ص1       الفهرس  61-70

المسألة النسائية وتحديات التعليم والتنمية البشرية

 ( حوار مع الباحث السوسيولوجي: مصطفى محسن)

 

   أجرى الحوار: ذ. مصطفى حسني

 

تحقيقا لهدف المساهمة في التوعية بأبعاد ودلالات "المسألة النسائية" وبأهميتها كجزء لا يتجزأ من "المسألة الاجتماعية". بمفهومها الشمولي المتعدد الأبعاد، الذي يعتمده المؤلف نفسه مرجعية للنظر والمقاربة، ورغبة في التوعية أيضا بدور العنصر النسوي في التنمية الاجتماعية المستديمة، وبأهمية التربية والتعليم والتكوين في تفعيل هذا الدور التنموي الخطير، يأتي كتاب عالم الاجتماع: ذ. مصطفى محسن: قضية المرأة وتحديات التعليم والتنمية البشرية. هذا الكتاب/ الدراسة الذي يعد مساهمة قيمة تنضاف إلى أعماله النقدية العديدة المتميزة في مجال سوسيولوجيا التربية والثقافة والتنمية البشرية .

  حول هذا الموضوع الهام، وظروف إصدار الكتاب نحاور المؤلف.

 

س: بمناسبة صدور كتابكم الجديد. "قضية المرأة وتحديات التعليم والتنمية البشرية، منشورات رمسيس، الرباط، سلسلة( المعرفة للجميع)، عدد ماي- غشت رقم 15 ،2000" نريد أن نجري معكم، الأستاذ مصطفى محسن، حوارا مركزا حول هذا الكتاب بودنا أن نستهله بالسؤال التالي: "ضمن أي سياق، وفي إطار أية أهداف يأتي إصداركم لهذا العمل الجديد" ؟

ج: فيما يتعلق بسياق إصدار هذا الكتاب تجدر الإشارة إلى أنه قد ارتبط بظرفية تربوية واجتماعية وسياسية من بين أهم مميزاتها وخصوصياتها ما يلي.

1- على المستوى التربوي:من المعروف أن مستهل هذا الموسم الدراسي الحالي في المغرب (2000 .2001 )سيعرف بداية انطلاق تطبيق مقتضيات مشروع الإصلاح التربوي الذي اقترحه " الميثاق الوطني للتربية والتكوين". وكما أشرت إلى ذلك في مناسبات سابقة على هذا الحوار، فإن هذا الميثاق يعد في تقديرنا، علامة بارزة هامة ومميزة في مسلسل إعادة النظر في نظامنا التربوي التكويني، وتجديد بنياته وهياكله وآليات أشغاله، وإصلاحه بما يتلاءم مع مستجدات المرحلة الراهنة محليا ودوليا، ويمكنه من الإسهام الحقيقي الفاعل في مسارات التنمية الاجتماعية المنشودة. وغير خاف أن إصلاح الأوضاع التربوية الاقتصادية والاجتماعية ...للطاقات النسائية، واستثمارها كرأسمال بشري رافد لمشاريع التنمية هذه هو، بامتياز، أحد أسس ومكونات هذا الرهان الإصلاحي التربوي، الذي يعبر عنه الميثاق الآنف الذكر. 

2- على المستوى المجتمعي: لعل من أبرز ما أصبحت تتسم به الظرفية الحالية في مجتمعنا المغربي خاصة، بل وحتى في جل مجتمعاتنا العربية، وبلدان العالم الثالث بشكل عام هو ما يمكن وسمه بـ "تفجر المسألة الاجتماعية". وذلك بالمدلول السوسيولوجي العام لهذه المسألة، والتي يشار بها في أدبيات العلم الاجتماعية إلى قضايا ومشكلات متعددة الأبعاد والمقومات والدلالات مثل: الحرية والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وحقوق الإنسان، وتكافؤ الفرص، ومشكلات الفقر، والبطالة والتشرد، والميز الطبقي والجنسي والإثني ...الخ ويبدو أن "خطة العمل الوطنية لإدماج المرأة في التنمية"، التي أشرفت على إعدادها كتابة الدولة المكلفة بالرعاية الاجتماعية والأسرة، قد كان لها ارتباط ما بهذه الظرفية التي تعرف فيها مجتمعاتنا انفجارا متواترا للكثير من المشكلات الآنفة الذكر.

غير أنه من المفيد أن نذكر في هذا المساق، بأن هذا الكتاب الذي نحن بصدد مناقشة بعض أهدافه ومضامينه، ليس موجها لمناقشة الخطة المشار إليها سابقا، وإنما هو عبارة عن دراسة سوسيولوجية تربوية للأوضاع التعليمية للمرأة/ الفتاة قطريا وقوميا، وخاصة الفتاة في الوسط القروي المغربي والتي ما تزال تعاني من الكثير من صنوف وظروف الحيف والتمييز الجنسي والإقصاء من فرص المشاركة الاجتماعية الفاعلة، والحرمان من الاستفادة المتكافئة والعادلة من العديد من الحقوق والخدمات... التي يفترض أن تكون متاحة لكافة المواطنين على اختلافاتهم الجنسية أو الإثنية أو الطبقية أو غيرها من أشكال التعدد والاختلاف.

