ص1       الفهرس  81-90

 

الإبداع الخرافي عند العرب

 

العرابي لخضـر

مدخل ومفتاح:

إطلاق صفة العبقرية على شخص ما، هو اعتراف صريح بما يتمتع به من قوى فكرية وإبداعية غير عادية، تلك القوى التي تميّزه عن غيره من البشر. وهذه العبقرية الفكرية أو الإبداعية يتعذر تفسيرها، ومن ثم كانت تعزى إلى قوى خارقة خارجة عن الطبيعة الإنسانية، لأنها لم تكن نتيجة للتعلّم أو الجهد الشاق المحض، وبالتالي لم تستطع حتى الآن التحليلات تفسير طاقات الشخصيات النادرة الموهبة.

ولكن لو تساءلنا كيف استطاع هؤلاء الموهوبون، عبر العصور، إنتاج ما أنتجوه من أعمال فنية خالدة ودائمة الوجود في الكون، لكانت الإجابة لأنهم كانوا عبقريين، وهي إجابة تشبه تماما قولنا : لا ندري. وذلك أنه في كل عصر، وفي كل فن، تستعصي العبقرية على التحليل والتعليل والتفسير.

 إن الإنسان المحروم من العبقرية، كان منذ القدم لا يستطيع معرفة كنهها، وكذلك من لديه عبقرية لا يعرفها. ولذلك أقرّ الفلاسفة اليونانيون بالطبيعة الغامضة لقدرات الإنسان الخلاقة في مجالي الفكر والإبداع.

ومن هذا الوادي، جاء تعريف العبقرية لـ "جون درايدان " الذي نصه: "العبقرية السعيدة هبة الطبيعة؛ إنها تعتمد على تأثير النجوم كما يقول المنجمون، وعلى أعضاء الجسد كما يقول الطبيعيون. وهي هبة خاصة من السماء كما يقول المسيحيون والوثنيون على السواء، أما وسيلة تحسينها، فهو أمر يمكن لكثير من الكتب أن تعلمنا إياه. وأما كيف نحصل عليها، فلا أحد يستطيع ذلك، والكل يجمع على أننا لا نستطيع عمل شيء دونها"1

وجاء في معجم أكسفورد الإنجليزي تعريف للعبقرية مفاده أنها" قوة فكرية فطرية من نمط رفيع كتلك التي تعزى إلى من يعتبرون أعظم المشتغلين في أي فرع من فروع الفن أو التأمل أو التطبيق، طاقة فطرية وغير عادية على الإبداع التخيلي أو الفكر الأصيل، أوالابتكار والاكتشاف، وهي تختلف كثيرا عن الموهبة"2.

ويعرف ألكسندربوب العبقرية بقوله:" العبقرية الحقة في الشعراء أمر نادر، والناقد القادر على التذوق الحقيقي نادر، كلاهما متشابهان، يتلقيان نور هما من السماء، ذلك الذي ولد لينقد، وذاك الذي ولد ليكتب"3

وتزعم العرب أن " عبقر" موطن للجن ، ومن ثم نسبت إليه كل شيء تعجّبت من جودة صنعه،  أو روعته وحذقه. فالعبقري، كما يقول صاحب المعجم الفلسفي، نسبة إلى عبقر، وهو كل" ما يتعجّب من كماله، وقوته ، وروعته، فالعبقري من الأشخاص هو المتميز، المبرّز، الذي لا يفوقه  في اختراعه أحد؛ يقال: شاعر عبقري. والعبقري من الأشياء ما يدهشنا ويحيّرنا ويجاوز الأنواع التي ألفناها من روائع الفن وعجائب الصناعة...والعبقرية، صفة العبقري وحاله، وهي جملة من المواهب الطبيعية السامية التي تمكن صاحبها من التفوق"4.

ومن خلال هذه النقول التي سقناها، يبدو أن العبقرية عند الفلاسفة لها تعريفات مختلفة، فهي عند بعضهم هبة خاصة أو نور من السماء، أو قوة فكرية فطرية غير عادية؛  وعند آخرين قوة خلق وإبداع، أو حدس قوي، أو إلهام سريع. وهكذا، فالعبقرية تارة تعزى إلى قوى غيبية خارجة عن الطبيعة البشرية، وتارة أخرى، تعزى إلى قدرة عجيبة على التحليل والتركيب، أو استعدادات طبيعية خاصة بالأفراد الموهوبين.

وإذا كان الأمر كذلك، فكيف علّل الإنسان العربي ذلك الارتباط بين الفن والحزافة؟ كيف أدخل قوى غيبية في نسيج عمل الفنان؟ وكيف تشمل النسغ الذي يروي زهرات إبداع الفنان؟

عزو القدرة الإبداعية إلى قوى غيبية:

من يطلع على كتب الأدب العربي القديمة، التي تعرضت لأوليات الشعر، يلاحظ أن الشعر قد ارتبط في نشأته بالسحر والكهانة، ومن ثم يكون قد تربى وترعرع في أحضان العقيدة والطقوس الدينية السائدة آنذاك.

وفي عهد سيطرة الأسطورة على العقل البشري، كان الإنسان يعتقد بأنّ القوى الإبداعية تمنحها قوة خارجية غير بشرية، فهي التي تستأثر بالموهبة الشعرية ، وتوحي للشاعر بما يقوله. وهكذا ساد الاعتقاد في كثير من الفلسفات بأن الشاعر متصل بقوة سماوية، إذ بدونها لا يستطيع أن يكون شاعرا عظيما.

وركْحًا على ما تقرّر فإنّ الاهتمام بطبيعة القدرة الإبداعية، قد بدأ منذ الإغريق الذين يدين لهم العالم الغربي بالفكرة الرئيسة عن ربات الجمال التسع رمز إلهام الشاعر؛ لأن في الميثولوجيا اليونانية اعتقادا بأن هناك تسع ربات للفنون، من بنات زيوس، يطلق عليهن muses، وهن يحمين ويلهمن الفن والشعر والموسقى، ومختلف العلوم. ولكل واحدة من هن مهمة خاصة بها، فواحدة للشعر، وأخرى للموسيقى...وهكذا.

وفي الحقيقة، أن التركيز على طبيعة القدرة الإبداعية الشعرية، من قبل الإغريق، أدى " دورا حيويا في عملية تطور فكرة العبقرية في العصور اللاحقة، أولها هي فكرة الإلهام الإلهي، وهو الاعتقاد الذي يعزو العنصر الذي يبدو غامضا في الإبداع الشعري إلى تأثير مؤقت لقوة خارجية، أما ثانيهما فهي الفكرة التي ترى أن الشاعر نفسه لديه موهبة فطرية أو مقدرة طبيعية توهب له بصورة من الصور، ولا يمكن اكتسابها بالتعلّم"5.

يظهر أننا لا نجد كبير عناء للتذكير بأن وجهة نظر أفلاطون عن الإلهام الشعري تتمثل في أن الشاعر عندما يبدع شعره يكون في نوبة جنونه مغيب العقل، فهو يبدع بتدبير إلهي،  ولكن دون علم بما يفعل، وهكذا يربط الإلهام الشعري بالجنون أوالهوس.

