ص1     الفهرس   21-30   

سلطة التأويل وتأصيل التأليف

كتاب لسان آدم (*) نموذجا

 

حسن مسكين

إن أولى الملاحظات التي تبدو لقارئ هذا العمل الأدبي، هي السؤال عن العلائق، والروابط الفنية والفكرية التي تصل بين فصوله ومباحثه وأقسامه.

غير أن مزيدا من النظر، والتتبع الصبور، والمتأني لمسالكه، يكشف عن حضور خيوط جمالية ناظمة لمباحثه المتنوعة، تنوعا ينحو باتجاه التكامل والانسجام، أهم هذه الخيوط: خيط الكتابة بكل ما تحمله هذه اللفظة من أبعاد دلالية ظاهرة، ومستترة، ثاوية في أحشاء لغة ساحرة من جهة، عميقة من جهة ثانية، تشدك إليها، دون أن تفصح عن هويتها، أو تحدد توجهها، بل تتركك، تستشف ذلك من خلال مواصلة الحفر في مظانها، لعلك تقف على ثمرة من ثمارها.

ذلك ما ستحاول هذه القراءة أن تقوم به، متوسلة في بلوغ هذه الغاية حسن الإصغاء، وصبر المتابعة والحفر، مستعينة على ذلك بلغة واصفة تنحو باتجاه ضم الجمال إلى الفكرة، والوحدة إلى التنوع من خلال هذه المتون المتوازية، أو المتقاطعة مع النص الأكبر الذي يحتويها جميعا، أعني النص موضوع القراءة.

مفتتـح:

إن دخول القارئ عالم هذا المؤلف يعد مغامرة، تتجاذبها أطراف من الصعوبات، وأنواع من المتع، تدفعه لينخرط في لعبة القراءة، والتأويل غير البريئين، أو الاستهلاكيين، بل المنتجين.

إذ حين نتعمق في سراديب هذا الإنجاز، غير المألوف، تستهوينا هذه الدروب الغريبة، وتأخذنا هذه اللغة الساحرة حينا، الماكرة في الغالب. نتبعها، محاولين الاهتداء بإشاراتها وعناوينها المقنعة. لكن دون جدوى. فالمؤلف، يسحبنا -باستمرار، ودون توقف- نحو معالم سردية، تتماهى فيها الحقيقة بالمتخيل، والواقع بالحلم، والسامي بالمبتذل، والقريب بالبعيد، الضارب في القدم، وصولا إلى منبع الأوليات: في الخلق والتأليف، والخروج، والدنو، إلى حد يصعب معه إقامة فصل مقنع بين هذا المجال أو ذلك: حيث يصير الطرفان المتعارضان ظاهريا، وجهين لعملة واحدة هي (الكتابة) و(الخلق)، هذه التي توهم –ولوقت وجيز- بتلاشي هذا العطش المتزايد لمعرفة النهايات، اعتمادا على الأصل، والبدايات، التي سرعان ما يتبدى لنا سرابها، لتتواصل من جديد رحلة الكشف، والمعرفة، من خلال باب آخر: عنوان يكون أكثر التباسا، وأشد غرابة، يعطل طريق النهايات، ويبقى على زمن البدايات: وكأني بها تنجز ما حكى عنه عبد القاهر الجرجاني قديما: من أن "الشيء إذا نيل بعد الطلب له، والاشتياق إليه، ومعاناة الحنين نحوه، كان نيله أحلى وبالمزية أولى، فكان موقعه من النفس أجل وألطف، وكانت به أظن وأشغف(1).

لقد ولى زمن استبدال المؤلف بدلالات النص، لتخلفه سلطة قارئ أو قراء عديدين يخلقون النصوص، وينتجون معانيها، الممتدة، واللامنتهية، تغذيها استجاباتهم المختلفة، وكفاءاتهم وأحاسيسهم المتنوعة، واللامنتهية، ومعارفهم وآليات اشتغالهم المتباينة. لم يعد القارئ، واحدا، بل متنوعا، كما أن معنى النص غدا مشاعا لمتليقه، كل يبني فيه مكانه الخاص، وعالمه المتميز، تبعا لخصوصية معارفه ومكتسباته الفكرية والنقدية(2).

من هنا يبدو لي أن مؤلفا مثل لسان آدم ينبغي أن نقرأه مراعين هذا التحول، ومشددين على خاصية التنويع في القراءة، هذا التنويع الذي أفرزته هذه الخصوبة في الكتابة عند كيليطو وفي هذا المؤلف بالذات، بدءا بالعناوين وحتى آخر هامش لمتن الكتاب.

وهكذا يوهمنا المؤلف ببساطة عناوينه الثنائية أو المركبة، لكنها سرعان ما تكشف عن غرابتها ومكرها في آن: انطلاقا من اللعب على الاسم ونقيضه، فيما يشبه ثنائيات، مولدة لقبيلة من المعاني والدلالات المحايثة، حينا، والمتعارضة غالبا: الكاشفة عن وجه، والمضمرة لوجوه عديدة: خذ على سبيل المثال: (جنة عدن بابلية)، (شاعر أم نبي)، (آدم أو النسيان): الجنة نموذج الوحدة، والاتساق، والانسجام تلتحم ببال نموذج البلبلة، والتعدد اللسني، والمكاني.

والشعر استحضار لعالم الجن، ومدارجه، وخروقاته، في مواجهة عالم، كله سمو، ونبوءات: منتهى الدنو، ومنتهى السمو، وفي كليهما نموذج للتمييز، والخصوصية.

(الجنون) يلتقي بالحكمة: فينسجان عوالم غريبة وعجيبة تسمح بظهور النموذجي، والفريد.

(الكتاب ونقيضه): حيث تتشكل الكتابة أي الخط، ضدا على الغياب، والمحو، أي الموت.

(الكتاب الغريق): حيث الإيهام بموت الكتابة، فيما هي تصنع حياة بلا نهاية. أين يمكن أن تصنف هذه العلامات إذن؟

إنها (مفاتيح) لأبواب، يدخل منها القارئ، نحو عالم البدايات، والأصول، حيث صراع الذوات، وتضارب (الإيديولوجيات) في منابعها السحيقة، تتماهى فيها العلامات، مرة تضيء المعنى، ومرات تتخذ أقنعة تغيب، وتتلاشى فيها منابع الدلالة(3).

لكن ذلك لا يعني غيابا كليا لدوال ومؤشرات تهدي القارئ –أحيانا- وتنقده من التيه في عتمة تشابك الرموز.

إنها تشكيل لإضاءات تختزل المعنى، وتكثف إشارته وتنير مغالقه إلى أبعد مكان ممكن من التفسير حينا والتأويل غالبا كما هو الحال في هذا الشاهد النصي:

"لما ذكر ابن عباس توبة آدم، فإنه يلمح دون شك إلى الآية القرآنية التالية: ]فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه[(4) كلمة "توبة" قريبة صوتيا ودلاليا من كلمة "أوبة" التي تعني العودة. عاد آدم إلى الله الذي غفر له، ودائما حسب ابن عباس، رد عليه لغته التي كان قد سلبها منه.

وهكذا لم تكن السريانية سوى فاصل، وحدث عابر، وتيهانا مؤقتا ناتجا عن القطيعة مع الله. صحيح أن آدم لا يعود إلى الجنة، ألا يعبر من جديد على شيء من الجنة؟"(5).

وتبلغ درجة التوجيه الدلالي هاته درجة قصوى حين يضمن المؤلف عناوين فرعية داخل العناوين الكبرى، كما هو الحال في نص: "الكتاب ونقيضه" حيث نقرأ مثل هذه  العناوين/المفاتيح: (سيميولوجية البخل) – (البخل والجدل) – (آخر المتكلمين)، الهدف منها حصر متاهات القراءة، بنهج سلطة ماكرة في التأويل.

ويبدو لي أن تمة ثنائيات عدة تحكم بنية هذا المؤلف وتنسج خيوط مضامينه، ورموزه، يمكن اختزالها في القسم الأول في أربعة هي:

الخلق و/الخرق –التماثل و/التباين- الذاكرة و/النسيان-الشعر و/الموت.

