحكي بدون متلق له وضعه الخاص في سياق مكونات البنية السردية لأي خطاب حكائي، حتى وإن كان ذلك متجسدا في المروي له. هذا فضلا على أن المروي له في نص الرؤيا متماه مع الراوي، نظرا لذلك العقد المسبق بينهما والقائم على تقديس الرؤيا، لأنها من الله لذلك كان المتصوفة على وعي بهذا التجاوب الذي يمكن أن يعمم على المتلقي عامة، والذي يفترض أن يمارس شروط ذلك العقد الذي من أهمه التصديق بالرؤيا، وتأويلها بعد ذلك وفق الآليات المشتركة التي تمنحها الثقافة المشتركة.

لقد دفعت متعة الحكي المتصوف الرائي (الذي يرى حلما في نومه) إلى أن يتحول إلى راو، يتكفل بقص ما رآه في نومه على الآخرين، ومن هنا تتحول الرؤيا إلى نص يحكى، يعمد فيه الراوي إلى سرد ما رآه كما رآه تماما، ولا يكلف نفسه مشقة التنسيق إذا افتقد النظام أو الزيادة أو النقصان إذا أساءه أمر مما رأى. ولعل هذا الشرط هو الذي يؤسس لقبول من المتلقي، لأنه يعبر عن صدق الرؤيا حتى وإن ورد في عرضها ما لا يمت للواقع بصلة، وسوف يكون المتلقي حينئذ مستعدا لتأويل النص من وجهته الخاصة، وهنا نقف عند أول خرق مارسه المتصوفة في تعبير الرؤيا وتأويلها. ذلك أن المتلقي المؤول كان في الثقافة الإسلامية مثالا للمثقف النموذج. "ولقد فصلت الأدبيات المتصلة بالرؤيا في هذا الجانب، وركزت على ما يحتاج إليه العابر من معرفة واسعة ودقيقة بالنص القرآني وأمثاله ومعانيه ومختلف ما يتصل به، وإلى معرفة أقوال الأنبياء والحكماء وإلى الشعر، وإلى اشتقاق اللغة ومعاني الأسماء، وتكون له قدرة واسعة على تمثيل أصول الكلام والأشياء، ومختلف وجوهها واختلافاتها، ذلك لأن المعرفة الواسعة هي التي تمكنه من فهم دلالات الرؤيا ومعانيها انطلاقا من ألفاظها"[11].

وكان للرؤى مفسروها المعروفون، وكانت علاقة المؤول (المتلقي) في علاقته بالرائي (الراوي) تتم في إطار مغلق حذر بينهما، قد تنتهي بعد تأمل وتمعن في نص الرؤيا إلى إحجامه عن تقديم تأويل، لكن المتصوفة نقلوا الرؤيا إلى العامة من الناس، وشاعت بينهم، وكأن صاحب الرؤيا منهم لم يكن بحاجة إلى تأويل، أو تحصيل معرفة، لأنها أصبحت هي نتاج المعرفة، وهبة من الله للمتصوف العارف لا بد من تبليغها حتى أصبح سرد كل ما يراه المتصوف في حلمه أو في يقظته، أو حتى مما يقع في خاطره أو نفسه ظاهرة متداولة. ولقد نقلت لنا كتب التصوف الكثير من هذه الروايات، من ذلك ما ورد في اللمع: "باب في ذكر حكاية، حكيت عن أبي يزيد البسطامي رحمه الله، وقد شاع في كلام الناس أنه قال: ذلك، ولا أدري يصح منه ذلك أم لا؟ ذكر عن أبي يزيد أنه قال: رفعني مرة فأقامني بين يديه، وقال لي: يا أبا يزيد إن خلقي يحبون أن يروك.

فقلت زيني بوحدانيتك، وألبسني أنانيتك، وارفعني إلى أحديتك، حتى إذا رآني خلقك قالوا: رأيناك، فتكون أنت ذاك، ولا أكون أنا هنا.

فإن صح عنه ذلك، فقد قال الجنيد رحمه الله في كتاب تفسيره لكلام أبي زيد رحمه الله: هذا كلام من يلبسه حقائق وجد التفريد في كمال حق التوحيد فيكون مستغنيا بما ألبسه عن كون ما سأله وسؤاله لذلك يدل على أنه مقارب لما هناك، وليس المقارب للمكان بكائن فيه على الإمكان والاستمكان.."[12].

"قال الشيخ رحمه الله: قلت: وقد حكي عنه أنه قال: أول ما صرت إلى وحدانتيه، فصرت طيرا جسمه من الأحدية، وجناحاه من الديمومة، فلم أزل أطير في هواء الكيفية عشر سنين، حتى صرت إلى هواء مثل ذلك مائة مرة ألف مرة، فلم أزل أطير إلى أن صرت في ميدان الأزلية، فرأيت فيها شجرة الأحدية.

ثم وصف أرضها وأصلها وفرعها وأغصانها وثمارها، ثم قال: فنظرت، فعلمت أن هذا كله خدعة"[13].

نلاحظ من البداية أن الكلام المستغرب الذي هو الشطح، وبعد الرواج الذي لقيه والخلاف الذي أحدثه، يعبر عنه هنا بالحكاية، وتحول فيها الشطح إلى موضوع قيمة "زيني بأحديتك، وألبسني أنانيتك"، تهدف إليه ذات تقوم بالفعل.

إن الطوسي باعتباره متلقيا وساردا لهذه الحكاية يتردد من البداية في قوله، "وقد شاع في كلام الناس، ولا أدري، يصح منه ذلك أم لا، رفعني أقامني، قال لي، صرت طيرا…"، أم أن الأمر يتعلق بمجرد وهم يأخذ صورة الرؤيا التي تشير إليها عبارة أبي يزيد الأخيرة، "فنظرت فعلمت أن هذا كله خدعة".