ومن هنا، كان لمذهب أفلاطون في الإلهام الشعري " باعتباره نوعا من الجنون أوالحماسة، أثره في تكوين أعتقاد نشأ في الثقافة الغربية ولأول مرة ، بأن العملية الشعرية عملية غير عقلانية"6

وانطلاقا من مفهوم الإلهام عند أفلاطون الذي أكد على صلات الشاعر بالسماء ، عزا الشعراء في الأدب الإغريقي قدراتهم إلى ربات الفنون، مثل ما يجد الدارس في افتتاحية الإلياذة: إنشدي ياربة عن غضب أخيل بن بليس ، ويوصف في الأديسا الشاعر الأعمي ديمودوكس بأنه" الشاعر الخير الذي أحبته الربة بصفة خاصة وقد منحته الخير والشر كليهما وذلك أنها اقتلعت عينيه ومنحته عذوبة الإنشاد"7.

 لقد سادت العالم الفني فكرتا الإلهام والموهبة الفطرية اللتين كان يوصف بهما الشعراء والأدباء، ومن ثم كان الشعراء ومنذ أقدم العصورـ يزعمون أنهم يتلقون إلهاما مقدساـ وأن هناك قوة خارقة تغرس فيهم المقدرة على الإنشاد.

 

 

ربط الشعرية بالخرافة في التراث العربي:

كان الإنسان العربي يعتقد بأن هناك شيئا غير قابل للتفسير في العمل الخلاق، ومن ثم نظر النقاد العرب إلى العناصر الفنية التي يتكون منها الانسجام، وجمالية النص الشعري على أنها عسيرة المنال، لأنها من فعل يفوق الطاقة البشرية. وبهذا الصنيع تكون العرب قد ردّت أدبية النص أو شعريته إلى قوى خارقة، الأمر الذي دفع النقاد إلى تفسيرها عن طريق الخرافة، أي ردّ هذا" الاعتبار الخرافي إلى دائرة غير بشرية تمثلث في القول بشياطين الشعر"8، وذلك حين ربطوا بين الشعراء والشياطين" فهم يزعمون أن مع كل فحل من الشعراء شيطانا يقول ذلك الفحل على لسانه الشعر"9.

وعليه، فقد كانت عند العرب الأقدمين عقيدة شبه راسخة، وهي أن لكل شاعر رئيا من الجانّ يحبّه، ويتبعه، ويوحي إليه زخرف القول. وإذا كان اليونانيون يذكرون في أساطيرهم، أن هناك قوة إلهية تلهم المبدعين الشعر وسائر الفنون، فإن العرب، قبل الإسلام وبعده، كانوا يعتقدون بأن كل شاعر متّصل بشيطان خاصّ به يلهمه قول الشعر.

وانطلاقا من هذا المعتقد، تحدّث أبو زيد القرشي بشيء من التفصيل عن شياطين الشعراء وأخبارهم، حيث خصّص قسما من كتابه أورد فيه ضروبا من الأساطير والخرافات، زاعما أن لشعراء العرب شياطين تنطق بالشعر على ألسنتها. فهذا لافط بن لاحظ يمنح امرأ القيس ما يعجب الناس، ويعلي كعبه بينهم، ومسحل صاحب الأعشى ينطق بلسانه، وهاذر صاحب النابغة، وهو أشعر الجنّ وأضنّهم بشعره، ومدرك بن واغم يستنبغ صاحبه الكميت، وغيرهم كثير10. وبهذا الصنيع يكون أبو زيد القرشي قد أورد حكايات موغلة في الأسطورية، وذكر أسماء شياطين لم يذكرها من كان قبله، ولم تجئ في مصادر أخرى.

ويورد ابن شهيد أسماء شياطين لشعراء مشهورين، في تلك الرحلة الخيالية التي قام بها إلى وادي الأرواح، حيث زار صاحب امرئ القيس عتيبة بن نوفل، وصاحب طرفة عنترة بن العجلان، وصاحب قيس بن الخطيم أبا الخطار من شعراء الجاهلية؛ ثم يصير إلى توابع العباسيين مبتدئا بتابع أبي تمام عتاب بن حبناء، ومنتهيا بصاحب أبي الطيب المتنبي حارثة بن المغلّس، وفي زيارته هذه إلى أرض التوابع والزوابع، ساجل الشعراء وذاكرهم، وأخذ الإجازة منهم، وقد أضاف ابن شهيد إلى" الفكرة العامة إضافات قليلة منها أنه مدّ الفكرة بحيث تشمل الناثرين مثل عبد الحميد بن يحيى، والجاحظ، وبديع الزمان، وكان له في ذلك غرضان، فهو ناثر أيضا ولذلك أراد أن يحرز شهادات الناثرين الكبار، كما أراد أن يُدخل فيهم بعض كتاّب الأندلس"11.

ولم يكتف ابن شهيد بأن لكل شاعر تابعا يقول على لسانه الشعر، بل جعل من هؤلاء الشياطين نقادا للشعر أيضا، فيحضر مجلس أدب من مجالس الجن، فيدور الكلام على ما تعاورته الشعراء من المعاني، ومن زاد فأحسن، ومن قصّر، إلى غيره من الأحكام النقدية التي أصدرتها الشياطين على شعر الشعراء في مختلف العصور12.

وما يمكن ملاحظته، من خلال هذه النصوص والشواهد التي سقناها، أن النقاد  القدامى كانوا ينظرون إلى الإبداع الشعري على أنه مدرك ميتافيزيقي، متربع على عرشه الغيبي، في عالمه الفردوسي. وهذا مفاده أن الفن في مرحلة الطفولة كان موهبة وليس كسبا، وذلك حين كان الإنسان العربي يحاول الاقتراب من الكامل، ويسعى إلى تحقيق الوحدة الجمالية بالانسجام، عن طريق الاتزان، والتماثل، والإيقاع. ويبدو أننا" لا نملك شهادات قديمة تتصل بهذا المعتقد، ولكن شمول رعاية الشياطين ( من الجن) للكهان والعرافين ومن ذهب مذهبهم قد يشير إلى قدم اتصالها بالشعر والشعراء، وذلك أن الأخبار التي بقيت عن الكهان تتحدث عن القدرة على التنبؤ بقوة الإلهام بمصاحبة الرئي"13

وإذا كان الفلاسفة القدامى يرون بأن الفن الشعري نوع من الإلهام، وأن الشاعر لا ينطق شعره عن فن، ولكن عن إلهام، ووحي إلهي، فإن القول الشعري، في العصر الجاهلي، كان يرتبط بالجنّ، وهذه النظرة مفادها أن الشاعر يقول الشعر بغير إرادته، أو شعور منه.