1 ـ الخلق والخرق:

يتملك المتلقي إحساس غريب، وعجيب، وهو يدخل عالم هذا الكتاب المميز بعلامات شتى، والمتفرد بتيمات عدة، يمكن أن نستشف أولاها من دلالات هذا العنوان الملغز، الذي يعود بالمرء إلى بداياته السحيقة، أم البدايات، منبع الأصول، ومفتتح كل الأوليات أعني لحظات القول، والتعبير، لحظات التأليف، والتعريف، والتسمية، لحظات الوجود، والخليقة، والبدء في تأسيس زمن الخلود: زمن كل الأزمنة، إذ عنه سيتفرع زمن الكتابة، والحكي، والانتحال والقص، والتخييل، وصولا إلى إنشاد أمكنة موائمة تحتضن هذا البدئي، المتميز: (آدم) عليه السلام، بتكوينه، ومعرفته، وخطيئته، وقبل كل هذا، بلغته، بلسانه، الذي تناسته الأقلام، وأبعدته عن معارفها فغدا موضوعا هامشيا، لا مفكرا فيه، إلا عند من فقه دلالاته، وتشبع بروح معانيه، السامية، تلك التي أخذت زمن القدماء، وهموم الأولين: "لا أحد اليوم يهتم بالتساؤل عن لسان آدم. إنه السؤال، ساذج محرج ومزعج في غموض، كالأسئلة التي يلقيها الأطفال أحيانا والتي لا يمكن الإجابة عنها ببراءة. لكن السؤال عند القدماء كان جادا وخطيرا. الإجابة عنه تعني اتخاذ موقف، وقرارا ذا رهانات عديدة، وعواقب رهيبة"(6): تصبح الأسئلة في هذا السياق متعارضة في توجيهات أصحابها، يصير التحول صفة ملازمة لها: يحكي زمن التبدل، أو قل زمن وهم التبدل: زمن مسخ المعارف: فالبدايات هي هي، تتساوق مع مثيلاتها، رغم تنويعات، وتباينات عارضة:

الأولون يعرضون نتاجات البدايات، يمسحون عنها عتمة الماضي، ليصنعوا منها أفقا للمعرفة، هذه التي تمتد بدورها عبر شذرات التساؤل والإجابات والتفسيرات، المتنوعة، والمفتوحة. فهذا الإمام الرازي يذهب إلى أن المراد (بالأشياء) في قوله تعالى: ]وعلم آدم الأسماء كلها[: "كل ما خلق الله تعالى من أجناس المخلوقات، بجميع اللغات التي يتكلم بها ولده اليوم، وعلم أيضا معانيها"(7) وهو في ذلك يضعنا أمام بعد آخر من أبعاد التفسير، ورؤيا من رؤى العلم بالألسن، على اختلاف منابعها، وتنوع أصولها. وتزداد هذه التفسيرات قوة، حين نتأول في ما تلا هذا القول مباشرة وفي آدم أيضا: "وأنزل عليه [ على آدم ] كتابا وهو كما ورد في حديث أبي ذر رضي الله عنه تعالى عنه أنه قال: يا رسول الله أي كتاب أنزل على آدم عليه السلام، قال كتاب المعجم، قلت أي كتاب المعجم قال:

أ-ب-ت-ث-ج. قلت يا رسول الله كم حرفا: قال تسعة وعشرون حرفا (الحديث) وذكروا أنه عشر صحف، فيها سور مقطعة الحروف وفيها الفرائض والوعي والوعيد وأخبار الدنيا والآخرة.

وقد بين أهل كل زمان وصورهم وسيرهم مع أنبيائهم وملوكههم وما يحدث في الأرض من الفتن والملاحم"(8). وهذه تفسيرات تنم عن مقاصد أصحابها، ومطالبهم، في التأصيل للمعرفة الإنسانية، ومنحها أبعادا تتحدد من خلالها توجهاتهم، بل ومواقعهم، التي لا يمكن أن تكون –بالضرورة- متماثلة، أو متقاربة، لكنها متباينة إلى حد التعارض أحيانا. وهم في ذلك مخلصون لرؤية ثاقبة، تحسن الإصغاء، والتمثيل، بعيدا عن الانتقاء المخل-بدعوى التحديث، أو المواكبة أو التجديد.

إنها أوهام أضلت أصحابها، فغابت عنهم متعة المعرفة، فأضلوا هم بدورهم المتلقي (الحديث) الذي حرم لذة مثل هذه الأسئلة، ومتعة هذه المكاسب.

ألا يمكن أن نصف هذه بأنها خطيئة أخرى ضمن (خطايا) متتالية في تاريخ هذا الإنسان، أو قل في تاريخ هذا اللسان؟ أنسمي هذا (نسيانا) أو (تناسيا) اعترى مسيرة الخليقة، والإنسان صاحب هذا اللسان؟

قد تكون الأجوبة مغنية، ولكن الأهم من ذلك هو ترديد السؤال، وتمديد اللسان، بأسئلة لا منتهية، حية ومثمرة، الأسئلة التي حرمت، فحرمت متابعة لذة الوصف، والسرد، والتأويل، وقبل كل ذلك حق الوجود: "إن وليدا محروما من العلاقة مع اللسان لن يستطيع العيش. اللسان مثل الهواء، ضروري للحياة.

غياب اللسان يعادل الموت، الحياة، البقاء هما في اللسان"(9) لكن عن أي لسان نتحدث؟ عن اللسان العربي أم العبري؟ أم اللاتيني؟ تتعذر الإجابات، وتتنوع، تعضد وتبرر: (العالم المصري القديم –العالم المسيحي- والعالم الإسلامي)(10).

وبعيدا عن مسألة التصديق أو التكذيب، تبقى هذه وتلك تأويلات، تغني الأسئلة الماكرة، وتضعها –دوما- في سياق الثراء الفكري والخصب المعرفي، الكاشف عن سر دورة الحياة، ومنه هذا الوجود، الملغز بشخوصه، بداية (بآدم) ومرورا (بيعرب القحطاني) وصولا إلى مؤلف هذا النص المفتوح، أعني النص (الثغثغات).

كانت تلك نهاية لحلقة في سلسلة تساؤلات عديدة شكلت نقطة البدايات، وشعلة في سماء الأوليات، البائدة إلا من هذا الإنسان، صانع المعرفة، بالقول، باللسان، المنتج (لثغثغات) لا بل و(بلبلات) أيضا: إنها سمة أخرى، أو حالة ثانية من حالات النشوء والوجود، وإثبات مغايرة الوجود، وتأكيدا لمعرفة متشاكلة، تقوم على خاصية أكيدة هي:

1-1-التماثل والتباين:

تيمة أخرى من تيمات هذا النص المفتوح على تساؤلات أخرى لا منتهية: فيها التعدد، والتنوع، والاختلاف في مواجهة الوحدة، والانسجام، والتماسك: تعدد الألسنة، وتنوعها، واختلافها، دليل على جنوح نحو متاهات (بلبلات) أخرى، تضاف إلى: الأكل من الشجرة، والعصيان، والخروج من الجنة، أو قل تضاف إلى الهبوط من الأعلى، من القمة، من المقام الواحد المتميز، من الجنة، حيث الأشياء في صفائها، والذوات في نقائها، إلى الأرض، إلى فضاء التشتت، والتباين، حيث تكثر الخطايا، وتشاع الزلات، وترتكب المحرمات، عوامل (مفاعلات Des actants) عدة، عوائق كثيرة، تحول دون التمكن من (موضوع) الرغبة: (الفردوس – الجنة - الخلود): يضيع اللسان الأول، رمز الانسجام، والتواصل، فتتلاشى معه صفة الاتصال، يصبح الانفصال، العلامة المميزة لهذه العلاقة البدئية، النموذج، والمثال): "السؤال المتعلق بلسان آدم لا يمكن أن يكون سوى سؤال ما بعد بابلي، فقط بعد مأساة بابل، لما تشتت البشر، ولما حلت ألسنة متعددة محل اللسان الوحيد، ولما انتصبت الحواجز اللسانية صار طرح السؤال ممكنا. فالجماعات التي كانت آنذاك في طور التكون فقدت الاتصال المباشر ليس فحسب مع بعضها البعض، بل كذلك مع الله مع لسان المخاطبات بين الله وآدم. آنئذ فرض السؤال نفسه"(11).

