ص1       الفهرس  61-70

 

انفتاح النص وحدود التأويل

-امبرتو إيكو نموذجا-

عبد العزيز السراج

تقـديـم :

لعل موضوع القراءة وإشكال العلاقة بينها وبين النص الأدبي، من المواضيع الأكثر حداثة والأكثر تعقدا في ميدان البحث الأدبي الحالي، وهي على كل حال ضرورة تحقيقية وإنتاجية، تنهض على"مجموعة من الآليات والانشغالات النفسية والثقافية والاجتماعية والجمالية وغيرها. ولذلك نظر إليها وإلى حركيتها من زوايا مختلفة." [1] لايسعنا-بالتأكيد– في هذه الدراسة رصد كل هذه الانشغالات وكل هذه الزوايا المتسمة بالغنى إن على مستوى الجهاز المفهومي أو التحليل الأدبي.

لذلك، ينحصر طموحنا في تحديد فعل القراءة في أبعاده الإجرائية بالخصوص، أي تحديد بعض أنماط القراءة وطرائق ممارستها، من منظور إيكو طبعا، الذي يشكل محور ومدار اهتمامنا. وبالتالي، فما يهمنا في هذا العرض هو التركيز على الجوانب المتصلة اتصالا وثيقا بنظريته (إيكو) عن فعل "القراءة" وعلاقة ذلك بالنص والتأويل.

من هذا المنطلق بالذات قمين بنا أن نشير إلى أن القراءة التي نتحدث عنها هنا، هي تلك القراءة التي تعي منذ اللحظة الأولى كونها تأويلا على اعتبار أن هذا الأخير (أي التأويل) لحظة ما في استراتيجية التلقي.

قصدنا إذن، أن نبين كيف ينشأ النص وهو يقدم نفسه للتأويل ونتعدى بعد ذلك إلى دراسة عملية التأويل ونتائجها بالنسبة إلى النص. وبعبارة أدق، إن ما نحاول رصده يتعلق بإشكاليات من نوع:

1) إشكالية المعنى الأحادي في مقابل المعنى المتعدد، وحدود التأويل التي يفرضها المنطق الداخلي للنص.

2) إشكالية القراءة والتأويل.

لقد اتجه أومبرتو إيكو في السنوات الأخيرة، نحو إعادة صياغة مجموعة من الإشكاليات الخاصة بقضايا تأويل النص الأدبي وآلية القراءة ودور القـارئ[2]. وقد قدم في هذا الشأن "مجموعة من الدراسات المتميزة كان آخرها كتابه "التأويل والتأويل المضاعف" 1996، دعامته في ذلك وزاده، المعرفة الجديدة التي جاءت بها السيميائيات وأشاعتها من خلال نماذجها الراقية.

والذين صحبوا هذا الباحث في رحلته الفكرية الخصبة يدركون جيدا أن هذه الصياغة تعود في أصولها الأولى والأساسية إلى التراث الذي خلفه السيميائي الأمريكي تشارل سندرس بورس وخاصة ما يتعلق منه بسيرورة إنتاج الدلالة واشتغال العلامات.

فـ"المتناهي" و"اللامتناهي" و"النمو اللولبي للعلامة" و"حركية الفعل التدليلي" و"السميوزيس"، كلها مفاهيم تقودنا إلى وضع أسئلة تخص حجم التأويل وكثافته وأبعاده وأشكاله"[3]

فبعد التجربة الروائية التي تمثلت في روايتين ذاع صيتهما في كل أرجاء العالـم "اسم الوردة" « Le nom de la rose »  (1980) و"بندول فوكو" Le pendule de foucault  (1988)، عاد إيكو إلى التنظير في مسألة النص وتفاعلاته مع القارئ من خلال كتابه "حدود التأويل" (1990).

ويشتمل الكتاب على جملة من الدراسات المتعلقة خصوصا بالسيميائيات والتأويل وآلياته وشروطه، وهناك بعض الصفحات خصصها إيكو للحديث عن شخصه كمؤلف لروايتين كانتا، أحيانا في نظره (إيكو)، موضع تأويل "غير صحيح"، حيث يتعرض إيكو مثلا إلى بعض التأويلات أو المقارنات بخصوص روايتيه وكتب أخرى أو روايات أخرى مستنتجا أن التأويل لا ينبغي أن يقتصر على الملاحظة أو على إيجاد أوجه شبه ربما هي من قبيل الصدفة فحسب، بل ينبغي أن تكون عملية التأويل قراءة تستعمل جملة المعارف التي هي بحوزة القارئ في علاقة متماسكة مع النص.