إن هذه العبارة، وإن بدت أنها تنفي الإيهام الوارد في الحكاية، إلا أنها لم تنف التردد الذي وقع فيه الطوسي، وهو يعكس التردد الذي عاناه المتلقي في عصره في الحكم على هذا النص، ولعل في شيوعه بين الناس ما يوحي بذلك.

وهكذا يجد المتلقي نفسه مأخوذا في قلب الخوارقي(*)، ففي واقع القرن الثالث الهجري يقع هذا الحدث الذي لا يمكن أن يفسر بقانون مألوف، لشخصية معروفة بتدينها وورعها، كان على المتلقي أن يختار بين أمرين اثنين: إما التسليم بأن الأمر يتعلق بحقيقة وقعت فعلا، وهذا يناقض القوانين الطبيعية، لأنه حدث فوق طبيعي، وإما أن الحدث نتاج التخيل والحلم أو الرؤيا في اليقظة أو في المنام، مما يبقي قانون الطبيعة على حاله؛ لكن لا هذا ولا ذاك حصل في البداية على الأقل خلال النصف الثاني من القرن الثالث وقبل مصرع الحلاج، فهذا النوع من الأخبار والحكايات يقع بين الواقعي والمتخيل، حيث بدأ الخوارقي بتدخل عنيف للسر الخفي في إطار الحياة الواقعية للقرن الثالث، "وكان بمثابة قطيعة أو تصدع النظام المعترف به، واقتحام من اللامقبول لصميم الشرعية اليومية التي لا تتبدل"[14].

ولعل في عدم ذكر البسطامي أنها رؤيا، أو أنها خاطر مر عليه، والذي توحي به عبارته الأخيرة ما يدل على تلك الرغبة الملحة التي وجدها المتصوفة في التأثير في العامة من خلال الحكي الذي رأوا فيه فضاء رحبا للتواصل معهم. ولقد وجدوا في الرؤيا حافزا سرديا لذلك الفضاء، حتى وإن كانت تحدث في حالات الوجد العميق. والذين يكونون في حال الوجد كما يقول ابن الأعرابي هم "أشبه شيء بالمجانين، قد سمحت أنفسهم بتلف مهجتهم عندما يطلبون، لو توهموه في تيه سلكوه، أو وراء بحر سبحوه، أو وراء نار تأجج اقتحموها كالفراش إذا رأى ضوء النار، لا يقصر عن تقحمها، أو ما رأيتهم مشردين مهيمين بالمغاور والمهالك والقفار، لا يأوون ولا يؤوون، إلا أنهم في ذلك محفوظون من الزلل بصدقهم في قصدهم، فهم من العلم على سنن"[15].

إن أحوالا كهذه حيث يكون المتصوف مأخوذا عن أهله ونفسه والناس قد فرضت أحكاما تثمن فيها حالات الانقطاع هذه، وكلما دام الانقطاع كلما حكم عليه بالصدق، واعترف له بالولاية والمعرفة، بل جازاه بشتى صنوف الهبات والكرامات، حيث يأخذ ما يشاء من حيث شاء، وقد كثرت الكرامات وشاعت بين الناس، وأصبح الناس يتداولونها في شكل حكايات وأخبار. ويروي الطوسي أن أهل العلم قد جمعوا في ذلك ألف حكاية وألف خبر، ويسحب صحة واحدة منها عند متصوف واحد عليها جميعا مهما كثرت ليؤكد جوازها كونها إكراما للنبي عليه الصلاة والسلام، لأنه أفضل الأنبياء، وأمته خير الأمم[16].

ولقد وجد المتصوفة وأتباعهم في سرد هذه الكرامات وسيلة لكسب أكبر عدد ممكن من المريدين لأن أفضلية واحد منهم على الآخر كانت تقاس بطبيعة الكرامات التي يهبه إياها الله. وقد أثيرت قضية الشطحات إثارة قوية وعنيفة في نهاية النصف الثاني من القرن الثالث مع البسطامي وبعده الحلاج وغيرهما من المتصوفة، وتدوولت حكاياتهم التي "تحكي القدرات الخارقة والخالقة للظواهر الكونية على البطل المتدين في طريقه من السلوك البشري حتى التحقق، حيث يتم تحقق البطل لطرائق وممارسات يجعله في سلوكه يقترب من الله، وبالتالي يكتسب طبيعة فوق بشرية، تضاف إلى طبيعته الأولى، أو تمحوها في تلك الحكاية"[17].

وقد تناقلت الأخبار عن المتصوف الذي يمشي على الماء، ويطير في الهواء، وما يمتلكه من خوارق الإشارة والكلام، وحتى الإحساس. وسئل البسطامي يوما عن المشي في الهواء، فقال: "إذا طابت نفس بقلبه وطرب قلبه بحسن ظنه بربه، وصح ظنه بإرادته، واتصلت إرادته بمشيئة خالقه فشاء بمشيئة الله، ونظر بموافقة الله، وترفع قلبه برفعة الله، وتحركت نفسه بقدرة الله، وسار حيثما شاء هذا العبد بمشيئة الله تعالى، ونزل حيث شاء الله في كل مكان علما وقدرة"[18].

بل إنه يؤكد ذلك في قول آخر حين قيل له: "فلان يقال: إنه يمر في ليلة إلى مكة، فقال: الشيطان يمر في لحظة من المشرق إلى المغرب، وهو في لعنة الله، وقيل له: إن فلانا يمشي على الماء، فقال: الحيتان في الماء والطير في الهواء أعجب من ذلك"[19].