وحتى تتناسل مستويات التأويل، وتتحول إلى آلية إنتاج وتخصيب دلالات غنية بالإيحاء، والتشويق، يلجأ المؤلف إلى اقتناص مشاهد متنوعة، من حقول عديدة، وثقافات مختلفة ليجعلها منسجمة متناغمة مع معارفها الخلفية وهذا يعني "أن الكائن البشري يعتقد في شيء أنه أصل أو أول أو أساس، وأن هناك شيئا ما ثانويا أو فرعيا يمكن أن يرجع إلى الأصل أو إلى الأول أو إلى الأساس… وهكذا يحقق المزج بين مقولتين، أولهما غرابة المعنى عن القيم السائدة، القيم الثقافية والسياسية والفكرية، وثانيهما بث قيم جديدة بتأويل جديد، أي إرجاع الغرابة إلى الألفة، ودس الغرابة في الألفة"(12).

يتخذ من هذه الثقافات المختلفة: (التوراة – الإنجيل – القرآن – كتب اللغة – التفسير – التاريخ – الأنثروبولوجيا – الثقافات اليونانية – اليهودية – الإسلامية – المسيحية…) ليبني من كل ذلك مشاهد (قصصية) وحكائية، تذوب بصنعة ساحرة في أحشاء النص، لينتج منها لونا سرديا، يستعصي على التحديد، أو التجنيس، فهو إذ يذكر (بابل) يستحضر معها (قبيلة) من المعاني، والرموز المشبعة بالإيحاءات التي تغني نصه (الموضوع): تصير (بابل) الاستشهاد، و(المثال) و(النموذج): عنصرا بانيا لنص آخر، تتعانق فيه سمة الأصالة مع صفة الجدة، ينسجهما خيط الغرابة، الممتد من القدم، والبدايات العجيبة، في تشييد (بابل) ذات البرج العظيم، طمع في الصعود، وطموح في الخلود في التساوي بنموذج السمو، بالرب، أي في إنتاج صفة التوحيد، ونفي الفرقة، والتمايز، وهي خطيئة تماثل خطيئة الأكل من الشجرة (المحرمة)، وبالتالي، فالنهاية متشابهة، رغم تنويع المشاهد، وتلوين حركة البدايات. وتزداد سلطة التأويل حضورا، حين يستعصي على الذات (المقنعة)، كاشفة عما قد يظهر من خلل في مسار الإبداع السردي (المصنوع) باتجاه المتلقي، محاولة تبرير تأويلاتها بنص ديني آخر، بلغة مكشوفة، "قد يبدو هذا التأويل على شيء من التعسف، لكن لنلاحظ قصة بابل كما ترد في سفر التكوين: "وقالوا: تعالوا نبني لنا مدينة وبرجا رأسه في السماء، ونقم لنا اسما، فلا نتشتت على وجه الأرض كلها" رأسه في السماء: إذا فهمنا هذه العبارة حرفيا، فإنها تنطوي على رغبة في بلوغ السماء، والتحول إلى آلهة. مشروع يبعث بالأحرى على القلق: "ونزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنوا آدم يبنون لهما" الصعود الذي ينتويه البشر يقابله نزول الرب: "فلننزل ونبلبل لغتهم، حتى لا يفهم بعضهم لغة بعض"(13).

إن مقصدية الذات في هذا السياق الاستشهادي أو التمثيلي هو التأكيد على (بلبلة) اللسان إذ منه تنطلق المتغيرات، وعليه ترسم صور الإنسان، حامل التمظهرات، في تشكيلاتها الجديدة، المفارقة –كليا- لأصل البدايات: هناك –الآن-انتشار، اختلاف وتنوع على جهة الإيجاب، لا السلب، كما كان سابقا، أو على الأصح كما كان يعتقد سلفا.

هنا نواجه لعبة التأويل من جديد، ذلك التأويل الذي يقلب الأشياء، ليحيلها مشهدا آخر: شخوصه هي هي- لكن دلالاته مختلفة إلى حد التناقض المولد لمعاني مغايرة: فالبلبلة أصبحت صورة للكمال، بعدما كانت مظهر نقص، وسلب، إنها الآن (أيقون) على التنوع اللسني، والإنسي: نموذج لتنوع الفضاءات والأزمنة، والشخوص، وقبل ذلك كله للأصوات: "تنفصل السموات وتفتق الأرض عن السماء؛ كذلك يجب على البشر أن يتمايزوا بعضهم عن بعض بألوانهم وألسنتهم. إن هذا – كما تشير إلى ذلك عبارات قرآنية هو آية، أي علامة إلهية تشير إلى شيء ما؛ ومثال ومقال يتخذ للعبرة: "ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين"(14).

هكذا تمارس الذات عبر سلطة التأويل –دورها- في محو تلك المسافات التي تفصل المظاهر عن الحق، و(الثغثغات) و(البلبلات) عن الوقائع والعلامات.

عندها يغدو للتمايز، والتنويع، والانتشار، والتباين، قيمة المؤسس لحقيقة الأشياء وكنه البدايات وسر الأصول، الممتدة إلى بدء الخليقة والمعرفة الإنسانية (الصافية): "انتشار في الفضاء، اختلاف في الألسنة والألوان: هذا أمر إيجابي وتجسيد لخطة إلهية، مثل الانتشار في الفضاء.

يؤسس الله الاختلاف في خلقه، ومن آثار رحمته أن يكون البشر منتشرين، حتى يعمروا الأرض ويخصبونها"(15).

يصير للاختلاف –إذن- دور الباني، بعدما كان يؤول بدور المنتهك: في الاختلاف سر الوجود، ومنه المعرفة، وفي التماثل: قتل، وانتهاك لحرمة هذه المكاسب.

لكن هل كان لهذه المعرفة أن تتحقق، وتحيى في غياب (اللسان)؟! وعن أي لسان يمكن الحديث، في فضاء وزمن البدايات هاته؟

1-2- الذاكرة والنسيان:

تتعدد الإجابات وتتنوع، لتصل أحيانا إلى درجة التعارض، غير أن هذا لا ينفي حقيقة التماهي بين التماثل والاختلاف، الوحدة والتنوع: فالإله الذي علم آدم الأسماء كلها، لم يلغ التباين، ولم يمح الاختلاف بل جعله رحمة للعالمين، ومنارة للإنس، تهتدي به ولاكتساب تلك المعرفة التي تساءلنا عن هويتها، وصفة لسانها: عربي أم عبري؟ فارسي أم سرياني؟: "في زمن البدء كان التعدد اللساني هو القاعدة، تعدد لساني شائع، ومعترف به، ومسيطر عليه. جميع الألسنة كانت لها حينئذ القيمة نفسها. لا أحد منها كانت له الأفضلية"(16).

تستبعد: الأفضلية، والأولوية، والإقصاء، ليحل التساوي والتوازي، بل والتداخل الكاشف عن وحدة الإله، ووحدة الأب (آدم).

غير أن سيرورة الزمن تسم الواقع بمتناقضات تعكس رغبة الإنس نحو التفرد، والتميز، من خلال إنجاز التكثل اللسني، إعلانا لوحدة اللسان (المزعوم)، بعيدا عن التباين (المشروع)، أو المنجز في زمن البدايات: زمن الجنة، والفردوس، والحكي، هذا الذي سينسج منها المؤلف قصصا، يستمد لها شخوصا، وأزمنة وفضاءات من البدايات ذاتها، أي من أزمنة معروفة بغنى رموزها، وخصوبة معانيها، ألم تكن هي التي احتضنت (آدم)، (وحواء)، و(إبليس) و(الحية)، وشهدت حدث الهبوط، والخطيئة؟!