وعلى هذا الأساس فإن القراءة في نظره (إيكو) تدخل حثيث يعمل على تنشيط النص الذي هو، آلة كسولة « Une machine paresseuse » تحتاج إلى قارئ نموذجي « Un lecteur modèle » يفعل في "التوليد مثلما فعل الكاتب في البناء والتكوين، ويكون قادرا على تحيين « Actualisation » النص بالطريقة التي كان يفكر بها الكاتب"[4]، ولتحديد أوليات القراءة النشيطة "المنشطة" فهو (إيكو) يطرح ثلاث مقولات هي: الموسوعة « L'encyclopédie »، الطوبيك « Le topic »، و"العالم الممكن" « le monde possible » .

1- الموسوعة: وهي الرصيد اللغوي والثقافي الضارب في السياق الاجتماعي، الذي يصطلح عليه إيزر Izer بالذخيرة أو السجل le répertoire الذي "يفترضه النص ويستحضره القارئ كي يستطيع المواجهة بين التمظهر الخطي لذلك النص وبين بنياته اللسانية، وبدون كفاءة "موسوعية" لايمكن التعاون مع النص أو مساعدته على إنجاز مبتغياته ولا يمكن للقارئ أن يكون هو ذلك المشارك Coopérant الفعال الذي يملأ الفراغات ويحمل التناقضات ويستخلص المقولات[5]. وبما أن النص بناء معقد على مستويات عديدة تركيبيا ودلاليا وتداوليا، فإن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق يتعلق "بتعيين عن أية "عقدة" يحصل انتظار أو تنبيه اشتراك القارئ النموذجي (...) على اعتبار أنه ليست كل النصوص تقدم لنا في تجليها الخطي مضمونا يمكن أن يطابق تعبيراتها(...) فلترهين البنيات الخطابية على القارئ أن يقوم بربط التجلي (التعبير) لنظام القواعد التي يقدمها اللسان والتي من خلالها كتب النص ومن خلال القدرة الموسوعة التي يحيل عليها هذا اللسان"[6].

فعندما يتم إنتاج نص ما لا لكي يقرأه قارئ بعينه، بل لكي يتداوله مجموعة كبيرة من القراء، فإن المؤلف يدرك أن هذا النص لن يؤول وفق رغباته هو، بل وفق استراتيجية معقدة من التفاعلات التي تستوعب داخلها القراء بمؤهلاتهم اللسانية باعتبارها موروثا اجتماعيا.

"إن الإرث الاجتماعي لا يحيل، في تصور إيكو، على لغة بعينها باعتبارها نسقا من القواعد فقط، بل يتسع هذا المفهوم ليشمل الموسوعة العامة التي أنتجها الاستعمال الخاص لهذه اللغة، أي المواصفات الثقافية التي أنتجتها اللغة، وكذا تاريخ التأويلات السابقة الخاصة بمجموعة من النصوص، بما في ذلك هذا النص الذي بين يدي القارئ.

إن فعل القراءة يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مجموعة هذه العناصر حتى إن استحال على قارئ واحد أن يستوعبها كلها. وعلى هذا الأساس، فإن أي فعل للقراءة هو تفاعل مركب بين أهلية القارئ (معرفة الكون الذي يتحرك داخله القارئ) وبين الأهلية التي يستدعيها النص لكي يقرأ قراءة اقتصادية"[7].

وذلك ما يحدد طبيعة القراءة ودورها في تحيين المضمن والكامن والغامض والمسكوت عنه. على اعتبار أن النص يقوم على جانبين اثنين: جانب المنطوق، وهو الذي يشغل سطحه وظاهره، وجانب المسكوت عنه، وهو الذي يستدعي القدرة "التناصية" للقارئ كي يتم تحيينه أثناء القراءة.

بهذا المعنى، تكون القراءة مكونا داخليا للنص فكما أن المنطوق يستند (يفترض) إلى مسكوت عنه يمنحه معناه، كذلك يستند النص إلى القراءة كي يكتمل معناه ويتحقق.

