ص1      الفهرس     41-50

لا وعي التواصل

حسن مستر

إذا كان التحليل الممنهج لفعل التواصل يميل إلى صياغة نموذج أوحد، فإن أشكال التواصل السائرة في التعدد والتمدد تدحض إمكانية وجود هذا النموذج. لكن ثمة خطأ تاريخي كامن في الخطاب التنظيري نفسه أفضى إلى خلط جوهري بين أصناف متعددة من التواصل يمكن حصرها في محورين أساسيين هما: التواصل المباشر Communication immédiate والتواصل الوسائطي Communication médiatisée، كما أفضى إلى إخضاعهما إلى نفس المنهج دون مراعاة لخصوصية كل منهما.

1 – نشأة الخطاب التنظيري للتواصل وأخطاؤه:

ترتبط نشأة الخطاب التنظيري والتحليلي للتواصل بنموذج كلود شانون ووارين ويفر


[1] الذي يرتكز على قياس رياضي جبري للمعلومة كوحدة يمكن تقليصها إلى حدها الأدنى كي تنخفض تكلفة نقلها عبر التلغراف. لكن هذا النموذج ذا الخانات الست (مصدر المعلومة –الجهاز المرسل- الرسالة – مصدر التشوش – الجهاز المستقبل – هدف المعلومة أو المرسل إليه) سرعان ما عمم نفسه، عن غير قصد، على كافة أشكال التواصل البعيدة كل البعد عن الأصل التلغرافي التقني الصرف، التي تندرج في إطار الصنف الأول. وقد ساهم في هذا التعميم نموذج رومان جاكوبسون[2] الذي احتفظ بالخانات الست وأعاد تسميتها كي يجعلها "أكثر" ملاءمة لتحليل النص الأدبي بالدرجة الأولى، كاشفا بذلك عن نزعته البنيوية المعتمدة بشكل مغرق في الستينيات من القرن الماضي. وتتجلى هذه النزعة بوضوح في تجزيئه للتواصل ككل إلى وحدات أولية "كفيلة بحصر الدليل وضبطه". "إن إسهام اللسانيات والسيميولوجيا لم يكن ضعيفا في ترسيخ الفرضية القائلة بكون التواصل تركيز على إرسال خطاب حسب شفرة ملائمة يشكل ضبطها موضوع معرفة علمية، ونموذج جاكوبسون يرعى وهم الشمولية حين يحصي المقومات الست التي تدخل في تركيبة كل عملية تواصل وتحدد الوظائف الست للغة"[3].

ولسنوات عدة، طغى هذا النموذج وألغى، بحكم شموليته المفترضة، كل تصور مغاير للتواصل، بل وطال مجموع أفعال التواصل ابتداء من النقاش اليومي الشفاهي إلى الأشكال الأكثر تركيبا كالسينما والمسرح، مرورا بالصورة الفوتوغرافية والملصقات والإعلانات الإشهارية.. إلخ. والمثير هو أن هذا النموذج وجد له، على الأقل في المغرب، منبرا في الجامعة فصار يدرس ويدرس به وذاع تداوله في الأوساط المثقفة كوسيلة منهجية لمقاربة الأدب والفن والإعلان والبيداغوجيا.. دون الانتباه إلى أصله التلغرافي الآلي، الغير الملائم لحاجة المحلل نفسه في التواصل اليومي.

ومما يمكن مؤاخذته على هذا النموذج التلغرافي، على حد تعبير إيف وينكين[4]، كونه:

1 – كتابي في الأصل، أي أنه يعتبر اللغة كأداة وحيدة للتواصل مغيبا بذلك كل المكونات الأخرى الغير اللغوية والتي تؤثث بسكون نظام التواصل المعقد.

2 – يقدم التواصل على أساس أنه فعل واع وإرادي يتوقف على رغبة الفرد في إيصال معلومات محددة إلى الآخر، المنزوي في عزلة في الاتجاه المقابل. مع العلم أن للتواصل طابعا إجباريا، يعتبر كل فعل أو قول مادته كالصمت والحركة، كما أنه يحمل في ثناياه بنية الفرد الذهنية اللاشعورية، كما سنرى، والتي تشكل مادة التواصل الأولى والأخيرة.

