ص1      الفهرس      21-30

 

البرهان الأنيق

الرياضيات والشعر

إبراهيم الفاضل

الشعر وعلم الرياضيات كلاهما سعي إلى الجمال. بيد أن الشعر يسعى إلى الجمال المجسد بنطق اللسان، وتسعى الرياضيات إلى الجمال المجرد بمنطق البرهان. يعني الفرق بين هذين السعيين، في كثير مما يعني، أن للحقيقة الرياضية صفتين تعزان على المجاز الشعري، هما الكونية والأبدية. أما الكونية، فلأن في ترجمة الشعر من لغة إلى لغة هلاك المجاز. وأما الأبدية، فلأن القصائد لا تموت وحدها، بل إن اللغة التي تكتب بها هذه القصائد لتموت.

ـ 1 ـ

يشترك الشعر وعلم الرياضيات في أنهما يقبلان المنفى غير مترددين، إذا كان المنفى أرحب بالقصيدة وأحفل بالبرهان. وهما يشتركان في أنهما لا يطلبان من المكان إلا أن يكون ذا فضاء وأفق، ومن الزمان إلا أن يكون ذا رجاء ومستقبل، ومن الناس إلا أن يكونوا ذوي صبر ورحمة بما لا يرجى منه النفع السريع والربح العاجل.

أقول السريع والعاجل لأني إذا وزنت هذا الفن وذاك العلم بميزان التاريخ والحضارة، لوجدت أن الذي دام للعرب، مثلا، هو شعر أبي تمام، لا دولة المعتصم، وبحوث ابن الهيثم، لا خلافة بني العباس.

على أن الذي دام لهم من قصائد أبي تمام ظل رهين اللسان الذي كتب به. أما الذي دام لهم من رياضيات ابن الهيثم وبصرياته فقد صار، بما انتقل منه إلى أوروبا في أول نهضتها، جزء من تاريخ العلوم العام. ما أعنيه هو أن للذهني ديمومة ليست للعيني، وللمنطقي بقاء ليس للنطقي، وللمجرد خلودا ليس للمجسد.

ـ 2 ـ

دعاني إلى كتابة ما سبق من ملاحظات حول الشعر والرياضيات سيرة قرأتها حول عالم الرياضيات المجري Paul Erods (يلفظ بالمجرية إرديش)، الذي توفي سنة 1996 عن عمر ثلاثة وثمانين عاما. وقد جاءت هذه السيرة في كتاب نشرته العام الماضي دار Simon & Shuster مؤلفه هو Bruce Shechter، وكان يعمل محررا في المجلة العلمية الأمريكية Physics Todays، وعنوانه: My Brain is Open: The Mathematical Journeys of Paul Erods

والقسم الأول من العنوان مأخوذ من عادة في التحية والسلام كانت خاصة بإرديش. فقد كان إذا فتح له الباب من منزل صاحب أو طالب، يبادر المستقبل بالقول: "ها أنذا. دماغي مفتوح وعقلي مشرع". يعني أنه مستعد لأي نقاش رياضي يريد هذا الصاحب أو الطالب أن يخوض فيه، بل مستعد لحل أي مسألة رياضية تعرض عليه.

وقد كانت الأبواب تفتح له حرا وبردا، ليلا ونهارا. فأن يزورك إرديش ليتباحث معك في مسألة رياضيات هو أن يزورك موتسارت ليعزف لك بعض موسيقاه، أو أن يزورك غوته ليسمعك شيئا من شعره. على أن إرديش الإنسان كان غير إرديش العبقري. كان إرديش الإنسان ضيفا من نوع خاص، لأن زيارة منه قد تعني أنه سيبيت الليل تحت سقفك، أو يقترض منك بعض المال، أو يعطي زوجك كيسا من غسيل، أو يرجوك لتقله بسيارتك إلى محطته القادمة. عاش إرديش، لم يملك بيتا، ولا قاد سيارة، ولا فتح حسابا في مصرف، ولا شغل منصبا في وظيفة، ولا عرف نعمة الأهل أو فتنة المال والولد.