وتبدو الفراغات والبياضات المتخللة للنص شيئا لازما لـه لسببين: اقتصادي وجمالي.

يظهر إذن، أن النص يحتاج كثيرا إلى مساعدة القارئ، إلى تدخله النشيط حتى يتمكن من ملء فراغاته والخروج عن صمته وتحقيق جماليته.  

2- الطوبيك : (أو الموقع المفترض)[8].

الطوبيك هو فرضية للقراءة، إنه ترسيمة عامة يستعين بها القارئ للولوج إلى عالم النص. ويحدده إيكو بالعبارات التالية: "إن الطوبيك أداة سابقة على النص، أو هو ترسيمة من عند القارئ"، ويمكن القول، إن الطوبيك "نقطة إرساء بدئية داخل مسار تأويلي، فكل قراءة تنطلق من تصور أولي – بشكل حدسي في غالب الأحيان– للمعنى من أجل تحيين مجموع الإمكانات الدلالية أو البعض منها، ويمكن موقع الطوبيك من هذا التحيين أساسا في محاولة محاصرة شظايا المعنى المتولدة عن الانفجارات الأولى فهو يستخدم من أجل ضبط السيميوزيس من خلال تقليصها، ومن أجل توجيه التحيينات"[9]. ولذلك، فالطوبيك أداة تداولية تصلح للتحكم في السميوزيس[10] واختزالها، كما تصلح لإرشاد التحيينات وقيادة التفعيل.

من هذا المنطلق بالذات، ووفق غايات تأويلية محضة، أدخل إيكو إلى التداول النقدي مفهوم الطوبيك "لينتشل التلقي من وهم التعدد التأويلي المطلق، ومن الفهم الأحادي للنص في الآن نفسه. وللإشارة فهذا المفهوم ليس مرتبطا بالمادة المضمونية ولا محكوما بطبيعتها، بل هو ترهين في وجوده واشتغاله بالذات التي توجد في تماس مع هذه المادة. وهو من هذه الزاوية، يعد تصورا أوليا و"حدسيا" للمعنى. إنه يمثل عند القارئ الأشكال الأولى لمقاربة المعنى وفق خطاطة يتبناها هذا القارئ ويباشر وفقها عمليات التأويل اللاحقة"[11].

بهذا المعنى يغدو الطوبيك، كما يوضح إيكو، "فرضية مرتبطة بالقارئ الذي يقوم بصياغتها بطريقة بسيطة على شكل أسئلة من نوع ربما يتعلق الأمر بالقضية الفلانية". ويعد من هذه الزاوية أداة سابقة على النص. ولا يقوم النص إلا بافتراضها إما ضمنيا وإما بالإشارة إليها صراحة من خلال مؤشرات مثل العنوان أو العناوين الفرعية أو من خلال الكلمات-المفاتيح. وإلى هذه الفرضية يستند القارئ في تفضيله لبعض الخصائص الدلالية للوحدات المعجمية التي يتألف منها النص واستبعاده لأخرى بغية الوصول إلى الانسجام التأويلي الذي يطلق عليه التناظر Isotopie"[12]. وفي هذا الإطار تكون العودة إلى تحديد المعجم ضرورية ومناسبة للإمساك بالدلالات الضرورية، من خلال وضع اعتبارات أخرى ذات صلة بالاختيارات السياقية والمحيطة بالنص والنواحي البلاغية والأسلوبية.

كل ما سبق يقودنا إلى القول إن التوسط الذاتي الذي يشير إليه مفهوم الطوبيك يفترض "القيام بفصل بين المضامين التي يحتضنها النص وبين العمليات الذهنية المرافقة لأي نشاط تأويلي. فما بين الذات القارئة التي تقوم بالتجسيد (بمفهوم جماليات التلقي) أي تحيين مجمل معطيات الموسوعة الثقافية وفق حاجات يفترضها النص لكي يسلم مفاتيح قراءاته، وبين المعرفة التي قد نحصل عليها من خلال فعل التأويل، يتسرب "الانتقاء السياقي" كحد فاصل بين التأويل الذي لا تحكمه ضفافا ولا حدودا، وبين مفهوم المسير التأويلي Le parcours inteprétatif "[13]. ولهذا السبب جعل إيكو من مفهوم الطوبيك الأداة المركزية للتحكم في دهاليز السميوزيس، فهو "يقوم بتقليم حجمها وتكثيفها، كما يقوم أيضا بتحديد أوجه التحيين داخلها"[14]، أي تحديد مجمل الممكنات التأويلية القابلة للتجسيد من خلال القراءات المتنوعة.