إن هذا  الوضع ليعكس تلك الحيرة أو التردد الذي أشرنا إليه سابقا عند المتلقي، بل إن التردد يلحظ في بعض الحكايات عند صاحب الخارقة ذاتها، وهو المتصوف، والذي تقع على يديه، باعتباره أول متلق للحدث الخارق للظواهر الكونية، مثل الذي يحكيه السهلجي عن البسطامي في قوله:

"سمعت محمدا بن علي الواعظ قال: فيما أفادني بعض شيوخ الصوفية، حاكيا عن الجنيد بن محمد قال: قال أبو موسى الدبيلي: دخلت على أبي زيد، فإذا بين يديه ماء واقف يضطرب، فقال لي: تعال ثم قال: إن رجلا سألني عن الحياء، فتكلمت عليه بشيء من علم الحياء، فدار دورانا حتى صار، كذا كما ترى فذاب، ويروى أنه بقي منه قطعة كقطعة جوهرة، فاتخذت منه فصا، فكلما تكلمت بكلام القوم، أو سمعت من كلام القوم، يذوب ذلك الفص حتى لم يبق منه شيئا"[20].

إن ما يثير التردد في هذه الحكاية ليس دهشة المتلقي أمام الخارقة التي عطل بها قانون الحياة فحسب، إنما هي تلك القوة الكلامية التي أكسب من خلالها المتصوف نفسه البطولة واستمراريتها، من خلال الوحدة الثانية في الحكاية "ويروى أنه بقي منه قطعة"، والتي قد نعتبرها زيادة على الخبر الأصلي، ومن ثم تضخم الحكاية، وتضخم صورة المتصوف المشمول معرفيا بالكلام الذي تعطل به قوانين الحياة. غير أن من وراء ذلك نلمس مقصدية للتدليل على الخصوصية والإكثار من الاتباع، وخاصة أولئك البسطاء من المريدين والسالكين الذين لا يعرفون غير القوانين الطبيعية وهم يواجهون أحداثا فوق طبيعية. ومن هذا المنطلق بالذات يمكن الحديث عن تفعيل العقد التواصلي مع التلقي عند المتصوفة.

نلمس التردد كذلك في ارتباطه بإدراك صاحب الكرامة نفسه للحدث الغريب، وهو تحول الرجل بين يديه إلى ماء يضطرب. وقد يندهش المتلقي في مرحلة أولى، ثم يخف اندهاشه في مرحلة لاحقة عندما يرجع الحادثة إلى مثيلات لها حدثت من قبل هي معجزات الأنبياء، لأن الكرامة مبنية على التكرار، وهي امتداد لتلك المعجزات، والولي ملزم ضمنيا بالانخراط في صف من سبقوه، وملزم بالاندماج في أسرة الأنبياء[21].

غير أن هذا لا ينهي التردد، وهو رد الفعل الأكثر هيمنة عند إدراك المتلقي لمثل هذه الحكايات. فقد ظلت الروايات على الرغم من شيوعها وكثرتها تخلق الإحساس نفسه في كل مرة، وقد جاء إلى البسطامي رجل يقول له: "بلغني عنك آية، وأنا مؤمن بها، ولكن يعارضني فيها الشك، فأحب أن تقول شيئا يذهب الشك عني، فقال له: مثل ماذا يا مسكين؟ فقال: بلغني أنك تمشي على الماء، وفي الهواء، وتأتي مكة بين الأذان والإقامة، وتركع وترجع، فقال له: يا مسكين! إن هذا الذي ذكرت ليس له خطر، وإن أعطي المؤمن، فإنما أعطي عطاء طير من الطيور، ليس لها ثواب ولا عقاب، بل المؤمن هذا أكبر على الله من الغراب. وأما ما ذكرت من أني أسير ما بين الأذان والإقامة، فإن بعض الجن يسير في نحو هذا إلى مكة، ويأتي بالخبر فإن أعطي المؤمن هذا، فإنما أعطي عطاء بعض الجن، والمؤمن أكرم على الله من الجن، قال: ثم هاج واضطرب، وقال: المؤمن الجيد الذي تجيئه مكة وتطوف حوله وترجع ولا يشعر به كأنه أخذ"[22].

التردد والحيرة واقعة إذن، سواء لدى المتلقي الذي يفترض أن الواقعة تنتمي للواقع والحق، أو لدى ذلك الذي يفترض بأنها مجرد خيالات وأوهام، في حين قد نتلقاها نحن اليوم باعتبارها أفعالا باطنية من الأحداث المتخيلة في النوم التي لا يمكن أن تستنبط دلالتها أو تنكشف إلا عندما تتحول إلى سرد يتواصل به الراوي مع طرف آخر، وحين تتحول هذه الأحداث المتخيلة في سياق قصصي يصبح التأويل ممكنا، وبدون هذا السرد الذي يحول المدرك –خياليا- إلى لغوي تواصلي، لا يمكن التأويل الذي ليس في جوهره إلا محاولة كشف للدلالة والإفصاح عنها[23].

وقص الرؤيا كان حافزا لتشكل الحكي عند المتصوفة، إلى جانب ارتباط الأحداث المكونة للأخبار والحكايات التي تسرد كراماتهم بالحدث اللفظي التي تبدو مرهونة به، كأن يكون كلاما أو دعاء أو تمتمة أو إشارة أو إحساسا مرتبطا به كالهاتف والخاطر والوقع في النفس، وهي كلها آليات وظفها المتصوفة في تفعيلهم للتواصل مع المتلقي، وأعطت في الوقت نفسه بعض ملامح تميز البنية السردية لهذه الحكايات التي أصبحت فيما بعد نوعا قصصيا متميزا لم يكشف بعد عن خصائصه.