3 – نموذج خطي هدفه هو وصف نقل أو انتقال معلومة معينة (والخطاب كمجموعة معلومات) من نقطة (أ) إلى نقطة (ب). والتواصل هنا يكون موفقا إذا، وفقط إذا، لم يضع شيء من المعلومة بين النقطتين. وخطورة هذا التصور تكمن في كونه يحذف رجوع المعلومة أو ما يسمى بالارتداد Rétroaction. ففعل التواصل لا يمكنه أن يكتمل بمجرد أن قال شخص شيئا لشخص آخر وإلا سقطنا في تصور آلي على نحو توجيه أمر لآلة بقضاء فعل ما.

4 – يفترض أن المعنى ينبع من الخطاب المنقول أو الموجه إلى المستقبل وأنه سابق للتواصل، وليس ينبع من تفاعل الأفراد ولا من السياق المحدد. وحتى عندما أدرج جاكوبسون السياق Contexte في نموذجه لتفسير إنتاج المعنى داخل التواصل فإنه استعمله في معناه الضيق وخصه بوظيفة إرجاعية، على اعتبار أن اللغة تحيل إلى العالم.

5 – يعطي أهمية مركزية للرسالة message ويقول بكونها غاية التواصل في حين أن هذا الشكل من التواصل لا يشكل القاعدة العامة. إذ أن هنالك أنماطا أخرى تنبني على "العلاقة" ومعناها لا يفرزه سوى فهم هذه العلاقة، بالإضافة إلى العرف والطقوس الاجتماعية.. إلخ.

6 – ينتج وهم الوضوح، وضوح الرسالة موضوع التواصل الذي ينتج وهم وضوح التواصل الذي: ينتج الاعتقاد بوضوح الفرد والعالم على المستوى الإيبستيمولوجي للتواصل.

2 – نحو نظرة نسقية للتواصل:

وتعد الانتقادات والمؤاخذات التي أدرجنا من الأسس التي اعتمدها المنهج النسقي لتجاوز الرؤية التلغرافية للتواصل واستبدالها برؤية أكثر إنسانية، حيث استفاد هذا المنهج من الدراسات الأنثروبولوجية التي قام بها غريغوري باتيسون، الأب الروحي لمدرسة بالو آلطو[5]، في جزيرة بالي. وقد أفرزت هذه الدراسات مفهوما ذا قيمة علمية أساسية مكنت من فهم حالة انفصام الشخصية بمعزل عن التصور الفرويدي: إذ أن الفرد في المجتمع الباليني يعيش داخل نظام علائقي يتسم بقصور في التعبير عن المشاعر الشخصية. وهذا يرجع في نظر باتيسون إلى كون هذا التعبير تم تغييبه داخل العلاقة مع الأم التي تبدي لا مبالاتها عندما يقترب منها طفلها، وتقبل عليه حينما يكون قد استدار نتيجة لا مبالاتها. وأمام هذا الشكل من التواصل المتكرر، لا يملك الطفل، كطرف في عملية التواصل، إلا أن يطور نوعا من الفتور وبرودة المشاعر كي لا يكون مجبرا على تحمل قساوة لا مبالاة الأم. ذلك أن دنو هذه الأخيرة يعني الحنان والحب بالنسبة للطفل، وحين يستجيب هو لهذا المنبه السلوكي يكون "عقابه" أنها لا تستجيب له. فتكون النتيجة علاقة مبنية على الإجبار المزدوج Double contrainte: فإما أن يستجيب لحنانها وتكون النتيجة نوعا من الخيبة والإحباط، وإما لا يستجيب، تفاديا للإحباط، وتكون النتيجة إحباطا مؤكدا. ومما يميز علاقة الإجبار المزدوج أن الاختيار شبه مستحيل لأن المعاناة، كما في هذا المثال، قائمة في كلتا الحالتين. ولكي يحافظ الطفل على "سلامته الذهنية"، فإنه يكون مجبرا على التخلي عن التعامل مع الآخر من خلال العواطف والأحاسيس.

ويعد مفهوم الإجبار المزدوج مدخلا جوهريا لفهم الفكر النسقي الذي طورته مدرسة بالو آلطو والذي استعمل، من بين ما استعمل فيه، في العلاج النفسي، حيث يعتبر التواصل أساس أي خلل قائم داخل النسق العائلي، الاجتماعي إلخ.