وعليه، "فالطوبيك هو الفرضية أو الفرضيات الأولى التي يكونها القارئ عن المعنى. على اعتبار أن كل قراءة، من منظور إيكو، يحكمها من جهة تصور مسبق يحدد التحيينات المقبلة، وتحكمها من جهة ثانية، غاية تأويلية تهدف إلى الوصول إلى نقطة دلالية بعينها ضمن سيرورة تأويلية محددة بسياق خاص"[15].

3- العالم الممكن:        

إن مفهوم العالم الممكن كما يشرح لنا ذلك إيكو في كتابه (القارئ في الحكاية)، "ضروري للحديث عن تخمينات القارئ وتوقعاته."[16].

فحينما يزاول القارئ وظيفته الحدسية فهو "يبني سلسلة من المرجعيات الممكنة التي قد تتطابق مع إمكانيات النص، بمعنى أنه يتخيل عالما افتراضيا يمكن أن يستوعبه النص، هو العالم الممكن الذي هو محصلة الاستنباطات التي تسمح بها تجليات النص. وحسب شبكة العلاقات العاملية فإن "العوالم الممكنة" تتراوح بين ما يتخيله القارئ بحسب ما يجده في النص وفق مساره الخطي، وما تمثله الكائنات والأشياء التي تؤثته والتي تبدو محكومة بنفس النظام ومورطة فيه"[17]. وعليه، فمفهوم "العالم الممكن" يشتغل باعتباره آلية من آليات القارئ على ثلاث مستويات :

1- بما هو أداة ضرورية للقارئ الكفء.

2- باعتباره مسجلا في النص.

3- بتوجيه السلوك المقترح Propositionnel لكائنات النص ومكوناته.

وبتفصيل ذلك، فالقارئ المشارك وهو يقرأ يكون من المفروض عليه أن يبني مجموعة من العوالم الممكنة (...) وذلك في علاقة مع الممكنات الحكائية التي يظهرها النص باعتباره مجرى خطيا."[18].

 وبتشغيل القارئ المشارك لهذه المقولات الثلاث يستطيع أن يحول النص من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، أي من الكمون إلى التحقق ويفجر إمكانياته.

ملاحظات ختامية:

أخيرا وكخلاصة لكل ما سبق، ينظر إيكو إلى العمل الأدبي كونه ليس تعليقا مباشرا على الممارسة اللغوية، بل هو أداة تحفز تفسيرا للعالم، وأننا نكتب لنستثير استجابة ما. وفي هذا الإطار يوافق إيكو الناقد تودوروف في قوله "النص نزهة يقوم فيها المؤلف بوضع الكلمات ليأتي القراء بالمعنى"[19].

مؤكدا "أن القارئ الحقيقي هو القارئ الذي يفهم أن سر النص هو فراغه"[20]. فالنص كما نرى يتعدى قصد صاحبه أي أنه عند كل قراءة يخرج من العالم الممكن الذي تصوره المؤلف ليصنع عالما ممكنا آخر، وكل قراءة جديدة هي ولادة لعالم ممكن جديد في تغير متواصل لانهائي. وكل هذه العوامل تنشأ من العلاقة التي تربط عالم النص بعالم القارئ الواقعي.

فالقارئ النموذجي هو القارئ الذي توافق كفاءته الموسوعية نوع الكفاءة التي يتطلبها النص كي يقرأ بطريقة "اقتصادية".

هذه الملاحظات التي جاءت بعد ظهور روايتي "اسم الوردة" (1980) و"بندول فوكو" (1988) وبعد الوقوف على نتائج قراءات متعددة تؤكد توجه إيكو نحو الحد من "انزلاق" المعنى أو على الأقل نحو ترشيد هذا الانزلاق.

