ص1

 

المـــــزواة

محمد كويندي

حلت مثل غسق صيفيّ بطيء, من وراء نظارتيها تبرق عينان سوداوان واسعتان جامدتان, كأنهما لسمكة ميتة غار عنهما ماء البحر. في الوقت الذي كنت أصغي فيه إلى الرجل الجالس إزائي, وهو يهاتف صديقه:"اِلْحَق بي، إنني بالمقصورة ما قبل الأخيرة"، في حركة بطيئة و خجولة حشرت ساقها بين رجلي الممدودتين قبالتي. كانت تجلس . لأن جار سفرنا كان يحجز المقعد الرابع لصديقه, الذي تمنيت في قرارة نفسي ألا يلتحق به, لا لشيء إلا أن يبقى وضعنا ثلاثيا يشكل خطوط التلاقي كمثلث, أو زاوية للتعاطف,الذي صنعته اللحظة: امرأة عيناء, ورجل يترقب أنيسه, و أنا..أنا.. المحموم بحرارة...

 لك أن تدرك حرارة جسدها المحموم المشتعل بجذوة الأنوثة المتقدة. ها هي تسري, وتلهب ذ كرياتي.. كلما مدت جيد ها الطويل يبرز الصدر و يظهر الثدي ذو البرعم المحمر، مسحت عينيها الباسمتين لتسكب مزيدا من الوقت, حتى تأكل عيناي هذه الفاكهة الناضجة في تلذ ذ و تأن.. تحس ذلك فتتورد خدّاها خجلا.. ها أنت أمام ‹الفتنة: جسد. بياض. خريطة. إغواء. تهفو للملامسة. تقدم وأيقظها›, أيها المح....م...و....م. بحرارة الجسد.

انسكاب التدفق المرح للجسد الفاتن فوق مقعد المقصورة, يطغي على موسيقى الهاتف النقال((فاتت جنبنا)) لكن الخطوط التفاعلية تبقى إياها مهما ألح الهاتف من الطرف الأخر.. وكأنه بهذا الإلحاح يود تدمير ما كونته مخيلتي من الخطوط أو الأبعاد التفاعلية كخلفية صامتة لا تظهر جوهر العلاقات بيننا فحسب, بل استعملها عن قصد وتصميم لأحدث العلاقة التي أرغب فيها حتى أجعلها ألفة مع من أحب – طبعا-وكذلك الزاوية المرغوب فيها عند الانصراف, كأني بها تقرأ أفكاري. ولإحباط كل هذا التخطيط جعلت فتحتي فستانها تكشف عن فخد مكتنز, يشع بياضا كـأنه فلقة بدر تنأى بنفسها بعيدا عن غيوم سوداء, هو سلاح لإرباك مخططي, فهي تنسى الآن, أنها في وضع تفاوضي معي وجها لوجه, نشكل ضلعا قائما, ووضع مجالسنا الضلع المنبسط, وعليه يكون رسمنا زاوية قائمة . حتى وضع جلستها يحاكي هذه الزاوية, كأنها تود استقبالي بالقدمين بدل اليدين ربما …

ما كنت أخشاه حقا التحاق صديق مجالسنا .. منذ صعوده بالمحطة (.....) و هو يشغل مقعدين لوحده واضعا رجليه أماما فوق المقعد الشاغر.

أحيانا ما أصل إلى إقناع نفسي بأن البلاهة تسمى(زاوية قائمة) وإن أصر الرياضيون الأوائل بأنها(قناع), و أحيانا أخرى أنساق مع الفلكيين الذين ينعتونها ببرج السنبلة حيث الشهوة على أتمها في الغسق الذي يستطيع فيه الذكر أن يأكل الأنثى.. أحمر وجه المرأة وأشاحت بوجهها في اضطراب, كأنما آترث أن تهرب من هذا المأزق الحرج. في خفة أخفت برعم ثديها, و حدجتني بعينيها, وكدت أبوح لها بأن لذة الجسد هي أصل كل سعادة وتفكير حكيم, وان أفكاري كلها قد جدلها خيط واحد ألا وهو الجسد.

أطل بكابه الطويل, ثقب تذاكر سفرنا الثلاث, مخلفا وراءه صرير باب المقصورة, كأنه بهذا أفسد اللعبة, وأشعرنا بإيقاع القطار المتباطئ واهتزاز عرباته, لملمت المرأة أذيال فستانها, مدت يداها واقفة لسحب حقيبتها الجلدية. في الوقت الذي همت لجذب باب المقصورة, كأن شاب من الخارج يساعدها على ذلك(وبه) تكون زاوية جلوسنا قد غيرت رسمها, انصراف المرأة فدخول الشاب، وشغله المقعد المحجوز.... لتوّه استيقظ رفيق سفرنا من غفوته باحثا عن فردة نعليه.

استأنف القطار سيره, وبدأت الهدهدة تستحوذ عليّ وتستدرجني إلى تلك الخطوط, لأجد نفسي نقطة في الطرف بدل كوني نقطة ارتكاز.... بفضول زائد, أزاح الشاب ستارة النافذة, وظهرت أنوار المدينة وسط الظلمة الحالكة خطا مستقيما, ومرسوما بآلاف النقط, المضاءة مع انعطاف القطار سطع ضوء ساعة برج محطة الوصول التي, رسمت عقاربها زاوية المغادرة.