ولقد كانت مساهمة البسطامي والحلاج ثرية، لما كانا يتميزان به من حضور بين الناس، وإن كان الحلاج كما يقول عبد الرحمن بدوي "بالرغم من علو شأنه –لم يكد يتجاوز الموضوعات عينها التي طرقها البسطامي، بل هو أحيانا يخنس عنه، ويتخلف عن جرأته، ولسنا نعزو هذا التخلف إلى طبع الحلاج بقدر ما نعزوه إلى الظروف الأليمة التي أحاطت به، فأوقفته عند حد ما نظن أنه سيقف عنده لو ترك وشأنه ينطلق في التعبير بحرية عن أحوال وجده، كما الشأن بالنسبة لأبي يزيد"[24].

غير أن الكتب التي أرخت للتصوف ككتاب التعرف للكلاباذي، وهو أقرب مصدر إلى الحلاج، لم تشر إلى هذه الأخبار والكرامات نتيجة التأثير العنيف الذي مارسته والذي أدى بالبعض إلى إنكارها، في حين نجد الطوسي، وهو أول من ذكر الكرامات(*)، وأكد صدقها وجوازها وأفرد لها بابا في كتابه اللمع، لم يشر إلى الحلاج لظروف تعرضنا إلى بعضها في الفصل الأول، على الرغم مما لحق بمصرع الحلاج من مبالغات بلغت حدود الخوارق، حيث يروي الخطيب البغدادي، وهو أول من أرخ لحادثة قتل الحلاج أنه بعد حرق جثته، وإلقائه في دجلة: "نصب الرأس يومين ببغداد على الجسر، ثم حمل إلى خراسان، وطيف به في النواحي، وأقبل أصحابه يعدون أنفسهم برجوعه بعد أربعين يوما، واتفق أن زادت دجلة في تلك السنة زيادة فيها فضل، فادعى أصحابه أن ذلك بسببه، لأن الرماد خالط الماء، وزعم بعض أصحاب الحلاج أن المضروب عدو الحلاج، ألقي شبهه عليه، وادعى بعضهم أنهم رأوه في ذلك اليوم بعد الذي عاينوه من أمره، والحال التي جرت عليه وهو راكب حمارا في طريق النهر، ففرحوا به، وقال لعلهم مثل هؤلاء البقر الذين ظنوا أني أنا المضروب والمقتول، وزعم بعضهم أن دابة حولت في صورته"[25].

وإذا لم يكن بوسع المتلقي تأويل تلك الخوارق التي تحفل بها حكايات الكرامة إلا باعتبارها رؤى، ففي الرؤيا بإمكان الإنسان أن يطير ويحلق ويمشي في الهواء ويحيي الموتى، لأنها كما يقول القشيري "نوع من أنواع الكرامات وتحقيق الرؤيا خواطر ترد على القلب، وأحوال تتصور في الوهم، إذا لم يستغرق النوم جميع الاستشعار، فيتوهم الإنسان عند اليقظة أنه كان رؤية في الحقيقة"[26]. ومن ذلك يمكن التأكيد على دور الرؤيا في نشأة القص الصوفي وتشكله، وقد كانت في القرآن بارزة من حيث علاقتها بالقص كذلك وبالتأويل، كما في سورتي يوسف وإبراهيم، ولذلك كانت في الخطاب الصوفي الوسيط الأمثل بين علاقة المتصوف بالله من جهة، وعلاقة المتصوف بالمتلقي من جهة أخرى. وهي رمز للمعرفة التي يهبها الله العارف، ولا تتأتى له أثناء النوم فحسب، بل قد تنشط مخيلته في حال الفناء والوجد. وكما يؤتى النبي الوحي في اليقظة، كذلك يؤتى الصوفي المعرفة في يقظته، عن طريق المعراج أو الإسراء الروحي، حيث تكون رحلة العارف من بدنه وذاته، نحو موطن المعرفة والحقيقة، وذلك بواسطة طاقة لا تتوفر إلا لدى من يمتلكون هذه القدرة وطاقة الخيال (المنفصل) التي يخترق بفضلها الوجود بكل مراتبه وحجبه إلى أن يصل إلى الحقيقة في العماء أو البرزخ.

ويرى المتصوفة أن الأولياء منهم لهم معارج وإسراءات روحية "يشاهدون فيها معاني متجسدة في صور محسوسة للخيال، يعطون العلم بما تتضمن تلك الصور من المعاني، ولهم الإسراء في الأرض وفي الهواء، غير أنه ليست لهم قدم محسوسة في السماء، ولهذا زاد على الجماعة رسول الله بإسراء الجسم، واختراق السماوات والأفلاك حسا، وقطع مسافات حقيقية محسوسة، وذلك كله لورثته معنى لا حسا من السماوات فما فوقها.. فمعارج الأولياء معارج أرواح ورؤية قلوب وصور برزخيات ومعان متجسدات"[27].

ولعل أول معراج صوفي رؤيا أبي زيد البسطامي التي كانت الوحدة الدلالية الأساسية، وفي الوقت نفسه الحافز السردي الذي أسهم به البسطامي في إشاعة الجو القصصي ونشأة النوع السردي عند المتصوفة، والذي اتخذ اتجاهين: يعكس الأول رحلة الصوفي أو معراجه وإسراءه نحو الحقيقة بحكم أن الصوفي العارف قادر بحكم حقيقته على الوصول إلى المعرفة الحقة الباطنة المستترة وراء حجب الوجود، وحجب الإنسان نفسه، كمطالب النفس والجسد، وذلك باختراقها، وتجاوز كونيته تلك وحجب الوجود عن طريق رحلة مضنية حتى يصل إلى الحقيقة الكامنة بالفعل داخله، وقد يتجلى الله فيراه ويحدثه، ويحقق الصورة الإلهية فيه. أما الاتجاه الثاني فيكون موضوع الخطاب فيه هو المعرفة ذاته التي يتلقاها الصوفي، والمخاطبة التي يقيمها الله معه مثلما رأينا ذلك عند النفري في مواقفه ومخاطباته والتي نرى بعض مظاهر بنيتها السردية فيما بعد.

