ص1       الفهرس  61-70

إشكالية التواصل في مجال التربية والتعليم

 

بوسلهام الكط

الهدف من عنوان هذه الدراسة هو العمل على طرح مجموعة من التساؤلات الواعية والهادفة.. عن إشكالية التواصل في مجال التربية والتعليم من جهة،  ومن جهة ثانية محاولة توضيح بعض المشاكل والعراقيل.. التي حالت دون تحقيق الأهداف الإيجابية التي كان من الواجب تحقيقها لإخراج تعليمنا من الأزمات التي كان ولا زال يعاني منها.. والتي أثرت بشكل أو بآخر على بنية واقع المجتمع العامة.

وهكذا، وعلى الرغم من تداول مصطلح أو مفهوم التواصل في مجال التربية والتعليم وفي المجالات الأخرى، فهذا لا يعني أنه واضح ودقيق الاستخدام لدى كل مستخدميه، بل إنه متشعب الأهداف ومتداخل الأبعاد ومتعدد الدلالات والمعاني، ومن أجل ذلك، فهو لا يزال في حاجة ماسة أكثر إلى التوضيح والتدقيق.. أثناء محاولة تعريفه بصورة مجملة..!؟!

فماذا يعني التواصل في المجال البيداغوجي؟ وما هي الأهداف والغايات التي يصبو إلى تحقيقها في هذا المجال وفي غيره..!؟! وما هي بعض أشكال تناوله لدى الإنسان!؟! وما هي بعض الشروط التي يجب توافرها لدى المتواصلين لتحقيق أهداف التواصل..!؟! وما هي العراقيل والعوائق التي تحول دون تحقيق الأهداف المتوخاة تحقيقها بفضل التواصل الهادف والواعي الذي لا يخلو من أهمية في حياة البشر بالدرجة الأولى..!؟!

نجد في معجم علوم التربية


[1] :

"تواصل، اتصال بيداغوجي: Communication pédagogique

ـ "كل أشكال وسيرورات ومظاهر العلاقة التواصلية بين مدرس وتلاميذ. إنه يتضمن نمط الإرسال اللفظي وغير اللفظي بين مدرس (أو ما يقوم مقامه) والتلاميذ أو بين التلاميذ أنفسهم. كما يتضمن الوسائل التواصلية والمجال والزمان. وهو يهدف إلى تبادل أو تبليغ ونقل الخبرات والمعارف والتجارب والمواقف مثلما يهدف إلى التأثير على سلوك المتلقي.

إن هذا التعريف يتضمن مجموعة من المكونات الأساسية لفعل التواصل البيداغوجي وهي: 1) هناك تفاعلات وعلاقات متبادلة بين مدرس وتلاميذ، أو بين التلاميذ أنفسهم. 2) هناك سياق للتواصل البيداغوجي في الزمان والمكان ووسائل لفظية وغير لفظية. 3) وظيفة التواصل البيداغوجية قد تكون للتبادل أو التبليغ أو التأثير، (سلسلة علوم التربية، 3-1989).

ـ يتميز التواصل داخل القسم ببمجموعة من الخصائص والسمات:" 1) الإطار العام الذي يندرج فيه التواصل ويتضمن: أ) الشروط المادية للتواصل، ب) التوزيع الزمني اليومي، ج) المدرس والتلاميذ. 2) مصادر التواصل وأهمها المدرس".

ما يمكن استنتاجه من هذا التعريف البيداغوجي لمفهوم التواصل هو تناوله في سياق عملية التدريس بالأساس، وإبراز أهميته وبعض أهدافه وأبعاده في العملية التربوية والتعليمية، وذلك من منظور ضيق ومحصور في مكان معين ومحدد وهو القسم، وذلك، كذلك، من خلال علاقة المدرس بالتلاميذ، غير أن النظرة الشمولية لهذا المفهوم تدعو الباحثين والدارسين والمهتمين.. إلى تأسيس رؤيتهم لهذا المفهوم على ضوء الواقع الموضوعي المعيش لاستخلاص النتائج والأهداف والغايات.. التي نشأ من أجلها هذا المفهوم أو ذاك، في إطار مجال من المجالات المتنوعة. وهكذا يكون من المفيد النظر إلى هذا المفهوم، مثلا، باعتباره نظاما لطريقة من الطرق الضرورية والأساسية.. في حياة الإنسان، ومن هنا، كذلك، أهمية وضوحه والقدرة على استعماله واستغلاله بكيفية واعية وديمقراطية بإمكانها تحقيق الأهداف الإيجابية المعلن عنها في ميدان من الميادين أو في مجال من المجالات. وهذا يتجلى من خلال تناوله الوظيفي، والذي يركز في عمقه على نوعية المهارات والقدرات والإمكانيات.. التي يجب أن تتوفر في المتصل بمتصليه وهذا يقتضي بدوره قدرة الإنسان على مدى استيعابه وتحكمه ومعرفته.. لهذا المفهوم أثناء عملية التواصل..!؟!