لم يتوقف الأمر عند حدّ أن الجنّ هي التي تلهم الشعراء الشعر؛ بل ساد الاعتقاد عند الإنسان العربي بأن الشياطين تقول الشعر وترويه؛ كما جاء في حديث أبي لابن المرْوَزي الذي يورد فيه قصة عجيبة،يروي فيها أشعارا لأحد الجنون، كما يبدو ذلك من الحوار الذي دار بينهما، عندما سأل الجني دهشا:" أتروي من أشعار العرب شيئا؟ فقال: نعم! أروي وأقول قولا فائقا مبرّزا. فقلت فأرني من قولك ما أحببت، فأنشأ يقول:

طاف الخيال علينا ليلة الوادي

 

من آل سلمى ولم يُلْمِم بميعاد

فلما فرغ من إنشاده، قلت : لهذا الشعر أشهر في معدّ بن بن عدنان من ولد الفرس الأبلق في الدُّهم العراب هذا لعبيد بن الأبرص الأسدي، فقال:

ومن عبيد لولا هبيد! فقلت ومن هبيد؟ فأنشأ يقول

أنا ابن الصلادم أدعى الهبيد

 

حَيَوْتُ القوافيَ قَرْمَيْ أسد14

ويروي أبو زيد القرشي، أيضا، قصة مفادها أن قوما كانوا مسافرين للتجارة، فبينما هم يسيرون إذا بثعبان قد احترق جنباه من شدة الحر، فأشفق عليه أحد المسافرين ، فصبّ عليه ماء، فانساب الثعبان ودخل في جحره، وسار الركب فقضوا حوائجهم، ثم أقبلوا حتى صاروا إلى ذلك الموضع الذي فيه الثعبان فتأخر الذي أحسن إليه لقضاء حاجته، فانفلت منه جمله، وبقي متحيرا، فإذا بهاتف من عدوة الوادي وهويقول:

يا صاحب البكر المضل مركبه

 

دونك هذا البكرَ منا فاركبه

قال الراوي فالتفت ذلك الشخص، فإذا هو بجمله، وجمل آخر إلى جنبه، فركبه، حتى إذا وصل إلى دار قومه  أرسل الجمل، وأنشأ يقول:

يا صاحب البكر قد أُنقذتَ من بلد

 

يحار في حافيتها المدلج الهادي

هلاّ أبنت لنا الحق نعرفه

 

من  ذا الذي جاد بالمعروف في الوادي

فأجابه هاتف يقول:

أنا الشجاع الذي ألفيته رمضا

 

في رملة ذات دَكْداك وأعقاد

فجدت بالماء لما ضَنّ حامله

 

جودا عليّ ولم تبخل بإنجاد15

ويذكر، أيضا، أن رجلا فرّ من ملك كان في الجاهلية الجهلاء، فأوى إلى كهف في جبل، فغفا، فإذا هو بآت قد أتاه وجلس عند رأسه، وأنشأ يقول:

الدهر يأتيك بالعجائب إ

 

ن الدهر فيه لديك معتبر

بينا ترى الشمل فيه مجتمعا

 

فرقه من صروفه القدر

لا تنفع المرء فيه حيلته

 

مما سيلقى يوما، ولا الحذر16

فهكذا يروي أبو زيد القرشي أشعارا للملائكة، وأخرى للجن وإبليس، بل ويذهب إلى أبعد من ذلك، حيث يزعم إن هذه المخلوقات هي أول من قال الشعر، وقصّد القصائد17

ونحن حين نمعن النظر في هذا المعتقد الذي نادى به هؤلاء النقاد، نجد أن الشعر إلهام من وحي السماء لا صناعة من عمل الأرض. ولكن ما نعتقد صوابه أن الشعر وليد الموهبة الفطرية والصنعة، لكونه مرتبطا بالطبع والدربة ، وذلك منذ نشأته الأولى.

إيمان الشاعر بهذا المعتقد:

ومما يزيد هذه المسألة طرافة وغرابة اعتقاد الشاعر نفسه بأن له صاحبا غير إنسي، كما يبدومن قول حسان بن ثابت:

ولي صاحب من بني الشيصبان

 

فطورا أقول وطورا هوه 18

فالشاعر والشيطان يتناوبان القول الشعري، إذ يؤكد ذ لك الأعشى ميمون بن قيس حين يذكر صاحبه الجني مسحلا:

 وما كنت ذا خوف ولكن حسبتني

 

إذا مسحل يسدي لي القول أنطق

شريكان في ما بيننا من هوادة

 

صفيان إنسي وجن موفق

يقول فلا أعيا بقول يقوله

 

كفاني لا عيّ ولا هوأخرق19

ويقول الأعشى مرة أخرى :

دعوت خليلي مسحلا ودعوا له

 

جُهُنَّام جَدْعًا للهجين المذمّم

حباني أخي الجني نفسي فداؤه

 

بأ فيح جيّاش العشيّات مِرْجم 20

وهكذا ساد الاعتقاد عند الإنسان العربي، في الجاهلية، بأن الموهبة الشعرية مرتبطة بالجن والشياطين، ومن ثم ربط جمالية النص الشعري بقوى غيبية، حاول من خلالها تفسير القدرة الإبداعية.

وقد حافظ هذا المعتقد على وجوده بعد مجيء الإسلام؛ بل امتد إلى عصور متأخرة، حيث نجد الفرزدق يقول مفتخرا بشعره بأنه أشعر أهل الأرض:

ليبلغن أبا الأشبال مدحتنا

 

من كان بالغور أو مروى خراسان

كأنها الذهب العقيان خبّرها

 

لسان أشعر خلق الله شيطانا 21

وقال أيضا:

فلو كنت عندي يوم قو عذرتني

 

بيوم دهتني جنّه وأخابلُه22

ويذهب الفرزدق إلى أبعد من ذلك، حين يتصور أن إبليس رئيس الشياطين وابنه هما مصدر إلهامه، إذ ينفثان الشعر في فمه، كما يظهر من قوله:

وإن ابن إبليس وإبليس ألبنا

 

لهم بعذاب الناس كل غلام

هما نفثا في فيّ من فمويهما

 

على النابح العاوي أشد رجام23

 وينافس جرير الفرزدق  في اعتقاده، بزعمه إن الذي يلهمه الشعر هو أبو الأبالسة، فيقول:

إني ليلقي عليّ الشعر مكتهل

 

من الشياطين إبليس الأباليس24

وكان الفرزدق يعتقد أن شيطان جرير هو شيطانه، إلا أنه من  فمه يكون أخبث. ويذهب شاعر يسميه الجاحظ أعشى سُلَيم إلى غير ذلك، إذ يشير إلى أن شيطان المخبل كان أقوى من شيطان الفرزدق، بل كان من أقوى الشياطين إطلاقا:

وما كان جني الفرزدق قدوة

 

 وما كان فيهم مثل فحل المخبل

وما في القوافي مثل عمرووشيخه

 

ولا بعد عمرو شاعر مثل مسحل25

وفي أن مع كل شاعر شيطانا يقول معه، قول أبي النجم العجلي الراجز، في قصة بينه وبين العجاج:

إني وكل شاعر من البشر

 

شيطانه أنثى وشيطاني ذكر26

وهنا نلاحظ أنه ذهب إلى تذكير شيطانه، وتأنيث شيطان غيره، افتخارا بقوته وفوزه على خصمه، وهذا الزعم نجده في قول شاعر آخر:

إني وإن كنت صغير السن

 

وكان في العين نُبُوعَنِي

فإن شيطان كبير الجن 27

وعلى الرغم من أن الشعراء كانوا يدّعون أن لكل شاعر شيطانا يرفده، إلا أن بشار بن برد كان يعتقد أنه ليس بحاجة إلى شيطان ملهم يعينه على قول الشعر، لأنه كان يظن أنه باستتقلاله وتفرُّده يكون أقوى، وذلك حين يقول:

دعاني شنقناق إلى خلف بكرة

 

فقلت: اتركنّي فالتفرّد أحمد28

وفي مصداق ما ذكرناه من أشعار الجن، وقولهم الشعر على ألسن العرب،  ذلك الخبر الذي مفاده" أن رجلا أتى الفرزدق، فقال: إني قلت شعرا فانظره ، قال : أنشد، فقال:

ومنهم عمرو المحمود نائله

 

كأنما رأسه طين الخواتيم

قال: فضحك الفرزدق، ثم قال: يا ابن أخي :إن للشعر شيطانين يدعى أحدهما الهوبر والآخر الهوجل، فمن انفرد به الهوبر جاد شعره وصحّ كلامه، ومن انفرد به الهوجل فسد شعره، وإنهما قد اجتمعا لك في هذا البيت، فكان معك الهوبر في أوله فأجدت، وخالطك الهوجل في آخره فأفسدت ..."29

وفي هذا الصدد، يتحدث الشاعر الأندليسي ابن شهيد في مدخل رسالته إلى أبي بكر بن حزم عن حبيب له مات، فأراد رثاءه فأرتج عليه، وإذا بجني اسمه زهير بن نمير يتصوّر له، ويلقي إليه تتمة الشعر، رغبة في اصطفائه، فأصبح كلما أرتج عليه، أو انقطعت به مسلك، أو خانه أسلوب، يدع وتابعه بأبيات تعلّمها عنه، فيمثل له،ويوحي إليه ،فيسير إلى ما يرغب،ويدرك بقريحته ما يطلب 30

دواعي اختيار شياطين للإلهام

ربما قد يتساءل المرء عن سبب اختيار العرب شياطين للإلهام الشعري، بينما اختار الخيال اليوناني ربات الجمال التسع رمزا لإلهام الشاعر؟ قبل الإجابة عن هذا التساؤل، تجدرة الإشارة إلى أن أكبر الآلهة عند العرب في الجاهلية الجهلاء كانوا إناثا مثل اللات والعزى ومناة، كما ينبغي التذكير في هذا الصدد بأن الإنسان العربي قد عرف الكاهنات، وعدة ملكات في بعض العصور الموغلة في القدم.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن العزوف عن الربات واختيار الشياطين لا يعود فقط إلى الفرق بين الذكر والأنثى، ولا إلى الفرق بين الطبيعة الصحراوية عند العرب والطبيعة الخصبة عند اليونان، كما يتوّهم بعض الدارسين؛ ولكن يظهر " أن لذلك أسبابا أخرى تتعلق بمفهوم الشعر نفسه فالشعر عند العرب ذو مفهوم دفاعي أو هجومي بالدرجة الأولى؛ إذ هو دفاع عن القبيلة أو هجوم على أعدائها. وهب أن الهجاء لم يكن الفن الشعري الأول الذي ظهر بين الفنون، فإن الحماسة نفسها وهي موضوع يتحدث عن الحرب والبطولة والثبات والفرار والأسر والقتل والسلاح ...ألخ وثيق الصلة بتصور شياطين ملهمة ،وهذه الحماسة تتطلب رجالا أشداء لا عذارى خفرات، وهذا هو الذي منح فنون الحماسة أن تبرز وتتصدر سائر الموضوعات ، وهو نفسه الذي ألهم أبا تمام من بعد أن يبدأ به مختاراته التي سماها الحماسة.فالشياطين إذن أقدر على رعاية فنون الحماسة من العذارى. وحين اتسع نطاق  الشعر ليشمل فنونا أخرى كانت فكرة الشياطين قد استوت ورسخت في المجتمع العربي وظلت حاضرة في الأذهان وتتردد على الألسنة حتى تاريخ  موغل في عصر المحدثينٍ"31.

ويبدو أن فكرة إلهام الشعر من قبل الشياطين قد انحسرت في بداية القرن الرابع هجري ولم تعد معتقدا؛ وهذا بخلاف ما يذهب إليه توفيق الزيدي الذي سمح لنفسه بالقول "بأن المرحلة الخرافية في تناول مفهوم الأدبية كانت نهايتها ظهور الإسلام".32

إن النصوص التي سبق ذكرها حول مشاركة شعراء إسلاميين في الاعتقاد بشياطين الشعراء، تدل على أن " الإسلام لم يجتث هذه الفكرة ولم يضعفها في البداية، ذلك أن الإسلام أقر للشعراء بعالم مستقل وميزهم بالانحياز إلى الخيال، دون أن يسمي ذلك خيالا، وهذا هو معنى" في كل واد يهيمون" وبسبب هذا الهيام نفسه تجدهم يقولون أشياء لا يستطيعون تحقيقها. ولكن القرآن أحدث شيئين بالنسبة لنظرية الإلهام؛ أولهما أنه جعل الإلهام الحق منوطا بمصدر إلهي، وهو إلهام النبوة وإلهام الصالحين من الشعراء الذين يؤيدهم " روح القدس" أي أنه أكد بطريقة غير مباشرة انتماء إلهام الشعراء (غير الصالحين) إلى عالم الشياطين، والثاني أنه جعل لكل إنسان شيطانا يوحي إليه بالباطل والشر (وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم) فنزع عن الشعراء ما كانوا يظنون أنفسهم متميزين فيه حين قرن بكل إنسان شيطانه الخاص به"33.

 

تعارض معتقد الإلهام ومعتقدات أخرى:

نرى أن معتقد الإلهام يتعارض مع نظرية وراثة الشعر، إذ ساد الاعتقاد عند الإنسان العربي بأن الموهبة الشعرية موروثة، أو منحدرة من حيل إلى جيل، أي مرتبطة بالنسب والسلالة، كما يذكر ابن سلام الجمحي في كتابه الطبقات، أن الشعر كان في الجاهلية في ربيعة، ثم تحوّل في قيس، ثم آل ذلك إلى تميم فلم يزل فيهم إلى اليوم، أي إلى عصر ابن سلام34؛ بل لقد حصر ابن سلام الشعر، ومن بعده ابن رشيق في أسر خاصة كعائلة زهير بن أبي سلمى مثلا، فقد كان أبوه شاعرا، وكذلك ابناه كعب وبجير وبعض احفادهما، وكان خاله بشامة بن الغدير شاعرا أيضا؛ وكذلك الأمر بالنسبة لمهلهل بن ربيعة فهو خال أمريء القيس، وجد عمرو بن كلثوم من جهة أمه35.

وقريب من هذا الوادي، ما رواه الأصبهاني على لسان بشامة الشاعر الذي قال لزهير ذات مرة:" من أين جئت بهذا الشعر؟ لعلك ترى أنك جئت به من مزينة، وقد علمت العرب أن فصاحتها وعين مائها في الشعر لهذا الحي من غطفان، ثم لي منهم وقد رويته عني"36.

ومن خلال استقراء التراث النقدي يتبين أن النقاد العرب اتخذوا النسب مقياسا هاما لجودة النص الشعري، فبهذا الاعتبار صار النسب بمثابة الضمان الذي يكفل قيمة الشاعر الفنية. وفي هذا الصدد يقول الأصمعي:" سُئل شيخ عالم عن الشعراء، فقال كان الشعر في الجاهلية في ربيعة، وصار في قيس، ثم جاء الإسلام فصار في تميم"37.