لا غرابة –إذن- أن تتسلسل هذه الأحداث، لتمنح مشاهد أخرى أكثر غرابة وعجبا، لتشكل هي الأخرى أول مأساة عرفها تاريخ البشرية، وليكون شخوصها أقرب الناس لآدم: (قابيل/هابيل).

إن تراجيديا القتل، خطيئة أخرى تضاف إلى خطايا سابقة، لتعكس مرآوية المشاهد، وتعاقب الأحداث بنوع من التناسل المخصب، الذي يصل البدئي بالمحدث، الماضي بالحاضر، والواقعي بالمحتمل: وما مشهد الغراب، وهو يقبر قتيله، سوى نوع من التأكيد على تراجيديا المشهد، ودرامية الموقف. تتعمق هذه الأخيرة: (المأساة) لتلقي بظلالها القاتمة على كل الشخوص، مغيرة وجه الحياة: نموذج التساكن، والتكامل ومبدلة صورة الدم: دليل التقارب، والتوادد والتراحم إلى صور للموت، والتشتت والفضاعة. ولا ننسى هنا هذا الاستحضار البارع لعلامات أخرى مختلفة المنابع، متنوعة الثقافات: (آراء المفسرين، نصوص الكتب المقدسة، تصورات مؤلفين محدثين…)(17) الشيء الذي ضاعف من وقع المآساة، وتهويل صورها، لتتحول من مجرد حدث واقعي، معلوم، إلى تراجيديا تستوقف المتلقي، وتشد انتباهه، بدءا بلغتها الساحرة وانتهاء بدلالاتها الإنسانية، الكاشفة عن سر وخلود ذلك الصراع الذي يسكن أحشاء الإنسان منذ زمن البدايات، والملهم لقريحة الذوات في تحريك القول، بمختلف أشكاله: سواء كان حكيا أو سردا أو نظما شعريا(18)، يصوغ ببراعة فائقة وحس مرهف مأساة زمن البدايات: "الغراب الذي يقتل قتيله يحاكي فعل قابيل، وهذا الأخير يحاكي الغراب بدفنه لأخيه. وتبلغ المماثلة درجة من العمق يكاد يتحول معها قابيل إلى غراب: سواد نفسه ينبع على جسده"(19).

ترسم مجموعة من الثنائيات على مرأى هذا المشهد، لتحدد لنا عالما من التباينات ذات المنحى التكثيفي في سرد هذه النصوص على هذا النحو من: (البداية النهاية):

*الدم بوصفه صورة للقرابة والالتحام/الدم صورة للتفرقة والتفكك.

*الأرض تتشرب دم قابيل/الأرض ترفض إقبار قابيل

*الأرض كانت قبل الجناية خصبة، معطاء/الأرض بعد القتل عقيم جذباء.

*العالم كان معلوما (نقيا)/العالم أصبح بعد القتل مجهولا مغبرا، قبيحا.

1-3-الشعر و/الموت:

يتضاعف وقع المأساة، وتتمكن من مشاعر القراء، حين تصور شعرا، وتنسب في نظمها لأب البدايات، (آدم) عليه السلام، ولكن كيف السبيل إلى التدليل على أن قائلها أبونا آدم؟

هاهو سؤال البدايات، يواجهنا من جديد، لتنبثق أيضا إجابات أخرى، توجهها مقصدية المؤلف، وتسيرها قناعاته، الملتوية، غير البريئة حول قضايا وصفت بالخطيرة، هي: (مسألة صحة المرثية، ولغتها، وروايتها) لتكون النهاية: صناعة، ووضعا، لهذه المرثية(20) بدليل قاطع، هو تعارض مقام النبي، ومقام الشاعر، ولا يستبعد المؤلف أن تكون هذه "الأنشودة الجنائزية، المؤلفة نثرا، بالسريانية قد وصلتنا شعرا بالعربية وقد ترجمها يعرب بن قحطان، فيعرب –إذن- ليس إلا راو ضمن سلسلة رواة، رووا هذه المرثية: ويعرب هذا كان كما يقول الثعلبي في مؤلفه قصص الأنبياء هو أول من ركب الخيل، وتكلم بالعربية وقال الشعر"(21): كان يعرب المنقذ الأول لهذا النشيد الجنائزي (المرثية)، قد يبدو هذا كافيا لحسم هذا النقاش السجالي الممتد؛ لكن المؤلف -كعادته في ممارسة لعبة التأويل- يصدم أفق انتظار المتلقي، بسرده، لتفسيرات أخرى تستند إلى منطق الاستشهاد ذاته. (النصوص القديمة) أساسا، ليزيد من (البلبلة) و(التشويش) وليضمن بالتالي ذلك التشويق، الذي يشد المتلقي، ويرغمه على مواصلة رحلة القراءة، ومغامرة الكشف، وقد تضاعفت لذته في الاستماع للأصوات، وهي تتصارع لإثبات دورها في الإنجاز النصي، والتميز البدئي.

لكن ليس المهم –هنا- صحة الرأي، أو الدليل، بقدر ما يهم –أكثر- عملية السرد اللسانية، في تشكيلاتها، عبر ثنايا النص، ومغالق تخومه اللغوية المتشابكة: "لا شك أن القطيعة اللسانية كانت عنيفة: في لحظة خاطفة، تنمحي لغة وتخلي المكان للغة أخرى: يقول الجاحظ إن إسماعيل قد اكتسب العربية على غير تلقين ولا ترتيب، وبما أن كل أثر من اللغة القديمة قد اختفى، فإنه لم يعان مشقة في التعبير باللغة الجديدة"(22).

يتكسر أفق انتظار المتلقي، ويتلاشى توقعه في الظفر بأجوبة شافية، تتملكه الحيرة، وهو يتتبع سلسلة هذه الآراء المفتوحة، والمتداخلة، بها سيهتدي في مواصلة رحلة الكشف هاته، التي أحكم صنعها مؤلف متمرس، وذات مشبعة بحس الحداثة، وأسرار القدماء؟! تتدخل هذه الأخيرة (الذات) عند نهاية الرحلة المعرفية، لتكشف عن توجهها، معلنة بلغة مثقلة بآليات الوصف، وأدوات التحليل والاستقراء، والسرد، والمنطق والحكمة، والبلاغة:

"إسماعيل أول من نطق بالعربية، وهو أيضا أول من ركب الخيل العراب، وهي سمة أخرى تربطه بيعرب، إنه بخلاف هذا الأخير، لم يكن يصنع الشعر، ولنكرر بأن النبوة والشعر متنافيان. فلا يمكن أن تؤول ترجمة المرثية الآدمية وروايتها إلا إلى يعرب"(23).

يعود التساؤل مرة ثالثة عن قائل هذا النشيد الجنائزي، بصيغة مغايرة ظاهريا، متماثلة في العمق:

نحن بنو الأرض وسكانها     منها خلقنا وإليها نعــــــود

والسعد لا يبقى لأصحابه     والنحس تمحوه ليالي السعود

ويحضر هذه المرة (المعري) من خلال ذات (ابن القارح) البطل الموجه لهذا اللسان المفتوح على لغة الشعر، المحتفل بها على مدار هذا الكتاب (المتميز): رسالة الغفران الذي انتصبت فيه الأسئلة المتنوعة مثل شراك، تستقبل الشعراء الأخيار-وعالمهم الخصب، الفسيح: صحيح أن ملذات الفردوس عديدة ومتنوعة، لكن بطلنا عامر بالحنين لنمط من الحياة خاص، إلى الحياة كما يصفها الشعر.

يتذكر في كل لحظة الأفعال التي ذكرها الشعراء ويشرع فورا في محاكاتها وتحقيقها (يكفيه أن يرغب، ليحضر موضوع رغبته بين يديه). تهجس في خاطره أبيات طردية: يركب فرسه وينطلق للصيد، والمتع التي يمارسها مع حورية، تلك التي وصفها الشاعر الجاهلي امرؤ القيس في معلقته. تذكر مجادلات العلماء في الدنيا، فأقام مأدبة ودعا الشعراء والنحاة"(24).