كما يتجلى كذلك، من خلال تناوله التحليلي أو التفكيكي التوضيحي والنقدي التساؤلي، وذلك بالاعتماد على التفاعل النشيط بين الإنسان والأشياء التي يتواصل معها، بهدف معرفة الواقع الموضوعي والغوص في أغواره، وفهم عمق كيفية التأثر والتأثير الحاصلة بفضل هذا التفاعل التواصلي. وهذا بدوره، إذا ما تم بطريقة موضوعية ومنطقية وسليمة.. الذي نكون بصدد التواصل معه بالطريقة المذكورة. وهذا يوضح بدقة وجلاء أهمية دور التواصل الواعي والهادف في عملية الإصلاح المنشود بطريقة ديمقراطية، تستفيد منها كل الأطراف بدون تمييز أو تحيز أو عنصرية؟

وإذن، فهل هذا يحصل في نظامنا التربوي والتعليمي حينما نقوم بإصلاح من الإصلاحات المعروفة منذ عهدي الاستعمار والاستقلال إلى الآن..!؟! ما هو طابع التواصل القائم بين المسؤولين الآمرين والعاملين الفعليين المنفذين..!؟! وما هي النتائج التي يمكن الحصول عليها!؟!

ثمة، إذن، في المغرب الراهن، مشكل مزمن؛ مشكل يحتل الصدارة ضمن مجموعة المشاكل الأخرى التي لم تعرف بعد طريقها نحو المعالجة الجدية، والحل الصحيح.. إنه، بلا نزاع، مشكل التعليم.

ونحن اليوم، حينما نواجه هذا المشكل، وبعد ثمانية عشر عاما من التيه في سراديب الفوضى واللامسؤولية والارتجال.. نجد أنفسنا في الموقع نفسه الذي كنا فيه عام 1956، أمام المشاكل وإزاء المهام نفسها. إن الفرق بين وضعيتنا أمس، ووضعيتنا اليوم، هو فرق في الدرجة فقط: لقد ازدادت مشكلتنا تعقيدا، وبالمقابل ازداد وعينا عمقا. ولذلك فمن الممكن بل من الواجب، أن نعود فنضع أنفسنا في الموقع نفسه الذي كنا فيه غداة الاستقلال، ونتساءل اليوم، كما كنا نتساءل أمس: ما هي المهام التي تنتظرنا وقد حصلنا على استقلالنا القانوني الرسمي؟

السؤال نفسه الذي كنا نطرحه عام 1956، يواجهنا اليوم، بكل عمقه، وبكامل أبعاده، ونحن على أبواب سنة 1974! إن تجربة الاستقلال، الفاشلة، المليئة بالأزمات والإخفاقات، لم تغير شيئا من جوهر القضايا التي تواجه شعبنا(…)".

ونجد في جريدة العلم العدد: 17756 الأربعاء 11 رمضان 1419 الموافق 30 دجنبر 1998م. هذا الحوار الذي أجراه لطفي الربيعي مع السيد إسماعيل العلوي وزير التربية الوطنية، حيث جاء في مقدمته: "يطرح موضوع التربية والتعليم عدة تساؤلات من قبل المختصين الذين يصبون لمعرفة الأسباب التي تعوق تطوره. لاستكناه التفاصيل أجرينا حديثا مع السيد إسماعيل العلوي وزير التربية الوطنية للوقوف على المعيقات التي تقف في وجه التعليم العمومي ومعرفة الحلول التي أوجدتها الإدارة المركزية أو تقترحها أو تفكر فيها للنهوض به وانتشاله من وضعيته التي يتفق الجميع أنها لا تسر ولا تريح.

ـ سؤال: قبل أن تكون وزيرا كنت مناضلا داخل اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم، وكان لكم منظور متكامل سواء تعلق ذلك بالمبادئ الأساسية أو بالوسائل الكفيلة بإصلاح شامل للتعليم. كيف توازن بين هذه القناعات وبين مسؤوليتك كوزير حاليا؟

ـ جواب: فعلا كما قلت، سبق لي أن كنت في المعارضة كعدد كبير من الإخوة. وكانت لدي تصورات كمسؤول عن حزب وطني، وفعلا كنت أتصور كيف يمكن لي أن أعالج قضايا التربية والتعليم في بلادنا، وكذلك الوسائل الضرورية للقيام بهذا الأمر. ومازلت على نفس القناعة فتواجدي في هذه الوزارة منذ تسعة أشهر لم يغير من تصوري، وكذلك فيما يتعلق بالإمكانات والضروريات الكفيلة يجعل تعليمنا يتطور ويتحسن. إذن لا زال لدي نفس التصور وقمت بتقويم الإمكانات، وأعلم بشكل دقيق ما هي الاحتياجات. فطبعا لا يمكنني الآن أن أفوه بمضمون الإصلاح حيث إنه ليست لي صلاحية الحديث عن هذا الأمر. فالإصلاح يعد من قبل اللجنة الوطنية التي أقرها صاحب الجلالة، ويعرض مشروعها على المجلس الأعلى للتعليم ثم يطلع صاحب الجلالة على مضمون المشروع ثم الحكومة قبل عرضه على البرلمان بمجلسه. إذن في التوجهات العامة وفي الجزئيات لا يمكنني أن أجيب عن الإصلاح، لكن رغم ذلك، هناك بعض الأشياء التي لا يمكن أن يجادل فيها أحد، فالجميع متفق على إقرار تعميم التعليم. والجميع متفق على أن الأفراد الذين تتراوح أعمارهم ما بين 6 و16 سنة يجب أن يلجوا المدارس. والجميع متفق على أن اللغة الرسمية لبلادنا هي العربية. لذلك سيكون تعليمنا باللغة العربية كما هو الحال في هذه الفترة. والجميع أيضا متفق على أن تعليمنا في حاجة إلى الارتقاء بمضمونه وبمستواه، ويقيني أن اللجنة الوطنية لن تزيغ عن هذه التوجهات. في نفس الوقت الجميع متفق على ضرورة انفتاح التعليم المغربي على العالم الخارجي وعلى اللغات الأجنبية، وبالتالي لا بد لنا أن نسير في هذا النهج".

