ص1       الفهرس  71-80

من المنهج التاريخي إلى جمالية التلقي

محمد مساعدي

تقديم:

تطمح هذه الدراسة إلى إبراز حدود اشتغال المنهج التاريخي في صيغته المعهودة، هذا المنهج الذي اكتسح الحقل الأكاديمي العربي والغربي عموما لزمن طويل اعتمد على تصور ميتافيزيقي للزمن يقوم على مفهوم "الحضور"**: حضور المعنى في النص، حضور الماضي في الحاضر، حضور المؤلف في العمل الأدبي (المقصدية) وقد أدى ذلك إلى اعتماد هذا المنهج على تصور للتطور الأدبي يركز على المؤلف على حساب العناصر الأخرى المكونة للظاهرة الأدبية. كما أدى تمكن النزعة الوثوقية والنظرة الشمولية من ذهنية رواده إلى بلورتهم لما سمي بـ"المنهج التكاملي". لكن هذا المنهج ظل عاجزا عن صياغة مفاهيم تمكن من تحقيق هذا التكامل، كما أنه لم يتمكن من الإجابة عن الأسئلة التي استجدت في حقل الدراسة الأدبية، مما أدى إلى ردود فعل قوية تمثلت في بروز مجموعة من البدائل المنهجية انطلق بعضها من النص باعتباره محورا للدراسة الأدبية، وانطلق بعضها الآخر من القارئ بوصفه عنصرا لا يقل أهمية عن المؤلف والنص والسياق. وقد كانت جمالية التلقي كما بلورها ياوس، بديلا منهجيا حاول فتح آفاق جديدة أمام الدراسة التاريخية للأدب اعتمادا على مجموعة من المفاهيم في مقدمتها "أفق التوقع" "اندماج الآفاق" "منطق السؤال والجواب" مع هذه الرؤية المنهجية التي تقوم على تصور ظاهراتي للزمن يقوم على مناهضة مفهوم الحضور، لم يعد الماضي فترة زمنية توجد خلف الحاضر ولكنه أصبح جزءا من التعدد الذي يشكل الحاضر، لأن التاريخ من منظور جمالية التلقي "ليس شيئا آخر سوى إعادة تشكيل للماضي في ذهن المؤرخ ومن خلاله"[1]. إضافة إلى ذلك لم يعد النص مجرد "وثيقة" أو "تحفة"، ولكنه أصبح ظاهرة أي ثمرة علاقة بين الذات/القارئ والموضوع/النص.

1- المنهج التاريخي: أسسه وحدود اشتغاله

إذا كان الحس التاريخي حاضرا في الرؤية النقدية للعرب القدامى من خلال اعتمادهم على جملة من معطيات التاريخ في معالجة مجموعة من القضايا الأدبية من قبيل: الزمان، المكان، علاقة الأدب بكل من الأديب ونفسيته وبيئته وجنسه[2]، فإن هذا الحس ظل تلقائيا ولم يرتكز على تصور نظري مضبوط أو رؤية منهجية واضحة المعالم ترتكز على خلفيات فلسفية. لذلك ظل اعتمادهم على هذه المعطيات عبارة عن ملاحظات متفرقة وإن كانت لا تخلو، في أحيان كثيرة، من شرح وتعليل ينم عن مدى وعي القدامى بفعالية عناصر التاريخ في تفسير الأدب وتعليل قضاياه. فالحس التاريخي إذن شكل حيزا مهما في رؤيتهم النقدية لكن الوعي المنهجي بفعالية معطيات التاريخ في دراسة الأدب لم يتبلور في العالم العربي إلا ابتداء من مطلع القرن العشرين على إثر احتكاك العرب بالغرب. فقد استفاد رواد المنهج التاريخي كما هو معلوم- من الإنجازات التي حققها الغربيون سواء على المستوى النظري: أي باطلاعهم على نظريات تين H.Taine وسانت بيف Sainte- Beuve   وبرونتيير Brunetière ولانسون G. Lanson وغيرهم، أو على المستوى التطبيقي: باقتفائهم أثر الغربيين في التأريخ لآدابهم، أو المستشرقين في طرق تأريخهم للأدب العربي.

وعلى العموم، فإن المنهج التاريخي الذي اكتسح الحقل الأكاديمي في المشرق ثم بعد ذلك في المغرب، وهيمن عليه لزمن طويل حاول تطوير أساليبه وتنويعها لدرجة يمكن القول معها إن هذا المنهج مفرد بصيغة الجمع. هذا التنويع في تطبيقاته في العالم العربي يمكن اختزاله في ثلاثة أنماط أساسية:

- نمط تحكمه النظرة إلى الأدب في علاقته بالسياسة.

- نمط تغلب عليه الرؤية الوضعية، فيدرس الأدب في صلته بالبيئة بمعناها العام، أو في صلته بمبدعه وما يحيط به.

- ونمط ثالث يجمع بين التحليل التاريخي والتقويم الفني.

2- المقياس السياسي في تاريخ الأدب: أسسه ومعوقاته:

تندرج ضمن هذا الإطار معظم كتب تاريخ الأدب العربي التي أنجزها المؤرخون في الربع الأول من القرن العشرين نذكر منها:

- تاريخ اللغة العربية لحسن توفيق العدل ألفه في العقد الأخير من القرن التاسع عشر.

- تاريخ الأدب أو حياة اللغة العربية في جزءين لحفني ناصف (1910).  

- تاريخ آداب اللغة العربية في العصر العباسي لأحمد الإسكندري (1911)     

- تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان، في أربعة أجزاء (1911).

- الوسـيط فـي الأدب الـعربي وتـاريـخه لأحمد الإسكندري ومصطفى العناني (1919).

- تاريخ الأدب العربي لأحمد حسن الزيات(1925).

وتقوم هذه الكتب على ربط الأدب بالسياسة، وجعل تاريخ الأدب تابعا للتاريخ السياسي في رقيه وانحطاطه، لذلك فإن مؤلفيها يرون أن الطريقة المثلى للسيطرة على الوقائع الأدبية الغزيرة وتتبع حركتها منذ الجاهلية إلى الآن، هي اعتماد التحقيب السياسي أساسا لتحقيب المادة الأدبية. لهذا نجدهم يقسمون الأدب العربي إلى عصور مطابقة للعصور السياسية.

أما الأسس النظرية التي ترتكز عليها هذه المؤلفات، فإنه من الصعوبة بمكان تحديدها، لأنها في مجملها تكاد تخلو من مقدمات منهجية تلقي الضوء على المقاييس التي يرتكز عليها مؤلفوها. ويبدو أنهم اقتفوا في تأليفها أثر المستشرقين وخصوصا بروكلمان.

وعلى العموم، فإننا نلمح في هذه الطريقة في التأليف بعض ملامح التصور الوضعي للتاريخ كما بلوره " تين" في القرن التاسع عشر. إذ إن هؤلاء المؤلفين يحاولون بدورهم أن يرصدوا، بشكل من الأشكال، العلل الكامنة وراء الوقائع الأدبية، فيدرسون الأدب في علاقته بالبيئة التي ظهر فيها. لهذا نجدهم يفتتحون كل عصر أدبي بمقدمة موجزة عن خصائصه السياسية والاجتماعية والفكرية، وإن كانوا يركزون على دراسة البيئة السياسية لكل عصر ويعتبرونها عنصرا فاعلا في الحياة الاجتماعية والفكرية. وعلاوة على ذلك، فإنهم ينظرون إلى النص باعتباره "وثيقة" تحيل على منتجها، لذلك نجدهم يعمدون إلى إعطاء نبذة موجزة عن حياة المؤلفين، مشيرين إلى مكانتهم الأدبية، وأهم أعمالهم الفنية، ومكتفين بالاستشهاد بمنتجات من أشعارهم. وهذا معناه أنهم يعطون أهمية كبرى للمؤلِّف على حساب المُؤَلَّف، أما القارئ فإنهم يهملون دوره إهمالا تاما.