3- على المستوى السياسي: لقد انخرظ مجتمعنا المغربي، كما هو معروف، ومنذ مدة، في إطار ما نعت بأنه "عهد جديد" تم تدشين مسلسل مستجداته بتجربة " التناوب السياسي التوافقي" على تداول السلطة،  وما تلا ذلك من تغير هام تمثل في انتقال السلطة على مستوى  المؤسسة الملكية. وقد ترتب على هذه المستجدات بروز خطاب سياسي واجتماعي وثقافي جديد له مفرداته ومرجعياته ومراهناته المتعددة... إضافة إلى ما تساوق مع كل ذلك من تبلور إرهاصي لبعض التوجهات الفكرية والاجتماعية والسياسية المكرسة لمفاهيم ومشاريع التغيير والإصلاح والتنمية...، ولمواثيق حسن التدبير العقلاني للشأن العام، وتجديد العقليات والممارسات، واستكمال بناء دولة الحق والقانون، وتوفير مجمل مستلزمات الانخراط بفاعلية وإيجابية في رهانات الزمن العولمي الجديد...

ولا شك أن هذا المناخ السياسي والفكري والاجتماعي العام قد ساعد، إلى حد ما، في تشكيل اهتمام ملحوظ بـ "المسألة الاجتماعية" في بعض أبعادها وجوانبها المختلفة. وذلك مثل: قضية المرأة، ومشكلات إدماج المعاقين، والمعطلين من الشباب المؤهل، وتدشين مسلسل  محاربة الفقر، ومحاولة تأسيس ثقافة اجتماعية تضامنية مدعمة لقيم الاهتمام بالإنسان واحترام حاجاته وحقوقه، والعناية بمستلزمات استثماره وتكوينه، والتخطيط الممنهج والمرشد لإدماجه في عملية التنمية الشاملة. ونأمل أن يتحول هذا الاهتمام- الذي لابد من تثمينه من حيث المبدأ على الأقل- من مجرد خطاب دعوي وعظي إلى واقع عملي ناجز.

4- على المستوى الكوني العام: مما يلاحظ على هذا المستوى، تصدر ظاهرة العولمة الكاسحة بكل شروطها وإكراهاتها وتحدياتها ورهاناتها، العلنية منها والمضمرة، وأيضا بقيمها ورموزها وتوجهاتها الفكرية والاقتصادية والحضارية.... أي بـ"ثقافتها السياسية الكونية الجديدة" بكل ما تحمله من أبعاد ودلالات.

إن هذا الواقع الكوني الجديد قد أصبح يحتم على مجتمعاتنا الثالثية ضرورة تمنيع الذات وتحصينها وتقويتها...وذلك عبر صياغة مشاريع أو برامج تنموية وتحديثية متكاملة قادرة على المجابهة والتحدي، والتفاعل الإيجابي المنتج مع متطلبات ومتغيرات هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ تطور المجتمع البشري.ومما لاريب فيه أن الاعتناء بتنمية العنصر البشري وباستثماره كرأسمال اقصادي واجتماعي ذي قيمة نوعية متميزة مسألة تقع في الصميم من هذا الرهان التنموي الشامل. وهنا بالذات يتخذ تعليم وتكوين وتأهيل " الطاقات النسائية" مكانته المحورية الوازنة وذلك للعديد من الاعتبارات التي سنعرض لبعضها فيما سيأتي من عناصر هذا الحوار.

  هذا فيما يتعلق بالسياق العام الذي يسم ظرفية نشر هذا الكتاب موضوع حديثنا هذا،  أما عن أهداف إصداره في هذه الظرفية بالذات فيمكن القول: إنها أهداف ذاتية وتعددية يجد القارئ مجملها في التصدير الذي وضعناه لهذا العمل (ص ص: 23-41) كما يجد بعضا منها أيضا في العديد من المحاور ومظان الكتاب. غير أننا نفضل هنا، طلبا لإعطاء فكرة مركزة عن هذه الأهداف، أن نشير من بين أهمها إلى مايلي:

-       هدف علمي- تربوي سعينا، من خلال المراهنة على تحقيقه، إلى إنجاز مقاربة سوسيولوجية  للأوضاع التعليمية للمرأة/ الفتاة وطنيا وقوميا وثالثيا.وذلك بغرض إثراء ما نتوفر عليه في مجتمعنا من تراكم علمي، ومن معلومات ومعطيات حول الإشكالية المبحوثة.

-       هدف اجتماعي وثقافي عام، ويتمثل في رغبتنا في المساهمة في التوعية بأبعاد ودلالات ومكونات "المسألة النسائية" في مجتمعنا، وبأهميتها كجزء  لا يتجزأ من "المسألة الاجتماعية" بمفهومها الشمولي المتعدد الأبعاد، وبأهمية التربية والتعليم والتكوين في إعداد وتأهيل واستثمار "الطاقات النسائية" وفي تفعيل دورها الكبير في سيرورات وبرامج الإنجاز التنموي في المجتمع.