لقد جسد نص رؤيا البسطامي رحلة الصوفي ومعراجه عبر السماوات[28]، حيث يبدأ البسطامي سرد قصة عروجه، بإحالتنا أولا على كون هذه القصة حدثت له في المنام: "رأيت في المنام كأني عرجت السماوات قاصدا إلى الله"، وكان هناك طير يحمله ويعرج به عبر السماوات، وكلما وصل سماء تبسط له المغريات بالالتفات، لكنه لم يكن ينظر إليها، ويعرض عن كل شيء، ويخاطب الله قائلا: مرادي غير ما تعرض علي، وبمجرد ما ينطق بهذه العبارة تمتد إليه يد ملك تجذبه إلى السماء التي تلي التي كان فيها، وكان في كل سماء يصف الملائكة التي كانت في أكثر الأحيان تأخذ صفة الطير، كما يصف الآيات التي يشاهدها، وكانت كل الملائكة تدعوه للقيام معها لمشاركتها عبادة الله وتسبيحه، حتى ينتهي إلى السماء السابعة، وفي هذه السماء سمع مناديا ينادي: يا أبا يزيد، قف، قف، فإنك قد وصلت إلى المنتهى، فلم يلتفت، لأنه كان يدرك أنه في امتحان لصدق إرادته في الوصول إلى الحق فلم يزل يطير في الملكوت والجبروت، ويخترق الحجب، حتى وصل إلى الكرسي، ولم يزل يطير حتى انتهى إلى بحر من نور، ولم يزل يقطع البحار حتى انتهى إلى البحر الأعظم، الذي عليه عرش الرحمن، ولم يلتفت أبو يزيد حتى ناداه الحق: إلي إلي على بساط قدسي، حتى ترى لطائف صنعي.. فاستقبله روح كل نبي وخاطبه الرسول بقوله: يا أبا يزيد، مرحبا وأهلا وسهلا، قد فضلك الله على كثير من خلقه تفضيلا، إذا رجعت أقرئ أمتي مني السلام وانصحهم ما استطعت، وادعهم إلى الله عز وجل، ثم لم أزل مثل ذلك حتى صرت كما كان من حيث لم يكن التكوين، وبقي الحق بلا كون ولا بين ولا أين ولا حيث ولا كيف جل جلاله وتقدست أسماؤه[29].

إن التداخل والكثافة الرمزية التي تتسم بها الرؤيا التي هي الموضوع والحافز السردي في الوقت نفسه لم يمنع من تطابق زمن سردها مع زمن العروج. ونظرا للطبيعة الاستذكارية للرؤيا حيث تمثل بنية استذكارية كبرى Macrostructure Analeptique فإنها تسير في خطية لا انكسار فيها، وتؤكده إحالة السارد بعد كل مرحلة من العروج على كونها رؤيا "ثم رأيت كأني عرجت"، غير أن هذه الإشارة كانت ترد ضمن وحدة سردية متكررة بتكرر الحدث الذي تحمله، وهو الفاصل بين مرحلة وأخرى من مراحل العروج، يقول فيها: "ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي كل ذلك علمت أنه يجربني، وكنت أقول يا عزيزي: مرادي غير ما تعرض علي فلما علم الله مني صدق الإرادة في القصد إليه، فإذا أنا بملك مد يده، فرفعني إليه، ثم رأيت كأني عرجت إلى السماء الثالثة الرابعة..".

على الرغم من أنها تبدو ارتدادا، إلا أنها تحمل في ثناياها مفارقة بسيطة تسهم في خطيتها، هي تلك السابقة Prolepse الداخلية التي يقول فيها: مرادي غير ما تعرض علي، فتسهم في إطار الوحدة المكررة كاملة بتنامي حدث العروج، لكنها كسابقة تشير إلى ما سوف يحدث عند نهاية العروج، حين يتم اللقاء مع الله، ومنها يخلق نوع من الانتظار بالنسبة للمتلقي هو استشراق لما هو آت عند نهاية العروج، وهو حصول الولاية والتفضيل لأبي زيد البسطامي فورثه الرسول رسالة الهداية والدعوة إلى الله عند الرجوع.

وبما أن الرؤيا في عرف المتصوفة من المبشرات بالأفضلية، أو بحصول المعرفة، وقصد الدعوة واكتساب أكبر عدد ممكن من الأتباع، مما يتيح للمتلقي استثمار معرفته، وقناعاته في تأويلها، كان لا بد للسارد أن يركز على المراد وهو القصد إلى الله، ليكون وفي الوقت نفسه آلية من آليات تفعيل التواصل مع المتلقي، لأن الرائي البسطامي يدرك أن معنى الرؤيا وتأويلها لصالحه، لا يمكن أن يتحقق من خلال رؤيا مجردة، ولكن بسياق يجمع الرائي والمروي له أو المتلقي. وكما تحقق الاستذكارات analepses أو الاستشرافات prolepses في أي حكاية مقاصدها الحكائية "مثل الفجوات التي يخلفها السرد وراءه سواء بإعطائنا معلومات حول سوابق شخصية جديدة دخلت عالم القصة، أو بإطلاعنا على حاضر شخصية اختفت من مسرح الأحدث"[30]، فإنها كذلك ومهما كانت المسافة الزمنية التي تستغرقها المفارقة، مثل عبارة "مرادي غير ما تعرض علي"، تعبر عن تطلع لقصد بإمكانه أن يتم مباشرة، وهذا ما حدث للبسطامي بعد مراحل عبر السماوت.

