ص1       الفهرس  61-70

الجامعة المغربية وتكوين النخب

                                            المصطفى شادلي

توطئة:

مع بداية الاستقلال، وجد المغرب نفسه أمام مشكل جسيم يتمثل في توفير البنيات والوسائل والأطر اللازمة، وضمان وتيرة من التطور لإقامة مؤسسات الدولة العصرية. وفي هذا السياق، ظهرت الجامعة لتسهم بدورها في تكوين الأطر والنخب، وتضطلع بتنشيط البحث العلمي والثقافة. وما ينبغي تأكيده هو أن هذه الغايات قد تحققت بصفة إجمالية على الرغم من وجود مشاق ومصاعب التأطير، ومن التقلبات التي صاحبت الظرفية الاقتصادية، واستطاعت الجامعة خلال أربعة عقود أن تتطور أفقيا ( بفضل نهج وزارة التعليم العالي لسياسة اللامركزية التي نتج عنها انتشار الجامعات والكليات في ربوع التراب الوطني) وعموديا (دعم البنيات الجامعية الأكاديمية على نحو الكليات أو مدارس المهندسين ببناء أحرام جامعية ذات طبيعة تكنولوجية ومتعددة الاختصاصات).

وعلى الرغم من المجهودات المبذولة، ومن ضخامة الاستثمارات الموظفة، فإن الجامعة - في الوقت الراهن لا تستجيب قطعا لمتطلبات العصر، ولا تتماشى مع ما يعرفه المجتمع من تطورات سوسيو- اقتصادية سريعة. فلقد أضحى انحسار المردودية - بدءا من التعليم الأساسي وانتهاء بالتعليم العالي- يشكل عائقا أمام أي مشروع للتنمية والعصرنة. كما أن الجامعة أصبحت نسقا معقدا يضم مؤسسات متشظية وغير متجانسة ومعاهد عليا موسومة بانتفاء النسقية بين مختلف شعبها وتخصصاتها، وبعقم وصرامة المواد والمناهج المدرسة،  وبعدم تحرر الهيئة المدرسة من عقال الاتباع والمحافظة، وبغياب روح المبادرة، وبتباطؤ الأجهزة الإدارية.

وموازاة مع ما سبق يجدر بنا الإشارة إلى ما اضطلعت به مديرية تكوين الأطر


[1]بمختلف مصالحها وأقسامها من مجهودات جلى لسد الخصاص الذي كان يعاني منه المغرب في ما يخص الأطر المتوسطة، وأحيانا الأطر العليا. وما يمكن أن يعاب على المديرية هو افتقار برامج التكوين للجودة المطلوبة، ومرد ذلك إلى شح الموارد المالية وقلة الأطر المؤهلة (هيئة التأطير والطاقم الإداري).

1-من أجل مقاربة جديدة للتعليم العالي:

يسعى مشروع الإصلاح الجديد للجامعة[2] إلى معالجة الواقع الجامعي المتردي، وذلك بوضع هندسة بيداغوجية عامة، وتسميات لدبلومات وطنية، ودفتر وطني للضوابط البيداغوجية، وملفا وصفيا للوحدات والمسالك. وتتدرج أهداف الإصلاح البيداغوجي، في نظر المشرع، ضمن رؤية توصف بالمستقبلية والمتجددة.وتتوخى هذه الأهداف تحقيق ما يلي:

- تحديث النظام الأكاديمي البيداغوجي

- وضع مسار للتكوين مرن وفعال، يتميز بمكونات أكاديمية أساسية، وأخرى ممهننة. تسمح للطالب نظريا في المستويات الدراسية جميعها بالاندماج في النسيج الاقتصادي والاجتماعي.

- وضع نظام للتوجيه يتسم بالتدرج.

- إقامة نظام للمراقبة المستمرة.

- تعزيز القدرات المنهجية واللغوية والتواصلية للطالب.

-تهييئ الطالب للاندماج في النشاط الاقتصادي والاجتماعي.

- إحداث آليات للتكوين المستمر.

- تلقين القيم الثقافية المغربية والحضارة العربية الإسلامية.

تنطلق أسس النظام البيداغوجي الجديد من نظرية شمولية للتكوين العالي، على نحو يكون فيه منسجما مع مثيله في الدول المتقدمة. وهو يتكون عمليا من مسارات بيداغوجية في شكل فصول تفضي إلى الإجازة ( باكلوريا + ثلاث سنوات) والماستر(باكلوريا+خمس سنوات) والدكتوراه ( باكلوريا+ثماني سنوات).