ورغم الإقبال الكبير الذي حظيت به هذه الطريقة في التأليف من قبل المؤرخين، فإنها تُسْتَهْدَفُ بجملة من الإنتقادات نذكر منها:

- من حيث التحقيب: يعمد رواد هذه الطريقة كما تقدم- إلى تقسيم الموروث الأدبي إلى عصور يتلو بعضها بعضا، وجَعْل الأحداث السياسية البارزة معالما بينها، إلا أن تركيزهم على تبعية الأدب للسياسة في تطوره وتقهقره، ونظرتهم إلى كل عصر باعتباره كيانا مستقلا بذاته، ومتميزا عما عداه من العصور بخصائص أدبية معينة، جعلهم غير واعين بطبيعة التطور الأدبي و خصوصيته:

أ- لأن الحياة الأدبية لا يمكنها أن تكون، بحال من الأحوال، تابعة للحياة السياسية أو متطابقة معها. فالأولى تتطور بشكل تدريجي في حين تُتوَّج الثانية بانقلابات مفاجئة أو ثورات جذرية.

ب- ثم إن اعتمادهم على الفصل بين العصور الأدبية بأحداث سياسية، جعلهم يضحون بالرابطة بين الماضي والحاضر لصالح قطائع زمنية تُخل بالمسار الحقيقي للأدب: إذ إنهم يحاولون رصد التطور من خلال الانقطاع، والحال أن حركة الأدب حركة بطيئة تمتد جذورها في الماضي العريق وتخترق أغصانها الحاضر لتشرف على المستقبل، وهذا معناه أن رصد تطور الأدب يتم من خلال إبراز التغير من داخل الاستمرار والتواصل.

- من حيث التسلسل: يسعى تاريخ الأدب عندهم إلى وصف حركة الأدب للوقوف على ما لحقه من تطور أو تقهقر عبر العصور من خلال:

أ: البحث عن النشأة: نشأة اللغة العربية، ونشأة الأدب العربي للوقوف على بداية المسار التاريخي.

ب: تتبع هذا المسار من خلال تحديد زمن وقوع الأحداث وترتيبها الواحدة تلو الأخرى، وكأن رواد هذه الطريقة وقفوا عند المعنى اللـغوي للتاريخ الذي يـفيد التوقيت.[3]وتصوروا المسار التاريخي خطا زمنيا تُنضَّد فوقه الوقائع الواحدة تلو الأخرى حسب زمن وقوعها.

ج- الاهتمام المفرط بالمؤلفين وما يحيط بهم، حيث إن رواد هذه الطريقة يرسمون مسارا تاريخيا للأدب من خلال ترجمتهم لأشهر المؤلفين، وترتيبهم حسب تواريخ الوفاة أو حسب الفنون والعلوم التي نبغوا فيها، أو حسب الأقاليم والبيئات التي نشأوا فيها، بعد حصرهم للمؤثرات التي أثرت فيهم. لهذا وردت أعمالهم تأريخا للمؤلفين أكثر مما هي تأريخ للأدب.

- من حيث التقويم الفني: إن مؤرخ الأدب وفق هذه الطريقة، ينتهي إلى طائفة من "الأحكام العامة " تنسحب على إنتاجات العصر كله. وبصنيعه هذا، فإنه يطمس ما للنص الواحد من خصائص فنية، كما يهمل تلك الفروق الدقيقة بين نص وآخر. وحتى حين يتحدث عن الخصائص الفنية للمؤلف، فإنه يكتفي أيضا بإصدار مجموعة من "الأحكام العامة " لا نتبين من خلالها معالم الابتكار والخلق في مسيرة المبدع الفنية.

هكذا يتضح أن تاريخ الأدب عند هؤلاء يتجه إلى رصد نشأة الأدب، وتتبع مساره من خلال التأريخ لأشهر المؤلفين ومختلف العلوم والمعارف التي نبغوا فيها بعد استخلاص العلل التي أثرت فيهم وفي مقدمتها علاقة الأدب بالسياسة. وهذا الاهتمام بمختلف مظاهر الحياة الثقافية مؤشر واضح على تمكن النظرة الشمولية من ذهنية هؤلاء المؤرخين ويرجع هذا التمكن إلى هدفهم من التاريخ الذي يطمح بالأساس إلى تحقيق هدفين: هدف تعليمي وهدف قومي حتى يتسنى لهم تزويد الطالب بمعرفة "شاملة" عن مختلف مظاهر الحياة الثقافية العربية عامة، وحتى يتسنى لهم أيضا الدفاع عن الهوية العربية بإبراز مقوماتها الحضارية في مختلف المعارف والعلوم التي أنتجتها[4].

3- المنهج التاريخي في صيغته الوضعية:

يرجع ظهوره في العالم العربي إلى ما كان من تأثير تلك النزعة العلمية التي سادت أوربا في القرن الماضي. واكتسحت جميع الميادين بما فيها الدراسة الأدبية، إذ نجده يستمد مبادئه الأساسية، على الخصوص، من آراء كل من "تين" و"سانت بيف" و"برونتيير". ويطمح إلى دراسة الأدب العربي دراسة علمية من خلال ربطه بمختلف العلل الكامنة خلفه. من رواده الأوائل: قسطاكي حمصي في كتابه "منهل الوُرَّاد إلى علم الانتقاد" (طبع سنة 1907)، وطه حسين في كتابه "تجديد ذكرى أبي العلاء" (1914):

أما قسطاكي حمصي، فإنه يعرض في كتابه* لآراء رواد النقد التاريخي في فرنسا وخصوصا "سانت بيف" و"تين" ويقر لهم بالفضل في إرساء قواعد النقد وقيامه على أصول قوية[5] ثم يتخذ من آرائهم مادة لبناء منهج لعلم النقد كما ينبغي أن يكون في الأدب العربي[6]، وينتهي إلى الإقرار بأن "علم النقد لا يقوم على الذوق وحده، لأن الذوق لا رابط له، ولا حد يحده بل إن قواعده نسبية. وأما علم النقد فهو علم كغيره من العلوم، عماده الذوق وغيره، وقواعده محددة ثابتة كقواعد سائر العلوم."[7]

بهذا يكون قسطاكي حمصي قد انجرف مع تيار النزعة العلمية إلى حد بعيد: فرغم إقراره بمكانة الذوق في علم النقد، فإن هذه المكانة تتلاشى أمام القواعد الثابتة التي يقوم عليها منهجه.