وهذا ما يجعل الوحدة الاستشرافية شكلا من أشكال الانتظار، كما يقول فينريتش Weinrich[31]، فهي تمهيد لتحقق القصد (وضعية الولاية والوراثة) التي طمح إليها البطل، منذ السماء الأولى، وهي بالنسبة للمتلقي عنصر مشوق، مما سمح للسارد بإطلاق العنان للخيال في وصف مرحلة يعتقد فيها المتلقي أنها المرحلة النهائية، وخاصة بعد الوصول إلى السماء السابعة، حيث يقول:

"ثم رأيت كأني عرجت إلى السماء السابعة، فإذا بمائة ألف صنف من الملائكة، استقبلني كل صنف مثل الثقلين ألف ألف مرة، مع كل ملك لواء من نور، تحت كل لواء ألف ألف ملك، طول كل ملك مسيرة عالم وكل على مقدمتهم ملك اسمه بريائيل، سلموا علي بلسانهم ولغتهم فرددت عليهم السلام بلسانهم فتعجبوا من ذلك، فإذا ما مناد ينادي: يا أبا يزيد: قف قف، فإنك قد وصلت إلى المنتهى، فلم ألتفت إلى قوله، ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني، وكنت أقول: يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي…"[32].

هنا تحدث خيبة الانتظار، وتعود اللازمة التي تحدث في كل مرة تتكرر على لسان السارد، وتطول فترة الانتظار، ولم تعد المسافة التي تفصل بين الإعلان الأول "مرادي غير ما تعرض علي"، وتحقق القصد، هي قطع سماوات سبع مثلما تثيره ذاكرة المتلقي الذي يحتفظ فيها بقصة "الإسراء والمعراج"، كما أن مفارقة الاستشراف تلك تصبح إلى جانب وظيفتها في الانتظار، ونظرا لتكرارها تؤدي بالمتلقي إلى "القيام بمقارنة بين وضعيتين متشابهتين ومختلفتين في الوقت نفسه"[33]، سواء من خلال إدراكه للعلاقة بين الوضعية السابقة والوضعية اللاحقة، بعد كل مرحلة، أو من خلال الوقوف على وضعية المتصوف السالك الذي لم يصل إلى اليقين فالتفضيل، ووضعية المتصوف الولي الوارث الذي تجرد عن كل ما سوى الله. وتلك هي المفارقة الكامنة في الرؤيا المعبرة عن وضعية الصوفي قبل الوصول إلى الله وبعده.

إن تلك المفارقة لتؤسس عبر طول انتظار القارئ لنوع من اليقين هو التصديق بما جاء في الرؤيا والذي تحقق بتحقق المراد في آواخر القصة عندما قال الله:

"يا عزيزي مرادي في غير ما تعرض لي، فلم ألتفت إليه إجلالا لحرمته، فلما علم الله سبحانه وتعالى مني صدق الإرادة في القصد إليه، فناداني: إلي إلي، وقال: يا صفي أدن مني، وأشرف على مشرفات بهائي، وميادين ضيائي، واجلس على بساط قدسي حتى ترى لطائف صنعي في آنائي، أنت صفيي وحبيبي، وخيرتي من خلقي، فكنت أذوب عند ذلك كما يذوب الرصاص، ثم سقاني شربة من عين اللطف بكأس الأنس، ثم صيرني إلى حال لم أقدر على وصفه، ثم قربني منه، وقربني حتى صرت أقرب منه من الروح إلى الجسد"[34].

ولقد قال أبو القاسم العارف:

"معاشر إخواني عرضت هذه الرؤيا على أجلاء أهل المعرفة فكلهم يصدقونها ولا ينكرونها، بل يستقبلونها عند مراتب أهل الانفراد في القصد إليه"[35].

إن هذا الرأي يضعنا عند المعيار الذي كان يقاس به صدق الراوي/الرائي والذي لا شك أنه يقوم أساسا على التسليم بالرؤيا/النص مقابل الحلم/اللانص، لأن الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، والرؤيا ككل "النصوص ذات المعين الإلهي تحمل رسالة تقوم على مجموعة من الأزواج: وعظ وإرشاد، تنبيه وتذكير، تبصرة وهداية"[36].

وعلى الرغم من العرض المعقد والمرتبط بالجو الخوارقي المنوط بحدث العروج، والفضاء المطلق، واللاسببية التي تصل الرغبة بالفعل، فإن ذلك لم يمنع الراوي/ الرائي/المتصوف من اتخاذها أسلوبا مشروعا بشرعية الرؤيا ذاتها في تفعيل العلاقة مع المتلقي، وذلك من خلال تفعيل فعل الانتظار عنده، بالاستشراف، والقفز على أوصاف أو لحظات معينة في القصة والاختزال والحذف وتضخيم المشهد الوصفي، والتكثيف والإجمال في عرض الأحوال والأوصاف وحتى الأحداث، كقوله: "فلم أزل أطير في الملكوت، وأجول في الجبروت، وأقطع مملكة بعد مملكة، وحجبا بعد حجب، وميدانا بعد ميدان، وبحارا بعد بحار، وأستارا بعد أستار، حتى إذا أنا بملك المرسى استقبلني، ومعه  عمود من نور، فسلم علي، ثم قال: خذ هذا العمود فأخذته، فإذا السموات بكل ما فيها قد استظل بظل معرفتي، واستضاء بضياء شوقي، والملائكة كلهم صارت كالبعوضة عند كمال همتي في القصد إليه"[37].