-       ثم هناك هدف ذاتي خاص مرتبط بموقفنا من القضية النسائية، كباحث ومثقف يسعى إلى أن يكون ملتزما فكريا واجتماعيا، ومرتبط أيضا بدعوتنا المتواصلة إلى الاهتمام بقضية المرأة في شمولية أبعادها: تعليما وتكوينا ورعاية وإنصافا قانونيا واقتصاديا واجتماعيا...وضرورة النضال الصادق والمستميت من أجل تحويل هذا الاهتمام إلى واقع متنفذ، وإخراجه من حيز الشعارات والخطب والتوظيفات  السياسوية  والإيديولوجية إلى حيز الإنجاز والتطبيق.

هذا الهدف، أو البعد، الذاتي هو الذي جعلني أتأسف عظيم الأسف على كون الإهداء الذي انتظرت فرصة نشره منذ مدة والذي كنت أود أن أقدم عبره الكتاب إلى القارئ وقع سقوطه منه، لظروف لا أعلمها لذا، ونظرا لما أوليه شخصيا من اهتمام شديد بالكلمة وتقدير خاص لدلالاتها ومحمولاتها وأبعادها ووزنها النفسي والفكري والاجتماعي...، أرجو من كل قارئ يتوفر على نسخة من هذا الكتاب أن يضمنه هذا الإهداء المحذوف، وأن يوقعه باسمي نيابة عني. وهذا نصه الكامل:" إلى روح أمي، المرأة  التي قضت سنوات عمرها المكدود ممتشقة على الدوام جموح الغضب المكابر،  مكافحة، ثائرة على كل أشكال الحرمان والظلم، والقهر، والانغلاب، وانجراح كرامة الإنسان. وإلى أختيً وزوجتي أهدي هذا العمل المتواضع عربون محبة ووفاء".

س: بعد هذا التأطير المفيد لسياق وأهداف الكتاب موضوع هذا الحوار نرجو، منكم، ذ. مصطفى محسن، أن تقدموا للقارئ نظرة موجزة ومركزة عن أهم مضامينه.

ج: سوف لن نقوم هنا بتلخيص للكتاب، ذلك أن أي عمل من هذا النوع، وخاصة ضمن حوار محدود في الزمان مهما كانت دقته وشموليته، لا يغني أبدا عن قراءة الكتاب في مضامبنه وجزئياته التفصيلية. لذا فإن ما سنقدمه لاحقا سوف لن يكون سوى إشارة مركزة إلى محاوره الأساسية.

 يبتدئ الكتاب بمدخل عام حول" المرأة والتنمية من منظور إسلامي" بقلم د .محمد طلال وهو مدخل من اختيار واقتراح اللجنة العلمية المشرفة على سلسلة (المعرفة للجميع) التي صدر ضمنها الكتاب. لذا، وبالرغم مما ورد في هذا المدخل من أفكار وطروحات جدالية مفيدة وهامة، فإننا نفضل- لاعتبارات محض منهجية- أن نركز، فيما سنقدمه من إطلالة على مضامين الكتاب، على نص الدراسة التي تشكل منتوجنا الشخصي، والتي هي مقاربة سوسيولوجية وتربوية للإشكالية المبحوثة، وبالتالي مقاربة لها مفاهيمها وحدودها وإطارها المرجعي التخصصي. محمولات نص الدراسة هذه هي التي تلزمنا، دون غيرها، فكريا وعلميا واجتماعيا. ويتكون هذا النص مما يلي:

- تصدير، وسميناه بـ:" الطاقات النسائية وإشكالية التعليم والتنمية البشرية: ثالوث أخطر التحديات الألفية القادمة".

وقد حاولنا أن نبرز في هذا التصدير مجموعة من التحديات التي فرضها النظام العالمي الجديد على مجتمعاتنا العربية والثالثية، ومن ضمنها المغرب وذلك بكل ما تتطلبه هذه التحديات من شروط ومستلزمات أساسية لمجابهتها. ولعل أخطر هذه التحديات: التحدي الديموقراطي، والتحدي المعرفي والإعلامي والتكنولوجي، والتحدي التنموي....  الأمر الذي يستوجب العناية بـ " الطاقات النسائية" خاصة، وبالاستثمار الرشيد للرأسمال البشري عامة، نظرا إلى ما لذلك من دور حاسم في التأهيل اللازم لمجتمعاتنا من أجل ضمان انخراطها في مواكبة تبادلية وإيجابية فاعلة لمتغيرات وإكراهات وتحولات زمن العولمة الزاحفة.