هذه بعض وجهات النظر المختلفة التي استنبطناها من جهات رسمية وغير رسمية.. مهتمة بإشكالية التربية والتعليم في بلادنا، وبما أن الهدف الذي نصبو إليه في هذه الدراسة يتمحور هو الآخر في سياق إشكالية التواصل والإصلاح والمشاكل والعوائق والصعوبات.. التي تعترض هذه القضايا الهامة والحساسة في واقعنا التربوي والتعليمي، فإننا سنعمل حسب قدرتنا وإمكاناتنا.. على تناول إشكالية التواصل، لا بين المدرس والتلميذ.. فقط – كما رأينا- وإنما كذلك بين مجموعة من الأطراف والعناصر.. المساهمة في هذه العملية الأساسية.. في كل نظام تربوي وتعليمي أينما وجد..!؟!

وهكذا ففي الحقل المجتمعي تبدو عملية التواصل والحوار الهادف.. شبه منعدمة، بين الكبار والصغار.. بين الأغنياء والفقراء.. بين المالكين لوسائل الإنتاج وغير مالكين.. وهذا ما يجعل التواصل المنشود يفقد أهداف وأبعاد مضمونه، ويصبح بذلك شكليا تطغى عليه لغة واحدة، هي لغة المسيطر والمتحكم في زمام الواقع الموضوعي المعيش.. فيفقد الحوار الجاد والهادف.. فحواه وأهدافه.. هو الآخر..!؟! فالمجتمع المغربي مقسم إلى فئات أو طبقات لم تستطع، بعد، بناء جسر حصين يجمع كل هذه الفـئات أو الطبقات حول لغة تواصلية واحدة هدفها الجوهري التغيير والتطوير والتجديد.. وكذلك حول حوار جاد ومسؤول وواع هدفه العميق: البناء والتشييد والتخلي عن لغة الكلام بدل لغة العمل الجاد والهادف..!؟!

هذا الوضع المجتمعي الطبقي.. في المغرب، مارس تأثيره البليغ على وضعية الأسرة، كما يتجلى ذلك من خلال التطورات الحاصلة في مجال الأسرة وفي الوظائف والأدوار.. التي يقوم بها الأفراد داخل المجتمع وكذلك في مجال العلاقات الزوجية والعلاقات القائمة بين الآباء والأبناء من غير نسيان دور الثقافة السائدة في المجتمع بجانب عوامل أخرى لا تخلو بدورها من أهمية في عملية التطوير والتغيير.. من جهة، والمحافظة على الوضع كما هو وتزكيته بشتى الوسائل والطرق من جهة أخرى. وعن هذا الوضع تترتب انعكاسات لها تأثيرها الإيجابي والسلبي في عمليات الإصلاح والتواصل والحوار. وهكذا، فمن خلال الصراع بين الفئات أو الطبقات داخل المجتمع.. يتجسد الصراع بين الأسر وبين العائلات والأفراد.. بالرغم من وجود عناصر الوحدة الاجتماعية كاللغة والدين والهوية.. الخ. وهكذا ينعدم التواصل والحوار.. بين الأسر الغنية والأسر الفقيرة ويظهر الجانب السلطوي بارزا في الأسرة الميسورة التي تبسط نفوذها وسيطرتها واستغلالها.. على الأسرة الفقيرة المحتاجة.. وبذلك يكون الخطاب السائد والمسيطر والمتحكم.. هو خطاب المسيطر طبقيا واجتماعيا واقتصاديا.. الخ. وهذا بطبيعة الحال، سيحد من نشر لغة التواصل الديمقراطي والحوار البناء القائم على أسس الاختلاف والتسامح والتعاون.. مما يترتب عليه أسلوب التواصل الهرمي الأحادي الأبعاد والأهداف.. مما يقلل من قيمة وأهمية التواصل الإيجابي الذي يراعي تفاعل كل العناصر بطريقة موضوعية أثناء العمل. إنه التواصل الذي يستند على سلطة القوي المهيمن والمسيطر، سواء كان عائلة أو أسرة أو فردا.. فسلطة الأب داخل أسرته تحول دون تحقيق لغة التواصل والحوار والتفاهم.. بين المرأة والرجل من جهة، وبين الأب والأم والأبناء من جهة ثانية. هذا الوضع المجتمعي والأسري.. سيؤثر بدوره وبشكل خطير. في شخصية الطفل وهو يعيش في الأسرة أو المجتمع أو المدرسة.. هذا الوضع يقربنا من معرفة الحياة والعلاقات.. القائمة بين الأفراد داخل المجتمع المغربي.