بالنظر إلى بنية المنظومة البيداغوجية الجديدة، فهي تهم جميع التخصصات لتعزيز القدرات اللغوية والتواصلية والتكنولوجية الحديثة للإعلام والتواصل، وتسمح للطالب، بعد تكوين عام وأساسي، بالتخصص سواء في مسلك ذي صبغة عامة أو في مسلك ذي صبغة ممهننة. وفي هذا الإطار تقام الجسور بين المسالك والتخصصات لتمكين الطالب من إعادة التوجيه في المؤسسة الجامعية نفسها أو الانتقال من جامعة إلى أخرى محتفظا بمكتسباته. ويمكن للطالب أن يعود إلى الجامعة بعد تجربة مهنية إذا توافرت فيه شروط محددة.

ومن هذا المنظور تصبح للجامعة إمكانية إقرار مسالك ودبلومات خاصة بها، تبعا لمعايير معينة ينص عليها الدفتر الوطني للضوابط البيداغوجية. وتصرف هذه المعايير في الملفات الوصفية للوحدات والمسالك لإبراز شروط الولوج وأهداف التكوين أو التخصص ومنافذ التكوين، وتركيب الوحدات البيداغوجية.

إن إعداد الهندسة البيداغوجية تم بوازع التخرج من جميع المستويات بدبلوم وطني للإجازة ( ثلاث سنوات) ودبلوم الدراسات الجامعية العامة ( سنتان) ودبلوم الدراسات الجامعية المهنية (سنتان)؛ وذلك لجلب عدد متزايد ومتنوع من الطلبة، وضمان تكوين عام وتقني متوازن لهم. فالهدف الجوهري المتوخى من هذه الهندسة البيداغوجية هو تمكين الطلبة من تكوين متوسط جيد يؤهلهم لمواصلة دراساتهم الجامعية أو الاندماج مباشرة في الحياة العملية بعد الفراغ من سلك التكوين.

يتكون سلك التكوين المعني من سنتين ذواتا جذع مشترك يهدف إلى إكساب المتعلمين معارف عامة ذات صلة - حسب المهيمنات- بالفن والأدب واللغات والتواصل والتاريخ والرياضيات والمعلوميات والبيئة وبالوسائل السمعية - البصرية. وفي ما يخص المهيمنات فهي مرصودة للمسالك المتوفرة على إحدى المهيمنات التالية:

- الرياضيات والمعلوميات والفيزياء.

- علم الأحياء والكيمياء وعلم الأرض.

- اللغات الحية والآداب

- العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية والقانونية والاقتصادية.

من جهة أخرى ستحفز المواد الاختيارية الطلبة، وتشرع لهم "نوافذ" لمعاينة ما جد في العالم والثقافة واستشراف آفاق تكنولوجية المستقبل.

تقتضي فعالية هذا النوع من التكوين تبيان الوضع الاعتباري للفرق الإدارية والبيداغوجية النشيطة، وتدبير شأن بيداغوجية مرنة ومتجددة، وتوفير موارد تقنية ومادية كافية. وينبغي في البداية إدماج العمليات الاقتصادية سواء أكانت عمومية أم خصوصية في إطار التوجه العام للمسالك، وإعداد المناهج الدراسية والأنشطة التكميلية (زيارة المقاولات، والتمهر في الثقافة المقاولاتية، والقيام بأيام دراسية وثقافية، واستثمار أوقات الفراغ...). وفي هذا المضمار، يتوجب تحسيس وتعبئة المجالس الجماعية والجهوية والغرف المهنية والجمعيات حتى تقدم الدعم اللازم لمشروعات التكوين، وتسهم في إدماج الطلبة مهنيا.

وعليه، فإن الأمر موازاة مع الإصلاح الجامعي الحالي الذي يهم المؤسسات الجامعية التقليدية- يقتضي إنشاء وتعميم مؤسسات المعاهد العليا للتعليم الأساسي والمعاهد العليا للتعليم التقني على جميع جهات المملكة لتستوعب الأغلبية العظمى من الحاصلين على شهادة الباكلوريا. إن ولوج هذه المؤسسات رهين بطاقتها الاستيعابية وبتوجيه المرشحين إلى اختصاصات محددة. ينبغي للمعاهد أن تحافظ على إشعاعها الجامعي، وتحرص كل الحرص على سقف معين من جودة التكوين، وتبحث عن الطرق الفعالة والشروط الضرورية للتشغيل. وتعتمد هذه المعاهد على نظام صارم في اختيار أحسن المرشحين عند اجتياز مبارتي الولوج والتخرج. وما يضمن نجاحها هو عقد اتفاقية شراكة مع الفعاليات المحلية والجهوية المهتمة بالتكوين، والانفتاح على عالم المقاولة والشغل.