إضافة إلى الجو الخوارقي الذي تتسم به الأحداث، ولا سببية التحولات، مما يوحي بالإطلاق، فإن الإجمالات résumés الواردة، "وهي وحدات من زمن الحكاية تقابلها وحدات أقل منها من زمن الكتابة"[38]، سمحت للمتلقي بتخيل ما تم السكوت عنه، وما عجزت الألسن عن وصفه ونعته، لعدم قدرة السارد على مقابلته في مستوى السرد، لأن الرؤيا عند ابن خلدون تعتبر: "مدركا للغيب، وإذا أدركت النفس من عالمها ما تدركه، ألقته إلى الخيال، فيصوره بالصورة المناسبة له، ويدفعه إلى الحس المشترك فيراه النائم كأنه محسوس، فيتنزل المدرك من الروح العقلي إلى الحسي، والخيال أيضا واسطة"[39]، وبما أن الخيال محدود بحدود الحسي، يقفز الرائي/الراوي على كثير من الأمور التي لم يدفعها الخيال إلى الحس، وتبدو كالفجوات أو الثغرات التي هي أيضا وحدات من زمن الحكاية، ولكن "لا تقابلها أية وحدة من زمن الكتابة"[40]، وهو الحذف غير المحدد ellipse indéterminée الذي يكتشفه القارئ أثناء القراءة[41]، وقد يؤوله بعد أن يقع التردد في حجم الثغرة الحاصلة وطبيعتها، من دون أن يقع التردد في الحكم على صدق الرؤيا، لأنها في ذاكرته "جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوءة، وهي من المبشرات التي يراها الرجل الصالح أو ترى له"[42]. وكان للبسطامي وزن عند العامة والخاصة، لذلك انتهت رؤياه بالتجربة الممجدة والمشرفة له بالولاية والوراثة، بعد سلسلة من التجارب التي خضع فيها للاختبار، "ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني" لكنه كان مشمولا معرفيا، ومحصنا بقوة الإرادة، وتلك هي الكفاءة التي حقق بها مواصفات البطل، وانتقل بها إلى الفعل. وقد تتجسد في مؤهلات أخرى كالكلام والإشارة، كما سنرى في بعض الحكايات على الرغم من أن منطق التأهيل هذا لا يعني بالضرورة التحول. فكم من ذات مؤهلة لا تمر أبدا بالفعل، ولكنه ليس القاعدة، وخاصة في الكرامة الصوفية، التي تلغي المسافة بين التأهيل والفعل، وهي إحدى مظاهر البنية السردية الصوفية.

وعلى الرغم من الطابع الخوارقي الذي يحيط بهذه الرؤيا، ويشكل إحدى خصائصها، فإننا يمكن أن نلاحظ:

1 – إن الدور الذي كان للطير داخل الرؤيا، سواء من حيث تنفيذ فعل البسطامي، أو من حيث القيمة الجمالية الرمزية التي يكسبها فتبدو الملائكة في هيئة طيور جميلة، سوف يمهد للمظهر الخوارقي الذي أشرنا إليه سابقا، ومن ثم اتخاذها رموزا لعوالم أخرى، مثلما نجد منطق الطير للعطار، حيث حلل لنا على لسان الرحلة من الكون الفاني إلى الكون الباقي، فترحل الطيور عبر أودية سبعة، ترمز إلى المقامات الصوفية وما يرافقها من أحوال، فالقص الصوفي أعطى الحيوان روحا ووعيا، وسواء أحصل التواصل بين الكرامة الصوفية والخرافة على لسان الحيوان، فإنها تدل على نظرة قديمة تستعيد بعض ما لها مما ورد من تسخير الطيور والحيوانات للأنبياء والرسل من أجل تحقيق رسالاتهم ومعجزاتهم، كما أننا يمكن اتخاذها لتأسيس الرمزية في القص العربي.

2 – إن رؤيا البسطامي التي تجسد المسار الروحي العام للرحلة الروحية، سمحت بإخراج قصة المعراج النبوي كما وردت في السير من إطارها الإخباري، نحو إطار جمالي يرمز إلى رحلة المتصوف نحو المطلق، وإبراز العلاقة بين الإنسان وبين الله، والتي تنتهي إلى إبراز صورة الإنسان الكامل، باعتباره تجليا رائعا لنفخة الروح.

3 – سمحت الرؤيا للمتصوفة بإرساء مشروعية الحكي عندهم، واتخاذه منفذا لتفعيل علاقاتها بالغير، وحتى بعد أن خف صيت الشطحات بعد مصرع الحلاج، وأصبح المتصوفة يحترزون من كلامهم، لم يتوقف تداول الأخبار التي تحكي خوارق المتصوف، بل إنه، وخاصة بعد انتشار القصاصين وشيوع ظاهرة الوضع، والتساهل في رواية الحديث الذي أصبحت الأسانيد فيه تخنق المتون، نشأ في القرن الرابع كما يقول آدم متز: "رسم جديد وهو الذي يجيز للإنسان رواية الحديث من غير لقاء رجاله، ومن غير إجازة مكتوبة تخوله حق الرواية.. وبهذا حلت دراسة الكتب محل الأسفار التي كان يقوم بها طلاب الحديث من قبل للقاء رجاله"[43].

ولهذا وغيره من الأسباب دور في تشكل الحكي عند المتصوف الذي لم يعد يسرد ما يراه في المنام، بل ما يعيشه ويراه أثناء تجربته الروحية، بل قد يطال حتى مرحلة ما بعد الوصول، فيحكي مخاطبة الله له، ووقفته بين يديه، وهو ما يتجلى عند النفري في مواقفه ومخاطباته، وهو شكل من أشكال فعل الحكي الذي يدور أغلبه حول فعل القول، بلغ فيه من التجريد ما كان يمكن أن يؤسس لنوع متميز من السرد لولا أنه ظل مستترا إلى غاية القرن السابعg

 



[1][1] - يراجع الطوسي، أبو نصر السراج، اللمع، تح. محمود عبد الحليم، وطه عبد الباقي سرور، دار الكتب الحديثة مصر، مكتبة المثنى، بغداد 1960، ص377.