أما في المجال السياسي فإن المسألة تتعقد وتتشعب أكثر من السابق، ويصبح الحديث عن التواصل المشترك والحوار الهادف والديمقراطي.. بين الحاكمين والمحكومين شبه منعدم كذلك، باعتبار أن كل القرارات تأتي من فوق وليس من تحت.. وهذا الوضع قد انعكس بشكل خطير على كل المجالات داخل المجتمع بما في ذلك، مجال التربية والتعليم، كما يبدو ذلك واضحا من خلال المقررات والبرامج والكتب المدرسية. حين تصبح سياسة المسؤولين هي المسيطرة وحدها، وهذا في حقيقة الأمر يوضح طبيعة عملية التواصل والحوار والإصلاح.. التي نتحدث عنها، حينما يتم تهميش الممارسين الفعليين للعملية التعليمية، والذين على دراية ووعي ومعرفة.. بما يجري في واقعهم التربوي والتعليمي. وهكذا ففي الميدان التربوي والتعليمي يبدو أن هناك غيابا شبه مطلق بين المسؤولين المنظرين والممارسين المنفذين.. فالأوامر تأتي من فوق إلى تحت سواء تعلق الأمر بالنسبة إلى المقررات أو المناهج أو الكتب المدرسية.. أو بالنسبة إلى التوجيه/التفتيش وحتى بالنسبة إلى عملية التدريس. هذه المشكلة، في اعتقادنا، أثبت بشكل كبير على ميدان التربية والتعليم في وقتنا الحاضر، لأنها تقف بالفعل كعائق أو عرقلة خطيرة.. أثناء عملية الإصلاح أو البناء والتجديد.

وحتى تتوضح لنا أهمية التواصل التربوي والتعليمي الديمقراطي.. وحتى ندرك خطورة العوائق والعراقيل والمشاكل التي حالت دون تحقيق الأهداف المرجوة في مجال إصلاح التعليم ببلادنا.. لا ينبغي النظر إلى هذه الإشكالية المتشعبة من وجهة نظر واحدة ومن جانب واحد.. بل لا بد من وضعها في سياقها العام حتى نتمكن من إدراكها وفهم حقيقتها.. وذلك بوضعها في مناخها المجتمعي والأسري والسياسي/الإيديولوجي الذي أثر فيها بشكل أو بآخر[2].

المدرسة المغربية ووظيفتها الإيديولوجية:

1 ـ ملاحظات أولية:

يطرح الموضوع الذي نحن بصدد مناقشته قضية هامة، خاصة في العصر الحاضر عصر الصراعات الإيديولوجية. إنها قضية الدور الإيديولوجي الذي تلعبه المدرسة المغربية حاليا. وبعبارة أخرى المصالح الطبقية التي يخدمها نظامنا التعليمي الراهن ككل. ولعل البعض يتساءل: ما علاقة المدرسة بالإيديولوجيا؟ أليست المدرسة كما يقال عادة، مؤسسة اجتماعية محايدة، مهمتها تربية النشء وتعليمه وإعداده لمواجهة الحياة؟

الواقع أنه من السذاجة، بل من الغفلة، اعتبار المدرسة مؤسسة محايدة، فعلى الرغم من أنها لا تكتسي طابعا حزبيا رسميا ولا صبغة طبقية مكشوفة، فإنها كانت، وما تزال، جهازا للتأطير الإيديولوجي: فمن خلال الهياكل التعليمية القائمة، ومن خلال المناهج والكتب والأساليب التربوية المتبعة، ومن خلال القوانين والتشريعات التي تنظم سير التعليم، تتسرب إلى المدرسة عناصر كثيرة وأساسية من الإيديولوجيا السائدة. هذا فضلا عن المواد الدراسية ذات الطابع الإيديولوجي الواضح، كالتربية الوطنية والتاريخ والفلسفة والعلوم الإنسانية والمواد التراثية عامة".

هل يستطيع النظام التعليمي الجديد/المقبل.. تجاوز الهفوات والعوائق والمشاكل.. التي عانت منها الأنظمة التربوية والتعليمية السابقة والحالية..!؟! هل بإمكان مدرستنا المغربية التحرر من النزعة الإيديولوجية والسلطوية.. التي عرقلت مسيرة التحرر والتطور.. وواجهت سياسة الحوار الديمقراطي وعملية التواصل الإيجابي الواعي والهادف؟ ما هي حقيقة السياسة التعليمية في واقع نظامنا التربوي والتعليمي في عهد الاستعمار وعهد الاستقلال وحتى (الآن)..!؟! ما هي أهم النتائج التي يمكن استخلاصها من ذلك الوضع..!؟!

إن سياسة الهيمنة والمواجهة والسلطة المتسلطة مثلت العنصر البارز في المشروع المجتمعي الهادف إلى الاستحواذ ومراقبة وتسيير كل المؤسسات.. وقد ترتب على هذا الوضع السلطوي المهيمن فرض إيديولوجية معينة (وزارة الداخلية مثلا). ومن مظاهر هذا المشروع تغييب التواصل الهادف والحوار الديمقراطي ورفض الآخر وتهميشه في كل محاولة إصلاحية –تقريبا- لأن الخطاب في هذا الوضع يكون في الغالب، خطابا نازلا ومفروضا.. من فوق إلى تحت؟ وهكذا بسطت سياسة السلطة المتحكمة مراقبتها المباشرة على جميع المؤسسات وعلى كل الميادين والمجالات وفرضت تصورها الذي ينسجم مع "إيديولوجيتها". وهكذا ذهبت إلى مواجهة ومحاصرة ومعارضة ومطاردة.. كل مخالف أو معارض لها.. وإن كان على حق..!؟!