لا يتم الخلود إلا في حضرة الشعر، ولا يكتمل الاحتفال إلا باستحضار: (التيمات الشعرية): تتعدد الأصوات، وتتنوع الشخوص، لكن داخل فضاء واحد، وفريد، فضاء (الجنة)، ذلك الذي يمنح الذوات فرصة التلاقي، والنقاش، واكتساب المعارف، خاصة إذا كانت الأطراف على نحو من التميز: والخصوصية: (آدم/ابن القارح)؛ لكن (تيمة) النسيان ترمي بظلالها، القاتمة، معكرة صفو هذا الاحتفال من جديد لتخيم (الخيبة) على فضاء المتعة هذا، ولتتلاشى لذة الشعر، وتذوب حلاوة المحاورة: "النسيان زلة قدم، وفقدان للتوازن، وسقوط ينقل المرء من مستوى إلى آخر، من الأعلى إلى الأسفل، من السماء إلى الأرض، آدم وزوجته زلا، ومسارهما هو هبوط: "وقلنا اهبطوا"، طرد آدم من الجنة، فنسي العربية وتكلم السريانية ولما عاد إلى الجنة نسي السريانية وتكلم العربية. تبدل المقام عنده يصاحبه فقدان لسان واكتساب آخر"(25). غير أن النسيان –لا يستطيع رغم حركيته المدمرة هاته- أن يقوى على محو (أدبية) أو (شعرية) هذا النشيد الجنائزي (المرثية)(26) لماذا؟ لأن الألسن-على اختلاف توجهاتها، ومواقفها وتصوراتها-قد حفظته في ذاكرتها، حتى تلك التي ناصبته العداء، واحتجت بلا سنديته ولا وتوقيته، وبالتالي بلا مشروعية نسبته لآدم، تقر عن وعي أو بدونه-بأصالة هذه المرثية (المأساوية)، التي لا ينبغي النظر إليها إلا في كليتها ووحدتها، باعتبارها نصا قصصيا متكاملا، غنيا بتيماته، وذواته، وعوالمه الحكائية المتميزة، نصا منتحلا أو موضوعيا، حقيقيا، أو متخيلا، لكنه مصنوع، بامتياز، يكشف-من جهة عن رغبة هذا المؤلف (المجهول) في مواجهة سلطة النسيان، وهيمنة المحو، تأكيدا لسلطة الذاكرة وقوة التأليف، الذي لا يمكن أن يكون إلا آدميا: أعني مرتبطا بالبدايات، والخلق، والأصول، ومن جهة أخرى بهول المأساة، ووقع السقوط، سواء كان سقوطا من الجنة أو من الذكرى، أو من الخلود، وانتهاء بعالم الإنجاز: إنجاز الحكي والقول، بمختلف أجناسه، والرواية بشتى أصنافها. إنجاز الشعر (الحياة) ضدا على النسيان، والغياب، والمحو، نموذج الموت والفقدان.

ينفتح القسم الثاني على خيط آخر من خيوط التواصل اللساني، من خلال التأكيد على تخوم ومنعرجات تأويلية لنماذج عديدة من الكتابات المتميزة والملغزة، وذلك على النحو التالي:

1 ـ الكتابة سفر للخلود

2 ـ الكتابة ولعبة القناع

3 ـ لعبة الموت والحياة.

2-1-الكتابة سفر للخلود:

للعرب في بداياتهم نكهة خاصة، وسر عجيب، كانت هذه سمات، شكلت نقطة تحول في تاريخ الفكر العربي، لكن على نحو من التعارضات، والمفارقات الغريبة والعجيبة، تمتزج فيها عناصر القوة والخصب والعطاء مع قوى الشر، والموت، والغياب، فكيف الخروج من هذا النفق، وفي الذاكرة وسم البقاء، وسر الخلود؟!

ذلك ما جسدته التجربة (الرشدية) في علاقتها مع أفكار الموت السائدة في أرض الحياة، وفضاء البدايات (مراكش) تضيق بجسد، وتضع نهاية لفكر، لن ينمحي ضدا على مكر الذات، صانعة الهلاك، ومنتجة النهايات. نهاية، سيجتهد المؤلف في الكشف عن وهمها، ترسيخا لخلود القول، وتأكيدا لسمو العبارة. غير أن اللافت في هذه النهايات، هو هذا الإصرار الأكيد، والذكي على (مسرحة) الحالات، وإنتاج صور، تربط المتلقي، وتدفعه إلى إنتاج مزيد من التساؤلات، النداءات: ذلك ابن رشد وتلك كتبه، مشهد، يبعث على السخرية والعزاء، وكل ما يمثل مكر الحياة، تضيع الحقيقة، وتتلاشى صور المعرفة أمام هذا المشهد المأساوي، الذي يذكرنا بمشهد القتل، والأخطاء البدئية أم الجنايات، ذوات متعددة، ولا حركة واحدة، تعيد نبض الحياة ومكر الزمن: "تأبين ذو وقار يتير الإعجاب على خلفية من المرارة والخشوع: الأصحاب الثلاثة، مثل جوقة مأساة قديمة يعلقون ببشع كلمات على حياة الفيلسوف، الذي ينظرون إلى جثمانه يمر أمامهم، وقد عادلته الكتب حياة حافلة، حياة من الأمجاد والعزة قبل المحنة في السنوات الأخيرة، والنفي، العامة وهم يطردون ابن رشد بسفالة من جامع قرطبة، ثم بعد ذلك، وبمثل فجاءة المحنة، استعادة الحظوة، متبوعة عن قريب بوفاة الفيلسوف"(27)، تأكيد واع، وحثيث على استمرار المأساة، رغم تنوع الفضاءات، وتعاقب الأزمنة: المأساة واحدة والجناة متماثلون، والآثار متشابهة، مرة أخرى يبعث صوت الحياة مدويا، ليكشف عن خلود الذات، ضدا على وقع الثبات: فالحركة، بثمارها، وإنجازاتها، وأخطائها، إذ ما الأخطاء سوى بوابات الاكتشاف على حد قول (جيمس جويس)(28)، تمتد الرحلة، ويتولى السفر، عبر تعاقب ذاتين، يجسدان امتداد الفكر، وتجدد المعرفة؛ لكن المأساة، ستتجدد هي الأخرى، لتطرح معها: سفر-الكتاب، ضدا على انحصار الفضاء، وضيق الزمن، وأفول الأعلام. تسمو الرحلة إلى مدارج الأمكنة البعيدة، لتصنع لمؤلفها فضاءات (جديدة)، تمارس فيها الذات حضورها المعرفي، وكينونتها الفكرية، محرومة من لذة القرب، وعشق الأحباب، وصحبة الخلان، مستمتعة بالاكتشاف الأولي، والامتداد الإنساني، وصولا إلى إنجاز الصورة المثال للمؤلف المثال: "إذا ذكرنا ابن بطوطة، لا يمكننا إلا التفكير في ابن خلدون: تغريه الأسفار، لكن جو الدسائس الذي كان يعيش فيه كان يحتم عليه أن ينتقل، إما لتأدية مهمة ديبلوماسية وإما في الأغلب-للهرب من غضب الأمراء"(29).

لن تتوقف الرحلة عند هذا المقام- بل ستتواصل معها إنجازات التحول الكبرى لأزمنة البدايات، غير أنها –هذه المرة- تقف على مدار الهامشي، والمنسي، واللامفكر فيه، إلا على نموذج سابق، أو منوال معلوم، معروف: تلك هي –إذن- حالة الكتاب (النموذج) عند العرب مقارنة بباقي الثقافات، هذه التي لا تهتم بالإقصاء، أو التهميش، ولا بالانتقاء-، وإنما بالاسترسال في المتابعة، والاستقصاء، لتجني –باستمرار- نتاج حب المعرفة، ولتصبح بذلك النموذج الذيينطلق منه (العربي)، حتى في البحث عن كتابه النموذجي، كما هو الحال في ألف ليلة وليلة، ومقامات الهمداني، والحريري وكليلة ودمنة(30).