وأما طه حسين، فقد ركز في كتابه" تجديد ذكرى أبي العلاء"، على الصلة الحتمية التي تنشأ بين الأدب والبيئة التي ظهر فيها. فبنى منهجه على مفهوم "الجبر التاريخي"، وهو مفهوم ينظر إلى الحياة الاجتماعية باعتبارها تتشكل تحت تأثير مجموعة من العلل والأسباب التي تلغي فعالية الفرد وتعتبره خاضعا لها"[8]. وتتضح معالم منهج طه حسين في هذا الكتاب من خلال قوله: " تدل المقالة الأولى على أن الحياة العامة في عصر أبي العلاء، لم تكن شيئا تطمئن إليه النفس: أو يرضى به الرجل الحكيم، لفساد ما كان فيها من سياسة وخلق. ومن تقسيم ثروة وتأثير دين. وتدل المقالة الثانية على أن الحياة الخاصة لأبي العلاء، لم تكن خيرا من الحياة العامة، فقد مزجت بألوان من المصائب وعثور الجَدّ، وعلى أن الرجل قد أحسن الدرس، وأجاد التعليم، ورحل إلى مدن مختلفة، وأقام في بيئات متباينة، وكان له قلب ذكي، وأنف حمي، وبصيرة ثاقبة، وذوق سليم، فهذه المؤثرات كلها قد اشتركت في تأليف التراث الأدبي لأبي العلاء. فإذا وصفنا هذا التراث، كان من الحق علينا أن نحلله إلى عناصره ونرده إلى مصادره، ونحن فاعلون إن شاء الله [9].   

يدل هذا النص على أن طه حسـين جـمع فـي مـنهجه بين آراء كل من "تين" و"سانت بيف":

أما آراء "تين"، فتتجلى عنده من خلال دراسـته لزمان أبي العلاء ومكانه (ص 21) وشعبـه(ص30)، ومن خلال اهتمامه بتحديد موضع عصر أبي العلاء من العصور العباسية (ص 36 وما بعدها)، وتتجلى أيضا من خلال رصده للظروف السياسية (ص 43 وما بعدها) والاقتصادية (ص 66 وما بعدها) والدينية (ص 68 وما بعدها) والاجتماعية (ص 72 وما بعدها) التي ميزت عصر أبي العلاء.

وأما آراء "سانت بيف" فتتجلى عنده من خلال اهتمامه بكل ما يحيط بشخصية أبي العلاء منذ ما قبل ولادته إلى ما بعد وفاته (ص 103 وما بعدها)، واعتمادها أساسا لفهم أدبه: من ذلك أنه يُرجع غُموض الأغراض في ديوانه "سقط الزند" إلى شيء في نفس الشاعر، بَيَّنَهُ أبو العلاء في قوله:" إنه وحشي الغريزة إنسيُّ الولادة "، فهذه الغريزة الوحشية. -فيما يرى طه حسين- يستحيل أن يصدر عنها إنسي الشعر، وكما أن صاحبها غريب الأطوار فشعره وآثاره كذلك ينبغي أن تكون مثله"[10].

هذا عن منهجه في التأريخ في هذه المرحلة من حياته. أما موقفه من التقويم الفني فسندعه يعبر عنه بنفسه. يقول: "ومن هنا لا نستبيح لأنفسنا أن نحمد الأشخاص أو نذمهم، بحسب ما ينسب إليهم من الآثار أو قبحه، فإن الذم والحمد مع قلة عنائها في التاريخ، ليسا من عمل المؤرخ، بل من عمل الرجل الذي قصر حياته في صناعة المدح والهجاء، بل إن مذهبنا في التأريخ، يمنعنا من ذلك ويحرمه علينا"[11]   

بهذا ينفصل النقد الأدبي عن تاريخ الأدب، فيصبح عمل المؤرخ منحصرا في حدود الكشف عن مختلف العلل المادية والمعنوية الكامنة وراء الأدب دون أن يتجاوزها إلى إصدار أحكام تتجه إلى إبراز القيمة الفنية للأعمال الأدبية.

والخلاصة، أن المنهج التاريخي في صيغته الوضعية، ظل مأخوذا بدوره بالنزعة الوثوقية، بحيث أصبح المؤرخ يعتقد أن المعطيات التي يعرضها حقائق علمية وقواعد ثابتة لا يرقى إليها الشك ويجب على القارئ التسليم بها مثلما يسلم بنتائج سائر العلوم الدقيقة.

4- المنهج التاريخي في صيغته التوفيقية:

ويجمع بين التحليل التاريخي والتقويم الفني، وقد تعددت سبل التأليف وفق هذه الطريقة: فهناك من ذهب إلى التوفيق بين الصيغة الوضعية والصيغة اللانسونية للمنهج التاريخي، مثلما فعل طه حسين في كتابه "في الأدب الجاهلي"، وهناك من التزم بتبني المنهج التاريخي في صيغته اللانسونية ونخص بالذكر محمد مندور في المرحلة الأولى من حياته العلمية. في حين ذهب شوقي ضيف إلى أبعد من ذلك فتبنى "منهجا تكامليا" يطمح إلى دراسة الأدب من مختلف زواياه.

لعل تفصيل القول في الطريقة التي اعتمدها كل واحد من هؤلاء، من شأنه أن يعطينا صورة عامة عن تنويعات المنهج التاريخي في صيغته التوفيقية.

طه حسين: في سنة 1926 أصدر طه حسين كتابه "في الشعر الجاهلي" الذي عدله وأعاد طبعه سنة 1927 تحت عنوان "في الأدب الجاهلي". في هذا الكتاب يعيد طه حسين النظر في المقاييس المعتمدة في مجال تاريخ الأدب، ويقترح طريقة جديدة مخالفة لتلك التي اعتمدها في دراسة أبي العلاء: إذ نجده يشن حملة عنيفة على المقياس السياسي، الذي سيطر سيطرة كبيرة على مناهج التدريس، لسببين اثنين:

أحدهما: أنه يتخذ الحياة السياسية وحدها مقياسا للحياة الأدبية، فيجعل رقي الأدب أو انحطاطه مرتبطا برقي الحياة السياسية أو انحطاطها[12]، والحال أن واقع الأدب العربي يشهد على عكس ذلك، "فقد يكون الرقي السياسي مصدر الرقي الأدبي، وقد يكون الانحطاط السياسي مصدر الرقي الأدبي أيضا، والقرن الرابع الهجري دليل واضح على أن الصلة بين الأدب والسياسة قد تكون صلة عكسية في كثير من الأحيان، فيرقى الأدب على حساب السياسة المنحطة"[13]. وهذا لا يعني أن طه حسين يُنكر بشكل مطلق الصلة بين الأدب والسياسة، ولكنه يعتبر هذه الأخيرة مجرد مؤثر "كغيرها من المؤثرات، كالحياة الاجتماعية، كالعلم، كالفلسفة، تبعث النشاط في الأدب حينا وتضطره إلى الخمول والجمود حينا آخر"[14].

وثانيهما: أن هذا المذهب، في نظر طه حسين، "سطحي" " لم يُقوِّ حظنا من العلم بالأدب العربي، وإنما أضعفه وأمحاه وأتى عليه أو كاد "[15]، لأنه يعتمد على الإيجاز والتعميم في نقل الأخبار عن الكتب القديمة دونما تمحيص أو نقد. وعلاوة على ذلك، فإنه يهتم بالمؤلفين ولا يكاد يعير اهتماما لإنتاجاتهم وما تمتاز به من قيم فنية، ويتعامل مع الأدب العربي كوحدة مستقلة دون أن يعنى بالخصوصيات الإقليمية[16].

لهذه الأسباب، يَعْدِلُ طه حسين عن العمل بهذا المقياس، ويعمد إلى اختبار مقياس آخر هو المقياس العلمي الذي سبق له أن دعا إليه في كتابه "تجديد ذكرى أبي العلاء".