2- الجامعة الجديدة:

 موازاة مع المعاهد الآنف ذكرها، ينبغي للجامعة أن تعاود النظر في هيكلتها وطرق اشتغالها، وأن تضع مختلف المسالك والبرامج والمناهج تحت المجهر لمساءلتها والتوقف عند مواطن ضعفها وخللها. كما يتوجب إعادة التفكير في كل ما يتعلق بالتدبير، وبتوظيف المدرسين والإداريين، وبتقنين بنيات التتبع والتقويم. إن الأمر يقتضي أن تقوم فلسفتها بطريقة معقلنة ومدققة على تعدد الوظائف والجودة والصرامة. كما يجب أيضا أن تندمج بفعالية في محيطها الاجتماعي والاقتصادي على نحو يجعلها تستوعب مدخلاته in put في مناهجها التعليمية وتسهم في الاستجابة لمتطلباته وتوقعاته (مخرجاته out put)، كما يؤشر على تغير وظيفتها داخل المجتمع. ينبغي لتوزيع الجامعات على مختلف الجهات أن يخضع للفعالية والملاءمة الاقتصادية. ويجب أخذ بعين الاعتبار معيار الجهة وخصوصيتها الاقتصادية وكذلك خصوصيتها السوسيوثقافية. إن بناء الجامعة في جهة ما يتطلب الاستجابة لتوقعات محددة، ويشخص على المستوى العملي مشروعا تنمويا، ولا ينبغي أن يختزل في تناسل المؤسسات الجامعية التقليدية.وعلى هذا الأساس ستنهض الجامعة بمعالجة القضايا الجهوية، والقيام ببحوث ميدانية وأساسية، وذلك بتعاون مع شركاء من داخل المغرب وخارجه. وحتى تصبح الجامعة معنية باستجلاب المردودية، يجب أن تتحول إلى مقاولة ذات طبيعة سوسيواقتصادية، وتعيد النظر في ملاءمتها، وطبيعة تدبيرها، و الصيرورة "المهنية" لمنتوجها.

إن تحقيق هذه الغاية رهين بتمتع الجامعة باستقلالية مطلقة على الصعيد الإداري والمالي والعلمي والبيداغوجي، بحيث ينبغي أن تصبح فضاء متميزا لتجسيد العقلنة وحسن التدبير، وإثارة نقاشات ثقافية وعلمية، والاستجابة لتوقعات وتنظرات المحيط. فالعصر الذي نعيش فيه يعتبر معبرا للألفية الثالثة، ويتسم بالشمولية والتعقيد، وهذا ما يحض الجامعة على معاودة النظر في إرثها التقليدي المرتكز على ثنائيات متجاوزة:

-علوم/ آداب

-العلوم الصِّرف/ العلوم الإنسانية أو الاجتماعية.

-العلوم/ التكنولوجية.

لقد أصبحت هذه الثنائيات اليوم متجاوزة، نظرا إلى ارتكاز العالم على التفاعلية وتعدد الاختصاصات. فلا يمكن أن نفهمه أو نتحكم فيه إلا في إطار منطق الأنساق الذي يستتبع إعطاء الأهمية لمجموع المعارف المرتبطة بالإنسان والحياة والأرض والمجتمع. لقد أصبح من الضروري الاعتماد على الفلسفة وابستمولوجيا العلوم لإدراك المعارف الجديدة والقديمة. كما أن تشظي المعارف( وهي الطوبى التي تتبناها القرون المنصرمة) أصبح عملة متقادمة، ينطبق لمن يروج لها لما حدث لأهل الكهف بعد يقظتهم من سباتهم العميق الذي دام أكثر من ثلاثة مائة من السنين. فمن اللازم إن لم نقل من المستعجل تلئيم مختلف المواد والاختصاصات وعقد صلات بينها لإضفاء صفة الشمولية على المناهج الدراسية، والاستعداد بما فيه الكفاية لمواجهة رياح العولمة الهوج. وهذا ما يستلزم كذلك التفكير في صيغ لتربية الطلبة على الثقافة المقاولاتية، وتزويدهم ببعض المهارات التقنية الضرورية، وحفزهم على إتقان اللغات الأجنبية حتى يكونوا جيلا من الأطر المؤهلة والباحثين الحاذقين الذين يتميزون بالقدرة على التحاور مع الثقافات والحضارات الأخرى، وتبادل الخبرات مع مختلف المؤسسات الجامعية خارج الوطن.