فبينما يعترف إيكو أن السلوك الشكوكي ليس مرضيا، بل هو ضروري لكي تنطلق الدوافع للتعرف على العلامات، فهو يبدي تحفظا إزاء سلوك الهرمسيين Hermetisme[21]. في "قبولهم السهل لكل معايير التشابه حتى وإن كانت متناقضة". فالنص "المفتوح[22]"، كما يوضح إيكو، هو مع  ذلك نص، والنص بإمكانه إثارة قراءات لامتناهية ولكن دون السماح بقراءات لا أساس لها. ليس بالإمكان الحكم على قراءة بأنها أفضل تأويل لنص ما، ولكن من الممكن اعتبار جملة من التأويلات على أنها خاطئة. هذه الاعتبارات تحد من حرية القارئ المطلقة، مقيدة قصد القارئ بقصد النص، بينما قصد الكاتب يبقى هدفا خياليا يصعب التعرف عليه نهائيا وبصفة مطلقة. فالتأويل هو حوار جدلي بين القارئ والنص وتأرجح متواصل بين قصد القارئ وقصد النص. وبتعبير آخر، إذا كان مفهوم "الاستعمال"، كما يرى إيكو، يعني التعامل مع النص بعنف وذلك كأن نقرأ مثلا رواية "المحاكمة" لفرانز كافكا باعتبارها رواية بوليسية، فعلى العكس من ذلك فهو (إيكو) يعني بـ"التأويل"، "التحيين الدلالي لكل ما يريد النص قوله، باعتباره استراتيجية، من خلال اشتراك قارئه النموذجي"[23].

يستنتج إيكو تبعا لذلك أن كلا من الكاتب والقارئ استراتيجيتان نصيتان من خلالهما يتحقق ما يسميه بـ "الاشتراك النصي".

ويخلص إلى أن الكاتب كفرضية تأويلية يرسم صورة عن القارئ النموذج، وهذا الأخير بدوره، عليه أن يضع فرضية عن الكاتب. إذ القارئ المستبصر لا يقرأ كما يريد هو، ولكنه يقرأ كما يريد له النص أن يقرأه، يقول إيكو: "أنا بحاجة إلى قارئ يكون قد مر بنفس التجارب التي مررت بها في القراءة أو تقريبا"[24].

وهذا ما يدعو إلى التساؤل عما إذا كان القارئ النموذجي في إطار السيرورة التأويلية، كما يقترح إيكو، مجرد قناع للكاتب نفسه؟ ثم أي قيمة نعطيها للفظة "تقريبا"؟ وهل أنا كقارئ أقرأ بنفس الطريقة التي يقرأ بها إيكو؟ إنها أسئلة مطروحة على نظرية إيكو في التلقي.

 



[1] - محمد خرمااش: فعل القراءة وإشكالية التلقي، مجلة علامات، ع. 100، س. 1998، ص. 53.

[2] - في كتاب "العمل المفتوح" L’oeuvre ouverte ، 1962 دافعت عن الدور الفعال للمؤول في عملية قراءة النصوص ذات الصبغة الجمالية ولم ير القراء في هذا الكتاب سوى جانب "الانفتاح" متناسين أن القراءة المفتوحة التي دافعت عنها هي نشاط نابع من أثر فني (عمل يهدف إلى إثارة تأويل). وبعبارة أخرى لقد درست في هذا الكتاب الجدلية القائمة بين حقوق النص وبين حقوق المؤولين. ولدي الآن إحساس أن حقوق المؤولين فاقت في السنين الأخيرة كل الحقوق. أما في كتبي الأخيرة (القارئ في الحكاية) (1985)، و(حدود التأويل) (1990)، و(التأويل والتأويل المضاعف) (1996)، فقد استندت فيها إلى السميوزيس اللامتناهية. وقد حاولت في المؤتمر الذي عقد في هارفارد في سبتمبر 1989 حول بورس، أن أبرهن على أن مقولة السميوزيس اللامتناهية يجب ألا تقودنا إلى القول بغياب قاعدة للتأويل. إيكو. التأويل بين السيميائيات والتفكيك. ترجمة وتقديم سعيد بنكراد. المركز الثقافي العربي، س. 2000. ط I. ص. 21-22.

[3] - أمبرتو ايكو: التأويل بين السيميائيات والتفكيكية، ترجمة وتقديم : سعيد بنكراد. المركز الثقافي العربي. ط I، س. 2000، ص.9.

 

[4] - محمد خرماش، نفسه: ص 54.

[5] - محمد خرماش، نفسه، ص 54.

[6] - سعيد يقطين: جمالية التلقي عند إيكو: عرض لكتاب (القارئ في النص)، مجلة آفاق عدد 6، سنة 1986، ص 47.