-       ثم تمهيد مدخلي معنون بـ" هذه الدراسة: في الأهداف والمنطور وحدود المقاربة" ويتسم هذا التمهيد بكونه ذا طابع منهجي بالأساس. حاولنا من خلاله، القيام  بموضعة منهجية ونظرية لإشكالية الدراسة في إطار سياقها الاجتماعي والبحثي والتربوي المحدد، مذكرين بتركيز شديد، ببعض الاعتبارات المنهجية التي ينبغي وضعها في الحسبان حين قراءة هذه الدراسة في أهدافها ومضامينها وأيضا في نتائجها واستخلاصاتها الأساسية . ويكتسي هذا الإجراء بالنسبة إلينا أهمية معرفية شارطة.

-       وفي المبحث الأول من الدراسة، والموسوم بـ:" الأوضاع التربوية والاجتماعية للفتاة/ المرأة العربية: معطيات ومدلولات"، استأنسنا بمنهج استنباطي يتغيى الانتقال من العام إلى الخاص. وهكذا فقد قمنا في هذا المبحث بتقديم وتحليل مجموعة من المعطيات الكمية والنوعية حول أوضاع المرأة في بلدان العالم الثالث وفي مجتمعاتنا العربية. معطيات تتعلق ببعض قضايا ومشكلات التعليم والتكوين ومحو الأمية...الخ.

 وذلك بهدف إعطاء صورة، معبرة  ما أمكن، عن الأوضاع المتردية التي تعيشها المرأة في مجتمعاتنا، والتي تقف سدا منيعا- في الكثير من الأوضاع والسياقات- أمام استفادتها الكاملة من حقوق المواطنة، ومن الفرص التربوية والاقتصادية والاجتماعية المتكافئة، وبالتالي من المشاركة الفاعلة في مختلف أنشطة ومجالات الحياة الإنتاجية والسياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية الشاملة...

-       وفي المبحث الثاني، الذي يحمل عنوان: "إشكالية تمدرس الفتاة في المجتمع المغربي المعاصر: الوسط القروي نموذجا"، انتقلنا إلى مقاربة الأوضاع التربوية للمرأة في المجتمع المغربي حاليا، مركزين على الوسط القروي بالأساس. وذلك نظرا إلى الوضعية الخاصة التي تعيشها المرأة/ الفتاة القروية.  وهنا قدمنا أيضا مجموعة من المعطيات الكمية، محاولين تحديد بعض أبعادها ودلالاتها وانعكاساتها التربوية والاقتصادية والاجتماعية، مستثمرين في ذلك بعض الوثائق والأبحاث والتقارير والدراسات حول القضية المعنية.

ولعل الاستخلاص الأساسي الذي يجب التذكير به هنا هو أن وضعية المرأة في الوسط القروي المغربي مازالت ممهورة بالعديد من مظاهر الإقصاء والتهميش والدونية والفرص اللامتكافئة ...وذلك لعدة عوامل سيتم إبرازها في المبحث اللاحق. إلا أن مما يجدر التذكير به في هذا المقام هو أن ما تعانيه المرأة  في مجتمعنا، سواء في الوسط القروي أو الحضري، أمر لا يطالها وحدها فقط وإنما يشمل الجنسين معا. وخاصة بالنسبة إلى الفئات الاجتماعية المكدحة غير المحظوظة، والتي تعج بها القرى كما تعج بها أحزمة الفقر والبؤس، التي تطوق المدن على اختلاف حجمها ومستواها الاقتصادي وتركيبتها السكانية. دون أن ينسينا هذا المعطى أهمية الاعتراف بأن الأوضاع التربوية والاجتماعية للمرأة القروية تظل،  لاعتبارات كثيرة، أخطر فداحة وكارثية.

-       أما المبحث الثالث الذي وسمناه بـ:" الأوضاع العامة لتمدرس الفتاة بالوسط القروي: أبرز المشكلات والعوائق- مقاربة أولية لبعض الانعكاسات والآثار السلبية" فقد عملنا فيه على جرد أهم العوامل / العوائق التربوية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تكمن وراء إنتاج وإعادة إنتاج وتأزيم تلك الوضعية المتردية التي تعيشها المرأة/ الفتاة القروية، ولاسيما في مجالات التربية والتعليم والتكوين.

غير أننا نود التأكيد هنا على ملاحظة منهجية أساسية لابد من أخذها بعين الاعتبار، ألا وهي أن  العالم  أو الوسط القروي الذي غالبا ما نتحدث عنه بصيغة المفرد، يفترض ألا ننظر إليه - من الزاوية السوسيولوجية والأنثربولوجية والثقافية...- على أنه كل متجانس، وإنما هو وسط متعدد الأبعاد، مختلف المكونات والمقومات والخصائص الاقتصادية والجغرافية والثقافية والاجتماعية..الخ .وذلك على الرغم مما يوجد بين الأوساط القروية من عوامل التماثل والقواسم  المشتركة والمتعددة.ومؤدى هذه الملاحظة وهو أن العوائق المعنية هنا تظل - على مستوى اختلاف فعلها  وتأثيرها- مرتهنة بخصوصيات الفضاء القروي المحدد. ولذا فنحن أحوج  ما نكون إلى إنجاز المزيد من البحوث المونوغرافية العلمية المدققة لمقاربة هذه الأوساط القروية في اختلافاتها وتعددها. الأمر الذي ينتظر منه أن يساهم في تحقيق تراكم علمي معرفي يمكننا من التحديد الضابط للأهمية النسبية التي يحتلها كل عامل/ عائق مما سبقت الإشارة إليه. وعلى أي، فإن وضعية تعليم المرأة/ الفتاة في الوسط القروي المغربي هي، في تقديرنا جزء من كل مركب، ومن قضية شمولية عامة ألا وهي" المسألة القروية" بما لها من أبعاد ودلالات في السياق الراهن لمجتمعنا تحديدا. لذا فإنه يجب اتخاذ الحذر النظري والمنهجي من كل رؤية اختزالية تبسيطية مفقرة لهذه المسألة ولمنظور مقاربتها في آن.