نعم، الرياضيات والشعر يقبلان المنفى. ولكن ما قبلته الرياضيات مع إرديش كان أعسر من كل منفى. قبلت معه الرحيل الدائم على أربع قارات. قبلت أن تكون مع مبدع، عيشه على الهامش، وإبداعه في البؤرة – مبدع قامته لا تلوح إلا بين حقيبتين، فيهما بيته ومشغله، وعلى الطريق زاده قلم وكراس ومنطق وخيال,

ـ 3 ـ

كان إرديش أغزر علماء الرياضيات إنتاجا على مد العصور. فقد كتب ما يزيد على ألف وخمسمائة كتاب ومقالة في اختصاصاته العلمية. منها أقل من ثلثيها بقليل كتبه وحده، والباقي بالتعاون مع زملائه وطلابه. ويقرب عدد من شاركه في بعض بحوثه ومقالاته من المائتين. وهو إلى كل هذه المقالات، كان يحبر كل سنة آلاف الرسائل إلى مريديه. حتى أنه لم يكن يهمل أن يرد ردا آنيا على رسائل من طلاب المراحل الإبتدائية في المجر، موطنه الأصلي.

وقد كان يتعهد هؤلاء التلاميذ برعاية خاصة، يبحث بينهم عن سيماء النبوغ. حتى إذا وجدها في أحدهم قربه إليه، وأعطاه من مسائل هذا العلم ما يرفع هذا الصغير النابغ إلى مرتبة المحترف الضليع.

ولو كنت من أهل الرياضيات واطلعت على واحد من مقالات إرديش، لما خطر ببالك أبدا أن يكون الكاتب على ما وصفت لك من رقة الحال واتصال السفر، ولما خطر ببالك أبدا أن ما كتبه بالتعاون مع أقرانه وتلاميذه، إنما كتبه بسفره إليهم، لا بقدومهم عليه.

ـ 4 ـ

كان إرديش، في عمله الإبداعي، يسعى إلى ما يعرف عند الرياضيين بالبرهان الأنيق. غير أنه كان يكتب براهينه مدفوعا بحس جمالي خاص به. فقد كان، إذا سرته أناقة برهان، يقول: "إن هذا لمن أم الكتاب". وكان قوله هذا أعظم إطراء يمكن أن يسمعه منه طالب أو صاحب. إذ كان إرديش يؤمن أن للجميل من الرياضيات وبراهينها لوحا محفوظا، لا يرقم فيه إلا ما خرج عن العادي المألوف في بهاء منطقه، وثراء حدسه، وعمق صوابه.

الشعر وعلم الرياضيات كلاهما سعي إلى الجمال. بيد أن الشعر يسعى إلى الجمال المجسد بنطق اللسان، وتسعى الرياضيات إلى الجمال المجرد بمنطق البرهان. يعني الفرق بين هذين السعيين، في كثير مما يعني، أن للحقيقة الرياضية صفتين تعزان على المجاز الشعري، هما الكونية والأبدية. أما الكونية، فلأن في ترجمة الشعر من لغة إلى لغة هلاك المجاز. وأما الأبدية، فلأن القصائد لا تموت وحدها، بل إن اللغة التي تكتب بها هذه القصائد لتموت.

أستطيع، أيها القارئ، أن أبيعك خمسة أرطال من اللبن بخمسة دنانير، ولكني لا أستطيع أن أبيعك العدد خمسة، ولا أستطيع أن أشتريه منك. ولكنا نشترك، في ذهنينا، بالاتفاق على معنى هذا العدد اتفاقا تاما. وإنما يبدأ علم الرياضيات من هذا الفصل بين الذهني والعيني، وهذا الفرق بين العدد والمعدود. أعني أن البرهان الرياضي الأنيق، هو أبدي كوني، بما هو ذهني، مجرد، ومنطقي.