[7] - أمبرتو ايكو: التأويل بين السيميائيات والتفكيكية، ترجمة وتقديم : سعيد بنكراد. المركز الثقافي العربي. ط I، س. 2000، ص.86.

[8] - ملحوظة: الطوبيك: وقد استعاره إيكو من اللسانيات، ويمثل أداة ميتا-نصية أو فرضية تعاونية ينشئها القارئ ليتمكن من تحيين النص وفق إرغامته الخطية. وللإشارة يفضل إيكو الطوبيك على مصطلح "ثيمة" أو "التناظر"  لأنه يرى في الطوبيك ظاهرة تداولية لها علاقة مباشرة بالفعل الذي ينجز القراءة، في حين ان "الثيمة" أو "التناظر" يشكلان مظهرين دلاليين فقط.

[9] - سعيد بنكراد: النص السردي نحو سيميائيات للإيديولوجيا، دار الامان، ط.1، س. 1996، ص103

[10] -: تتحدد السميوزيس Simiosis كسيرورة تجمع بين ماثول وموضوع ومؤول، إنها مسـار إنتاج دلالة ما عند بورس Peirce، إنها المعادل لما يسميه يالمسليف "الوظيفة السيميائية" La fonction sémiotique القائمة على علاقة تعبير Expression بمضمون Contenu. فبما أن الدلالة ليست معطى جاهزا، فإن أي إمساك يكون دلالي ما لابد وأن يمر عبر الكشف عن السيرورة المولدة للإنسان الدلالي المتنوعة. وفي هذا الإطار يقترح بورس مفهوم السميوزيسي ليعين من خلالها حركة دائمة في الإحالات وفي توليد الأنساق الدلالية المتنوعة ويعتبر  بورس هذه الحركة حركة لامتناهية. أنظر  سعيد بنكراد. النص السردي نحو سيميائيات للإيديولوجيا، دار الامان، ط.1، ص996. ص. 102.

[11] - سعيد بنكراد: السميوزيس والقراءة والتأويل، علامات، ع. 10/1988، ص 49-50.

[12] - نفسه، ص 50.

[13] - نفسه، ص 50.

[14] - Umberto Eco : Lector in Fabula, éd. Grasset, 1985, p. 115

[15] - سعيد بنكراد: السميوزيس والقراءة والتأويل، علامات، ع. 10/1988، ص 43.

[16] - Umberto Eco : Lector in Fabula, éd. Grasset, 1985, p160

[17] - محمد خرماش، مرجع سابق، ص 55.

[18] - Schuerewegen (F) : Théories de la réception (in) méthodes du texte introduction aux études littéraires. Ouvrage dirigé par Maurice delacroix et Fernand Hallyn, éd. Duculot, 1987, p. 335.

[19] - Todorov (T) : Viaggio nella critica  amacricana lettera ;4 ,1987 page 12.

(نقلا) عن سعيد بنكراد: إيكو:التأويل بين السيميائيات والتفكيكية، ص 22، مرجع سابق

[20] - إيكو : جدلية النص وجدلية تأويله، ترجمة سامي محمد، جريدة القادسية، في 06-10-1988، نقلا عن حسب الله يحيى، إيكو: من الدرس السميولوجي إلى اسم الوردة، مجلة البحرين الثقافية، المجلد 8، ع. 27، س. 2001، ص 98.

[21] - الهرمسية: نسبة إلى هرمس Hermes وهو إله إغريقي متعدد الوظائف والمجالات والاختصاصات، ويرمز إلى المعرفة الكلية والتأويل الشامل، وبالإضافة إلى ذلك فهو إله الفصاحة ورمز للتعدد التأويلي والمعرفة الآتية من كل أصقاع الكون.

ومن هذه الزاوية، فإن نسبة السميوزيس والتأويل عامة إلى هرمس، وكذا نحت الصفة (هرمسية) يعود إلى هذه القدرة في اتخطي كل الحدود والإتيان بكل التأويلات. انظر سعيد بنكراد، التأويل بين بورس ودريدا علامات، ع.11، س. 1999.، ص 21.

[22] - Umberto Eco : Les limites de l’interprétation, éd. Grasset, 1990, p. 110

[23] - Umberto Eco : Lector in Fabula, éd. Grasset, 1985, p. 237

[24] - Ibid, p.11.