-       وأما المبحث الرابع فقد خصصناه لمسألة:" الجمعيات غير الحكومية ومستقبل تمدرس الفتاة القروية: إمكانات التدخل التربوي والاجتماعي وآفاق الأدوار المنتظرة- خلاصات ومقترحات". فانطلاقا من الهدف التربوي التكويني والتعبوي لهذه الدراسة -وقد تم إنجازها في إطار برنامج تكويني لفائدة فاعلي بعض المنظمات غير الحكومية، النسائية والشبابية وغيرها- ركزنا ، في هذا المبحث، على التنويه ببعض ما يمكن لبعض مؤسسات المجتمع المدني أن تقوم به من أدوار ومهام أساسية في مجالات تنشيط الاهتمام بقضايا المرأة، والمساهمة في برامج و أنشطة توعيتها وتعليمها وتكوينها ومحو أميتها الأبجدية والوظيفية والحضارية الشاملة. وما هو مطلوب أيضا من هذه المؤسسات أن تمتلكه وتشيعه من وعي عميق مؤصل" بالمسألة النسائية"، وعي يراهن على المكاملة الحوارية بين الكوني والمحلي، بين شروط ومقتضيات التنمية والحداثة والقيم الإنسانية الكونية الأصلية... وبين خصوصياتنا ومقوماتنا وقيمنا الفكرية والثقافية والحضارية والدينية... وذلك في إطار ما ندعو إليه من نقد حواري جدلي تبادلي متعدد الأبعاد للذات وللآخر، وللحظة الحضارية الحاضنة لتفعيل أبعادهما المعرفية والسوسيوتاريخية، ماضيا وحاضرا وتوجهات مستقبلية.

 على اعتبار أن هذا النقد هو أداة تحصن منهجي ضروري لتجنب الوقوع إما في ذاتية شوفينية متطرفة في خصوصياتها، أو في كونية واهمة فاقدة لأي أسس عقلانية أو إنسانية أو قيمية مقبولة.

-        وإضافة إلى "الهوامش والإحالات" و"البيبلوغرافيا الانتقائية  العامة"، ضمنا الكتاب أيضا ملاحق للاستئناس،  وهي عبارة عن معطيات رقمية  لتحيين بعض معطيات الدراسة، ثم بعض النصوص المختارة. وذلك بهدف إطلاع القارئ عليها تعميما للفائدة، وتمكينا له من التعرف على بعض المعطيات والمواقف والخطابات ولم لا تمكينه من فرصة الدخول معها ومع مضامين الدراسة في تحاور تبادلي نقدي مثمر ومفيد. هذه، بصفة إجمالية، أهم محاور الكتاب/ الدراسة ومشمولاته العامة.

س:كيف تربطون في دراستكم هذه بين قضية المرأة وإشكالية التنمية البشرية والاجتماعية الشاملة؟

ج: أعتذر عن إطالتي بعض الشيء في الإجابة عن السؤالين الآنفين ولكني أعتقد أنها قد كانت ،في تقديري، إجابة وظيفية ومفيدة استهدفت تقريب الكتاب من القارئ وهذه مقصدية هذا الحوار. غير أنه طلبا للتركيز الدال أفضل أن أختصر إجابتي عن سؤالك أعلاه فيما يلي:

1-   من المفيد أن نذكر في هذا السياق بأن مفهوم " التنمية البشرية قد أصبح من أكثر المفاهيم رواجا  وتداولا، سواء في خطابات العلوم الإنسانية والاجتماعية أولدى بعض المنظمات والأطراف الدولية المعنية أو المهتمة بقضايا التنمية عامة. وهو مفهوم يراد به تجاوز المضمون المحدود والاختزالي أحيانا، لمفهوم مواز له هو " تنمية الموارد البشرية". ذلك أنه إذا كانت لهذا الأخير دلالة اقصادية في  المقام الأول، أي يراد منه إلى استثمار البشر كرأسمال اقتصادي منتج، وإعداده كقوى اجتماعية مؤهلة وتمكينه من الاندماج في الحياة العملية، وفي رفد الإنتاج الاقتصادي تحقيقا لأهداف التنمية فإن ما يراد بأهداف التنمية البشرية هو إضافة إلى المدلول الاقتصادي للمفهوم السالف الذكر – الاستثمار العقلاني التكاملي للرأسمال البشري في كافة أبعاده ومقوماته المادية والروحية أي أنه، فضلا عن تأهيله كقوة عمل منتجة، يتطلب الأمر أيضا تنشئته تنشئة اجتماعية وسياسية وروحية  وثقافية متكاملة، وإكسابه – في إطار مشروع تربوي وسياسي وثقافي وسوسيوحضاري متكامل- مجموعة منسجمة وهادفة من المعارف والخبرات والمهارات، ومن القيم والمواقف والاتجاهات والأطر لمرجعية الموجهة... التي تجعل منه، كفرد وكإنسان وكمواطن، فاعلا اجتماعيا ممتلكا لمواصفات الاقتدار المعرفي والاجتماعي على التفاعل مع محيطه المحلي والكوني والاندماج فيه بشكل مؤثر مبدع، ومؤهلا للمساهمة، بالتالي، في عملية التنمية البشرية والاجتماعية الشاملة.

2-   لابد من التذكير، في هذا المقام أيضا، بأن وضعية المرأة في مجتمعاتنا تظل غير قادرة على أن تحقق لها  التمكين المتكافئ  من فرص المشاركة الإيجابية في المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية وفي المسار التنموي العام. ونظرا إلى كون الطاقات النسائية تشكل في الكثير من مجتمعاتنا هذه زهاء نصف ثروتها البشرية، وبما أنه لا يمكن تحقيق أي تنمية شاملة متوازنة مسترسلة ومستديمة في غياب مساهمة حقيقية منظمة هادفة ومعقلنة للنصف شبه المعطل من هذه الثروة البشرية:( النساء)، فإن الحديث عن هذه التنمية يظل، في مثل هذه الشروط، شعارا فاقدا لأي موضوعية ولأي دلالة واقعية. إذ لا يمكن الحديث هنا سوى عن " تنمية " معاقة مبتورة، معطوبة أو حتى مفقودة أو مضيعة كما أبرزنا ذلك في مظان الكتاب.

3-   وبما أن التنمية المتكاملة هي، في صلبها، تنمية بشرية، إذ البشر هم، بالأساس، منطلق هذه التنمية وغايتها، منتجوها ومستهلكوها في الآن ذاته، وبما أن نظام التربية والتعليم والتكوين هو الدعامة المفصلية لهذه التنمية البشرية فإن تعليم وتكوين الطاقات النسائية في أي مجتمع، ولا سيما في مجتمعاتنا التي ما تزال مخترقة بالعديد من مظاهر القصور والتبعية والتخلف، يصبح ضرورة   لا محيد عنها، ورهانا يتطلب تكثيف الكثير من الجهود، وصياغة ما يلزم من التصورات والخطط والبرامج... التي تعمل على تمكين المرأة من تجاوز أوضاعها التربوية والاجتماعية المتردية، ومن الاندماج الفاعل في عملية التنمية المنشودة.

4-  تتجلى أهمية ربط قضية تعليم المرأة- بل وقضية التربية والتعليم عامة- بالتنمية البشرية والاجتماعية العامة حين نستحضر خصوصية الظرفية السوسيوحضارية الراهنة التي يتسم بها النظام العالمي الجديد. فلقد أصبح عصر العولمة الشاملة،وبامتياز، عصر ثورة علمية ومعرفية عارمة.وذك نظرا إلى ما تعرفه لحظتنا التاريخية هذه من تقدم مذهل في ميادين إنتاج وتجديد وتطوير مختلف وسائل الإعلام والاتصال والتواصل والمعلوميات... مما جعل سياقنا هذا "عصر صناعة معرفية"، يشكل حقل التربية والتعليم والتكوين واستثمار الرأسمال البشري أساسها المحوري.

ومن هنا، فإن الربط بين إشكالية تعليم المرأة في مجتمعاتنا وبين التنمية بمدلولاتها الموسعة يصبح مبررا على أكثر من صعيد. وخاصة بالنظر إلى الدور الخطير الموكول إلى المرأة  في المجتمع، بدءا من مسؤولياتها ووظائفها الأسرية المتعددة، إلى ما ينتظر منها من مساهمة واعية ومؤثرة في كافة المجالات والقطاعات والمؤسسات الإنتاجية منها والثقافية والسياسية والاجتماعية. وذلك بلا إقصاء تمييزي لها بحجة اختلافها الجنسي أو الفيزيقي أو الفكري ...إلخ.