وعلى العموم، فإن الصراع ظل قائما بين أصحاب السلطة وبين الذين لا يملكونها، مما حد من أهمية دور التواصل الهادف والحوار الناقد والبناء.. وهذا بدوره عرقل مسيرة النماء والتطور.. والتجديد والبناء مما أحدث أزمات متنوعة ومتعددة في الواقع الموضوعي المعيش، وأثر بشكل كبير على الحياة العامة، بما في ذلك مجال التربية والتعليم الذي نحن بصدده في هذه الدراسة المتواضعة. وهذا الوضع، فتح الباب أمام المهتمين الواعين والباحثين والدارسين وكذلك الفاعلين الرئيسيين في مجال التربية والتعليم لطرح مجموعة من التساؤلات الواعية والهادفة.. والقيام بنقد الواقع التربوي والتعليمي.. بهدف الفضح والإصلاح في آن واحد.. فأين تتجلى مظاهر هذه التساؤلات والأسئلة والنقد والإصلاح.. في مجال التربية والتعليم..!؟!

تتجلى تلك المظاهر والمشاكل في مجال التربية والتعليم في عجز الأنظمة التربوية والتعليمية عن تحقيق الأهداف المتوخاة وفي تشعب الأزمة، بحيث أصبح الحديث منصبا حول مجموعة من القضايا، من بينها:

                     -       انخفاض مستوى المتعلمين في جميع المستويات التعليمية..

                     -       فشل المناهج والطرق والأنساق المستوردة وعدم تطابقها مع الواقع المعيش

                     -       عدم استجابة التعليم لمتطلبات الحياة.

                     -       التقليل من دور التعليم ومن أهميته.. في الواقع الموضوعي، حين أصبحت الشهادات والحصول عليها عنوانا للبطالة والتهميش.. داخل المجتمع. كما أدى هذا الوضع كذلك، إلى تهميش رجل التعليم في اتخاذ القرارات والمشاركة في البرامج والمقررات وتأليف الكتب المدرسية والمساهمة الفعالة في الأنظمة التربوية والتعليمية الجديدة، وذلك من خلال عدم التواصل والحوار مع الممارسين الفعليين والواعين.. بإشكالية التعليم..!؟!

هذه المشاكل والقضايا وغيرها تعبر في نهاية المطاف عن أزمة نظامنا التربوي والتعليمي وعن أزمة العلاقات القائمة بين المسؤولين الآمرين والعاملين المنفذين – كما قلنا- بين المرشدين/المفتشين والمدرسين الممارسين.. بين المدرسين والتلاميذ..الخ وهكذا. كذلك، أصبحت تظهر على ساحة الواقع الإنساني والمجتمعي المغربي، النزعة التشاؤمية تتجسد في حيرة الناس إزاء التعليم.. وفي هذا المضمار أصبح الإقبال على المدرسة والتعلم.. يقل شيئا فشيئا، ولم يعد التواصل الهادف قائما بين الآباء والمدرسة من جهة، وبين التلاميذ والمدرسة من جهة أخرى، كما كان الأمر، من قبل، حين كانت المدرسة جسرا حصينا يؤدي إلى الشغل وإلى ضمان الحياة..!؟!

وهكذا، وكيفما كانت الأحوال، فإن التواصل الاجتماعي والإنساني، بما فيه التواصل التربوي والتعليمي.. في الواقع الموضوعي المغربي أصبح يشكو من الأزمات والمشاكل والصعوبات المتعددة والمتنوعة التي يعيشها المجتمع والأسرة والمدرسة والإنسان في أداء كل واحد منهم وظيفته الأساسية بشكل طبيعي وسليم. فالمدرسة أصبحت تعاني من التفكك ومن كثرة المشاكل، وتقلص دورها في مجال تنشئة الأجيال وتكوينها التكوين الصحيح وتعليمها التعليم المفيد والسليم.. كما تراجعت وظيفتها في أداء رسالتها الإنسانية الهادفة إلى التحرر والتوعية.. الخ، وهكذا وبالرغم من أهميتها الإنسانية والاجتماعية والفكرية والثقافية.. فقد فقدت جانبا مهما من جوانب دورها ووظيفتها.. داخل المجتمع، حين أصبح الآباء يفضلون إرسال أبنائهم إلى تعلم "مهنة" من المهن بدل الذهاب إلى المدرسة التي أصبح لا جدوى منها في اعتقادهم، نتيجة ما وصلت إليه من أزمات في وقتنا الحالي..!؟!