ويخلص إلى أن الموضوعية التي يطمح إلى تحقيقها هذا المقياس، تتنافى وخصوصية تاريخ الأدب الذي يبدو لطه حسين أنه "متأثر أشد التأثر وأقواه بالذوق، وبالذوق الشخصي قبل الذوق العام[17].

ولما كان الأمر كذلك، فإنه يَعدِل عن هذا المذهب بدوره، ويقترح المقياس الأدبي بديلا لدراسة تاريخ الأدب. أما طريقة اشتغال هذا المقياس، فإنه يختزلها في قوله: " أنا إذن عالم حين أستكشف لك النص وأضبطه وأحققه وأفسره من الوجهة النحوية واللغوية، وأزعم لك أن هذا النص صحيح من هذه الوجهة أو غير صحيح، ولكني لست عالما حين أدلك على مواضع الجمال الفني في هذا النص... فأنت ترى أن تاريخ الآداب منقسم بطبعه إلى هذين القسمين: القسم العلمي، والقسم الفني "[18].

هكذا يتضح أن المنهج التاريخي عند طه حسين (1927) يقوم على الجمع بين التحليل العلمي والذوق الفني، إنه شيء وسط بين العلم والفن: فهو في بعضه يحتاج إلى الاستعانة بالعلوم الحق، ويحتاج في بعضه الآخر إلى موهبة الناقد: يحتاج إلى العلم لاستكشاف النصوص وتحقيقها والتأكد من صحتها، ويحتاج إلى الذوق لمـعرفة خصائصها الفنية.

والملاحظ أن طه حسين، في تبنيه لهذا المنهج، يقتفي أثر أستاذه لانسون G. Lanson وغيره من النقاد الانطباعيين أمثال جول لو متر Jules le maître  (1853-1914) وأناتول فرانس Anatole France   (1844-1924). ولكنه لم يتوقف عند الحدود التي رسموها، إذ نجده يستعين بآراء كل من تين H. Taine وسانت بيف Sainte Beuve رغم انتقاده لمنهجهما:

 أما آراء تين، فإنها تبدو عنده من خلال إقراره بأن "الأدب الإنشائي خاضع لكل ما تخضع له الآثار الفنية من تأثر بالبيئة والجماعة والزمان وما إلى ذلك من المؤثرات الأخرى"[19]. واعتماده هذا المعطى وسيلة إجرائية للتأكد من مدى نسبة الشعر الجاهلي إلى عصره.

وأما آراء سانت بيف، فإنها تتجلى عنده من خلال إيمانه بأن الأدب الإنشائي مرآة لنفس صاحبه[20]. ومن خلال اعتماده التقسيم إلى مدارس فنية وسيلة إجرائية لتحقيب المادة الأدبية، وهي فكرة تعود أساسا إلى سانت بيف حين دعا إلى تصنيف الشعراء في فصائل مثل ما يفعل علماء النبات في تصنيف الفصائل النباتية[21].

هكذا يتضح، أن المقياس الأدبي الذي اقترحه طه حسين، لا يعدو أن يكون تطعيما للمقياس العلمي بالتمثل الوجداني للأدب. لهذا نجده يعتبر الذاتية شرطا أساسيا في التأريخ للأدب، فيعمد إلى الارتكاز على حدسه الخاص وحسه النقدي لاستخلاص الخصائص الفنية التي تمتاز بها النصوص الأدبية. وهذه العملية من شأنها أن تقود المؤرخ إلى مجموعة من الأحكام الانطباعية.

محمد مندور: ارتبط اسمه في المرحلة الأولى من حياته العلمية بالمنهج التأثري الذوقي الذي دعا إليه لانسون G.Lanson وغيره من النقاد الإنطباعيين، لكن رغم الاهتمام البالغ الذي يوليه محمد مندور للتمثلات الوجدانية للنصوص الأدبية، إيمانا منه بأن منهج "تفسير النصوص" هو السبيل لإدخـال الأدب الـعربي في تيار الآداب العالمية[22]، ورغم مناهضته للمساعي الرامية لإقحام العلم على الأدب[23]، فإنه لا ينفي بشكل مطلق أهمية النقد التاريخي، ولكنه يعتبره ركنا أساسيا في العملية النقدية بعد أن يجرده من طابعه العلمي:"النقد التاريخي تمهيد للنقد الأدبي، تمهيد لازم، ولكنه لا يجوز أن نقف عنده، وإلا كنا كمن يجمع المواد الأولية ثم لا يقيم البناء"[24].

وإذا نحن تأملنا مفهوم النقد عند مندور، اتضحت لنا أهمية النقد التاريخي في العملية النقدية عنده. يقول مستلهما تصور لانسون:"النقد هو فن دراسة النصوص وتمييز الأساليب، وهذا الفن يستعين بضروب من المعارف، ولكنه لا يستخدمها ليحاول أن يضع قوانين عامة للأدب، ثم يأتي فيطبق تلك القوانين على النص الذي أمامه، فما تمشى مع تلك القوانين كان جيدا، وما خرج عنها كان رديئا"[25].

أماكون النقد فنا يعنى بدراسة النصوص الأدبية، فإنه يفترض مسألة أساسية تتمثل في ضرورة اعتماد الناقد على مجموعة من المعارف السابقة على النقد. ولعل هذا ما ذهب إليه مندور حين قال في مقدمة كتابه "في الميزان الجديد": "ولقد حرصت على أن أورد في الجزأين الأخيرين من الكتاب أمثلة لنوعين دقيقين من المعرفة التي تسبق النقد وهما: "أصول النثر" و "أوزان الشعر"، فمن واجب المشتغل بالآداب، أن يحيط علما بأمثال هذه المسائل، وذلك لأنه إذا كانت دراسة الأدب في نهاية الأمرهي تذوق النصوص، فإنه لاغنى لمن يريد ذلك التذوق من أن يتأكد أولا من صحة النص الذي أمامه، ومن استقامة وزنه وكيفية تلك الاستقامة إن كان شعرا[26].

 وأما كون النقد فنا يعنى، علاوة على ما تقدم، بالتمييز بين الأساليب، فإنه يتطلب من الناقد أن يكون على معرفة بخصائص الكتاب السابقين للمؤلِّف الذي يدرسه والمعاصرين له واللاحقين إن استدعى الأمر ذلك، وهو ما عبر عنه مندور بكل وضوح في كتابه " في الأدب والنقد". يقول: "النقد التاريخي هو الذي يرمي قبل كل شيء إلى تفسير الظواهر الأدبية والمؤلفات وشخصيات الكتاب وهذا يتطلب معرفة بالماضي السابق لهم، ومعرفة بالحاضر الذي يحوطهم، وتحسس للآمال التي كانت تجول بالنفوس في أيامهم. بل وأكثر من ذلك، يمكن القول بأنه لا يكفي لفهم كاتب من الكتاب أن ندرس الكتاب الذين تأثر بهم، ولا الظواهر التي أحاطت به، بل لابد أن نتتبع تأثيره هو في لاحقيه"[27].  

وينتهي إلى القول بأن "المنهج التاريخي في النقد مفيد من حيث إن من يأخذ نفسه به لا يمكن أن يكتفي بدراسة المؤلف الأدبي الذي أمامه...وهذا المنهج من الواجب على كل ناقد أن يرعاه مهما كانت نزعته في النقد: ذاتية أو موضوعية، لأنه من الأسس العامة لكل نقد صحيح"[28].