س: لقد ركزتم، في كتابكم هذا، على الوضعية التعليمية للمرأة/ الفتاة القروية. فما هي، في تصوركم، مبررات هذا التركيز؟ وما هي السبل القمينة بإخراج هذه المرأة  مما تعانيه من أوضاع تربوية واجتماعية مزرية؟

ج: لقد ضمنا الكتاب ما نعتقد أنه مبررات كافية للتركيز على المرأة القروية، كما ضمناه  أيضا عددا لا بأس به من المقترحات والتصورات التربوية والاجتماعية مما ينتظر أن يكون له دور هام- ضمن حدود معينة- في فتح بعض آفاق المساهمة في إخراج هذه المرأة مما ماتزال تعيشه في مجتمعنا من أوضاع الإقصاء والدونية والهامشية الاجتماعية. لذا، وحتى لا نقع في تكرار ما ورد في الكتاب، نفضل أن نقتصر – إجابة عن سؤالكم- على ما يلي:

1-  إن وضعية المرأة، باعتبارها، كما أكدنا على ذلك، جزءا لا يتجزأ من كل معقد، لا ينبغي فصلها عن مجمل الأوضاع الاجتماعية العامة المتدنية التي تعيشها أوساطنا القروية في غالبيتها، اللهم  إلا ما كان من بعض الاستثناءات الخاصة ببعض المناطق التي استفادت- في حدود مستويات معينة- من بعض برامج التنمية. غير أنها استثناءات تظل، في نظرنا، خاصة ومحدودة تؤكد القاعدة ولا تلغيها.

2-  لابد من التأكيد على كون المرأة/ الفتاة تعيش في الوسط القروي بالذات، مقارنة مع الوسط الحضري، الكثير من أوضاع ومظاهر وآثار التهميش والإقصاء والاستغلال بكافة أشكاله. وذلك لعدة عوامل أشرنا إلى بعضها آنفا.ولذا فإن فداحة هذه الأوضاع تشكل أكثر من مبرر للتركيز على المرأة القروية، وبالتحديد على مشكلات تعليمها وتكوينها وتأهيلها للتمكن من الاندماج في عملية التنمية. هذا مع أهمية التذكير بأن جزءا كبيرا من الطاقات البشرية في مجتمعنا/ مجتمعاتنا، ذكورا وإناثا، قرويين وحضريين، متعلمين وغير متعلمين، ومن شرائح عمرية واجتماعية متباينة... ما يزالون محرومين من الاستفادة العادلة من كافة حقوق المواطنة، ومن التمكن من فرص الاندماج في مجالات الإنتاج، وفي مناحي الحياة الثقافية والاجتماعية العامة، وبالتالي في برامج ومشاريع التنمية الشاملة.

3-  يترتب على ذلك أن النهوض بتعليم المرأة، وخاصة في الوسط القروي، لايتطلب فقط إصلاحا جزئيا وقطاعيا لميدان التربية والتعليم والتكوين، وإنما يتطلب، بالتساوق مع إصلاح هذا القطاع التربوي، إصلاحا اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا شموليا لأوضاع العالم القروي.ذلك أن ما يعيشه اليوم هذا العالم من عزلة مركبة وخانقة أحيانا، ومن غياب شبه تام لأهم البنيات التحتية الضرورية، وللقطاعات الإدارية والخدماتية والاجتماعية المختلفة، ومن غياب صارخ أيضا لأية هيكلة عقلانية وهادفة للمجال الجغرافي والبشري، ومن توفير لأهم شروط ومستلزمات التنمية المتوازنة ...الخ كل هذا يجعل من أي إصلاح تربوي منشود قليل المردودية والفائدة إذا لم يضع في اعتباره ضرورة السير، تصورا وتطبيقا، بالتوازي والتفاعل التكاملي مع إصلاح شمولي ناظم للكل المجتمعي، وليس للوسط القروي فحسب وإنما للمجتمع بشكل عام .ضمن هذا التصور الشمولي يجب أن ننظر إلى قضية تعليم المرأة، وفي الوسط القروي تحديدا، وإلى وضع الخطط والبرامج الكفيلة  بإدماجها الفعلي في المسار التنموي.

س. ماهي، في رأيكم ذ.مصطفى محسن، أهم الأطراف المعنية بالمشاركة في برامج النهوض بتعليم المرأة وبمستواها الاجتماعي العام؟

ج. انسجاما مع الرؤية الشمولية التي نعتمدها مرجعية موجهة للنظر والمقاربة، فإننا نعتقد أن الاهتمام بقضية المرأة في كافة جوانبها هو مسؤولية المجتمع برمته: أفرادا، وجماعات، وأجهزة،  ومؤسسات ... وإذا كانت الدولة الوطنية قد احتكرت- لزمن طويل، ولاعتبارات ليس هذا مقام تحليلها – تعهد ورعاية مجمل القطاعات والمجالات الاجتماعية، فإن ما أصبح يشهده المنتظم الكوني الجديد من تصاعد لوتائر العولمة والخوصصة وتحرير السوق والاقتصادات والفضاءات الوطنية... قد أفرز واقعا جديدا ألا وهو الانحصار المتزايد لدور ومكانة: " الدولة الوطنية"، في المجتمع وذلك في مقابل بروز فعاليات جدية وفاعلين جدد أصبح لهم دورهم، وخاصة في بعض المجالات التي لم تعد الدولة – بحكم وضعيتها في مساق التحولات الآنفة- قادرة على هيكلتها وضبطها والتحكم في تغطيتها وفي آليات اشتغالها إلا بشكل جزئي محدود.