[2] - سورة الحج، الآية 35.

(*) نلاحظ أن هذا البيت ورد بصيغة مخالفة لما هي عليه في الديوان، وقد كان موضع استشهاد في الفصل الأول.

[3]- دائرة المعارف الإسلامية، المترجمة عن L’encyclopédie de l'Islam لسنة 1924، دار المعرفة، بيروت، مج. 13، مادة "شطح"، ص347.

[4] - الطوسي، اللمع، ص422.

[5] - الطوسي، اللمع، ص379.

[6] - اللمع، ص379.

[7]  - UMBERTO ECO, La structure absente, Introduction à la recherche sémiotique, Mercure de France, Paris, 1972, p125.

[8] - عبد الرحمن بدوي، شطحات الصوفية، ط3، وكالة المطبوعات، الكويت، 1978، ص21-22.

[9]  - UMBERTO ECO, Structure absente, p408.

[10] - سارة بنت عبد المحسن بن عبد الله بن جلوي آل سعود، نظرية الاتصال عند الصوفية في ضوء الإسلام، ط.1، المنارة للنشر والتوزيع، السعودية، 1991، ص197.

[11] - سعيد يقطين، "تلقي الأحلام وتأويلها في الثقافة العربية" ضمن كتاب من قضايا التلقي والتأويل، ط1، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، 1994، ص155.

[12] - اللمع، ص491.

[13] - اللمع، ص494.

(*) فضلت أن أستعمل مصطلح "خوارقي" بدل عجائبي أو غرائبي للدلالة على نمط من النصوص الصوفية كالكرامات، والخوارقي هو التردد بين العجيب والغريب l’étrange et le merveilleux مثلما أشار إلى ذلك تودوروف في كتابه Introduction à la littérature fantastique وتجاوزا للتداخل الحاصل بين مصطلح "عجيب" و"عجائبي" الذي ترجم به بوعلام صديق هذا الكتاب مدخل إلى الأدب العجائبي.

[14] - تزفيتان تودوروف، مدخل إلى الأدب العجائبي، تر: بوعلام صديق، ط1، دار الشوقيات، القاهرة، ص45.

[15] - اللمع، باب مختصر من كتاب الوجد لابن الأعرابي، ص387.

[16] - يراجع، م.ن، ص398.

[17] - علي زيعور، الكرامة الصوفية والأسطورة والحلم، ط2، دار الأندلس بيروت، 1984، ص33.

[18] - السهلجي، النور من كلمات أبي طيفور، تح: عبد الرحمن بدوي، شطحات الصوفية، ص97.

[19] - الطوسي، اللمع،  ص400.

[20] - السهلجي، ص95-96.

[21] - يراجع، عبد الفتاح كيليطو، الحكاية والتأويل، دراسات في السرد العربي، ط1، دار توبقال للنشر، 1988، ص60.

[22] - السهلجي، النور من كلمات أبي طيفور، ص.ص158-159.

[23] - يراجع، نصر حامد أبو زيد، (الرؤيا في النص السردي)، مجلة فصول ( قراءات تراثية)، مجلد 13، ع3، الهيئة المصرية العامة للكتاب، خريف 1994، ص..

[24] - عبد الرحمن بدوي، شطحات الصوفية، ص48.

(*) وهذا خلافا لما ذهب إليه الباحث يوسف زيدان في مقال عن الكرامات أن القشيري هو أول من أشار إلى الكرامات في رسالته (يراجع المقال في مجلة فصول، مجلد 13، ع3، 1994).

[25] - الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي، تاريخ بغداد، ط1، مكتبة الخانجي، القاهرة، والمكتبة العربية بغداد، 1931، ص141.

[26] - القشيري، الرسالة القشيرية، ص175-176.

[27] - ابن عربي، الفتوحات المكية، مج.5، ص342-343.

[28] - سوف نرى الامتداد القوي لفكرة العروج هذه في رسالة الغفران للمعري، ورسالة التوابع والزوابع لابن شهيد، وفي قصيدة سير العباد إلى المعاد لسنائي، وعند المتصوفة في منطق الطير للعطار، وكتاب الإسراء إلى مقام الأسرى لابن عربي.

[29] - يراجع عبد الرحمن عبد الخالق، الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، ط5، دار الحرمين للطباعة القاهرة، 1993، وفيه وردت رؤيا البسطامي كاملة من ص316 إلى 323.

[30] - حسن بحراوي، بنية الشكل الروائي، الفضاء – الزمن – الشخصية، ط1، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، 1990، ص121-122.

[31] - نقلا عن حسن بحراوي، بنية الشكل الروائي، الفضاء – الزمن – الشخصية، ص133.

[32] - الفكر الصوفي، ص320-321.

[33]  - Gérard GENETTE, Figures III, éditions du Seuil, Paris, 1972, p95.

[34] - الفكر الصوفي، ص322.

[35] - م،ن، ص323.

[36] - سعيد يقطين، تلقي الأحلام وتأويلها في الثقافة العربية، ص149.

[37] - الفكر الصوفي، ص321.

[38]  - T.TODOROV & O.DUCROT, Diction------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------++naire encyclopédique des sciences du langage, Editions du Seuil, Paris, 1972, p401.

[39] - ابن خلدون، المقدمة،  ص883-884.

[40]  - T.TODOROV & O.DUCROT, p402.

[41]  - Voir, G.GENETTE, Figures III, p139.

[42] - ابن خلدون، المقدمة، ص882.

[43] - آدم متز، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، تر: محمد عبد الهادي أبو ريدة، القاهرة، 1940، ص315.