وعلى العموم، فإن النقد الانطباعي هو الذي يحتل موقع الصدارة في نقد مندور، ويبقى النقد التاريخي مجرد عنصر مساعد ولكنه ضروري لقيام الذوق على أسس متينة. وبهذا يكون اتجاه محمد مندور دعما لمواقف النقاد القدامى، وعلى الخصوص ابن سلام والآمدي، إذ نجده يعتبر دعوتهم لاعتماد الذوق المدرَّب أساسا لدراسة النصوص، آخر ما انتهى إليه الأوروبيون في حقيقة النقد الأدبي[29]. وهذا الإعلاء من شأن الذوق، هو ما يميز التصور النقدي عند مندور عن تصورات غيره من النقاد والمؤرخين المحدثين الذين ذكرناهم، حيث نجده في كتابه "النقد المنهجي عند العرب" يتبنى تصور النقاد العرب القدامى للذوق وخصوصا الآمدي والقاضي الجرجاني يقول: " إن الذوق لا يمكن أن يصبح وسيلة مشروعة لمعرفة تصح لدى الغير إلا إذا عُلِّل، وهو عندئذ ينزل منزلة العلم الموضوعي، والتعليل بعد ليس ممكنا في كل حالة، لأن "من الأشياء أشياء تحيط بها المعرفة ولا تؤديها  الصفة" وهناك "ظاهر تحسه النواظر وباطن تحصله الصدور" وأكثر ما تكون تلك الدقائق في مواضع الجمال فتلك قد نحس بها، وأما أن نعللها فذلك ما قد لا نستطيعه بغير الألفاظ العامة التي لا تميز جمالا عن جمال، وأما التعليق الدقيق الذي نستطيعه فإنما يكون فيما نراه من قبح أو ضعف بلّه الخطأ".[30]  

شوقي ضيف: يعتبر اتجاه شوقي ضيف في منهج تاريخ الأدب دعما للطريقة التي انتهجها استاذه طه حسين في دراسته للأدب الجاهلي: فقد استضاء بدوره بآراء كل من سانت بيف وتين وبرونتيير، دون أن ينسى مقترحات الاتجاه التأثري الذاتي. إلا أن أهم ما يميز منحاه عن منحى أستاذه، هو أنه وسع نطاق استفادته من المذاهب الغربية لتشمل الدراسات النفسية والاجتماعية. وعلاوة على ذلك، نجده يحيل بكثير من الشفافية والوضوح، على أصول أدواته الإجرائية مثله في ذلك مثل محمد مندور. يقول في مقدمة كتابه: العصر الجاهلي: " سنحاول أن نؤرخ في أجزاء هذا الكتاب للأدب العربي بمعناه الخاص مفيدين من هذه المناهج المختلفة في دراسة الأدب وأعلامه وآثاره، فنقف عند الجنس والوسط الزماني والمكاني الذي نشأ فيه الأديب، ولكن دون أن نبطل فكرة الشخصية الأدبية والمواهب الذاتية التي فسح لها سانت بيف في دراساته، وكذلك لن نبطل نظرية تطور النوع الأدبي. فما من شك في أن الأنواع الأدبية تتطور من عصر إلى عصر، وقد يتولد بعضها عن بعض فيظهر نوع أدبي جديد لا سابقة له في الظاهر. ولكن إذا تعمقنا في الدرس وجدناه قد نشأ من نوع آخر مغاير له (...) ولا بد أن نستضيء في ذلك بدراسات النفسيين والاجتماعيين وما تلقي من أضواء على الأدباء وآثارهم. وبجانب ذلك، لا بد أن نقف عند أساليب الأدباء وتشكيلاتهم اللفظية وما تستوفي من قيم جمالية مختلفة. ولا بد من المقارنة بين السابق واللاحق في التراث الأدبي العربي جميعه."[31]

هذا النص يختزل العناصر الأساسية لمنهج تاريخ الأدب عند شوقي ضيف، والأسس النظرية التي يرتكز عليها*، بشكل يمكن معه وصف منهجه بأنه منهج تهيمن عليه النظرة الشمولية لأنه يطمح إلى الإحاطة بالأدب من كافة جوانبه، وصياغة منهج تكاملي. لكن هذا المنهج الذي ترددت أصداؤه عند مجموعة من النقاد لم يتمكن من صياغة آليات إجرائية ومفهومية للاضطلاع بهذا التكامل بشكل منهجي بعيد كل البعد عن التلفيق. لذلك يمكن وصف هذا المنهج بأن طموحاته أكثر بكثير من إمكانياته.

ثانيا: جمالية التلقي وآفاق تطوير الدراسة التاريخية للأدب

أدت العوائق التي اعترضت المنهج التاريخي إلى ظهور بدائل منهجية لمواكبة الأسئلة التي استجدت في الساحة الأدبية والنقدية، من بين هذه البدائل جمالية التلقي التي تمكنت من صياغة رؤية منهجية فتحت آفاقا جديدة أمام الدراسة التاريخية للأدب، وتمكنت من تجاوز العوائق التي عرقلت مسار المنهج التاريخي في صيغته المعهودة. وسنختزل أهم هذه العوائق لنبين من خلالها مدى قدرة جمالية التلقي على تجاوزها:

1- من النزعة الوثوقية إلى الرؤية النسبية: رغم التغيير الملموس الذي عرفه أفق التوقع منذ عصر النهضة، فإن المنهج التاريخي لم يستطع التخلص من النزعة الوثوقية التي كانت متحكمة في تصور جل النقاد القدامى، حيث ظل رواده يعتقدون أن الآليات التي يعتمدون عليها من شأنها أن تصل بهم إلى عين الحقيقة: حقيقة الأدب والأديب وحقيقة ما يحيط بهما. "فحين يحلل الناقد التاريخي المحيط الخارجي الثقافي والسياسي والاجتماعي فما علينا إلا أن نسلم بتحليه، وحين يقدم لنا صورة عن حياة المبدع، فإنها الصورة المثلى الوحيدة التي ينبغي اعتبارها صحيحة، وحين يستخرج مضامين الإبداع ويصدر حكمه القيمي، فإن ذلك لا يكون من جانبه إلا عن "تبصر"... وعليه، يفترض دائما على القراء التسليم بمصداقية الناقد وأنه من حيث المبدأ قادر على بلوغ الحقيقة"[32].

إن هذه النزعة الوثوقية صادرة عن تصور فلسفي ميتافيزيقي للزمن يحكمه مفهوم الحضور،فهم يتصورون الزمن مسارا يفصل فيه حاضر متحرك ماض انتهى عن مستقبل لم يحضر بعد، ومهمة المؤرخ هي الأمانة والموضوعية في بعث الوقائع الماضية بوصفها وثائق شاهدة على ما وقع بالفعل في العصور الماضية. وقد نتج عن ذلك نظرتهم للمعنى بوصفه حقيقة قارة في النص يتعين على الدارس استخلاصها.

أما جمالية التلقي، فإنها قامت على مناهضة النزعة الوثوقية والدفاع عن النسبية، فتمكنت من صياغة بديل نظري ومنهجي يتجاوز التصورات السائدة، ويتأسس على مناهضة مفهوم "الحضور". وبصنيعها هذا، تجاوزت التصور الذي كان يحمله رواد المنهج التاريخي عن العمل الأدبي، ووجهت الاهتمام إلى العلاقة الحوارية بين النص وقرائه المتعاقبين، فلم يعد العمل الأدبي معها وثيقة ينبغي على المؤرخ اكتشافها، أو تحفة يتوجب عليه البحث عن العبقرية التي أبدعتها، ولكنه أصبح ظاهرة، أي ثمرة علاقة بين الذات/القارئ، والموضوع/النص. وهذا معناه أن الجمال لم يعد قيمة مطلقة، لأن الأدبية لم تعد سمة ملازمة لنصوص بعينها في كل زمان ومكان، ولكنها أصبحت قيمة نسبية يضفيها القارئ على النص.