ثم إن القدرة المبكرة على الفصل بين العدد والمعدود، وعلى قبول الأعداد كما تقبل الأشياء والأسماء، أمارة من أمارات الذكاء الحسابي. وإرديش في طفولته كان كذلك, فقد اكتشف الأعداد السالبة، وعمره أربع سنوات. وأول ما نشر، وهو صبي، برهان باهر الأناقة لخاصة من خواص الأعداد تقول: إن بين كل عدد ومثليه عددا أوليا واحدا على الأقل، أي عددا لا يقبل القسمة إلا على نفسه أو الواحد الصحيح.

ـ 5 ـ

ولكنك، على الأغلب، أيها القارئ، لست من أهل الرياضيات. بل أظنك من أهل الشعر أو تمت لهم بقربى، وتسألني:

"كيف لي أن أقرأ سيرة صاحبنا العبقري المبدع هذا، وأنا لا أعرف من الرياضيات، حتى عد التفعيلات في البيت الواحد؟"

أقول: تقرؤها بقراءة إينشتاين، وذلك بأن تبدل كلمة "برهان"، كلما وقعت عليها في سيرة إرديش، بكلمة "قصيدة". فقد كان ينسب إلى إينشتاين القول: "ما الرياضيات البحتة إلا شعر، كلماته أفكار المنطق". كما أن لمؤرخ العلوم، موريس كلاين، كتابا عن الرياضيات في ثقافة الغرب، يقول فيه: "كل برهان، يتدرج أنيقا، قصيدة شعر في كل شيء، إلا في الشكل المكتوب".

فإذا أبدلت البرهان بالقصيدة في سيرة إرديش، حصلت على سيرة شاعر سائح: ملك ضليل، أو صعلوك من صعاليك العرب، أو بوهيمي من بوهيميي أوروبا؛ أو حصلت على سيرة درويش من دراويش الطرق، خرقته الرياضيات، وسبيله البرهان، ودليله العقل، وورده المنطق، ومأواه الجمال.

ـ 6 ـ

كانت حياة إرديش اليومية مزيجا فريدا من الدروشة والبوهيمية والسندبادية. كان يعيشها على هامش فورانه الإبداعي الجارف. كان حضوره الإبداعي هو الجوهر والأساس، وما سوى ذلك عرض طارئ.

ومن طريف ما طرأ عليه من أعراض أنه ظل ممنوعا من دخول الولايات المتحدة عشر سنوات بين 1953 و1963. فقد ظن فيه الأمريكان، أيام الحرب الباردة، الميل إلى الشيوعية، لأنه كان مجري المولد والجنسية، وكان إلى ذلك عضوا في أكاديمية العلوم المجرية، وكانت المجر تحت الحكم الشيوعي. أي جرمه الأمريكان بمسقط رأسه، ومكانته في بلاده. فما زال إرديش يخفق، خلال مدة منعه، في الحصول على تأشيرة دخول إلى أمريكا، إلى أن كتب إلى أحد أقرانه فيها، يقول: "يبدو أن سياسة العم سام الخارجية تقوم على مبدأين ثابتين: الأول منع الصين الشيوعية من دخول الأمم المتحدة، والثاني منع بولس إرديش من دخول الولايات المتحدة".

وكان له لغته الخاصة في السياسة الدولية، فقد كان يدعو الولايات المتحدة العم سام، وهذا شائع. وكان يدعو الاتحاد السوفيتي العم جو، نسبة إلى جوزف ستالين، وهذا من وضعه.

ولما خف سعير الحرب الباردة بين العم جو والعم سام، سمح له هذا الأخير بالدخول. وقد كان إرديش يقول بعدها، وهو بين الهزل والجد: "قضيت عقدا كاملا من عمري أحاول نقب الستار الحديدي المضروب حول زعيم العالم الحر".