إن البحث عن وظيفة جديدة للجامعة يستلزم إجمالا أن تكون نخبوية في توظيفها للأطر العلمية والإدارية، وفي انتقائها للطلبة. هذه الحقيقة تستدعيها الفلسفة الجديدة للجامعة التي تتغيا الجودة والعقلانية والعبر- ميدانية[3]  والانفتاح على العالم والمعطيات الثقافية الجديدة. إن النخبة المكونة في  المعاهد الآنف ذكرها وفي مختلف المؤسسات الجامعية ينبغي أن تكون متعددة الوظائف، وتتكيف مع أي محيط أو وضعية. على الجامعة أن تضطلع بمهمة الحفز على البحث العلمي وإبراز الغايات المتوخاة منه. فدورها يكمن أساسا في تقديم أجوبة ملموسة وعملية للمشاكل العامة أو الخاصة، وفي تزويد البلاد والجهة بالأطر المؤهلة والفعالة ذات تكوين جيد. وفي هذا الإطار، أصبحت إعادة بنينة قطاع البحث العلمي والتقني، والمزاوجة بين موارد وطاقات القطاع العمومي والقطاع الخصوصي، وبين ما هو وطني وجهوي وعالمي من الأمور الحيوية لضمان تطور مستديم ومتين للوطن بأسره.

3- الجامعة والبحث العلمي:

تعتبر معضلة البحث العلمي[4] معضلة عويصة تعترض سبيل جميع البلدان وبخاصة بلدان الجنوب في اختيار نماذج ومقاربات للتنمية. فالبحث العلمي الذي تضطلع به الجامعة وحدها أو بتعاون مع مؤسسات أخرى، سواء أكانت خاصة أم عمومية، مغربية أم أجنبية لا يعد ترفا أو غاية في حد ذاتها. فالغاية المتوخاة من إنشاء بنيات ملائمة على نحو المجلس الأعلى للبحث العلمي أو المؤسسة الوطنية للبحث العلمي والتكنولوجي، هي تنسيق الجهود العلمية، وجعل الموارد والطاقات العلمية والتقنية في خدمة الوطن والجهة. ففيما لاشك فيه أن إعادة بنينة قطاع البحث العلمي بالمغرب، وتطور البحث الأساسي أو البحث التطبيقي يمكن أن يساعدا على معالجة كثير من القضايا على نحو:

- قلة الموارد المائية وتحسين طرائق تدبيرها.

- السقي والأساليب الجديدة للزراعة والحرث.

- الجفاف.

- التعرية والتصحر.

- انحسار المناطق الخضراء والغابات.

- نفاذ الثروة السمكية.

- البحث الزراعي.

- البحث عن مصادر جديدة للطاقة.

- التلوث والبحث عن التوازن البيئي.

- الأمراض المعدية والمستفحلة.

- مشاكل التعمير.

- إعادة هيكلة العالم القروي.

- تفاقم ظاهرة الأمية وانحسار دور المدرسة.

- إعادة إدماج الشباب "المنحرف" والمشرد.

- التواصل والثورة الإعلامية.

- موقع المقاولة الخاصة داخل مد العولمة.

- نماذج التصنيع ومستتبعاته.

- معضلة التشغيل البنيوية.

- التنمية والعقليات.

لا تحصى المواضيع والإشكالات المعقدة، لكن بما أن الجامعة تعد فضاء للتفكير والتحليل والتجريب، فبإمكانها أن تسهم في معالجة مثل هذه الإشكالات وتقدم الحلول الممكنة لها، ولا يتأتى لها ذلك إلا إذا تفهم أصحاب القرار السياسي دورها الجديد ومنحوها ثقتهم. وفي هذه الحال، سيتم تجنيب البلاد استيراد "النماذج" الجاهزة والحلول المحتملة، لأنها ليست مفصلة على قِيس وحجم مشاكلنا ومتطلباتنا وخصوصياتنا. فالأمر يقتضي معاودة النظر فيها، ومساءلتها،  وتكييفها مع العقلية والمقام المغربيين. فالمشكل ليس تقنيا كما يتبادر إلى الذهن، بل هو ذو طابع ثقافي. من ثمة تبدو أهمية تشغيل الفرق البين - ميدانية للانكباب على ملف من الملفات الملحة بدءا من بناء سد إلى تشييد مركز نووي. ومثل هذه الأعمال ليست حكرا على فرق معينة بحكم تخصصها، بل تستدعي الاستعانة بخبرة المختص في الجغرافية واللسانيات والأنتربولوجية والقانون والمنازعات. إن التعاون البين- ميداني يقتضي من الجامعة إن هي أرادت أن تتحلى بالتصور الشمولي والنسقي أن تحدث قطيعة مع امبرالية التخصصات والتقسيمات الدوغمائية التي تزعم وجود فواصل وحدود بين العلوم ( العلوم الطبيعة/ العلوم الإنسانية)، وبين التكنولوجية والفنون.