2- من سلطة المؤلف إلى التفاعل بين النص والقارئ: إن طرق تطبيق الدارسين العرب للمنهج التاريخي، لا تكاد تخرج عن نطاق ثلاثة عناصر أساسية تعكس نوعية تمثلهم للظاهرة الأدبية: الأدب باعتباره منطلقا لكل دراسة، والأديب باعتباره الأصل الذي صدر عنه الأدب، والبيئة باعتبارها الفضاء الذي يؤطر كلا من الأديب والأدب. هذه العناصر إذن تعد بمثابة أركان أساسية يقوم عليها المنهج التاريخي في صيغته المعهودة، وتعدد طرق تطبيقه إنما يعود، من بين ما يعود إليه، إلى نوعية العلاقة التي ينسجها الدارس بين هذه العناصر، وطبيعة القيم والدلالات التي يسندها إلى هذا المفهوم أو ذاك. وعلى العموم، فإن المؤلف هو نقطة الارتكاز الأساسية عندهم، أما الأدب فإنه عند معظمهم، مجرد نقطة انطلاق لدراسة منتجه، وأما البيئة فإنهم يهتمون بدراستها لإلقاء الضوء على جوانب غامضة من حياة المؤلف.

وليس من شك في أن فهم منهج تاريخ الأدب هذا الفهم، إنما يقوم على إهمال عنصر آخر في الظاهرة الأدبية يتمثل في "القارئ". وقد تمكنت جمالية التلقي بوضعها لهذا العنصر في صلب اهتمامها من إغناء البحث في مجال الدراسة الأدبية وفتح آفاق جديدة أمام تاريخ الأدب: فلم تعد مهام المؤرخ معها تتلخص في تخليد مآثر القدامى لتمكين الأجيال اللاحقة من الاطلاع على تجارب الأجيال السابقة والاستفادة منها، ولكنها أصبحت تتمثل في تعميق الوعي بالهوية عن طريق إبراز جزء من التعدد الذي تتشكل منه، لأن مؤرخ الأدب من منظور جمالية التلقي، لا يعيد تشكيل الوقائع الماضية كما حدثت بالفعل، ولكنه يعيد فقط تشكيل إدراكه لتلك الوقائع. وبما أن الوعي يتطور على الدوام، وأفق التوقع يتغير باستمرار، فإن مدلولات الوقائع الماضية تتجدد بدورها، لأن الماضي ليس فترة زمنية توجد خلف الحاضر، كما كان يعتقد رواد المنهج التاريخي، ولكنه يمتد في الحاضر لأنه يتشكل من خلال وعينا به ما دامت الواقعة التاريخية تظل كامنة لا تكتسب وجودها الفعلي إلا من خلال وعي المؤرخ بها.[33]

وعلى هذا الأساس، فإن مؤرخ الأدب، حين يعتمد على مجموعة من الآليات التي تمكنه من تتبع ردود أفعال القراء لاستخلاص تباين مواقفهم واختلاف وعيهم بنص محدد، فإنه يبرز دينامية فعل القراءة، ويتجاوز ذلك الاعتقاد السائد الذي ينظر إلى التاريخ باعتباره سيرورة من الفراغ إلى الامتلاء.

3- أما على مستوى التحقيب الأدبي، فإن المنهج التاريخي ظل منحصرا في فهمه له عند حدود العناصر الثلاثة التي تؤطر تصور رواده للظاهرة الأدبية: المؤلِّف، والمُؤلَّف والبيئة. لذلك لم يتمكن من رسم صورة مقنعة للتطور الأدبي، فمعظم رواده ظلوا يعتمدون في تحقيب المادة الأدبية على معطيات خارج-أدبية كاعتمادهم على التقسيم السياسي أو التقسيم الإقليمي**.

بيد أن التطور الأدبي من منظور جمالية التلقي، لا يمكنه أن يلتمس من خلال تعاقب الدول وتوالي العصور، أو من خلال دراسة الأدب في كل إقليم على حدة لجمع شتاته والإحاطة بكل دقائقه، ولكن بدراسة أشكال التفاعل التاريخي بين الأدب والجمهور، وبتبني هذا الإجراء، فإن تاريخ الأدب يكف عن أن يظل مجرد تصنيف تعاقبي للمؤلفين والمؤلفات عبر العصور أو عبر الأقاليم، ليصبح سيرورة متواصلة الحلقات تتعقب ردود أفعال القراء تجاه نص أو مدونة من النصوص منذ نشأتها حتى اللحظة التي يكتب فيها المؤرخ. ومن خلال هذه السيرورة تتضح المسافة الجمالية بين أفق كل نص وأفق انتظار كل قارئ. هذه العملية تساعد على تحديد موقع كل نص داخل السلسلة الأدبية التي ينتمي إليها، بحيث يمكن تجميع نصوص متباينة زمنيا أو إقليميا في خانة واحدة حسب استجابتها أو تخييبها أو تغييرها لأفق انتظار محدد.

هذه الطريقة تمكن مؤرخ الأدب من تمييز الأعمال التي انقطع تأثيرها في حقبة معينة عن تلك التي استمر تأثيرها، وبإمكانه أن يعمل على بعث هذه الأعمال من جديد إذا تمكن من اكتشاف قدرتها على الإجابة عن أسئلة جديدة لم يهتد إليها النقاد السابقون. وبإمكانه أيضا إهمال أعمال أخرى استمر تأثيرها لزمن طويل إذا تبين له عدم قدرتها على الإجابة عن الأسئلة النابعة من وضعيته التاريخية.[34]

وهذه الطريقة أيضا، تمكن مؤرخ الأدب من تجاوز تلك النظرة الشمولية التي هيمنت على الدراسة الأدبية منذ القديم، حيث سيكف عن إصدار تلك الأحكام العامة المطلقة عن القيمة الفنية للأعمال الكاملة لشاعر واحد أو عصر بأكمله.

4- على مستوى التمييز بين البعد التاريخي والبعد الجمالي: ظل المنهج التاريخي يتأرجح بين النزعة الموضوعية والنزعة الذاتية، ونتج عن ذلك نوع من اللاتكافؤ في طرق توظيف المؤرخين لكل من البعد التاريخي والبعد الفني، حيث يتضاءل اهتمام المؤرخ بالبعد الفني كلما تزايد إلحاحه على الدراسة الموضوعية، وبالمقابل فإن الاهتمام بالبعد التاريخي يتراجع كلما تزايد الإلحاح على الدراسة الذاتية الذوقية.

وعلى العموم، فإن الهوة بين البعد التاريخي والبعد الفني، ظلت ملازمة للدراسة الأدبية منذ القديم، إذ إنه لم يتمكن من صهرهما في تصور منهجي متكامل مثلما حدث مع جمالية التلقي كما صاغها ياوس[35]. فقد انطلق هذا الأخير من التمييز بين مظهرين اثنين يمكن اعتبارهما إطارا عاما تندرج ضمنه فرضياته:

- مظهر جمالي: يتمثل في ما يتضمنه تلقي العمل من قبل قرائه الأوائل من أحكام تبرز قيمته الجمالية، هذه الأحكام تستند على مرجعية تتمثل في مجموع الأعمال التي تمت قراءتها من قبل.