ـ 7 ـ

وإذا كان لي من مأخذ على كتاب Shechter فهو افتقاده الخيط النفسي الذي يجمع حلقات حياة إرديش في نظام واحد. وأنا أزعم أن هذا الخيط النفسي يمكن غزله بمغزل أعطانا إياه أستاذ علم النفس، إريك فروم، في كتابه "الملك أو الكينونة" (To Have or To Be)، يميز فيه بين نوعين من أنواع الحضور الشخصي في العالم: نوع أكون فيه مساويا لما هو ملكي من أغراض الدنيا، ونوع أكون فيه مساويا لما هو خاص بي من إنسانيتي.

عاش إرديش حياة من الإبداع الخالص، أي حياة من الكينونة الصافية والحضور الذاتي التام. لم يفعل إرديش شيئا ليحصل على شيء، ولكنه فعل كل شيء ليكون من هو بحق.

كان إرديش شديد الصراحة في موقفه من متاع الدنيا، فقد كان يقول بلا مواربة: "الملكية جلابة ضرر". وما كان يأتيه من المال أجرا على درس يلقيه، أو جوائز نقدية ينالها على أعماله، كان يوزعه على المحتاجين من الطلاب، أو يرصده جوائز لمن يأتيه ببرهان على مسألة من مسائله، أو لمن يكتشف لها برهانا أشفّ وأجمل.

يحكى أنه أقرض مرة طالبا مالا ليعينه على الانتساب إلى الجامعة. فلما تخرج هذا الطالب، وانتقلت به الحياة من عسر إلى يسر، أراد أن يعيد المال إلى إرديش. فقالوا له: إن فلانا يريد أن يرجع إليك مالك. فقال: قولوا لفلان أن يفعل بالمال ما فعلت.

ـ 8 ـ

هذه الحكاية، وحكايات كثيرة مثلها، هي بعض الخيوط التي نسجت منها حياة إرديش. أما مماته فكان إرديش يريده ملحميا، ولكن على طريقته في الملاحم. كان يريد أن يموت في ظل سبورة، وغبار الطبشور الأبيض يكاد يخفيه عن الحضور؛ أن يلفظ أنفاسه الأخيرة وهو في منتصف الطريق من برهان جديد أنيق. كان يريد أن يبقى النصف الآخر ليتمه، يوما ما، صغير نابغ.

ذكرني حلم إرديش هذا بمصير الأستاذ فاروق، مدرس الرياضيات، في مسرحية الكاتب المسرحي الراحل سعد الله ونوس "يوم من زماننا". تذكرته ورحت أتساءل: لو كان الأستاذ فاروق يعرف النموذج الإنساني الذي يجسده إرديش وأمثال إرديش، أَوَ كُنَّا نراه يقدم على قتل نفسه وزوجه في منزلهما بفتح جرة الغاز؟

لا أدري. كل ما أردت هو أن أقدم لك، أيها القارئ، بمراجعة هذه السيرة، نموذجا عاصرته من نماذج الكينونة الصافية. لا لأني أريدك أن تتبناه أو أن تتمثله، بل لأني أريدك أن تعلم أن هذا النموذج خيار حاصل في زماني، وأن من الناس من اختاره.

ـ 9 ـ

وبعد، فقد عاش إرديش الدرويش حياته شاعرا لا بيت له، سائحا لا على مذهب ابن الفارض، ولا بحب جلال الدين، ولكن متصوفا بخرقة أقليدس. تقول شاعرة غنائية أمريكية، اسمها إدنا ميليه، في عبارة لها مشهورة:

"لم ير الجمال مجردا سوى أقليدس"n

 