ولا يتم التركيز على الجذور التاريخية لهذا الخلل، على خلاف المنهج الفرويدي، بقدر ما يراعي النسق ذاته في حالته الحاضرة ويدرس نظام العلائق القائم فيه. إضافة إلى كون التصور العلي الخطي يسقط هنا ويستعاض عنه بعلية متبادلة Intercausalité ولا نهائية، لا سبيل لحصرها: ذلك أنه من الصعب القول بأن الطفل يستجيب لفتور الأم لأن الأم نفسها تستجيب لفتور الطفل. وينتج عن هذا تقطيع مغاير للأحداث لدى المنخرطين في العلاقة. حيث "يعتقد (أ) و(ب) بأن كلا منهما يكتفي بالرد على سلوك الآخر دون الانتباه إلى كونهما يؤثران على ذلك السلوك بردود أفعالهما"[6]. فيصير كل سلوك علة ونتيجة، منبها واستجابة في آن واحد. وفهم هذا التداخل يفسح المجال للانتباه إلى نظام التواصل ذاته.

وبالإضافة إلى مفهوم الإجبار المزدوج، فقد أخذ المنهج النسقي، على سبيل المثال لا الحصر، عن السبرنيطيقا مفهوم الارتداد، وعن الرياضيات مفهوم "العلاقة" Relation، وعن نظرية الدينامية الحرارية مفهوم الاتزان Homéostasie. ومن خلال هذه المفاهيم، نستشف روح منهج مدرسة بالو آلطو.

فمفهوم الارتداد ليس إلا ردا على الاعتقاد بأن التواصل يتحقق بمجرد أن يرسل (أ) خطابا أو رسالة إلى (ب)، ذلك أن المعنى المنتظر أو المبتغى ليس سابقا لفعل التواصل ولا يمكنه أن يبرز إلا إذا وقع فعل العودة على الخطاب نفسه. فإذا اعتبرنا النسق، الذي يعتبر الأفراد جزءا منه، كصندوق أسود لا يمكن فهم العمليات المعقدة التي تتم داخله، أصبح من الواجب الانتباه إلى ما يدخل إليه Input، أي المعلومات التي "تحقن" داخله، وما يخرج منه Output، أي المعلومات أو ردود الأفعال التي تصدر عنه. وهذا ما يعادل عملية الإرسال والاستقبال. ويحدث الارتداد حين (تضخ) المعلومات المستقبلة داخل النسق لتصحيح أي خطأ أو تفاوت بين عناصر النسق. وتعد الصواريخ المسقطة للطائرات نموذج حي لهذا النظام. بحيث يجب توقع الموقع الآتي للهدف انطلاقا من المعطيات التي يرسلها هذا الهدف عن سرعته وموقعه السابق والحالي. وهكذا صار الارتداد مفهوما عاما يمكن من شرح مجموعة من الظواهر انطلاقا من اليد التي تمتد بدقة للإمساك بشيء متحرك إلى أشياء أكثر تجريدا كالتواصل بين الأفراد.

أما مفهوم العلاقة المستوحى من الرياضيات فهو يشكل بالفعل نقطة تحول جوهرية على مستوى التصور السائد عن التواصل. فإذا كان هذا الأخير، كما أشرنا، يركز على مركزية الخطاب أي المحتوى، فإن مفهوم العلاقة يجعل من هذا المحتوى مجرد أثر لطبيعة رؤية كل فرد للآخر. وبالتالي فإن طبيعة هذا الفرد لا تحدد بمعزل عن الآخر بقدر ما تحدد داخل النسق الذي يساهمان في بنائه. فإذا كانت النظرة الكلاسيكية للأعداد قائمة على كونها تمثل كميات ثابتة، فإن الرياضيات الحديثة بإدخالها مفهوم المتغير variable نقضت هذا التصور. فقيمة   x و y  لا تحدد بعزل الأول عن الثاني، إذ أن معادلة من نوع  x² = y  تجعل قيمة  y  ملازمة لقيمة  x  وهي تتغير مع تغيرها. فإذا كان  x = 2 فـ y = 4،  وإذا كان  x = 3 فـ y =9 …إلخ.

وإذا طبقنا مفهوم العلاقة داخل التواصل فإننا نخلص إلى كون مميزات فرد ما تنتج داخل علاقة معينة وليست ثابتة خارج سياقها. "كل يصل إلى هويته انطلاقا ومن داخل نسق من الأماكن يتجاوزه؛ وهذا المفهوم (المكان) يقتضي أنه ليس من خطاب يرسل إلا من مكان معين ويدعو المخاطب إلى مكان مقابل؛ فإما أن يفترض هذا الخطاب أن علاقة المكان قائمة وفعلية، وإما يفترض أن المتكلم ينتظر الاعتراف بمكانه الخاص أو يجبر مخاطبه على الانخراط في العلاقة"[7].