- مظهر تاريخي: يتمثل في التطور الذي قد يلحق هذه الأعمال،  والغنى الذي قد تكتسبه من جيل لآخر. هذا التطور يمكنه أن يشكل عبر التاريخ سلسلة من التلقبات من شأنها أن تبرز أهمية العمل التاريخية، ومكانته الجمالية إزاء غيره من الأعمال.[36]

إن تكامل هذين المظهرين يكتسي بعده الإجرائي اعتمادا على مفهوم "أفق التوقع"[37]،  فقد أبرز ياوس في البداية طرق اشتغال هذا المفهوم داخل عالم الأدب ودوره الهام في إبراز القيمة الجمالية للأعمال الأدبية،  ثم تطرق بعد ذلك لتوضيح بعده الاجتماعي،  لكن طغيان البعد الأدبي للمفهوم على البعد الاجتماعي جعله عرضة لانتقادات استفاد منها وعدَّل في ضوئها بعض جوانب نظريته.

هكذا يتضح أن تاريخ تلقي الأدب يقوم على المزج بين أفضل مزايا كل من الماركسية والشكلانية: حيث عمد إلى تلبية المطلب الماركسي في الوسائط التاريخية عن طريق وضعه للأدب في السياق الأوسع للأحداث، كما أنه احتفظ بالمنجزات الشكلانية عن طريق إحلاله الذات المدركة في المركز من اهتماماته[38].

ورغم القصور الذي يعاني منه المنهج التاريخي، فإنه لا يمكن لأحد أن ينكر الدور الذي لعبه في تطوير حقل الدراسة الأدبية، إذ لولاه لما تمكنت نظرية الأدب من صياغة أسئلة جديدة تتجاوز التركيز على المؤلف وتنفتح على كل من النص والقارئ. وقد عبر إيزر عن العلاقة بين الأسئلة القديمة والأسئلة الجديدة بقوله: " إن الميزة الأساسية لتاريخ التأويل هي أن الأسئلة المطروحة فيما مضى تظل مؤثرة عندما تصاغ أسئلة جديدة، فهي لا تغيب عن النظر فقط، ولكنها تتحول إلى علامات الطريق المسدود. فالصعوبات الناشئة عن الأسئلة القديمة تؤدي إلى طرح أسئلة جديدة. ولهذا فإن الأسئلة القديمة تمهد الطريق للأسئلة الجديدة. لذلك فإن الانشغال الكلاسيكي بقصد المؤلف أدى إلى اهتمامنا باستجابة القارئ للنص"[39]

 

 



*- نص العرض الذي تمت المساهمة به في ندوة:"البحث الأدبي في الجامعة المغربية في ذكرى عالم مؤسس:أمجد الطرابلسي" التي نظمتها شعبة اللغة العربية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية يومي:13-14/3/2002

**- حدد "هيدكر" التمثل الشائع للزمان القائم على مفهوم "الحضور" بقوله: "إننا عندما نكون ملزمين بتحديد الزمان انطلاقا من الحاضر، فإننا نفهم هذا الأخير على أنه الآن ( الراهن) Le maintenant ، في مقابل ذلك الآن- الذي- لم يعد هناك فأصبح ينتمي للماضي، وذلك الآن الذي-لم- يأت- بعد من المستقبل... من هذا المنظور يتجلى لنا الزمان كتوال للآنات، بحيث ما أن يستقر آن حتى يكون قد تبخر في آن الما قبل، وحل محله آن الما- بعد" (مارتن هيدكر: "التقنية الحقيقة الوجود": ترجمة محمد سبيلا و عبد الهادي مفتاح: المركز الثقافي العربي البيضاء، ط: 1 ،1995، ص: 107-108). ويرى  هيدكر أن هذا التصور القائم على "فلسفة الحضور" قد أستعير من تمثل للمكان باعتباره ثلاثي- البعد ( ص: 116 ) ، فعمل على تقويضه وتعويضه بتـصور جـديد ينـظر إلى الزمان في علاقته بالإنسان، فـأضـاف إلى الأبعاد الثلاثة بعدا آخر أطلق عليه اسم "الجوار المقارب"approchante La proximité( ص: 118)، ويلعب هذا البعد دور التقارب بين الأبعاد الثلاثة حيث يحتفظ كل بعد على ذاتـه ويمتد ليعانـق غيـره مـن الأبــعاد( ص: 117)، وهكذا يتخلص الحاضر من حضوره ويتصدع ليصبح لحظة يتقاطع فيها الماضي والمستقبل. ووفق هذا المنظور، فإن هيدكر لا ينظر إلى الزمان باعتباره "صيرورة يفصل فيها حاضر متحرك الماضي عن المستقبل... ولا ينظر إلى التاريخ باعتباره تتابعا لعدة عصور يتجاوز اللاحق منها السابق إنه على العكس من ذلك ينظر للماضي على أنه ما ينفك يمضي وإلى الحاضرعلى أنه ما يفتأ يحضر. بهذا المعنى لا يكون التراث وراءنا ونحن لا نكون لا على مسافة قريبة ولا على مسافة بعيدة من أصولنا الفكرية " ( عبد السلام بنعبد العلي "هيدكر ضد هيكل: التراث والاختلاف"، المركز الثقافي العربي البيضاء، ط1: 1985ص: 12 ). وقد سبق لهوسرل أن أثار هذه المسألة، حيث تحدث عن "الزمان الظاهراتي" الذي يرتبط بالمعـيش ويتحدد من خلال وعي الذات به، فقال: "إن الـوعي بالـراهـن يـنـضـم إليه بـالـضــرورة الـوعـي بـمـا مـضـى للـتـو Justement passé الـذي يـعـد بـدوره راهـنــا Ideés directrice pour une Phénoménologie" Gallimand 1950,p:230) "Husserl .E) فالماضي عند هوسرل ليس له وجود إلا بانـتـمـائه للـمـعيش، وفـي هـذا الـصـدد تـعـد فـكرتـه عـن " تـيـار الـمـعيش" Le flux de vécu، باعتباره وحدة لانهائية تحتضن بالضرورة كل المعيشات المرتبطة ب"الأنا الخالص" سمة مميزة للزمان الظاهراتي الذي تتداخل أبعاده.

[1] - Jauss:"Pour une esthétique de la reception" Gallimard, 1978 p,47

[2] - نحيل في هذا السياق على: " طبقات فحول الشعراء " لابن سلام الجمحي الذي اهتم بمسألة التحقيب 1/24 والنشأة 1/ 39 و48 وبرسم مسار تاريخي للشعر العربي حين تحدث عن تنقل الشعر في القبائل 1 /40، كما اهتم بالعلاقة بين النص ومبدعه لما حاول التأكد من نسبة الأشعار إلى أصحابها 1 /4 ، وبالعلاقة بين الشعر والبيئة التي نشأ فيها 1 /215 . وبعد ابن سلام أثار القاضي الجرجاني في " الوساطة " والثعالبي في " يتيمة الدهر " وغيرهما قضايا تنم عن وعي عميق بأهمية معطيات التاريخ في دراسة الأدب: من ذلك مثلا إقرار الجرجاني بأن الأدب تمثيل لنفسية صاحبه وتصوير لخلقته حين علل اختلاف الأشعار باختلاف الطبائع وتركيب الخلق صص: 17 - 18. ومن ذلك أيضا نهج الثعالبي للتقسيم الإقليمي في تصنيف شعراء عصره مما يعكس وعيه بالصلة الوطيدة التي تصل الأدب ببيئته 1 / 21-22 .