وفي غياب التواصل الهادف والحوار الديمقراطي.. في مجال التربية والتعليم أصبحت المدرسة المغربية تعيش مشاكل كثيرة وأزمات متنوعة. المدرسة التي كان كثير من المغاربة يعقدون عليها آمالهم وآمال أبنائهم في الحصول على حياة أفضل وذلك بفضل تحسين أوضاعهم المعيشية والأسرية.. حين يوظف أبناؤهم وهكذا، لازلنا نلاحظ، حتى الآن، بأن أغلبية – إن لم نقل كل- الذين حصلوا على وظيفة لا يتحملون مسؤولية أسرهم وأبنائهم فقط، بل كذلك، حتى مسؤولية عائلاتهم وأقربائهم وأصدقائهم. أما اليوم فقط أصبحت المدرسة محط تشاؤم الآباء وسخط الأبناء/الشباب.. لأنها لم تعد تحقق الأهداف التي كانت تحققها، مثل، الوظيفة والاستقرار والتكوين.. الخ. وهذا الوضع الخاص للمدرسة، كان له تأثيره السلبي البليغ على الوضع العام. ومن هنا أصبح التساؤل اليائس يطرح بشكل تشاؤمي: ما هو النظام التعليمي والتربوي الذي بإمكانه أن يحل مشاكل مدرستنا وتعليمنا..!؟! أية سياسة ناجعة بإمكانها أن ترجع الأمل إلى الأجيال الضائعة وللأجيال المقبلة..!؟! هل تكمن أزمة التعليم فعلا، في إمكانية استيعاب كل الذين وصلوا سن التمدرس في الوقت المحدد فقط، ومن هنا يكون المشكل في عمقه ذا طبيعة مادية بالدرجة الأولى، أم أن الحقيقة تقتضي تناول هذا الموضوع بجدية وشمولية لمواجهة الأزمة الفعلية..!؟! هل حل النظام التعليمي الحالي – بالرغم من ادعائه- أزمة الأمية أم أنه ساهم في تعميقها وتطويرها بشكل خطير لا يدعو إلى الارتياح..!؟! هل المشكل في الكم وحده، أم في الكيف، أم فيهما معا..!؟!ما هو النظام التعليمي الكفيل بتحقيق الأهداف العامة والخاصة في إطار سياسة تعليمية تواصلية وديمقراطية..!؟! هل نموذج الإنماء التربوي الأكاديمي، الذي ينظر إلى إشكالية التعليم من الجانب التربوي بالأساس وذلك على مستوى تطوير المناهج والطرق والوسائل والأساليب والأهداف، كما يراها هذا النموذج الأكاديمي في غياب مجموعة من العناصر والأهداف الأخرى، ذات الأبعاد: الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية..الخ. استطاع أن يحل المشاكل أم أنه – بالرغم من بعض إيجابياته- قد عمق الأزمة من خلال تعميق الهوة بين أهداف التربية والتعليم والأهداف الإنسانية والاجتماعية..!؟! وهل بإمكان نموذج الإنماء التربوي إعادة الثقة إلى الإنسان/المتعلم المغربي باعتباره يعتمد على ربط التربية والتعليم بالحياة العملية والإنتاجية، لأن المجتمع المغربي أصبح يعاني من صعوبة الحياة المعيشية ومن البطالة بالدرجة الأولى..!؟! ألسنا في حاجة ماسة إلى نظرة شمولية لمعالجة أزمة تعليمنا وذلك بمحاولة معالجة وإصلاح الحياة العامة المعتمدة بدورها على ما هو مادي وما هو روحي/فكري وجمالي.. كما يدعو إلى ذلك نموذج الإنماء التربوي والثقافي الشامل..!؟! ألسنا في حاجة إلى نظرة واقعية وموضوعية.. شاملة ودقيقة وناقدة.. لمعالجة أزمة تعليمنا، قائمة على التواصل الجدلي الهادف وعلى الحوار الجاد والناقد.. حين فشلت مجموعة من الأنظمة والمناهج والطرق والأنساق لإيجاد حلول ناجعة وإيجابية.. لواقعنا التربوي والتعليمي وكذلك الإنساني والاجتماعي والفكري والثقافي..!؟!لماذا ظلت الأمية تشكل شبحا خطيرا على الأغلبية من سكان المغرب بالرغم من وجود كليات وجامعات ومعاهد ومدارس وثانويات وإعداديات..!؟! أليست الأمية داء خطيرا يقف في وجه كل محاولة تقدم وتطور وتغير.. لا سيما حين تستحوذ على الأغلبية من سكان بلد من البلدان..!؟![3]