ومما يؤكد اتخاذ النسب، ومكانة الشاعر الاجتماعية مقياسا لجودة الشعر، ما جاء في كتاب الأغاني على لسان أحد الشعراء وكان عبدا:" دخلت على عبد العزيز بن مروان فسلّمت، فصعّد فيّ بصره وصوّب، ثم قال: أنت شاعر ، ويلك، قلت نعم أيها الأمير ، قال : فأنشدني، فأنشدته. فأعجبه شعري، وجاء الحاجب فقال : أيها الأمير هذا أيمن بن خزيم الأسدي بالباب،  قال: ائذن له، فدخل فاطمأنّ فقال له الأمير: يا أيمن بن خزيم، كم ترى ثمن هذا العبد، فنظر إليّ، فقال: والله لنعم الغادي في أثر المخاض هذا أيها الأمير أرى ثمنه مائة دينار، قال: فإن له شعرا وفصاحة. فقال لي أيمن أتقول الشعر؟ قلت: نعم. قال: قيمته ثلاثون دينارا. قال: يا أيمن أرفعه وتخفضه أنت. قال: لكونه أحمق أيها الأمير ، ما لهذا وللشعر، أمثل هذا يقول الشعر أو يحسن شعرا؟ فقال: أنشده يانصيب فأنشدته. فقال له عبد العزيز: كيف تسمع يا أيمن. قال: شاعر أسود هو أشعر أهل جلدته"38

فهذا المقبوس، يؤكد بوضوح على أن الشعرية لا تكتمل إلا بنسب الشاعر ووضعيته الاجتماعية، ومن هذا المنظور الاجتماعي غدا النسب مقياسا للتفوق الأدبي، وهو" ما حتّم الربط بين التفوق الأدبي والتفوق الاجتماعي"39.

وما يمكن أن نخلص إليه أن دراسة الأدبية هي في النهاية دراسة للقوة الإبداعية البشرية، إلا أن التناول الخرافي للإبداع كان" دليلا على أن العرب لم ينفذوا إلى القوى المحركة للإبداع، لأنهم نزعوا عن الظاهرة الأدبية كل فعل إنساني،وأما تناولهم الاجتماعي، وإن نُزّلت فيه الظاهرة في محيطها البشري، فإنه يبقى تنتاولا خارجيا، لا يكشف عن القوانين الداخلية للإبداع، إذ لا يكفي أن يكون الشخص متفوقا اجتماعيا وسياسيا ليصبح متفوقا أدبيا"40.

هذا بالإضافة إلى أن النقاد القدامى كانوا يؤمنون بضرورة الرواية، إذ كانوا يعتقدون أن الشاعر لا يصير شاعرا فحلا حتى يروي أشعار العرب، ويسمع الأخبار كما يقول الأصمعي41، أي أن الفحولة لا تتم دون دربة واحتذاء، أو دون التزود بزاد ثقافي يكون عونا للشاعر على نظم الشعر، ومن هنا، ألا يتعارض الإيمان بضرورة الرواية مع معتقد الإلهام؟

ثم ما معنى الإلهام إذا كان الشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات، كما يقول الجمحي42، وما معنى وجود شيطان يلهم الشاعر الشعر إذا كان هنالك تنقيح وتثقيف وتحكيك، وهو السبب الذي من أجله سمى الأصمعي أبرز الشعراء في الجاهليه والإسلام " عبيد الشعر"43 يريد أنهم كانوا يتكلفون إصلاحه، ويشغلون به حواسهم وخواطرهم.

وهذا يعني أن من الشعراء المتكلف والمطبوع؛ فالمطبوع هو الذي "قوّم شعره بالثقاف، ونقّحه بطول التفتيش، وأعاد فيه بعد النظر كزهير والحطيئة. وكان الأصمعى يقول: زهير والحطيئة وأشباهمهما (من الشعراء) عبيد الشعر؛ لأنهم نقحوه ولم يذهبوا في مذهب المطبوعين"44.

ويوضح الجاحظ مسألة تجويد الشعر توضيحا كافيا، إذ يرى أن عبارة، "عبيد الشعر" تعني كل من " جوّد في جميع شعره، ووقف عند كل بيت قاله، وأعاد النظر حتى يخرج أبيات القصيدة كلها مستوية في الجودة"45 وكان يقول:" لولا أن الشعر كان قد استعبدهم واستفرغ مجهودهم حتى أدخلهم في باب التكلف وأصحاب الصنعة، ومن يلتمس قهر الكلام، واغتصاب الألفاظ، لذهبوا مذهب المطبوعين، الذين تأتيهم المعاني سهوا وزهوا، وتنثال عليهم الألفاظ انثيالا"46.

وسوف يجد الدارس الأمر نفسه عند ابن طباطبا، الذي يرى أن للشعر أدوات" يجب إعدادها قبل مراسه وتكلّف نظمه، فمن تعصت عليه أداة من أدواته، لم يكمل له ما يتكلفه منه، وبان الخلل فيما ينظمه، ولحقته العيوب من كل جهة. فمنها: التوسع في علم اللغة، والبراعة في فهم الإعراب، والرواية لفنون الآداب، والمعرفة بأيام الناس وأنسابهم، ومناقبهم ومثالبهم، والوقوف على مذاهب العرب في تأسيس الشعر، والتصرف في معانيه.."47

ومن خلال هذه النصوص والشواهد التي سقناها، يبدو أننا إزاء موقفين متعارضين: القول بوجود جني يلهم الشاعر، والقول بالدربة والتجويد. ومن الطريف أن الجاحظ حاول قديما أن يعلل ذلك، فقال على لسان أحد الشعراء مخاطبا غيره: " أنا أقول في كل ساعة قصيدة، وأنت تقرضها في كل شهر. فلم ذلك؟ قال: لأني لا أقبل من شيطاني مثل الذي تقبل من شيطانك"48. ولكن إحسان عباس يرى في هذا التعليل دعابة، إذ الإلهام في نظره، متصل بمصدره " وقبوله أو عدم قبوله يعني تحكيم إرادة الشاعر؛ ولا إرادة مستقلة مع فيض الإلهام"49. ثم يحاول إحسان عباس أن يعلل هذا التعارض، فيقصر الإلهام على لحظة الإبداع دون غيرها، لأن الشاعر " في هذه اللحظة تتملكه حالة يحس أنها عصية على إرادته أو أنها واقعة خارج حيز الإرادة، فهويقول القصيدة بعفوية ودون تعب أوكدً، فإذا استوى له خلقها عكف عليها يراجعها ويغير ألفاظها وربما في صورها وفي قوافيها، على أساس هذا الفهم يكون الموقفان متكاملين غير متعارضين"50.

ولكن هذا التعليل، وباعتراف صاحبه نفسه-لا يصمد أمام كثرة الشواهد التي تدحض هذا الزعم، فلحظة الإبداع تحتاج إلى أمور كثيرة تساعد على استدعائها أواستثارتها؛ من ذلك ما جاء في بعض كتب النقد القديمة:" وللشعر دواع تحث البطيء وتبعث المتكلف، منها الطبع، ومنها الشوق، ومنها الشراب ومنها الطرب، ومنها الغضب. وقيل للحطيئة: أي الناس أشعر؟ فأخرج لسانا دقيقا كأنه لسان حية، فقال: هذا إذا طمع...وقيل لكثيّر: يا أبا صخر كيف تصنع إذا عسر عليك قول الشعر؟ قال أطوف في الرباع المخْلية والرياض المعشبة فيسهل علي أرضه ويسرع إلي أحسنه، ويقال أيضا إنه لم يستدع شارد الشعر بمثل الماء الجاري والشرف العالي والمكان الخضر الخالي...وقال عبد الملك بن مروان لأرطأة بن سهية: هل تقول الآن شعرا؟ فقال: كيف أقول وأنا ما أشرب ولا أطرب ولا أغضب وإنما يكون الشعر بواحدة من هذه. وقيل للشنفرى حين أسر: أنشد، فقال:" الإنشاد حين المسرة"51.