2-2-الكتابة ولعبة القناع:

هل هو فساد في الذوق العربي؟ أم تحول في مسيرة التلقي؟ أم انحصار لأفق القراءة؟

أسئلة عديدة، تستشف من ثنايا هذا المؤلف. غير أن التأويل، يأتي كعادته، ممزوجا بأجوبة ماكرة، تقدم أسرار هذا التحول، أو قل خبايا هذا الإنقلاب، مبينة متاهات التلقي العربي، وسوء تأويلاته:

"لم يعد العرب يتعرفون على أنفسهم في الصورة التي تعكسها عنهم المقامات، بل قد يحصل لهم أن يتساءلوا كيف استطاع مثل هذا المؤلف في الماضي أن يترك كل هذا الإعجاب، ويعتقدون أنهم قد فسروا كل شيء حين يحيلون على انحطاط قد يكون أصاب الآداب، ويكون الحريري أحد المسؤولين الرئيسيين عنه. إن المؤلف الذي أبهج القراء طوال ثمانية قرون لم يعد ينظر إليه إلى كمشعوذ، متغضن، وساحر رهيب، وإليه ينسب "الجنون" الذي استبد بالذوق الأدبي الكلاسيكي. هذا الانقلاب في الموقف إزاء الحريري بدأ انطلاقا من اللحظة التي اكتشف فيها العرب الأدب الأوربي. قياسا إلى هذا الأدب، فإن المقامات وعددا كبيرا من النصوص القديمة(31) يحكم عليها بالتصنع والتفخيم، والطنين، وباختصار فهي غير قابلة للقراءة"(32). إنها دعوة، صاخبة، وصريحة، جريئة، وساخرة نحو إعادة التفكير في المنسي، والمهمش، واللامفكر فيه، علنا نجد فيه كتابنا النموذجي الأصيل، هذا الذي لن يكون أمتع من مقامات الحريري: الكتاب الذي سحر القراء، وجذب العشاق، فاكتسب شهرة، تجاوزت الآفاق، تضاعفت قوتها مع إنجاز إبداعات موازية، كتلك (المنمنمات) التي أبدعتها أنامل (الواسطي)، فخلدت بذلك موضوعات (المقامات) بالصورة المعبرة، والأشكال الناطقة، الشاهدة على حذق المؤلف والرسام معا.

إننا نقف هنا أيضا على وجه من وجوه المأساة: ها هي الصورة تبعد الكلمة، لتحل موضعها وتترسخ في ذاكرة المتلقي، وعبر شتى الفضاءات ومختلف الثقافات: مكر الإنسان ومكر الزمن يتحدان، ليغيرا وجه الإبداع، وليخلقا معا لونا مشوها للتاريخ: تاريخ الفكر والمعرفة. غدت الصورة التي شكلت على الهامش -في البدء- الأساس الذي يشد الناظرين في كل مكان: "يعجبون بها، ويطرونها. أما الحريري فمقصي تماما من الاحتفاء".

ألف ليلة وليلة من الإبداعات الهامة التي لحقها شر الإقصاء كذلك، هذا المؤلف السحري العجيب الذي بهر المتلقي الغربي، أصبح غريبا عن الفضاء البدئي، الأصيل: قد تتعدد أسباب الإقصاء، وتتنوع دواعي الإبعاد، لكنها تبقى واهية، ولا نكشف عن حجيتها في الصمود. لكن كيف السبيل إلى تخليص كتابنا السحري من سجن الإقصاء؟

2-3-الكتاب ولعبة الموت والحياة:

(الكتاب):

لن يكون اعتماده مقررا إلا تكريسا لهذا الإقصاء، وتضييقا لمدار هذا السجن: "ويل لمؤلف يفرض في المقرر، سرعان ما يمقته التلاميذ. صحيح أن مؤلفا يجتاز عتبات المدرسة، يصبح في أعين التلاميذ، متواطئا مع الأستاذ، اسمه مرادف للعناء والضغط، والفروض والدروس والامتحانات، والاختبارات"(33). ويبقى الخلاص في تحرير (الليالي) من قيود التأويلات المسبقة، وأحكام القيمة المحكومة بخلفيات المنع، والحصار، أملا في مواصلة رحلة الكشف، كشف أسرار الليالي العجيبة. كتلك التي تواجه ابن حزم في طوق الحمامة فتولد لديه تصورا خاصا عن معرفة (الحب)، ذلك الذي يشكل حربا سجالا بين النفس (الهادية) والعقل (الراجح): بين قوتين تحكمان مصير الإنسان، وتوجهان أفعاله، نحو صورة التماهي بين الغريب والعجيب، الواقعي والحالم: "وقد علمنا أن الله عز وجل ركب في الإنسان طبيعتين متضادتين: إحداهما لا تسير إلا بخير ولا تحض إلى على حسن، ولا يتصور فيها إلى كل أمر مرض، هي العقل، وقائده العدل، والثانية ضدها، لا تشير إلا إلى الشهوات ولا تقود إلا إلى الرديء، وهي النفس"(34).

أو "دون كيخوت" في رحلاته البطولية، ومغامراته المتواصلة في عالم الفروسية والكتابة، والسرد، وخلق النماذج، التي تخلد الذات متجاوزة تعاقب الأزمنة، وتوالي السنين، بعيدا عن البحث في الأصول، سواء كانت عربية أم غربية، صادقة أو كاذبة. ذلك البحث الواهي الذي ضيع على العربي لذة الاستمتاع بغرابة وفرادة هذا النص المفتوح الذي هو (الكتاب) في شموليته، غير المحصورة بحدود أو المقيدة بقيود.

ولكن كيف يمكن لمؤلف أن يواري وجهه، أعني تصوره في حضرة مؤلفه؟ كيف له أن يتجنب (سذاجة) القراء، وتأولاتهم السخيفة؟

أبحرق المؤلف أم بإتلافه في الماء؟!

طريقتان ملتويتان أنشدهما كل من التوحيدي وكافكا، تعبيرا عن موقف ساخر وماكر إزاء القارئ غير المتمرس ذلك الذي يحكم بموت المؤلف، وإقباره حتى قبل وفاة صاحبه، وغياب صانعه: إنها الكتابة في مواجهتها المتواصلة، واللانهائية لقوى الفناء والموت: فما أمتعك وما أتعبك يا كتابة!

خـروج:

ونخلص في النهاية إلى أن هذا النتاج من المؤلفات الهامة التي تدرج في سلسلة إنجازات المؤلفين العرب، والمغاربة بخاصة، حيك بفنية في هذا الكتاب الذي تميز بسمات خاصة، أهمها:

1 ـ غناه وعمقه، فهو إذ يشدك بتقنية سرده، وسحر أفكاره، وبلاغة لغته، وبراعة أسلوبه، يرمي بك في عوالم غابرة من التأويلات متنوعة الأصول، والمعارف: ما بين الديني، والاجتماعي، والسياسي، والتاريخي، والفلسفي، والفكري بحيث يصعب إقامة حدود فاصلة بينها، بل لا بد من استحضارها في كليتها، وخصوصيتها في آن، ولا يمكنك أن تفسر إحداها، دون الاستعانة بالأخرى، سواء فيما ظهر منها أو ما خفي.

2 ـ تكثيف القضايا التي يطرحها، وتشابكها، بحيث يعسر فك خيوطها، وتحديد بداياتها من نهاياتها، وهي قضايا نجح المؤلف إلى حد بعيد في إقامة صلة بينها، وبين المتلقي (اللبيب)، متحررة من قيود بداياتها الزمنية السحيقة منتهية إليه: روحا، وفكرا، ولغة وتصورا: أعني قضايا الكتاب، والتأليف، الأصول، البدايات، الروايات، السرديات، إلى غيرها من القضايا المرتبطة بتاريخ الأفكار والمعارف.