وإذا كانت هذه المسألة تحتاج إلى نقاش موسع وإلى تفكير معمق حول عوامل ومستتبعات وامتدادت هذا الانحسار الخطير لدور الدولة، ولا سيما في مجتمعات العالم الثالث، فإنه من المفيد أن نقتصر هنا

-       نظرا إلى عدم ملاءمة السياق – على الإشارة المركزة، في إطار الجوانب عن سؤالكم الآنف ، إلى أهم الأطراف التي أصبح ينظر إلى دورها التكاملي في المجتمع المعاصر كضرورة أساسية حاسمة وهذه الأطراف هي:

1-  الدولة كمؤسسة اجتماعية مركزية ما تزال، رغم كل ما لحقها من تراجع وانحسار في المكانة والوظائف، محتفظة بالعديد من أدوارها ومواقعها وبعض تصدرها الاجتماعي والسياسي، وقدرتها الإجرائية وإمكاناتها المتعددة. وكذلك باعتبارها أيضا إطارا وفاقيا لتمثيل كل مكونات المجتمع وتدبير شأنه العام... كما هو مفترض على الأقل.

2-   القطاع الخاص، الذي أصبح مطلوبا منه، في عصر العولمة والخوصصة، أن يكون رافعة أساسية لمشاريع التنمية والتحديث. غير أن ذلك لن يتأتى له إلا إذا عمل بشكل ممنهج عقلاني، على الخروج من شرنقة ثقافته التقليدية وعقليته الريعية ليغدو، بحق، قطاعا تنمويا لا يقتصر دوره على إثراء الاقتصاد وامتصاص البطالة وتحقيق التراكم المطلوب، وإنما ليتجاوز ذلك إلى مستوى الإسهام الفاعل والمنتظم في كافة المجالات التربوية والثقافية والسياسية والاجتماعية. وذلك بما ينتظر منه من خدمات ومبادرات وأنشطة إشعاعية وحضور ثقافي وفني واجتماعي متميز... ولنا في القطاع الخاص في المجتمعات المتقدمة الكثير من العبر والدروس، التي ينبغي استيعاب مدلولاتها وأبعادها ومضامينها الحضارية.

3-  الهيئات والمنظمات الأهلية غير الحكومية، أي ما يعرف عادة بـ" مؤسسات المجتمع المدني". ذلك أن هذه المنظمات قد أمست في المجتمعات الديمقراطية الحديثة- مجتمعات الحرية والمبادرة والمواطنية واحترام حقوق الإنسان واعتماد العقلنة...الخ- تحتل مكانة محورية ضمن مكونات النسيج المجتمعي العام. بل تقوم بأدوار أساسية ومؤثرة في تفعيل وتدبير الكثير من دواليب ومجالات الشأن العام.

وتأتي أهمية مؤسسات المجتمع المدني من كونها يفترض فيها أن تعبر بعفوية وحرية- دون أن يعني ذلك أي إلعاء لعناصر التنظيم والعقلنة- عن العديد من حاجات واختلافات وقضايا ومشكلات ... المجتمع المعني. كما يفترض فيها أيضا أن تعبر عن علاقة مباشرة حميمية متفاعلة مع أحداث المجتمع ومتغيراته. الأمر الذي ينتظر منه أن يجعلها قادرة على أن تسهم في حل الكثير من المشكلات وتقديم العديد من الخدمات، والقيام بما تتطلبه بعض الظروف من مبادرات وتدخلات، وذلك في إطار استقلالية نسبية هامة - قد تضيق أو تتسع حسب السياقات الاجتماعية المختلفة- بعيدا عن روتين المساطر والحدود والإكرهات الشكلية الرسمية.... التي ما تزال في مجتمعاتنا تشكل إضافة إلى عوامل أخرى متعددة- عائقا يحول دون إسهام مؤسسات المجتمع المدني في التنمية الشاملة.

 إن التحرك التكاملي لهذه الأطراف المذكورة قبلا – وخاصة في إطار مشاريع شراكات أو برامج أو خطط تشاركية مندمجة – هو الكفيل، في تصورنا بالمساهمة في تفعيل النهوض بمستوى المرأة وتحسين أوضاعها التربوية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وإدماجها في مسيرة التنمية الاجتماعية الشاملة. إلا أن ذلك يتطلب، كشرط محوري حاسم، بلورة سياسة تربوية واجتماعية متكاملة الجوانب تستمد مرجعيتها، بل ومصداقيتها وشرعيتها ونجاعتها من فلسفة تربوية واجتماعية معقلنة، قائمة على مشروع مجتمعي وحضاري متكامل الأهداف والمقاصد والقيم والمقومات...معبر عما نسعى إلى تحقيقه من تنمية وحداثة، وما نصبو إلى أن نحتله من موقع كوني، وما نريد- بوعي حضاري مؤصل، أن ننخرط فيه من تحديات ورهانات.