رغم الرصيد التاريخي الهام، الذي راكمه المغاربة في هذا الشأن، والذي يدين بالشيء الكثير للتراث الإسلامي في مجال التربية والتعليم، فإن وضعية هذا الحق في المرحلة الراهنة، وحتى في المستقبل المنظور، لا تدعو للتفاؤل. إن الأرقام والإحصائيات المقدمة في هذا الشأن، كثيرا ما تبدو خادعة، وبالتالي مضللة، فمجموع أعداد الأطفال المتراوحة سنهم بين 7 و14 سنة، أي الأطفال في سن التمدرس يصل إلى نسبة 7،90% من بينهم 7،92 ذكور، و3،88 إناث، وذلك بحسب المعطيات الإحصائية لسنة 1997. إن قراءة هذه الأرقام تعني أن الذين لا يتمتعون بهذا الحق لا تتجاوز نسبتهم أقل من 10%، غير أن المسكوت عنه من وراء هذا الإحصاء، يبقى هو ضرورة التمييز بين مفهومين في هذا الشأن. مفهوم الأطفال المسجلين. ومفهوم الأطفال المتمدرسين، إذ إن الإحصائية السالفة، تهم أساسا أعداد التلاميذ المسجلين، ويتعزز هذا الاستنتاج، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار نسب المنقطعين عن مواصلة استكمال تعليمهم الأساسي، وهي نسبة تعتبر جد مرتفعة، فإذا أخذنا كمثال في دراستنا هذه سنة الانطلاق هي سنة 1989، وسنة الانتهاء هي سنة 1997 على اعتبار أن السنوات اللازمة لاستكمال التعليم الأساسي هي تسع سنوات، سنجد أن مجموع التلاميذ المسجلين في السلك الأول من التعليم الأساسي، يصل إلى 2.051515. ومن مجموع هذا العدد لا يستكمل السلك الثاني من التعليم الأساسي في سنة 1997 إلا 945.851 الأمر الذي يعني أن 1.105.664 لا يتمكنون من استكمال مرحلة التعليم الأساسي، وبالتالي عدم تمكنهم من التمتع بالحق في التربية والتعليم.

وتتجلى الوضعية المزرية إلى حد ما للحق في التربية والتعليم بصورة أكثر وضوحا من خلال فحص المعطيات الرقمية المتعلقة بجيوش الأميين في المغرب.

 

مجموع الجنسين معا

 

1960

1971

1982

1994

87

75

65

55

الوسط الحضري

73

54

44

37

الوسط القروي

92

87

82

75

مجموع الذكور

78

63

51

41

الوسط الحضري

58

39

30

25

الوسط القروي

85

76

68

61

مجموع الإناث

96

87

78

67

الوسط الحضري

88

68

57

49

الوسط القروي

99

98

95

89

جدول يحدد النسب المئوية للذين يفوق سنهم 10 سنوات موزعين حسب الجنس، وحسب الوسط السكني.

 

وإذا كان هذا الجدول، يحدد نسبة الأمية، إلى حدود سنة 1994 في نسبة 55%، فإن وضع هذه النسبة يختلف بحسب المناطق والمدن والقرى، فقد تصل هذه النسبة في منطقة مثل شيشاوة إلى 72% بينما لا تتعدى 3،7% في مدينة المحمدية.

لقد ساهم علم الإحصاء والعلوم الأخرى بتقديم مجموعة من الحقائق والنتائج الدقيقة والموضوعية من جهة، ومن جهة أخرى أتاح الإمكانية للباحثين والدارسين.. في مجالات أخرى، للتعرف لا على النتائج الإحصائية العلمية، بل كذلك على معرفة واقع حياة المجتمعات بصورة مفصلة ودقيقة.. مما أصبح يقرب الدراسات والأبحاث إلى معرفة الحقيقة الموضوعية النسبية أكثر من السقوط في المعارف الجاهزة والذاتية.. التي يطغى عليها – في الغالب- التشويه والتزوير والتحريف وهذا قد أدى بدوره إلى وعي علمي فاضح وناقد لما كانت الفئات المسيطرة والمهيمنة تخفيه على الجماهير، وهو ما يتجلى في اتخاذ القرارات المنفردة التي تغيب التواصل الهادف والحوار الديمقراطي. وهكذا ومن خلال ما قدمه لنا الباحث عبد اللطيف حسني في كلامه السابق الذكر، حول الأمية بالمغرب والمستند على إحصائيات هامة في مجال التربية والتعليم، قد وضعنا أمام حقيقة الإشكالية التي نحن بصدد الخوض والبحث فيها.. والتي تتجسد في التناقض القائم بين الخطاب الرسمي والخطاب غير الرسمي حول موضوع الأمية وذلك من خلال التلاعب بالمصطلحات في تقديم هذه الحقيقة، فالخطاب الرسمي يعتمد على التسجيل، وبذلك يوهم القارئ –كما رأينا- بأن الأمية انخفضت في المغرب بتسعين في المائة (90%) على عكس الخطاب غير الرسمي الذي اعتمد على المنقطعين فجاءت النتيجة التي انتهى إليها متناقضة مع النتيجة الرسمية، حين وجد بأن نسبة الأميين بالمغرب قد ارتفعت وأصبحت تشكل هاجسا كبيرا بالنسبة إلى المهتمين والباحثين الواعيين.. يتمثل في خطورتها على المجتمع بأكمله.

وبدورنا نرى أن الأمية في الواقع المغربي أصبحت تنتشر بشكل خطير حتى في صفوف الذين نعتبرهم مثقفين لا سيما حين يصبح الوعي والثقافة.. في عصرنا  غير محصورين في معرفة القراءة والكتابة فقط.. بل من خلال الإلمام يما يجري في الواقع المحلي والقطري والعالمي.. لقد أصبحت الثقافة وعيا شاملا لما تقدمه حضارة العصر، نظرا إلى تطور المعرفة ووسائل الإعلام والعلوم بصفة عامة.

ومن جانب آخر، سوف لا نقف عند النتائج المحصل عليها في مجال التربية والتعليم، حول إشكالية الأمية بالمغرب أو بالأحرى بالمدرسة المغربية، بقدر ما سنعمل على البحث عن بعض المشاكل والعوائق والعراقيل التي ساهمت بشكل أو بآخر في تعقيد هذه الآفة الخطيرة..!؟!