3 ـ ثم إن هذا الغنى والعمق الذين طرحت بهما هذه القضايا، ضاعفا من مهمة (المتلقي) الذي كان لزاما عليه-في محاولة اكتناه المقاصد البعيدة للمؤلف- أن يستحضر باستمرار إنجازات نصية سابقة تنير هذا الإنجاز المفتوح، وتسمح بإثراء (أطروحاته)، أعني ضرورة استحضار تلك النصوص الغائبة-الحاضرة، خاصة الكتابة والتناسخ - الأدب والغرابة - الحكاية والتأويل - العين والإبرة، بوصفها نصوصا موازية، تشكل مصابيح لا غنى عنها في كشف مغالق بعض القضايا الهامة، المرتبطة بمفهوم: المؤلف، والكتاب، والغريب، والعجيب، والرواية، والتفسير، والتأويل، والمهمش، واللامفكر فيه، والمنسي: أي هذا الذي يختزن قضايا متميزة، من شأن الوعي بها أن يعيد النظر في كثير من التصورات المغلوطة، والتي أضحت في نظر الكثيرين مسلمات متفق على نتائجها.

4 ـ ثم إن هذه القضايا التي شملها المؤلف، قد طرحت، ليس من رؤية ضيقة أو زاوية محدودة، بل انطلاقا من تصور شمولي، يحكمه فكر متوقد، وتوجهه تساؤلات مفتوحة، ولا منتهية: تعمل في خطين متوازيين: الأول يشكل خط التأليف والثاني خط التأويل، وفي كليهما تسري سلطة المعرفة الواعية بالكتابة، والتأليف والتلقي، وصناعة التأويل.

وهو في ذلك يستند إلى آليات، متنوعة المصادر، مختلفة الأصول، متباهية الثقافات، هدفها إنجاز نص أو نصوص خصبة، مفتوحة، ضدا على صرامة التحديد وضيق القراءة، وحدود التأويل.

5 ـ غير أن غنى هذا المؤلف، وثراء قضاياه، وبلاغة لغته، وسحر أسلوبه، لن يمنعنا من إبداء بعض التساؤلات، التي قد تكشف عن بعض سقطاته أو نواقصه: منها مثلا: السؤال عن الطريقة التي أخرج بها المؤلف هذا العمل؟ هل يمكن الحديث عن منهج يحكم مباحثه؟ هل من خيوط، ناظمة لأجزائه؟

أين يمكن أن نصنف هذه الكتابة؟ هل هي كتابة في السرد، أم القص أم الشعر؟ أم الفكر؟ أم أنها كتابة تستعصي على التصنيف، والتجنيس، كتابة أفرزت كتابا يضيق بهذه الأجناس أو تضييق به؟

ويبدو أن الطرح الأخير هو الأقرب إلى وصف هذا الكتاب، إنه كتاب الكتب، أو كتاب المعارف، والأفكار، ينفلت من كل تحديد صارم، ويخرج عن كل منهج محدد، أو محدود.

6 ـ ويبدو لي أخيرا –أنه ما كان لهذا المؤلف أن يصلنا بهذا المستوى من الكتابة المتميزة، المشحونة بثقل المعارف، وسعة الأفكار، والخصوبة الشعرية (Poétique)، لو لم تكن الترجمة –هي الأخرى- قد بلغت مستوى راق، أقل ما يمكن أن توصف به، هو أنها قد تشربت روح النص، وأحسنت تمثل اللغة، وأدركت مقاصد الأفكار. فبلغت بذلك مستوى من الدقة والعمق، وجعلت من هذا المؤلف أثرا (Oeuvre) من الآثار الأدبية والفكرية الهامة، التي تحتاج إلى وقفات عديدة، وتأملات متواصلة لمزيد من الكشف، عما توحي به من مضامين، وما تختزنه من أشكال فنية وفكرية خصبة، ومتنوعة، تحيل من جهة إلى ثراء وغنى وتكامل عمل المؤلف وعمل المترجم، ومن جهة أخرى إلى القدرات الهائلة التي يتمتع بها هذا الأخير، والمتمثلة في عدة عناصر، ومقومات، نذكر منها على سبيل التمثيل لا الحصر:

1 ـ اختياره الواعي، والدقيق للأثر الخصب: لغة وشكلا ومضمونا

2 ـ تمكنه العميق من أصول اللغتين: المترجم منها والمترجم إليها.

3 ـ إلمامه البين بخبايا الثقافتين، بأبعادهما: الروحية والفكرية واللسانية.

4 ـ تمكنه الكبير من تقريب كثير من القضايا الفكرية المستعصية بلغة واصفة قوية، وصنعة ماهرة، توجه الفكرة، دون أن تتخلى عن روحها الأصلي وطابعها اللغوي الخاص.

5 ـ امتلاكه لحس لغوي، وثراء فكري، غنيين، قلما نجدهما في الترجمات التي اهتمت بهذا النمط من الكتابات الجامعة والملغزة.

6 ـ استنباطه الدقيق للأفكار، والتعبير عنها بلغة رصينة، تعود بالمتلقي إلى أزمنة ضاربة في القدم بفكرها ورؤاها الخصبة. ويمكن القول إجمالا: إن هذه الترجمة نجحت إلى حد كبير في نسج تلك العلاقة التي تصل بنوع من التفاعل والتكامل، المنتج للأثر (الأصل) بالأثر (المترجم)، الشيء الذي يفرض علينا إقامة الاعتبار المزدوج لهذا النمط من الكتابة الهامة والخطيرة في آن، خاصة إذا كانت صادرة عن ذات تمتلك حس اللغة، وأبعادها المتنوعة، وتتحكم فيتطويعها، لتفصح بها ومن خلالها، وبمكر –أحيانا- عما تختزنه من طاقات فنية وفكرية متميزة.

الأستاذ الشرقاوي من خلال هذا العمل –إذن- "مترجم وكاتب مبدع، ومستمع متيقظ، وقارئ واسع الاطلاع، سريع البديهة، مكين أمين، يجهد نفسه ويقدح زناد فكره، كيما يضيق فجوة الاتصال بين القارئ والكاتب، لا يتوق إلى المدح، بقدر ما يرنو إلى النجاة من اللوم، جندي مجهول، إنه أداة فاعلة في التواصل الثقافي والعلمي، فحريبه ألا يغفل اسمه وألا يهمل دوره وأن يذكر بكل التقدير والعرفان"(36) ذلك لأن مهمته تكون مزدوجة، تحفها مخاطر شتى، وتشوبها عوائق جمة، لا يتخطاها إلا من تمكن من آليات اللغة، وكشف أسرارها، ليكون بذلك من المساهمين في مسيرة التأصيل، والمعبرين بعمق عن عسر التأويل، بعد المنتج الأول للنص الموضوع (L’objet)، أي الكاتبn

المراجع:

القرآن الكريم

1 ـ ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق ذ.محمد أحمد شاكر، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1980.

2 ـ عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، تحقيق ريتر، ط.2، دار المسيرة، بيروت، 1983.

3 ـ أبي بكر الباقلاني، إعجاز القرآن، تحقيق عماد الدين حيدر، ط.1، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، 1986.

4 ـ د.محمد مفتاح، التشابه والاختلاف، ط.1، المركز الثقافي العربي، المغرب 1995.

5 ـ د.محمد مفتاح، التلقي والتأويل، ط.1، المركز الثقافي العربي، المغرب 1994.

6 ـ أبي زيد القرشي، جمهرة أشعار العرب، تحقيق د.محمد البجاوي، القاهرة 1967.

7 ـ د.عبد الفتاح كيليطو، الحكاية والتأويل، دار توبقال، المغرب، 1988.

8 ـ الجاحظ، الحيوان، تحقيق ذ.عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت، 1899.

9 ـ ابن جني، الخصائص، تحقيق ذ.علي محمد النجار، دار الكتاب العربي، بيروت.

10 ـ أبي العلاء المعري، رسالة الغفران، تحقيق د.بنت الشاطئ، دار المعارف القاهرة، 1977.

11 ـ ابن حزم، طوق الحمامة في الألفة والألاف، تحقيق د.إحسان عباس: ضمن الجزء الأول من رسائل ابن حزم، ط.بيروت، 1980.

12 ـ فولفغانع إيزر، فعل القراءة، ترجمة د.حميد لحميداني ود.الجلالي الكدية، مطبعة النجاح الجديدة، المغرب، 1995.