فمن هذا المقبوس الذي سقناه هنا، نلاحظ أن للشعراء روايات مختلفة في كيفية الاستعداد لخلق جو مناسب لقول الشعر. فمنهم من كان يلجأ إلى الطبيعة الجميلة، أو إلى شرب الخمر، أو محاولة استعادة الذكريات العاطفية، أو سماع لحن مطرب. ومنهم من كان يلجأ إلى الخلوة حيث يمارس بعض العادات مثل التقلب والتمرغ، كما فعل جرير حين أراد أن يهجوبني نمير، فلما استعصى عليه ذلك عاد إلى علية له وقال: " ارفعوا لي باطية من نبيذ وأسرجوا لي. فأسرجوا له وأتوه بباطية من نبيذ، فجعل يهمهم، فسمعت صوته عجوز في الدار فاطلعت في الدرجة حتى نظرت إليه، فإذا هو يحبو على الفراش، عريانا لما هو فيه. فما زال كذلك حتى السحر، ثم إذا هو يُكبّر قد قالها ثمانين بيتا في بني نمير"52.

من هذا المنظور يكون الشاعر واعيا بأبعاد عملية الإبداع، لذا فإن استخدام هذه الحوافز من قبل الشاعر يجعل عملية الإلهام عاملا مساعدا أو أمرا ثانويا، ما دام الشاعر يلجأ إلى وسائل خارجية لتهييء الجو المناسب لحلول اللحظة المبتغاة التي تعد الشاعر نفسيا لقول الشعر؛ ومن هنا فإن القول بالتعمل والكدّ في صنع الشعر قد يتناقض مع فكرة الإلهام، وكذلك مصطلح" عبيد الشعر" يضعف الاتكاء على دور الإلهام. ومهما يكن من أمر، فإنه ينبغي النظر إلى الإلهام على أنه آت من داخل النفس الإنسانية وليس من خارجها.

ويبدو أن بعض النقاد القدامى كانوا  واعين بالحالة النفسية التي يمر بها الشاعر أثناء عملية الخلق الفني؛ فوصفوا فترة المخاض التي يولد على إثرها النص الشعري، وتحدثوا عن حالة المعاناة، كما يبدو من قول أبي حيان التوحيدي :" فإن الكلام صلف تيّاه لا يستجيب لكل إنسان، ولا يصحب كل لسان، وخطره كثيرة، ومتعاطيه مغرور، وله أَرَنٌ كأرن المهر وإباءٌ كإباء الحرون، وزهو كزهو الملك، وخفق كخفق البرق، وهو يتسهّل  مرة، ويتعسّر  مرارا، ويذل طورا ويعز أطوارا"53.

والشاعر نفسه قد تختلف حالاته، فيقرّ باستعصاء الإبداع، وبظاهرة الحضور والغياب، ويشكو حالة إباء الكلام وحرنه، فيقول الفرزدق في هذا الصدد:" أنا عند الناس أشعر العرب وربما مرت علي ساعة ونزع ضرس أهون علي من أن أقول بيتا واحدا"54، وقال العجاج:" لقد قلت  أرجوزتي التي أولها:

بكيت والمحترن والبكي

 

وإنما يأتي الصبا الصبيّ

أطربا وأنت قِنَّسْرِىٌ

 

والدهر بالإنسان دواريّ

وأنا بالرمل، في ليلة واحدة، فانثالت علي قوافيها انثالا، وإني لأريد اليوم دونه في الأيام الكثيرة فما أقدر عليه"55

وقال أب ويعقوب الخُريمي:" خرجت من منزلي أريد الشماسية56 فابتدأت القول في مرثية لأبي التختاخ، فرجعت والله ما أمكنني بيت واحد"57، وهكذا يدعو الشاعر المعاني والألفاظ فتستجيب حينا، وتمتنع أحيانا أخرى، كما يقول أحد الشعراء:

وقد يقرض الشعر البكي لسانه

 

وتُعيي القوافيُ المرءَ وهوخطيب 58

ومن هذه النصوص، يبدو أن حالة المعاناة " حالة يكتنفها الغموض. وهي مليئة بالأسرار مما جعل العرب يحيطونها بالاعتقادات الخرافية. وفي هذا المجال تتنزل ظاهرة شياطين الشعر، فقد نزّل القدام الشاعر منزلة شخص غير عاد أخرجوه من الدائرة البشرية ليجعلوه ضمن الجن"59، فقد كانت العرب تزعم " أن كلاب الجن هم الشعراء"60، ومما يؤكد هذا الزعم قول عمرو  بن كلثوم:

وقد هرت كلاب الجن منا

 

وشذبنا قتادة من يلينا61

ويقول كارل جوستاف يونج الذي كان رائدا في اختبارات التداعي وتصورات التحليل النفسي:" إن المظهر الإبداعي للحياة الذي يجد أوضح تعبير عنه في الفن، يستعصي على كل محاولات الصياغة العقلية ، ذلك لأن أي رد فعل على مثير من المثيرات يمكن تفسيره سببيا بيسر، أما الفعل الخلاق، وهو النقيض الكامل لرد الفعل المحض، فسيظل إلى الأبد مستعصيا على الذهن البشري"62.

وعلى الرغم من أن الإبداع عملية معقدة وغير متجانسة، إلا أن الذي" يعنينا في هذا، أن هذه الأخبار شكّلت إحدى محاولات العرب في فهم بواعث الإبداع. فاستعصاء الأدبية وعدم التمكن من السيطرة عليها، دفع بعضهم إلى تفسيرها عن طريق الخرافة، ومما يؤكد ذلك أننا نجد في كلمة " الجن" نفسها، وإن كانت تعني الملائكة والشياطين، ما يشير إلى هذا الإحساس بالغموض إذ هي من الاجتنان أي التستر والخفاء"63.

ونلاحظ لدى نهاية الأمر، أن هناك عدة تصورات لمصدر الفن، فهناك من يراه تقليدا لعالم المثل  الطبيعة، وهناك من يردّه إلى الإلهام، أو الطبع والدربة، وهناك من يربطه بالعمل، وهناك من يرجعه إلى الانسجام الموجود في الكون والطبيعة. وتعدّ هذه التصورات في غاية الأهمية بالقياس إلى عملية الإبداع المعقدة وغير المتجانسة، ويمكن أن تسهم هذه التصورات كلها في تحديد مفهوم الفن تحديدا دقيقا.

ومن هنا، يلزمنا أن نقرّر أن هذه التصورات، بما فيها من خلافات متباينة، لا تصلح متفرقة أن تكون مرجعا أساسا لمصدر الفن، ولكن إيماننا بمفهوم الفن يحتّم علينا القول بأن هذه الآراء مجتمعة تصلح لتكون مصدرا للفن. ذلك أن مسألة الإبداع بمفهومها الحديث لم تعد تتقتصر على عالم دون عالم، أو على شيء دون آخر. إنها تتجاوز ذلك لتصبح إشكالية على كافة المستويات: رؤية، وإبداعا، وتلقيا، من هنا تتميز مصادر الفن بمفهومه الحديث عن القديم، وإن لم تتحدد. وهذا أمر ليس بالصعب تقريره.