اعتمدنا في هذا السياق على:

"طبقات فحول الشعراء " تحقيق: محمود شاكر، مطبعة المدني بالقاهرة (د. ت)

" الوساطة " تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي محمد البجاوي، مطبعة عيسى الحلبي وشركاؤه، ط: 4، 1966.

" يتيمة الدهر" تحقيق: محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة القاهرة، ط: 2 ، 1956.

[3] - شكري فيصل: "مناهج الدراسة الأدبية في الأدب العربي"، دار العلم للملايين بيروت، ط: 5 ، 1982، ص: 21.

[4] - للمزيد من التوضيح بخصوص الهدف من تاريخ الأدب العربي نحيل على كتاب حسين الواد: "في تاريخ الأدب مفاهيم ومناهج" الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت،ط3/1993،ص:109 وما بعدها.

*- لم نتمكن من الإطلاع على كتابه "منهل الوُرّاد إلى علم الانتقاد" لهذا اكتفينا بما أورده الدكتور محمد زغلول سلام في كتابه "النقد العربي الحديث: أصوله، قضاياه، مناهجه" مكتبة الأنجلو المصرية، 1964.

[5] - المرجع السابق، ص: 140.

[6] - محمد زغلول سلام "النقد العربي الحديث" ، ص: 141.

[7] - نفسه: 143.

[8] - طه حسين: " تجديد ذكرى أبي العلاء "، دار المعارف بمصر، ط: 7، 1968، ص: 17.

[9] - نفسه، ص: 179.

[10] - طه حسين: " تجديد ذكرى أبي العلاء " ، ص: 206.

[11] - نفسه،  ص: 19.

[12] - طه حسين: "في الأدب الجاهلي"، دار المعارف بمصر، ط: 2، 1929، ص: 38.

[13] - طه حسين: "في الأدب الجاهلي" ، ص: 39.

[14] - نفسه، ص: 40.

[15] - نفسه، ص: 41.

[16] - نفسه،  ص: 41-42.

[17] - نفسه، ص: 46.

[18] - طه حسين: "في الأدب الجاهلي"، ص: 50-51.

[19] - نفسه، ص: 34.

[20] - المكان نفسه.

[21] - شوقي ضيف: "إواليات الأدب العربي"، ضمن كتاب "طه حسين: مائة عام من النهوض العربي"، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة، 1989 ، ص: 110وص:117.

[22] - محمد مندور " في الميزان الجديد"، مؤسسة ع.بن عبد الله، الطبعة: 1 ، 1988 ، تونس، ص: 5 .وهذا الكتاب في الأصل عبارة عن مقالات ودراسات نشرها محمد مندور بمجلتي " الثقافة" و "الرسالة" خلال الفترة المتراوحة بين 1919 و 1942 ، بحسب ما أورده محمد برادة في كتابه: "محمد مندور وتنظير  النقد العربي"، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة:2  1986 القاهرة، ص: 31-32.

[23] - في الميزان الجديد"، ص: 189 وما بعدها.

[24] - نفسه، ص: 142.

[25] - نفسه، ص: 188

[26] - محمد مندور " في الميزان الجديد"، ص: 7.

[27] - محمد مندور: " في الأدب والنقد"، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة (د.ت)، ص: 20-21.

[28] - نفسه، ص: 21

[29] - محمد مندور "النقد المنهجي عند العرب" ص: 381 .

[30] - محمد مندور " في الميزان الجديد"، ص:179.

[31] - شوقي ضيف: "تاريخ الأدب العربي: العصر الجاهلي"، دار المعارف بمصر، ط: 8، 1977، ص:13-14.

 *- تناول شوقي ضيف مناهج البحث الأدبي بالدراسة النقدية، وانتهى إلى صياغة "منهج تكاملي" يستمد أدواته الإجرائية من مختلف المذاهب النقدية. لتفصيل القول في ذلك، نحيل على كتابه "البحث الأدبي: طبيعته، مناهجه، أصوله، مصادره"، دار المعارف بمصر ط:2، 1976. وخصوصا، ص: 139 وما بعدها.

[32] - في تحديده لتاريخ الأدب استند ياوس Jauss على التعريف الذي اقترحه كولينكوود Collingwood للتاريخ: "ليس التاريخ شيئا آخر سوى إعادة تنشيط للماضي في ذهن المؤرخ ومن خلاله". هذا التعريف يرتكز على رؤية جديدة لها جذور في كل من الفلسفة الظاهرتية والهيرمنوطيقية، ولتفعيله في مجال الدراسة الأدبية ارتكز ياوس على جملة من المفاهيم في مقدمتها: أفق التوقع، اندماج الآفاق، منطق السؤال والجوابإلخ. انظر:. (Jauss 1978. P. 47.)

 

[33] - في تحديده لتاريخ الأدب استند ياوس Jauss على التعريف الذي اقترحه كولينكوود Collingwood للتاريخ: "ليس التاريخ شيئا آخر سوى إعادة تنشيط للماضي في ذهن المؤرخ ومن خلاله". هذا التعريف يرتكز على رؤية جديدة لها جذور في كل من الفلسفة الظاهرتية والهيرمنوطيقية، ولتفعيله في مجال الدراسة الأدبية ارتكز ياوس على جملة من المفاهيم في مقدمتها: أفق التوقع، اندماج الآفاق، منطق السؤال والجوابإلخ. انظر:. (Jauss 1978. P. 47.)

**- التقسيم الإقليمي نمط من التحقيب ظهرت بعض ملامحه عند النقاد القدامى وخصوصا الثعالبي في كتابه "يتيمة الدهر". وقد تبناه أمين الخولي وروج له في كتابه "إلى الأدب المصري"، كما اعتمده عباس الجراري في كتابه "الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه، وحاصله أن دراسة الأدب في كل إقليم على حدة وسيلة منهجية وعلمية تمكن تاريخ الأدب من السيطرة على الوقائع الأدبية الغزيرة الممتدة على مر العصور والمنتشرة في مختلف الأقاليم، لدى فإن رواده يدعون إلى اعتماد العلاقة بين الأدب والبيئة التي نشأ فيها أساسا للدراسة التاريخية.

[34] - انظر: ص 68 وما بعدها من كتاب ياوس السالف الذكر.

[35] - نذكُر في هذا السياق بمحهولات أخرى للتأليف المنهجي بين البعدين اضطلعت بها كل من بنيوية براغ والبنيوية التكوينية والسوسيولوجيا النصية بتنيعاتها المختلفة...

[36] - Jauss, 1978 P. 45

[37] - أفق التوقع مفهوم مركزي في جمالية التلقي اقتبسه ياوس من الفلسفة الظاهراتية ووظفه في مجال الدراسة الأدبية لتحليل التجربة الأدبية للقراء بشكل موضوعي، فوصفه بأنه نسق من الإحالات قابل للتحديد الموضوعي يسمح بقياس استعدادات القارئ لتلقي عمل جديد بعيدا عن النزعة النفسية. (انظر Jauss, 1978 P. 49.)

[38] - هولب: " نظرية التلقي" ترجمة عز الدين اسماعيل، النادي الأدبي الثقافي بجدة، الطبعة الأولى 1995. ص: 152.

[39] - إيزر: "أفاق نقد استجابة القارئ " ضمن كتاب "من قضايا التأويل والتلقي " منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط، مطبعة النجاح الجديدة، ط:1،1994 ص:215