هوامش

(1) التي يمكن تعريفها، على نحو عام، بأنها نقل نص من لغة إلى أخرى، سواء كان هذا النص مكتوبا أو شفويا، علميا أو أدبيا، فنيا أو فلسفيا. أو هي، وكما يعرفها المعجم الفرنسي L e  Robert: "نقل ما يقال بلغة ما إلى لغة أخرى. مع الميل إلى معادلة معنى هذا القول وذلك". (مذكور من طرف سامية أسعد: "ترجمة النص الأدبي، عالم الفكر، ع4، يناير-فبراير-مارس 1989، ص19) والجدير بالإشارة أن مطلب المعادلة، أي معادلة المضامين بالنسبة للنصوص العلمية، والأساليب بالنسبة للنصوص الأدبية، هو مطلب صعب التحقق في الممارسة العملية، بحيث نكون في الترجمة أمام نظامين لغويين مختلفين على كافة المستويات (المورفولوجية، والفونولوجية، والسيمانتيكية)، لأنه يعكس "اختلافا أعمق بين مجتمعين وثقافتين وتاريخين". لذا يظل تحقيق التعادل في الترجمة "مسألة نسبية حتى على المستوى المعجمي البسيط، أي على صعيد المفردة والتركيب اللغوي، فما بالك بإمكانية تحقيقه على مستوى الوحدات اللغوية والنصية الأكبر". جان ألكسان: "الترجمة الأدبية والتنمية الثقافية". الوحدة ع.61-62، أكتوبر-نوفمبر 1989، ص104.

(*) يذكر المؤرخون أن أول ترجمة ذات طابع علمي، كانت من إنجاز خالد بن يزيد بن معاوية، المتوفى سنة 85هـ (704م) الذي أعقبه مروان بن الحكم الذي خلفه ابنه عبد الملك بن مروان (65هـ/86هـ).

(2) جورج طرابيشي: "الترجمة والإيديولوجية المترجمة"، الوحدة، مرجع مذكور، ص30.

(**) تبقى الترجمة ضرورية بالنسبة لمختلف الحضارات، فقد ترجمت الحضارة اليونانية تراث الشرق القديم (من حساب وفلك وزراعة)، وترجم الرومان عن الإغريق آدابهم وفلسفتهم، وترجم العرب عن الإغريق والرومان والفرس والهنود، هذا إذا حصرنا الاهتمام في التجارب القديمة.

(3) د.محمد حافظ دياب: "الترجمة وأسئلة النهضة العريبة"، مجلة الوحدة، م.م، ص36.

(4) نفس المرجع والصفحة.

(5) حسن قبيسي: "لغتنا والترجمة"، الفكر العربي، شتاء 1994، ص16.

(***) لا نقصد التعريب باعتباره نقلا للكلمات والمفاهيم والمصطلحات العلمية والتقنية من لغة أجنبية إلى اللغة العربية مع "تحويرها نطقا لتلائم المنطق العربي".

(6) د.نجاة عبد العزيز المطوع: "آفاق الترجمة والتعريب"، عالم الفكر، المجلد 19، العدد 4، ص7.

(****) يقول حسن قبيسي: "إن ما هو متوفر في اللغة العربية من الكتب الأساسية في العلوم الإنسانية والاجتماعية لا يغني حاجة الثقافة العربية الراهنة" المرجع السابق، ص6. وهو يضيف "وقد يبدو هذا التناقض المستعصي، في رأينا، تناقضا مستهجنا في رأي أستاذ جامعي فرنسي أو إسباني مثلا: إذ إن الطالب (والأستاذ) أو المواطن المتشوق إلى المعرفة في فرنسا أو إيطاليا أو إسبانيا، لا يقرأ ماكس فيبر أو فرويد أو نيتشه بالألمانية. إنه يقرأ كتبهم مترجمة إلى لغته الأم (دون مشكلة "حضارية"). كما أن الطالب الإنجليزي أو اليوناني لا يقرأ دوركهايم أو مارسيل موس بالفرنسية، بل يقرأها بلغته". هذا، وقد قرأ العرب أفلاطون وأرسطو وأقليدس وأبوقراط وبطليموس بلغتهم العربية، ولقد كانت نهضتهم تلك في عصرهم الأول، مساوقة لاطلاعهم، بلغتهم، إلى أمهات الكتب الحضارية"حسن قبيسي م.م، ص8.

(7) حسن قبيسي، م.م، ص9

(8) حسن قبيسي، م.م، ص10.