في هذا المضمار، يصبح الاستثمار في قطاع البحث العلمي والتقني من الأمور المستعجلة، لأنه يشكل بالإضافة إلى تربية وتكوين الأطر أحد الأعمدة الضرورية لأي سياسة تنموية مندمجة. ويفضي حسن تدبيره إلى الاندماج في النسيج الاقتصادي العالمي. يمكن للجامعة أن تضطلع بمهمة قاطرة التنمية شريطة أن تخضع تصوراتها وفلسفتها ومناهجها وطرق اشتغالها وممارساتها الدوغمائية والاتباعية إلى إصلاح جذري. فالوقت لا يرحم، لذا ينبغي إنقاذها من عزلتها وشرنقتها لتسهم في تنمية البلاد وتقدمها، وتكون في مستوى المواعيد الحضارية والتاريخية القادمة، ولتنقض الدور الذي تتحمله الآن كما لو كانت "قلعة" منغلقة على نفسها لا تعير أية أهمية لما يحدث حولها.

4- على سبيل التركيب:

لتضطلع الجامعة بتكوين النخب على الوجه الأحسن، فإن الأمر يقتضي منها أن ترتدي "حلة جديدة"، وتسن تشريعات تطبيقية جديدة، وتعد هيكلة مغايرة لما هي عليه الآن، وتعيد النظر في صيغ التوظيف والانتقاء والعمل، وتحدد مهمتها ودورها. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي لها أن تعيد صياغة توجهاتها وغاياتها حتى تصبح مرتبطة بالواقع المعيش ومستجيبة لتحديات العولمة والشمولية. بالجملة، يتطلب منها الواقع الجديد أن تتحول إلى "مقاولة معرفية" منفتحة على عالم العلم والتكنولوجية والمشاريع. وهذا يحتاج إلى تعبئة نخبة من الأساتذة والباحثين، وتكوين صفوة من الطلبة، وتمويل أفضل المشاريع والبحوث التنموية، وسن مساطر انتخاب العمداء والمدراء ورؤساء الجامعات.

وفي هذا الإطار لا يمكن للجامعة إلا أن تكون نخبوية محكومة بمبادئ الجودة والعقلنة والبين- ميدانية والانفتاح على المحيط. وهي مجبرة على إيجاد حلول ملموسة لمشاكل ملموسة على نحو تفاقم ظاهرة الأمية بين السكان، والفشل المدرسي، وعدم تلاؤم التكوين مع متطلبات عالم الشغل، وعطالة الشباب، والفتور الاجتماعي، وتقادم الأجهزة الإدارية.

لقد تأجج زند المنافسة في خضم معركة التجديد، والتحكم في العلوم والتكنولوجية، والمراهنة على الفعالية والإتقان. وهذا ما يرغم الجامعة على كسب رهاناتها خاصة إذا كان المناخ ملائما: مرونة الترسانة القانونية، والخصخصة الجزئية على الأقل لنظام التعليم العالي، وتمتيع الجامعات العمومية أو شبه- العمومية باستقلالية مطلقة،  وترتيب الجامعات، وإقامة بنيات مسعفة على المنافسة والتباري، والحفز على البحث، وتطوير الإبداعية.

مما تقدم يتضح أن الجامعة يجب أن تكون حافزا أساسيا على البحث الأساسي والتطبيقي الذي يشترط فيه أن يكون على صلة بعالم المقاولة، وراصدا للتحولات السوسيو- ثقافية، ومستجيبا لتوقعات المجتمع في ما يخص التشغيل، والتكوين، وإعادة التكوين، والتثقيف.

 



[1] - أنظر إلى مشروع إصلاح التعليم العالي والبحث العلمي، الرباط، 1996.

[2] -مقتضيات تشريعية وتنظيمية تخص التعليم العالي، منشورات داخلية لوزارة التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، الرباط، 2002.

[3] - أنظر إلى Le Monde de l’Education، أكتوبر 19997.

[4] - لم تم الاستغناء عن الوزارة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي المكلفة بالبحث العلمي في التعديل الجكومي الأخير سنة  2003؛  وذلك رغم أهميتها في تعزيز دور قاطرة التعليم العالي وهيكلةالجامعة المغربية والبحث العلمي.