مفهوم المكان إذن، الذي يعني بصيغة أخرى العلاقة، يدحض نظرية علم النفس التجريبي القائلة بوجود خصائص مميزة للأفراد، من قبيل النزعة القيادية، يتميزون بها بمعزل عن السياق الذي ينتجهم. وأهمية مفهوم العلاقة تكمن في تجاوز الخطاب، بمعانيه الظاهرة والمضمرة ووضع الأفراد المنخرطين في فعل التواصل كموضوع أول وأساسي لهذا الفعل. وهذا ما عبر عنه فاتسلافيك قائلا: "لنأخذ نقطة بدء اعتباطية: شخص (أ) يعطي لشخص (ب) تعريفا لذاته. يمكنه أن يفعل ذلك بطرق لا حصر لها. ولكن ومهما كان الموضوع ومادة التواصل على مستوى المحتوى فإن النموذج الأصل لهذا التواصل سيكون: "هكذا أرى نفسي""[8]. والأهم من ذلك، فإنه حينما لا يحصل توافق حول هذه التعريفات (نظرتي لنفسي، نظرة الآخر إلي، نظرتي إلى نظرة الآخر إلي..الخ،) تكون كل المواضيع مواتية لإنتاج الخلاف. ولكي تكون العلاقة، بالمفهوم الذي أدرجنا، متزنة، بمعنى أن يوافق كل تعريف الآخر، يجب أن يكون هنالك توافق وتعاقد بين الأطراف. وهذا التوافق لا يتأتى إلا بعد أخذ ورد على شكل حوار لا واع عادة.

3 – استحالة التواصل ووهم الوضوح:

"هنالك (إذن) حوار متواصل ولا واع في مجمله (بالمعنى المنظومي) بين الأشخاص ويستند إلى إقامة تعاقدات على أساس التفاوض، متجددة باستمرار، حول المعنى الذي يجب إسناده إلى عملية التواصل الدائرة بينهم؛ وهذا الحوار هو الذي يحدد ماهية وجود كل فرد"[9]. وحتى حينما تصل العلاقة إلى حالة اتزان واستقرار فهذا لا يعني أنه نهائي. إذ تبرز انزياحات عن الدرجة التي ترمز إلى الاتزان. فيصبح من الضروري تقليص الانزياح تماما كما يقوم به مثبت الحرارة في نظام تسخين ما. وهكذا يصير استقرار العلاقة هو الحفاظ على الحرارة المتفق عليها.

وعلى هذا النحو يكون فعل التواصل فعلا لا واعيا، ذا شكل دائري لا نهائي، تندرج تحته كل الأفعال والأشكال الممكنة. ويعد اللاوعي في التواصل معطى نسقي ينبثق عن طبيعة الميكانيزمات الفاعلة فيه. فعمليات كالارتداد والاتزان تتم بشكل باطني مثل قوانين تتحكم في سيرورة التواصل. وكون التواصل مبنيا أساسا على العلاقة، يجعل هذه الأخيرة غائبة عن الحديث ولا تبرز إلا حينما يحدث اضطراب على هذا المستوى. ذلك أن "القوانين تظل لا شعورية إلى أن يتم خرقها أو نقضها"[10].

إن اللاوعي في تصور مدرسة بالو آلطو نسقي في الأساس، أي أنه معطى راسخ "بين" الأشخاص ولا يمكن التواصل إلا من خلاله كما عبر عن ذلك ريشارد باندلر وجون غرينير: "لدي قناعة راسخة بأن التواصل المباشر مع شخص ما، ولا داعي للحديث عن التواصل داخل مجموعة، مهمة معقدة إلى حد يستحيل معه القيام بها بشكل واع. لا يمكن أن نتواصل بشكل واع. وحينما تحاول أن تفعل ذلك فإنك تعيق السير الطبيعي للتواصل"[11].