ومن هنا، تصبح مسألة الإبداع الفني إشكالية فكرية؛ لأنها خاضعة لتحوّلات الفرد الفكرية، وتقلّباته النفسية، تلك التحولات التي تشتبك في علاقات وقتية وبيئية، الأمر الذي يجعلها قابلة للتغير يوما عن يوم، فتتنوع الرؤى تبعا لهذا التعدد والتغي. هذه أولى تجليات المعضلة، من حيث واقع المفهوم كتصور ظرفي وفردي، مفارقا بذلك صورته الواقعية كمفهوم زماني جماعي، أي رؤية كلية شمولية64.

أسباب هذه الظاهرة:

لقد ردّ الجاحظ هذا التصور الخرافي لظاهرة الإبداع إلى سببين اثنين: نفسي اجتماعي، وتربوي ثقافي. وذلك حين ربط بين حالة التوحّش وقلّة العمران وبين الفكر البشري، فمن منظوره، أن أصل هذا الأمر وابتداءه،  يعود إلى " أن القوم لما نزلوا بلاد الوحشى، عملت فيهم الوحشة، ومن انفرد وطال مقامه في البلاد والخلاء والبعد عن الإنس استوحش، ولا سيما مع قلة الاشتغال والمذاكرين، والوحدة لا تقطع أيامهم إلا بالمنى أو التفكير. والفكر  ربما كان من أسباب الوسوسة"65.

فتعليل ما يتخيله الأعراب من عزيف الجنان وتغوّل الغيلان، يعود، حسب رأي الجاحظ، إلى الابتعاد عن العمران، وكثرة الانفراد بالنفس، لأن الوحشة يتولّد عنها الوهم، فإذا" استوحش الإنسان تمثل له الشيء الصغير في صورة الكبير، وارتاب، وتفرق ذهنه، وانتقضت أخلاطه، فرأى ما لا يرى وسمع مالا يسمع، وتوهم على الشيء اليسير الحقير، أنه عظيم جليل. ثم جعلوا ما تصور لهم من ذلك شعرا تناشدوه، وأحاديث توارثوها"66.

ويتأكد الجانب الوهمي بتلك الأخبار التي أوردها أبو زيد القرشي وكلها تخدم أدب العجائب، أو أدب الوهم عند العرب، كما يتبين من سياقها. فإطارها العام" هو الخروج للسفر أو للبحث عن جمل تاه في الفيافي. ومن شأن هذا المنطلق أي يهيء للإطار المكاني، وهو يتصف دائما بخلوه من الناس والعمران كالصحراء والجبال والكهوف والجزر النائية، أما الإطار الزماني وهو الليل غالبا فمن شأنه أن يخدم الجانب الوهمي في هذه الأخبار. ويتأكد هذا بأن الجني شبح غالبا أو هاتف، ولعله من المفيد أن نشير إلى أن الأخبار الأربعة الأولى التي ساقها القرشي تخص شياطين الشعراء على حين أن بقية الأخبار تتعلق بالجن عامة كجني الكاهن الذي أخبر بظهور الرسول، أو كبعض الجن  الذين يقومون بالأعمال الخارقة للعادة مثل تحول أحدهم حية أو تسخير قواهم لنقل مخاطبيهم من الإنسان من مكان إلى آخر في لمح البصر. تضافرت إذن هذه العناصر مكانية وزمانية وشخصيات وأعمالا لتخلق في ذهن القارئ الوهم وتدخله عالم العجائب والغرائب"67

أما السبب التربوي والثقافي لهذا التناول الخرافي فيعود إلى تلك الأشعار التي تناشدوها، والأحاديث التي توارثوها، والروايات التي رووها على ألسنة الجن، كل ذلك أثّر على العقول" ونشأ عليه الناشئ، ورُبّى به الطفل، فصار أحدهم حين يتوسط الفيافي، وتشتمل عليه الغيظان في الليالي الحنادس، فعند أول وحشة وفزعة، وعند صياح بوم ومجاوبة صدى، وقد رأي كل باطل، وتوهم كل زور،  وربما كان في أصل الخلق والطبيعة كذابا نفّاجا، وصاحب تشنيع وتهويل، فيقول في ذلك من الشعر على حسب هذه الصفة، فعند ذلك يقول، رأيت الغيلان! وكلّمت السعلاة! ثم يتجاوز ذلك إلى أن يقول قتلتها، ثم يتجاوز ذلك إلى أن يقول: رافقتها! ثم يتجاوز ذلك إلى أن يقول تزوجتها"68

ومن خلال هذا النص المقبوس ، يلاحظ أحد الدارسين المعاصرين أن الجاحظ يرد" تصديق الناس لظاهرة شياطين الشعر إلى عقليتهم الخرافية"69

والسبب في ذلك يعود، من منظور الجاحظ، إلى أن المتقبّل لهذه الأخبار إما أعرابي عاش ظروف الوحشة والخلوة، وإما عامي" لم يأخذ نفسه قط بتمييز ما يستوجب التكذيب والتصديق، أو الشك، ولم يسلك سبيل التوقف والتثبت في هذه الأجناس قط"70، ويواصل الجاحظ توضيح هذه المسألة، فيرى أن الراوية " كلما كان الأعرابي أكذب في شعره كان أطرف عنده، وصارت روايته أغلب، ومضاحيك حديثه أكثر، فلذلك صار بعضهم يدعي رؤية الغول، أو قتلها، أو مرافقتها، أو تزويجها، وآخر يزعم أنه رافق في مفازة نمرا، فكان يطاعمه ويؤاكله"71.

وما يمكن ملاحظته بعامة، أن المصطلحات التي يستعملها الجاحظ، مثل الأعرابيّ، والعامي، والزعم،  والتشنيع، والتهويل تنم على أن هذه الأخبار من صنع الرواة أساسا.

وهناك سبب آخر للتعليل الخرافي للإبداع " ينحدر عن المفاهيم الدينية السائدة في الجاهلية تلك التي ارتبطت بكل القوى الخارقة للعادة كالسحر والجن والغول"72، فقد كان للعرب، قبل الإسلام، كهان وسحرة يزعمون أن الجن تنقل إليهم الأخبار من عالم الغيب، وكان عرب الجاهلية يلجأون إليهم، ويركنون إلى نبوءاتهم.

ومن هنا، فقد اقترن مفهوم الشعر عند العرب بالسحر، وما نص عليه القرآن:" وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِين"73وقد اقترن أيضا، الشعر بمفهوم الجنون" وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُون"74، وهكذا يلاحظ المرء أن أول تهمة وجهتها قريش إلى الرسول، عند بداية نزول القرآن هي الشعر مقترنا بمفهوم الجنون أو السحر.

ومما يؤكد هذا الرأي، أن هناك نصوصا كثيرة في القرآن الكريم، تشير إلى أن للشياطين أتباعا وأولياء يوسوسون إليهم " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً"75 وجاء في السورة نفسها:" وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ"76، وكذلك قال القرآن متحدثا عن غواية آدم:" فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى"77.

