ص1      الفهرس    المحور 

نص من التراث

 

 

من هم أولو الأمر؟

يقول تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا" (النساء 59). يقول الزمخشري في تفسير هذه الآية: "والمراد بـ"أولي الأمر منكم" أمراء الحق، لأن أمراء الجور: الله ورسوله بريئان منهم، فلا يعطفون على الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم، وإنما يجمع بين الله ورسوله والأمراء الموافقين لهما في إيثار العدل واختيار الحق، والأمر بهما والنهي عن أضدادهم، كالخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان. وكان الخلفاء يقولون: أطيعوني ما عدلت فيكم، فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم. وعن أبي حازم أن مسلمة بن عبد الملك قال له: ألستم أمرتم بطاعتنا [ يعني طاعة الأمويين ] في قوله: "وأولي الأمر منكم"، قال: أليس قد نزعت عنكم إذا خالفتم الحق بقوله: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول". ويضيف الزمخشري قائلا: "وقيل هم [= أولو الأمر] أمراء السرايا. وعن النبي (ص) "من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع أميري فقد أطاعني ومن يعص أميري فقد عاصني". وقيل: هم العلماء الدينون الذين يعلمون الناس الدين ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر. "فإن تنازعتم في شيء": فإن اختلفتم أنتم وأولو الأمر منكم في شيء من أمور الدين فردوه إلى الله ورسوله: أي ارجعوا فيه إلى الكتاب والسنة". ثم يعلق الزمخشري قائلا: "وكيف تلزم طاعة أمراء الجور وقد جنح الله الأمر بطاعة أولي الأمر بما لا يبقى معه شك، وهو أنه أمرهم أولا بأداء الأمانات وبالعدل في الحكم وأمرهم آخرا بالرجوع إلى الكتاب والسنة فيما أشكل. وأمراء الجور لا يؤدون أمانة ولا يحكمون بعدل، ولا يردون شيئا إلى كتاب ولا سنة، إنما يتبعون شهواتهم حيث ذهبت بهم، فهم منسلخون عن صفات الذين هم أولو الأمر عند الله ورسوله، وأحق أسمائهم: اللصوص المتغلبة".

غير أن أقدم الروايات تجعلهم أمراء الرسول على السرايا، أي فرق المجاهدين. قال الشافعي في "الرسالة": "قال بعض أهل العلم: أولو الأمر: أمراء سرايا رسول الله. والله أعلم، وهكذا أخبرنا. وهو يشبه ما قال، والله أعلم، لأن كل من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة، وكانت [العرب ] تأنف أن يعطي بعضها بعضا طاعة الإمارة. فلما دانت لرسول الله لم تكن ترى ذلك يصلح لغير رسول الله، فأمروا أن يطيعوا أولي الأمر الذين أمرهم رسول الله، لا طاعة مطلقة، بل مستثناة، فيما لهم وعليهم فقال: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله"، يعني: إن اختلفتم في شيء. وهذا -إن شاء الله- كما في أولي الأمر، إلا أنه يقول: "فإن تنازعتم" يعني -والله أعلم- هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعتهم، "فردوه إلى الله والرسول": يعني -والله أعلم- إلى ما قال الله والرسول إن عرفتموه، فإن لم تعرفوه سالتم الرسول عنه إذا وصلتم، أو من وصل منكم إليه".

ويؤيد هذا ما رواه البخاري عن ابن عباس أنه قال عن الآية التي نحن بصددها (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) إنها "نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية"n