وإذن أليس التناقض الحاصل بين الخطاب الرسمي وغير الرسمي – كما رأينا- راجع في عمقه إلى عدم وجود حوار ديمقراطي وتواصل فعال ومشترك.. بين كل الأطراف المعنية.. لمواجهة واقع الأزمة!؟! أليس العدد الكبير من المنقطعين والمطرودين في مجال التربية والتعليم، هو الآخر، راجع لأسباب اجتماعية واقتصادية وتربوية وتعليمية تفتقد إلى تواصل صريح وهادف.. بين التلميذ والمدرسة.. بين المتعلم والكتاب المدرسي مثلا، حيث يجد التلميذ صعوبة في التواصل مع مجموعة من الكتب الملونة.. كما هو الأمر في الطور الأول من التعليم الأساسي في كل مستوياته تقريبا.. فماذا يستفيد تلميذ القسم الأول أو الثاني أوالثالث أوالرابع.. من كتاب التفتح الفني الذي يتطلب قوة عضلية وفكرية..!؟! وماذا يستفيد كذلك من كتاب الرياضيات الذي لا تخلو مواضيعه من تعقيدات وتمارين صعبة.. تفوق مستوى التلميذ في كثير من الأحيان والمعلم في بعض الأحيان..!؟! أليس هذا المشكل يرجع بالأساس إلى عدم التواصل وإلى غياب الحوار الواعي والهادف..!؟! ما الفائدة من الكتاب المدرسي ومن تمارينه.. إذا كان الآباء والمعلمون هم الذين يقومون في غالب الأحيان بالأعمال والتمارين المطلوبة!؟! ما مصير التلاميذ الذين ينتمون إلى أسر أمية –وما أكثرها في واقعنا-..!؟! أليس انخفاض المستوى لدى المتعلمين في كل أسلاك المدرسة المغربية، والذي أصبح مثار الحديث لدى الأغلبية من المواطنين يرجع هو الآخر بالأساس إلى عدم التواصل التربوي والتعليمي والحوار الديمقراطي بجانب عناصر أخرى!؟! لماذا كان المتعلم في السنوات الماضية – ذا مستوى معرفي وفكري وثقافي.. أحسن من اليوم بالرغم من أن الوسائل التربوية والتعليمية قد تطورت وتوفرت أكثر من السابق..!؟! أليس هذا المشكل بدوره يرجع إلى قلة المواد بدل كثرتها اليوم، وإتاحة الفرصة للمعلم للتواصل مع تلاميذه أكثر من اليوم الذي أصبح فيه رجل التعليم، بالإضافة إلى مشاكل أخرى، مهووسا ومشغولا بإتمام المقرر المفروض إتمامه!؟!

إن أزمة التعليم وإشكالية الأمية.. وما نتج عنهما من مشاكل مستعصية ومتشعبة وضعت بلادنا في مأزق لا يمكن نكران خطورته ولا يمكن جهل أو تجهيل المواطنين بهذه الحقيقة، بقدر ما أصبح من الواجب الوعي والتصريح بها من جهة، والعمل على مواجهتها بالعمل الجاد والهادف وبالتعاون المشترك البناء.. وذلك إذا ما أردنا أن نتحدث بالفعل عن الإصلاح الإيجابي وعن التطوير والتغيير والتجديد.. لمواكبة الركب الحضاري المعاصر الذي يسير بخطى سريعة..!؟!

إن في نشر الوعي العلمي ومحاربة الأمية بمفهومها الواسع، والعمل بفضل الممارسة الفعلية لتخطي الحواجز ولتحدي المشاكل...، ما بإمكانه أن يؤدي إلى التطوير الإيجابي وإلى بناء ثقافة جادة وهادفة يكون لها الدور الفعال في بناء المجتمع ووضعه على أسس صحيحة وصلبة تمكنه من الانعتاق والتحرر من مخالب الهيمنة والتبعية والاستعمار والاستغلال.. كما تؤدي به إلى الحفاظ على هويته، في عالم أصبح يهدف إلى عولمة كل شيء بما في ذلك الإنسان..!؟! هل أصبحنا نعي أهمية الإصلاح الهادف ؟ وهل نحن مستعدون لإنجازه بكل إيمان وإدراك موضوعي وإحساس ديمقراطي..!؟! وما هو الإصلاح المنشود في نظامنا التعليمي والتربوي..!؟!n



[1]-  معجم علوم التربية (سلسلة علوم التربية 9-10)، منشورات عالم التربية. المؤلفون عبد الكريم غريب، عبد العزيز غرضاف، عبد اللطيف الفارابي، محمد آيت موحى، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة 2، 1998.ص44

[2]- الدكتور محمد عابد الجابري، من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية، مطبعة دار النشر المغربية، 1977م.ص141-142

[3]- للمزيد من التفاصيل، انظر عبد اللطيف حسني، ، مستقبل التربية والتعليم بالمغرب في أفق الألفية الثالثة، الحق في التربية انظر. مجلة وجهة نظر العدد1، سبتمبر 1998. ص4 - 5