13 ـ الثعلبي أبو إسحاق النيسابوري، قصص الأنبياء، ط.4، مطبعة، مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1954,

14 ـ ابن خلدون، كتاب العبر، ط.بيروت، 1986.

15 ـ الكتاب المقدس، (العهد القديم)، النص العربي، إصدار جمعية الكتاب المقدس، بيروت،1993.

16 ـ لحاجي خليفة، كشف الظنون، مكتبة المتنبي، بغداد.

17 ـ الزمخشري، الكشاف، دار الفكر، بيروت 1977.

18 ـ ابن الأثير، الكامل، دار صادر، بيروت.

19 ـ عبد الفتاح كيليطو، لسان آدم، ترجمة ذ.عبد الكبير الشرقاوي، دار توبقال، الدار البيضاء، 1995,

20 ـ السيوطي، المزهر، تحقيق ذ.جاد المولى وذ.أبو الفضل إبراهيم، وذ.علي محمد البجاوي، دار الفكر، القاهرة.

21 ـ مجلة الفيصل السعودية، عدد 239، أكتوبر، 1996.

1 – Bible, Mythes et récits de commencement, Pierre Gibert, Ed. Du Seuil, Paris, 1986.

2 – Les langues du paradis, Maurice Olender, Ed. Gallimard, Paris, 1989.

3 – Le livre Brulé, Marc-Alin Ouknin, Ed.Lieu Commun, Paris, 1986.

4 – Des mets et des mots, Michel Jeanneret, Ed. José corti, Paris, 1987.

 

[1]



[1]



(*)  لسان آدم، ترجمة عربية لمؤلف (La langue d'Adam) لصاحبه د.عبد الفتاح كيليطو، الصادر عن دار توبقال، الدار البيضاء، 1995، عدد صفحاته مائة وثمانية عشرة صفحة من الحجم المتوسط. وفيه قسمان: القسم الأول يضم العناوين التالية: (تغتغات، بلبلات، جنة عدن بابلية، أقدم قصيدة في الدنيا، شاعر أم نبي، مصير قصيدة). أما القسم الثاني، فيشمل (ترحيل ابن رشد، أسباب السفر، العرب والكتاب، انتقام الصورة، الكتاب السحري، امرأة في الحلم، (Cidé.Hamet.Benengéli)، الجنون الحكيم، الكتاب ونقيضه، الكتاب الغريب). قام بالترجمة من الفرنسية إلى العربية الأستاذ: عبد الكبير الشرقاوي.

(1)  عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، ص126.

(2)  لقد شهدت سنوات السبعينات مرحلة تحول في مسار الكتابات النقدية، إذا اتجهت العناية من التركيز على النص وصاحبه، إلى المتلقي، لا باعتباره مستهلكا، ولكن منتجا، ومشاركا في إعادة إنجاز النص، نحيل هنا بخاصة إلى كتابات كل من: (وينريش:1967)، (إيزر:1976)، (ميشال شارل:1977)، (روبير جوس:1978)، (محمد مفتاح:1994).

(3)  هي عتبة من العتبات التي تنقل المتلقي من مستوى إلى آخر، أو مصابيح تنير له تخوم النص المعتمة فنيا.

(4)  سورة البقرة: الآية 37.

(5)  لسان آدم، ص38-39.

(6)  المرجع نفسه، ص11.

(7)  حاجي خليفة، كشف الظنون، 1/25.

(8)  نفسه، 1/25.

(9) لسان آدم، ص12.

(10)  نفسه، ص12.

(11)  لسان آدم، ص16.

(12)  محمد مفتاح، التلقي والتأويل، ص127، وانظر أيضا كتابه: التشابه والاختلاف.

(13)  لسان آدم، ص16. وانظر الكتاب المقدس، العهد الجديد (XI/4).

(14) "وروي أن آدم عليه السلام وضع كتابا بأنواع الألسن والأقلام، قبل موته بثلاث مائة سنة، كتبها في طين، ثم طبخه، فلما أصاب الأرض الغرق، وجد كل قوم كتابا فكتبوه من خطه، فأصاب إسماعيل عليه السلام". انظر: كشف الظنون، 1/25.

(15)  لسان آدم، ص20. وانظر سورة الروم، الآية: 22.

(16)  المرجع نفسه، ص20.

(17)  نفسه، ص25.

(18)  نذكر منها المؤلفات التالية: قصص الأنبياء للثعلبي، مفاتيح الغيب للرازي، الكشاف للسيوطي، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم، الخصائص لابن جني، الكامل لابن الأثير، الحيوان للجاحظ، المزهر للسيوطي بالإضافة إلى مؤلفات أجنبية، فرنسية بخاصة.

(19)  لسان آدم، ص30-31 وانظر: جمهرة أشعار العرب، لأبي زيد القرشي، ص24-25.

(20)  من المصادر التي اعتمدها المؤلف في مناقشة هذه القضايا الثلاث، بعد: القرآن الكريم، والكتاب المقدس، نذكر رسالة الغفران للمعري، العمدة لابن رشيق، المزهر للسيوطي والحيوان للجاحظ ولسان العرب لابن منظور، وقصص الأنبياء للثعلبي، وهي مصادر لها دلالات كبرى.

(21)  لسان آدم، ص28. غير أننا نقرأ في كشف الظنون: "إن إدريس بن يزيد بن مهلايل بن أنوش بن شيت بن آدم عليه السلام والمتمكن بصعيد مصر الأعلى، قالوا أنه أول من تكلم في الأجرام العلوية والحركات النجومية وأول من نظر في الطب والفن، لأهل زمانه قصائد في البسائط والمركبات وأنذر بالطوفان ورأى أن آفة سماوية، تلحق الأرض، فخاف ذهاب العلم، فبنى الأهرام التي في صعيد مصر الأعلى وصور فيها جميع الصناعات والآلات ورسم صفات العلوم والكمالات حرصا على تخليدها، ثم كان الطوفان، وانقرض الناس، فلم يبق علم ولا أثر، سوى من في السفينة من البشر، وذلك مذهب جميع الناس إلا المجوس، فإنهم لا يقولون بعموم الطوفان"، 1/25.

(22)  لسان آدم، ص43، ونضيف إلى هذا ما ذكره العلامة حاجي خليفة: "وفي رواية: أن آدم عليه السلام كان يرسم الخطوط بالبنان وكان أولاده تتلقاه بوصية منه، وبعضهم بالقوة القدسية القلبية، وكان أقرب عهد إليه إدريس عليه السلام، فكتب بالقلم، واشتهر عنه من العلوم ما لم يشتهر عن غيره، ولقب بهرمس الهرامسة، والمثلث بالنعمة، لأنه كان نبيا ملكا حكيما. وجميع العلوم التي ظهرت قبل الطوفان إنما صدرت عنه في قول كثير من العلماء"، كشف الظنون، 1/26.

(23)  لسان آدم، ص44.

(24)  نفسه، ص47.

(25)  نفسه، ص50.

(26)  الإشارة هنا إلى قتل قابيل لأخيه هابيل وما ترتب عن ذلك من مأساة حزينة.

(27)  لسان آدم، ص64.

(28)  نفسه، ص72.

(29)  نسجل هنا أن الكاتب استثنى من هذه المصادر النموذجية (القرآن الكريم)، مؤكدا على أنه نموذج متعال على النماذج الإنسانية، ليكون بذلك قد تفادى السقوط في مقارنات مفارقة، كان قد أنجزها بعض المؤلفين: الباقلاني في كتابه: إعجاز القرآن نموذجا. وانظر لسان آدم، ص72.

(30)  لسان آدم، ص72.

(31) لمزيد من التفصيل: انظر كتابي المؤلف، عبد الفتاح كيليطو، الحكاية والتأويل 1988 والمقامات 1993.

(32)  لسان آدم، ص79.

(33)  نفسه، ص81.

(34)  نفسه، ص81. وانظر أيضا: طوق الحمامة في الألفة والألاف، لابن حزم، ص267.

(36)  مجلة الفيصل السعودية، عدد 239، أكتوبر 1996.