(9) حسن قبيسي، م.م، ص21

(10) إن عدم الاهتمام باللسانيات لا يقتصر على الترجمة العربية وحدها، فجورج مونان يذكر، في معرض حديثه عن المعاهد والمؤسسات التي تدرس الترجمة وتعمل على تخريج المترجمين في أوروبا، كلاما يدل على تقصير مماثل. يقول: "لكن هذه الهيئات تدرس التمرس باللغات وبالترجمة كنشاط علمي دون أن يكون تدريسها لها قد أسفر عن أية نظرية في الترجمة أو عن أية دراسة للمشكلات التي تطرحها هذه النظريات على الأقل". ثم يضيف: "إن المصنفات التأليفية الرئيسية التي تناولت اللغويات في الفترة الأخيرة لم تأت هي الأخرى على معالجة هذه النقطة. فالترجمة بوصفها ظاهرة من ظواهر اللغة ومشكلة من مشكلاتها بقيت في حيز الصمت" ذكره حسن قبيسي في المرجع السابق، ص33. فضلا عن ذلك، فنحن نتساءل فيما إذا كان المترجم في حاجة إلى اللسانيات لكي يقوم بعمله، والإجابة هي: "من الواضح أنه لا يحتاج إليها ما دام المترجمون قد قاموا بعملهم إلى عهد قريب، بدون أن يتعرضوا لقضايا اللغة" سامية أسعد، عالم الفكر، م.م، ص22. بعبارة أخرى، إن خطاب اللسانيات والترجمة لا يلتقيان إلا من حيث تجد اللسانيات في الترجمة القضايا التي تبحث عنها.

(11) حسن قبيسي، المرجع المذكور، ص19.

(12) د.صلاح نيازي: "الترجمة والخيال السمعي"، نشرة إخبارية تصدرها مدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة، العدد 8، دجنبر 1993، ص10. ويشير الباحث إلى ظاهرة الترجمات الغير الدقيقة والتي أثرت –على الرغم من ذلك- تأثيرا كبيرا في البيئة المنقولة إليها من غير أن يكون لها تأثير في لغتها الأصلية، كألف ليلة وليلة التي لم يكن لها تأثير على الأدب العربي إبان ترجمتها، بينما "كانت نواة للرواية الأوروبية الحديثة". كما يتساءل الكاتب عن أسباب شيوع ترجمات لم تكن أمينة بقدر ما كانت سلسلة، فيذكر رباعيات الخيام لفيتزجيرالد باللغة الإنجليزية، مع أن المترجم لم يكن يعرف اللغة الفارسية، كما يذكر الترجمة العربية التي قام بها أحمد وهبي لنفس الرباعيات، فاستساغها الناس أكثر مما استساغوا ترجمة إبراهيم العريض أو ترجمة الصافي النجفي، "مع أنهما أكثر تمكنا من اللغة الفارسية وأمتن أسلوبا وأكثر دقة" ثم يتساءل عن ترجمات المنفلوطي. ولقد كان الجاحظ هو أول من عبر عن شكه في إمكانية الترجمة ونقل النص بأمانة، "لأن ذلك يتطلب توافر أمرين كلاهما مستحيل التحقق: الأول أن يكون علم المترجم باللغة التي ينقل منها على قدر علمه باللغة التي ينقل إليها. وقد أثبتت المشاهدة بأن الإنسان لا يتعلم لغة من اللغات إلا وأدخلت الضيم على سابقتها. وبذلك لا تتساوى معرفة المترجم باللغتين مطلقا. والثاني أن يكون علم المترجم بالموضوع الذي يترجمه على قدر علم المؤلف به، ولم يقل أحد إن مترجمي التراث اليوناني إلى العربية في القرن الثالث الهجري كانوا على قدر علم أرسطو وافلاطون وغيرهما من مؤلفي اليونان". ذكره د.عبد الحكيم حسان عمر: "الترجمة الأدبية ومشكلتها". مجلة الفيصل، ع239، سبتمبر-أكتوبر، ص39.