وفي الظن أن للكهان دورا هاما في تركيز هذه المفاهيم الدينية التي كانت سائدة آنذاك. وقد كانت العرب في الجاهلية تعتقد في " الرئي" وهو جني يظهر للكهان، والدليل على ذلك ما جاء في كتاب السيرة النبوية لابن هشام أن عتبة بن ربيعة قال للرسول:" وإن كان هذا الذي يأتيك رائيا تراه ولا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه"78

ويرى بعض الدارسين أن الموقف السلبي للقرآن الكريم من الشعراء على أساس الآية:" وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُون"79 هو موقف" ترد أسبابه ليس إلى عدم قيمة الشعر الفنية وإنما إلى ما ألصق به من خرافات واعتقادات جاء الإسلام لينهى عنها، وإلا فكيف نفسر إعجاب الرسول بشعر كعب بن زهير وشعر حسان بن ثابت؟ وكيف نفسر رواية عائشة والخلفاء للشعر واستماعهم له"80.

ومن هذه النصوص التي سبق ذكرها نستخلص أن المرحلة الخرافية في تناول مفهوم الإبداع الفني، كانت تستند إلى ثلاثة أسباب رئيسة، أولها نفسي اجتماعي، وثانيها تربوي ثقافي، وثالثها ديني. ولهذه أسباب ربط النقاد القدامى تفسير جماليات النص بالخرافة.

 

الهوامش

  بنيلوبي مرّي، العبقرية تاريخ الفكرة، ترجمة: محمد عبد الواحد محمد، عالم المعرفة ، الكويت 1996،  ص 17.

1)   المرجع نفسه ص 14.

2)               المرجع نفسه، ص 17.

3)               جميل صليبا: المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني 1979، ص 53.

4)               بنيلوبي مري: العبقرية تاريخ الفكرة، ص 26.

5)               المرجع نفسه، ص 17.

6)               المرجع نفسه، ص 27.

7)               توفيق الزيدى  مفهوم الأدبية في التراث النقدي، سراس للنثر، تونس، 2002، ص 85.

8)               الجاحظ: الحيوان  تحقيق عبد السلام هارون، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3، 1969،ج6، ص225- 226.

9)               ينظر: أبو زيد القرشي،  جمهرة أشعار العرب، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، ص 58 وما بعدها

10)          إحسان عباس: تاريخ النقد الأدبي عند العرب، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط2 ،1993، ص 21.

11)          ينظر: رسالة التوابع ، والزوابع دار صادر، بيروت، 1980، ص 132.

12)          إحسان عباس، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص 17.

13)          أبو زيد القرشي، جمهرة أشعار العرب، ص 57-58.

14)          ينظر: المرجع نفسه ، ص 68ـ 69.

15)          ينظر: المرجع نفسه، ص 69.

16)          ينظر: المرجع مفسه ص 39 وما بعد ها.

17)          الجاحظ: الحيوان،ج6، ص226.

18)          أبو زيد القرشي: جمهرة أشعار العرب، ص 62.

19)          الجاحظ: الحيوان، ج6، ص226.

20)          المرجع نفسه، ص 227.

21)          المرجع نفسه، ص 227.

22)          ديوان الفرزدق، دار بيروت للطباعة والنشر، ص 215.

23)          ديوان جرير، دار بيروت للطباعة والنشر، 1978، ص 250.

24)          الحيوان: ج6، ص 227،

25)          الأصبهاني : الأغاني ،تحقيق لجنة من الأدباء، دار الثقافة، بيروت، ط6، 1983، ج10،ص160.

26)          الجاحظ الحيوان ، ج6، ص 229.

27)          المرجع نفسه، ص 228.

28)          أبو زيد القرشي : جمهرة أشعار العرب، ص 72-73.

29)          ينظر ،رسالة التوابع والزوابع،ص87/90.

30)          إحسان عباس : تاريخ النقد الأدبي عند العربي .ص22.

31)          مفهوم الأدبية في التراث النقدي.ص60.

32)          إحسان عباس، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص 23.

33)          ينظر ، ابن سلام الجمحي، طبقات الشعراء، دار القضية العربية للطبعة والنشر،  بيروت، ص 13.

34)          ينظر: المرجع نفسه، ص 13 وما بعدها ، والعمدة لابن رشيق، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء المغرب، ج1، ص 86 وما بعدها.

35)          الأغاني، ، ج16، ص320.

36)          فحول الشعراء، تحقيق شارل توري، دار الكتاب الجديد، 1971، ص 18.

37)          الأغاني، ج1،ص 131.

38)          توفيق الزيدي، مفهوم الأدبية في التراث النقدي، ص 85.

39)          المرجع نفسه، ص 66، 67.

40)          ينظر: ابن رشيق، العمدة، ج1، ص 197.

41)          ينظر: المرجع نفسه، ص 118.

42)          المرجع نفسه، ص 133.

43)          ابن قتيبة: الشعر والشعراء، دار الكتب العلمية، بيروت، ص 21/22.

44)          الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام هارون، دار الفكر، بيروت، ط4، ج2، ص 13.

45)          المرجع نفسه، ص 13.

46)          ابن طباطبا، عيار الشعر، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1982، ص 10.

47)          البيان والتبيين ، ج1، ص 206-207.

48)          تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص 26.

49)          المرجع نفسه، ص 26.

50)          ابن قتيبة: الشعر الشعراء، ص 22-23.

51)          الأصبهاني: الأغاني، ج8، ص 29.

52)          أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، منشورات المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، ج1، ص 09.

53)          الجاحظ، البيان والتبيين، ج1، ص 209.

54)          المرجع  نفسه، ص 209.

55)          موضع في أعلى بغداد

56)          المرجع نفسه ص 209.

57)          المرجع  نفسه، ص 209

58)          توفيق الزيدي مفهوم الأدبية في التراث النقدي، ص 55.

59)          الجاحظ : الحيوان، ج6، ص 229.

60)          المرجع نفسه، ص 229.

61)          بنيادبي مري: العبقرية تاريخ الفكرة، ص 25.

62)          توفيق الفريدي، مفهوم الأدبية في التراث النقدي، ص 59.

63)          ينظر: العرابي لخضر : الدين والفن مقاربة مفاهيمية، دار الغرب للنشر والتوزيع، وهران، الجزائر، ط1، 2006، ص 29-30.

64)          الحيوان، ج6، ص 249.

65)          المرجع نفسه، ص 250.

66)          توفيق الزيدي: مفهوم الأدبية في التراث النقدي، ص 59.

67)          الجاحط، الحيوان، ج6، 250-251.

68)          توفيق الزيدي: مفهوم الأدبية في التراث النقدي ، ص 59.

69)          الحيوان ج6، ص 251.

70)          المرجع نفسه ص 252.توفيق الزيدي، مفهوم الأدبية في التراث النقدي، ص 60.

71)          توفيق الزيدي، مفهوم الأدبية في التراث النقدي، ص 60.

72)          سورة الأعراف ، الية 132.

73)          سورة الصفات، الاية 36.

74)          سور الأنعام ،الأية، 112.

75)          الأية 121.

76)          سورة طه، الآية: 120.

77)          ابن هشام، السيرة النبوية، مكتبة الرياض الحديثة ، ج2، ص 293، 294.

78)          سورة الشعراء، الآية 224.

79)          توفيق الزيدي، مفهوم الأدبية في التراث النقدي، ص 60.