واللاوعي هنا ليس فرديا كما تصوره فرويد، منزويا في ركن معتم داخل الفرد. وإذا كانت مدرسة بالو آلطو تقول بإمكانية التواصل وتوضح مكامن الخلل فيه والراجعة مجملا إلى العلاقة، فإن اتجاها آخر يدافع عن فكرة استحالة التواصل عبر الوعي. ذلك أن الفرد غير واع بمكونات بنيته الذهنية التي تلعب دور الوسيط بين هذا الفرد والعالم. فما ينطق في الفرد ويصدر عنه من أفعال ليس وعيه بل تلك البنية الذهنية اللاشعورية. وهذا الطرح أقرب ما يكون إلى النظرة الفرويدية. ذلك "أن الذات ليست سوى حامل، حامل لمفاهيم وعادات وتقاليد وقيم وتطلعات نختصرها بأن نقول، عنها أو نشير إليها، بأنها تلك العلاقات الاجتماعية التي تسود مجتمعا ما، في مكان ما، في زمن معين؛ وهي "تنمو" على شاكلة صور في تربة علاقات إنتاجية محددة، ويفرزها نمط إنتاج ذو أصول تاريخية؛ وإذا كانت هذه هي مكونات الذات وقواها المحركة، فإن الذات، بفضل هذا التعريف، تغدو "الصورة المرئية" على مسرح الواقع لتلك العلاقات التي "تخرجها" بالمعنى المسرحي لمصطلح الإخراج"[12].

والفرد في هذا الطرح غائب في أقواله وأفعاله. وسلوكه ينتج عن لا وعي بنيوي ليس هو المسؤول عنه. ونجد عند موني إلكاييم[13] طرحا مماثلا لكن بصيغة أخرى (مع العلم أنه يمثل الجيل الجديد لمدرسة بالو آلطو). إذ يستبدل مفهوم اللاوعي أو اللاشعور بعبارة "خارطة العالم". ذلك أن خارطة العالم ليست هي العالم الذي نعيش فيه. لكن الفرد غالبا ما يتخذ الخارطة، أي بنيته الذهنية اللاشعورية، على أنها نفسها العالم ويتعامل مع هذا الأخير على أساس أنه واع به. والخطير هنا هو أن الفرد يتواصل مع الآخر انطلاقا مما يحمله في خارطته من كبت تاريخي وسيناريوهات قهر وحرمان يريد دون وعي أن يخرجها إلى أرض الواقع ليعيد عيشها. ومن هذا المنطلق يصير الأشخاص واشياء العالم الأسماء الأخرى لمواقع في الخارطة التي يحملها الفرد. فيصير السلوك العدواني مثلا نحو الآخر كإعادة صياغة لمواقف معاشة في الماضي البعيد. وبالتالي ينبثق السلوك الحالي عن مجموعة قرارات تم اتخاذها في سن مبكرة.

يستحيل التواصل إذن من هذا المنظور لأننا لا نتواصل إلا من خارطة عالم إلى خارطة عالم، وإذا أردنا أن ندرج رأيا يقترب من النظرة التلغرافية للتواصل "فإن ما ترسله إلى الآخر هو لا

 



[1]  - Shanon, C. et Weaver W. : La théorie mathématique de la communication, 1949.

[2]  - Jakobson, R., Texte de 1963.

[3]  - Besnier, J-M., Pour une communication sans concepts, in Réseaux, n°46-47, Mars-Juin, 1991, cité par Daniel Bougnoux, Sciences de l’information et de la communication, Larousse, 1993, p88.

[4]  - Winkin, Y., La nouvelle communication, Seuil, Paris, 1981.

[5] - بالو ألطو اسم ضاحية في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، تضم المدرسة التي حملت هذا الاسم كريكوري باطيزون، بول فاتسلافيك، جون روش، وآخرون. وقد تأسست المدرسة خلال عقد الستينيات.

[6]  - Sfez, L., Critique de la communication, Seuil, 1992, p241.

[7]  - Flahaut, F., La parole intermédiaire, Seuil, 1978, p58.

[8]  - Watzlawick, P. Beavin, J., Jakson, D., Une logique de la communication, Seuil, 1972.

[9]  - Selvini, M.Selvini, M.Palazoli, Histoire d’une recherche, ESF, Paris, 1987, p26.

[10]  - Jakson, Don D., « L’étude de la famille », in Sur l’interaction, Palo Alto, 1967-1974, une nouvelle approche thérapeutique, Paris, seuil, 1981, p29.

[11]  - Bandler, R., Griner, J., Les secrets de la communication, les techniques de la PNL, Le jour éditeur, Actualisation, 1982, p108.

[12] - جاك لاكان، التحليل النفسي، المجلد السادس، بالفرنسية، ص112 و113، ترجمة هاني الزغبي، الذين يحضرون غيابهم، منشورات عويدات، بيروت، باريس، الطبعة الأولى، 1982، ص7.

[13]  - El Kaïm, M., Si tu m’aimes ne m’aimes pas, Seuil, 1989.